لا شك أن من تابع برنامج "خواطر5" الذي قدمه الأستاذ أحمد الشقيري في شهر رمضان المبارك سيشاركني الرأي بأنه من أجمل ما عرض من برامج, فبظني أن لا متعة تضاهي متعة أن نتعرف على تفاصيل واقع شعب بلغ من الهمة والدقة والأمانة والإكتراث للغير مبلغ الكمال والسموالإنساني الذي فاقوا به شعوب وحضارات أخرى, تلك الدهشة ربما تكون قد تولدت من أن الكثير منا لم يكن ليلقي بالاً بالتفاصيل الصغيرة التي بدت في غاية الأهمية حين فكرنا كم سيكون الوضع مختلفاً بوجودها في معطيات تعاملاتنا وأنماط عيشنا نحن الذين ما زلنا نوسم "بشعوب العالم الثالث", ولو أنّا تركنا منجزاتهم وأخذنا خُلقاً واحداً من أخلاقياتهم لظهر الفرق الواضح ما بين شمول نظرتهم الكلية وضيق نظرتنا الجزئية, بمعنى أن ما يقدموه وما يحرصوا عليه من مثاليات أمر مستمر وأنتقالي من جيل إلى جيل بينما ما نحرص عليه نحن من ثوابت قد لا نكترث بنشره بيننا أو بنقله إلى الأجيال التي تلينا, ولو أني تركت منجزاتهم الابتكارية وعرجت على أخلاقياتهم مناقشة خلق واحد مشترك ما بيننا وبينهم كالمحافظة على النظافة التي أمتدحنا بها طويلاً من قِبل زوارنا, سنجد أنه كان من النادر أن يقود أحد سيارته –مثلاً- في أي شارع من شوارع السطنة فيجد ورقة محارم واحدة مرمية على جانب الطريق, لكن الذي يحدث الآن, أن النظافة كمبدأ وكقيمة وكفضيلة بدأت تنحسر وتضيق في مجال رؤيتنا ولم يعد من النادر مطلقاً أن ترى رجالاً أو نساءً يلقون بكيس قاذورات من أيديهم على الأرض!, أذكر هنا منظراً عجيباً شاهدته, كنت أجلس يوماً منتظره في سيارتي قرب إحدى محلات "سيلكت" حين شاهدت –مواطناً- يخرج من المحل حاملاً مشترياته و ورقة محارم مسح بها جبينه وقبل أن يفتح باب سيارته رمى بالورقة في الموقف وبعدما دخل إلى السيارة وأغلق الباب فتح النافذة ورمى بكيس كبير ممتلئ بالقاذورات في موقف السيارات المخصصة للمحل وزد على ذلك أن الكيس كان مفتوحاً فتبعثرت محتوياته من الأوساخ في الموقف!
ومن الحلقات الجميلة حلقة ذكرتني بزميلتي "اليابانية", حيث كانت الحلقة ترصد عناية اليابانيين وأمانتهم في أداء أعمالهم بضمير حي وعقل يقظ, زميلتي هذه حملت أخلاق شعبها إلى السلطنة, فهي إلى جانب عملها الدؤوب ظلت شديدة العناية بأصغر التفاصيل الصغيرة فيها حتى آخر لحظة غادرت فيها مكتبنا. وظلت بذلك مثالاً سنذكره دوماً حين يتحدث الآخرون حولنا عن المبادئ والقيم في الإنسان!
لا شك أن من بيننا كثر يحرصون على سلامة أنماط حياتهم و أعمالهم إلى تلك الدرجة, لكن النموذج الياباني متفرد في أنه يعم أفراد مجتمع بأكمله, أنه باختصار نظام حياة وأساس تربية من طفولة المهد حتى حدود اللحد!