خطأ في العنوان
في المقهى الذي اعتدت أن أذهب لاحتساء قهوتي وتصفح الجريدة فيه بشكل يكاد يكون يوميا، تفاجأت بالنادلة التي تعمقت بيني وبينها معرفة ودودة لكثرة هذا الاعتياد الذي أنا متورط فيه للمكان وناسه، تفاجأت بقولها لي وهي تضع القهوة أمامي، بأن أحد الأشخاص قد وضع لك أمانة عندي وقد ذكر بتسليمها لك بالاسم.. نعم بالاسم.. الثلاثي حتى، ألست أحمد سالم الجلط؟.
وسرعان ما كانت المفاجأة أن تكون عادية.. فما الغرابة في أن يترك أحدهم أمانة لأحد آخر موصيا بها سواء نادل أو نادلة في مقهى.. لولا أن النادلة قد باغتتني بمفاجاة بأثقل من الأولى وهي: أن كون الأمانة التي تركت لي وهي عبارة عن مبلغ ضخم من المال، قد شغل صندوقين من الحجم الكبير صنعا من الورق المقوى، دهشت عندما أرتني إياهما وهما مركونين في زاوية منعزلة في المقهى.
بعد ذلك لم أتذكر قهوتي والجريدة المفرودة على الطاولة، لم أتذكر أن أشكر النادلة على أمانتها، لم أتذكر دفع ثمن القهوة التي بردت ولم أتذكر أيضا أن أحمل جريدتي التي أحرص على الاحتفاظ بها، تحملت بصعوبة كبيرة وزن الصندوقين على كتفي ومضيت مسرعا بعد أن خططت على ورقة ما يشبه عنوانا، ألحت علي النادلة بأن أسجله لها، لأنه يعتبر الشرط الوحيد لصاحب هذه الهبة الثقيلة لإتمام الاستلام.
ولمدة طويلة لم تطرق قدمي المقهى منذ أن مضيت مسرعا وأنا أحمل الصندوقين على كتفي، برغم إنه لا يبعد كثيرا عن مسكني، لكن بعد أن أعيتني الحيلة في إمكانية صرف العملة المحشوة في الصندوقين أو معادلتها بعملة أخرى لدى أي من الصيارفة الذين أبدو كلهم عدم معرفتهم بهذه العملة ولا القيمة التي يمكن أن تمثلها، عدت إلى المقهى لأجد النادلة في استقبالي بعد أن كانت تتلهف عودتي طوال المدة التي غبتها عن المكان لتخبرني بأن الشخص الذي ترك الأمانة مر في المرة الأولى وأخذ الورقة التي تضمنت العنوان، ثم عاد في المرة الثانية ليعبر عن خيبته من خطأ العنوان المكتوب في الورقة، وأسفه الشديد على ضياع الفرصة الوحيدة التي كانت متاحة بواسطته هو لصيرفة هذا المبلغ الكبير من المال، فحينها طلبت قهوتي المعتادة وفردت جريدتي، وحرصت بعد ذلك على دفع ثمن القهوة وشكر النادلة.
|