استقر مكانه علي شاطيء الترعة وبدأ يتحدث إلي حبيبته ويعاتبها علي هجرها له أكثر من عشرة أيام! نظر إليها يخاطبها ويستعطفها أن تصل ما قطعته وأن ترحم من عذبته وأن ترويه من شهد رضابها بعد أن اذاقته الهوان! تارة تنظر إليه في شفقة! وأخري في عطف ولم تنظر إليه أبدا في حب أوحنان! تعجب من نظراتها واختلافاتها ! فأخذ يذكرها بيوم لقائه بها عند البئر تحت الشجرة فوق النجيل الأخضر حيث التقيا أول مرة، يذكرها كيف كان اللقاء حارا ؟! وكيف تعارفا وتبادلا الأسماء والعناوين قبل أن يتبادلا المشاعر والأحاسيس ؟! افترقا بعد التعارف بعد وعد باللقاء ! تهدأ نبرات صوته تارة ليحكي لها أول كلمة حب نطق بها فأخضرت الدنيا ولفهما النسيم وضمتهما الدنيا بالأشواق والنعيم ! ثم تعلو وتيرة صوته ليشكو لها بعدما رحلت عنه أول مرة ليبحث عنها بلا جدوي! يسأل عنها القمر فوجده ارتدي الحداد ! حتي النجوم ارتدت السواد! سأل عنها الأشجار والعصافير فتعرت الأشجار من أوراقها وآوت العصافير إلي أوكارها! وتاهت خطواته بين الدروب فلم يعرف له ليلا من نهار!

التقط أنفاسه وهويدقق النظر إلي عينيها هل تبكي أم لا؟! لا لم تدمع بل لا توجد أي آثار مقدمات للدموع ! آثر الصمت لحظة فلم يهتز لها جفن ولم تنطق!

      مرت سيارة مسرعة خلفه علي الطريق فانتفض مرتبكا يتلفت يمينا ويسارا فغمره الغبار الذي أثارته السيارة وبدء يحرك يده عشوائيا ليبعد ذرات الغبار عن وجهه وهو يتمتم ببعض الكلمات معلنا عن ضيقه وتأففه مما حدث! استدار إلي حبيبته رأها تبتسم فقد عكرت السيارة وغبارها صفو حديثه إليها !

 ابتدرها قائلا  إنها تسعد بعذابه كثيرا فاستنكرت ذلك ولكنه أكد لها أنها تبتسم لضيقه مما حدث فنظرت إليه في عتاب علي اتهامه لها فبدأ يلملم كلماته من جديد فهو لا يمل من حديثه إليها عن حبه لها وشوقه إليها وهيامه بها!.

     مر صبي راكبا حماره الذي أصدر نهيقا عاليا فقطع عليه خلوته بحبيبته فالتفت إلي الحمار والصبي وكاد أن يجري خلفهما ليوقف حمار الصبي عن نهيقه فلم يتمكن من الحركة قيد أنملة ! وضع يده فوق أذنه حتي لا يسمع صوت الحمار ولم يفهم أن ذلك لن يمنع الحمار من النهيق أو يكتم الصوت بل عزل نفسه فقط عن الجو المحيط به! لم يتعلم شيئا مما حوله فلم يعرف أن الحياة دوامة تتحرك بالناس تقذفهم لأعلي تارة وتخسف بهم الأرض تارة أخري ! يريد أن يستمر عاشقا ولهانا ويطلب من حبيبته أن تبادله العشق المستمر دونما النظر إلي دوامة الحياة!

     حاولت أن ترسل إليه رسائل كثيرة عبر انفعالاتها معه ولكنه ظل ثابتا في مداره حولها لا يريد أن يبتعد عنها بل يريد أن يتحد معها ويتوحدا لينتجا طفلا جميلا وهي تعارض ذلك بشدة فالحب وحده لا يكفي!

     ثار عندما واجهته بالحقيقة وأراد أن يصرخ في وجهها فهو لا يستطيع أن يفعل أكثر من الصراخ ! فلم تخرج صرخاته بل كتمها حتي لا تتركه وترحل كما تفعل كل يوم!  

    سمكة صغيرة تتأمل وجهه من ماء الترعة أرادت أن تقفز لأعلي لتنبهه أن الحب والحياة توأمان للشقاء والعذاب ! ترددت السمكة ثم حسمت أمرها فقفزت فوق سطح الماء لتمحو صورة الحبيبة ليعلن غضبه وهياجه فينهض ويجمع بعض الحصي ليقتل تلك السمكة التي تفرق بينه وبين حبيبته كل يوم!.