القارئ العزيز, هل حدث وأن وجدت نفسك فجأة قريباً جداً إلى الموت؟ وأنك لا تدري هل تنجو أم تهلك؟ برغم أنك كنت قبل بضع دقائق فقط في حالة سعادة وطمأنينة وكان الموت آخر شيء يمكن أن يخطر ببالك؟ ترى لو أمهلك الموت بعض الوقت لتتمنى أي شيء ترى ماذا ستتمنى؟, ولو أمهلك لتفكر بما كنت ستفكر أولاً؟ في الموت ومدى خوفك منه, أم بالخوف من عسر الحساب لما بعد الموت, هل ستتراءى لك "في لحظتك العصيبة" سنوات العمر كصور تزدحم وتتلاحق تباعاً في مخيلتك؟, وهل يمكن أن تفكر وفكرة الموت تحاصرك بزوجة وأبناء وأحبه مقربين؟ هل ستفكر بمالك وبالدنيا خلفك؟, أم أن قيمة وأهمية هذه الأشياء ستتلاشى في تلك اللحظة, لحظة توقع الموت وانتظاره؟!
لو تبادلنا الأدوار الآن وأصبحت أنت في موقع السائل وأنا في موقع المجيب سأخبرك بأنك لو طرحت هذا السؤال قبل عام لكنت احترت في ترتيب الأولويات فأنا لن أعرف بالفكرة التي ستحاصرني بشدة حينها, هل ستكون فكرة الخوف من الموت ذاته؟, أم بالخوف من طريقة الميتة؟ أم من الحساب والعقاب, أم بمجموع تلك الأفكار معاً بالإضافة إلى تساؤل سيطرأ قصراً على ذهني وهو: هل تراني أفنيت عمري فيما يرضي الله أم فيما يستوجب غضبه وعقابه؟
بما أني مررت مؤخراً بتجربة شعرت فيها بأني أقترب من الموت فأظنني أصبحت أقدر على ترتيب فكرتي عمّا سيعود ليطرأ على ذهني من أفكار لو واجهت الموت مرةً ثانية فجأة وببطئ.
الإقتراب من الموت, هو الحدث الذي تكرر معي عدة مرات بينما كنت أقود سيارتي أو وأنا أجلس إلى جوار أحد أهلي في سيارته, غير أن حوادث السيارات المفاجئة" بالتأكيد" لن تمهلك الوقت لتفكر بالكثير بل أن تفكيرك سينحصر في كيفية التصرف بمهارة لتنجو وينجو من يكون برفقتك وينجو الطرف الآخر, لكن في قصتي مع القارب الذي استئجرناه في منطقة جميلة بغية التنزة, كان لدي متسع طويل لأفكر في إمكانية أن لا أعود ومن معي لأهلنا إلا جثث, وذلك بعدما توقف بنا القارب فجأة بسبب حدوث عطل في محركه, كنت حينها برفقة أخي المتوسط وإخوتي الصغار وبالطبع الشاب صاحب القارب, وكنا قد ابتعدنا كثيراً داخل البحر, كانت لحظة صادمة وأنقلبت الفرحة إلى رعب, خاصةً بعدما أخذ الماء في التسرب إلى داخل القارب, حين طرقت فكرت الموت ذهني, تخيلت كيف ستكون صعوبته إن جاء غرقا وكيف ستكون شدته إن جاء عطشا وكيف ستكون وطئته حين نموت تباعا, ثم تسألت: هل أرضيت الله فيما مضى أم تراني أكثرت الزلل؟, هل هناك ما يشفع لي عند ربي وأنا الآن خائفة من عقابه بحاجة لنجدته؟, عندها بدأت أدعو في قرارة نفسي: ربي أرجعني لأعمل صالحاً فيما تركت, ربي لا تؤاخذني فيما نسيت أو أخطأت وأغفر لي, ثم فكرت بالأطفال الذين معي فشعرت بالإشفاق عليهم, ثم تذكرت أمي التي كانت تنتظر عودتنا إلى الشاطئ سالمين, كيف سيكون حالها إذا متنا؟
بالطبع كانت تلك حادثة صغيرة دفعتني للتفكر في حياتي بعدها, والندم على إضاعة الكثير من وقتي فيما لا يجدي أو في الحزن على ضياع الفرص التافهة والتي لم أكتشف تفاهتها إلا وأنا في تلك الحال.
شعرت بأنها رسالة من الله سبحانه, يقول فيها: إنتبهي وراجعي حساباتك وأنظري لأولوياتك التي تعيشينها, فالموت يأتي –يا حنان- بغتة!.