*في أحد الأيام عادت من المستشفى المرجعي بنفسية محطمة تماماً, برغم أنها ذهبت للعلاج فيه بمعنويات مرتفعة, بعدما هدأ بكاؤها المرير قالت أن الطبيبة التي عاينتها أخبرتها وبكل برود أنها لن تشفى مطلقاً, وأن الأمر سينتهي بها مشوهة ومعاقة وأن العلاج الذي ستتناوله سيسهم هو الآخر في تفتيت عظامها!, أخبرتها الطبيبة بذلك بينما كانت تفرك أصبعيها الأبهام والسبابة باستهانة كأنها تفتت شيئاً أمام عينيّ المريضة كإشارة إلى الكيفية التي ستتفتت بها عظامها عمّا قريب!!
* لم تحتمل المريضة وطئة الخبر, أسرعت في اليوم التالي لمراجعة طبيبة أخرى, شرحت لها أعراض مرضها وأستفسرت منها أكثر عن المرض بخوف, أبتسمت الطبيبة بتفاؤل وذكرتها بالله الشافي والذي لا يعجزه شيء, ثم قالت مبتسمة بأن إمكانية الشفاء ممكنة وليست مستحيلة وأن غيرها كثيرين كانوا في وضع أسوأ منها بكثير لكنهم شفوا بعدما إلتزموا بالتعاليم الطبية وتفاءلوا برحمة الله, وعندما أخبرتها المريضة بما دار بينها وبين طبيبتها الأولى صعقت الثانية من تصرف زميلتها ذات القلب المتحجر!!
*هذا موقف واقعي ضمن سلسلة من المواقف التي تحصل أحياناً بين بعض الأطباء والمرضى, وهي تبين مدى أهمية أن يتحلى كل طبيب بالذكاء العاطفي الذي يخوله لأن يتعامل بشكل سليم وإنساني مع المرضى على أختلاف شخصياتهم ومستوياتهم, لأن مهنته في الأصل قائمة على الإنسانية والإحساس بمخاوف المرضى وتلمسها, لكن للأسف يعمد الكثير من الطلبة للألتحاق بهذه المهنة الإنسانية لأن مجموعهم التحصيلي يخولهم للدخول في كلية الطب ثم إنهم بعد التخرج سيحصلون على لقب دكتور وهذا ما سيعطي لوضعهم الإجتماعي الكثير من البريق كما أن المرتب الذي سيتقاضونه سيكفل لهم العيش في رخاء, هذا فقط ما تمثله قيمة إمتهانهم لمهنة إنسانية كمهنة الطب لكنهم في الواقع ليسوا معنيين بامتلاك مهارة التحكم في إنفعالاتهم عند مواجهة مريض متأزم ولا يمتلكون الذكاء اللغوي الذي يمنحهم القدرة على استخدام اللغة ومعاني الكلمات والقدرة على نقل المفاهيم بطريقة واضحة, ولا يتمتعون بالذكاء الشخصي الذي يؤهلهم لمعرفة جوانب القوة والضعف في شخصية المريض الجالس قبالتهم والوعي بحالاته الانفعالية لكي يتعاملون معه بطريقة حكيمة لا تزيد من أوجاعه وأحزانه بل ترفع من معنوياته لأنه من المعلوم أن المعنويات المرتفعة تسهم لحد كبير في مساعدة المرضى على الشفاء.
*أستضافت إحدى البرامج طالباً يدرس الطب, فسأله المذيع لم أخترت مهنة الطب فأجاب: لكي يكون المستشفى محرابي الذي أتعبد فيه وأتقرب إلى الله بحسن العمل, ولكي يكون السهر على مداواة المرضى والعناية بهم وسيلة لأنال بها شفاعتهم يوم القيامة.
