أكثر الذين التقيهم من أصحاب العلاقات الفاشلة بالزواج, سواءً أولئك الذين حصلوا على الطلاق أو أولئك الذين ما يزالون يكابدون مرارة تقاسم المعيشة تحت سقف واحد مع شركاء لا يحملون لهم أي مودة أو عاطفة, يرددون دائماً أن عدم معرفتهم المسبقة بحقيقة طباع شركاءهم هي التي دفعتهم لقبول الإرتباط الذي كان بداية تعاستهم وشقاءهم في الحياة, الأمر الذي يجعلهم ينصحون غيرهم بعدم الإرتباط أحياناً أو تأجيل فكرة الزواج لحين الإنتهاء من الدراسات العليا وبعد تأمين المستقبل بوظيفة تؤمنهم من غدر الشريك وخيانته المحتملة. وما يدعو للتعجب أن ظاهرة التعاسة الزوجية وعدم الرضى بالطرف الآخر أصبح شائعاً بين الأزواج حتى أولئك الذين لم تمضي على حياتهم المشتركة سوى فترة وجيزة, وحين ننظر إلى الأسباب نجدها في الأغلب تكمن في محاولة أحد الطرفين أستغلال الآخر استغلالاً مادياً أو تطويعه وإلغاء شخصيته المستقلة أو عدم الإلتزام بالواجبات والمسؤوليات الزوجية التي ترتبت على الزواج والتي تكفل استمرار الحياة الزوجية بذلك النقاء والإخلاص والمحبة. ولقد سمعت وقرأت ورأيت نماذج كثيرة في واقع حياتنا المعاش مما يذهل من صور الوحشية التي يمارسها الأزواج ضد بعضهم البعض, حين يغيب التعامل الإنساني فيما بينهم ويأتي الشيطان ليقود الخطوات المتعثرة إلى الهاوية فإما تنتهي الحياة الزوجية بالطلاق " وهذا أخف الضرر أحياناً " وإما تنتهي "بالقتل" وهذا لم يعد بنادر الحدوث الآن! أو لا يحدث الطلاق ولا القتل بل تمضي الحياة منغصة بسلسلة لا نهاية لها من مشاحنات ومشادات دائمة الإشتعال بين الزوجين لتنسحب التعاسة بالتالي على الأبناء الصغار الذين سيتأثرون سلباً بخلافات والديهم المستمرة.
حين أفكر بالمستقبل وأنا أرى كل هذا الفشل في العلاقات من حولي أشعر بالرغبة في البقاء إلى الأبد ضمن دائرة العزوبية التي أصبحت توازي في نظري الأمن واللامسؤولية التي تكفل لي أن أعيش الحرية في إتخاذ القرارات المختلفة وفق رؤيتي التي ترضيني وترضي عائلتي على اعتبار أننا نفكر جميعاً بطريقة واحدة ولدينا قناعات مشتركة.
بالتأكيد سيقول الكثيرون منكم أنني أنتهج النهج الخطأ في التفكير لأنه لا بد لكل إنسان أن يجد الشخص المناسب له في الحياة ولكن ما عليه سوى أن يتريث ويفكر مراراً في أحوال وأوضاع شريكه المقبل ويدرس أحواله قبل أن يقول "نعم" للإرتباط, وهذا هو السؤال الذي يسكنني وأعلم بأنه يسكن الكثيرين منكم, كيف نستطيع أن نرى حقيقة من سنرتبط به حتى ولو حاول أن يرتدي الأقنعة أمامنا؟, وكيف سنعلم أننا يمكن أن نتقاسم الحياة معه برضى على ما فيها من حلاوة ومرارة حتى آخر العمر؟.
هذا السؤال تختلف إجابته من شخص إلى آخر, بعضنا لا يكترث بأن يجد الإجابة أو أن يبحث عنها لأن هدفه الآني هو الزواج من شخص معين بغض النظر عن أي أختلافات أو تشوهات داخلية يعيشها الآخر, فالمهم تحقيق الغاية والإرتباط ثم بعد ذلك تنفتح العينان على العيوب ويصبح القلب أسير الندم إلا أولئك الذين يسايرهم الحظ الموفق على أعتبار أن الزواج "قسمة ونصيب" إمّا بالسعادة أو بالتعاسة.
بالنسبة لي فأن لي وجهة نظر تتلخص في أنه لا بد من إطالة فترة الخطبة التي تكفل لكل طرف دراسة الطرف الآخر والإطلاع على مدى التوافق والإنسجام معه ومع عائلته, لإن الزواج ليس فقط إمرأة ورجل يرتبطان بل هو زواج عائلة من عائلة مختلفة وثقافة من ثقافة أخرى بما فيها من إلتقاءات أو إختلافات, لذا فإطالة مدة الخطوبة والتعارف (وبالطبع) وفق النهج الإسلامي, يضمن لنا في أحيان كثيرة نتيجةً للمواقف المختلفة التي تمر بنا وتعطينا مؤشرات قوية تضيء قلوبنا وأحاسيسنا نحو المضي في العلاقة أو إنهاءها, فبذلك قبل كل شيء سنستطيع حين نقرر المضي قدماً أن نكون واثقين من أننا لا نختار عدواً ليشاطرنا الحياة, بل نختار الشريك المناسب الذي لو لم تأت به الأقدار لكان من الأفضل أن نبقى بلا زواج!