إن لم تخني الذاكرة فقد مضى أكثر من عام على بداية تعرفي على مجلة العربي الصادرة في الكويت والموجهة إلى كل ناطق بالعربية في ربوع وطننا العربي الكبير أو في ربوع العالم, أتذكر أكتشافي –المتأخر- الأول لها في محل "سيلكت" بالخوير, مزينة زاوية الجرائد والمجلات, حين تصفحتها بدهشة الذي وجد أمامه كنز بمحض الصدفة, وبعدما قلّبت صفحاتها للمرة الأولى وجدت كل ما يشبع نهمي للثقافة الشمولية التي أعددت نفسي للتسلح بها على قدر طاقتي وإمكانياتي المتواضعة, ما الذي يدفعني لأن أخصص هذا المقال لمجلة العربي في هذا الوقت؟, وفي هذه الزاوية؟, الذي دفعني لذلك هو ملازمتي لهذه المطبوعة القيمة والتي في عددها الأخير الصادر في ذو القعدة 1428 هجرية ديسمبر 2007 تحتفي بمرور خمسين عاماً على بدء مشوارها الخالص للثقافة والموجه لصياغة وتنمية العقول العربية وفتح نوافذ ومتنفس لكل نتاجات فروع العلوم والفنون والآداب المختلفة ولكل ما يتعلق بالأسرة والمجتمع والطفل على وجه العموم والذي توجته العربي بإصدارها ملحق "العربي الصغير" المستقل والذي أراهن أنا عليه بإطلاعي المتواضع بأنه سيسهم في بلورة وتشكيل الوعي الأول لنشأكم الصغير والذي سيدين لكم بدين إتاحة الفرصة له للإطلاع على آفاق رحبة تلاءم عمره وتوسع مداركه, فما أجلكم من أهل حينما تنشأون أبناءكم منذ نعومة أظفارهم على الكتب القيمة والحقيقية التي تثريهم وتحببهم في الكتاب وعوالمه, وعوداً على بدء, ونقلاً من مقال للقاصة ليلى عثمان من دولة الكويت واصفةً فيه شعورها لحظة تسلمها للعدد الأول من مجلة العربي من يد والدها حيث تقول : أنظر إلى حفيدتي الصغيرة وهي تتصفح مجلة "العربي" فأتذكرني يوم كنت صبية أحتضن العدد الأول من المجلة الأم, وأقرأوها من الغلاف إلى الغلاف. هل حقاً كبرتُ خمسين سنة منذ أن شهدتُ ولادتها حتى اليوم ونحن نحتفل بمرور نصف قرن على إنشاءها؟. خمسون سنة! رحل خلاله أحباء, تفتّتت صداقات, وأغلقت مجلات كثثيرة أبوابها, وبعضها انقطعت صلتنا به, وبعضها كمجلة "العربي" ظلت صديقة دائمة وظللنا على وفائنا لها. خمسون سنة, يكبر الإنسان, يشيب رأسه, تتجعد بشرته, تبهت ألوانه, وتتساقط أسنانه. وهذه المجلة لا تزال شابة متألقة تزف نفسها إلينا كل شهر وهي تضيف لثوبها كل جديد وجميل, تعود بي الذكريات إلى يوم استقبالها الأول. حين جاء والدي وهو يُخفي تحت "بشته" شيئاً وقال: لك عندي مفاجأة. وقبل أن يقفز سؤالي سلّمني العدد الأول من المجلة وهو يقول "هذه مجلة عربية تصدر من الكويت, تُضاف لأخريات تقرئينها وتستفيدين منها"
تأملوا معي هذا الوعي الجميل الذي يحمله الأب للقيمة التي سوف تصيغ عقل وفكر أبنته الصغيرة آنذاك ليلى العثمان والتي باتت قاصة جميلة ومعرفة اليوم, أنظروا إلى أي مدى وفق "هو كأب" في أختيار الأستثمار الذي سينشأ عليه وبه أبناءه, بلا شك أن الكثيرين منكم يدركون أهمية أن يفتحوا لأبناءهم جميع النوافذ ليستنشقوا من خلالها نسمات الثقافة العامة, و"العربي" لا تحتاج لتزكيتي على أية حال, ولكنها وحدها ستقنعكم إن لم تكونوا أكتشفتموها بعد بمدى ثراءها وقوتها وقدرتها على أن تعينكم في بلورة وتشكيل وعي ومدركات طفلكم وإثراء مدركاتكم وثقافتكم أيضا.
حنان المنذري , الأربعاء 19 ديسمبر 2007 ؟ 10 ذو الحجة 1428
