"نحيط الاخوة الصيادين بضرورة عدم الخروج للصيد في خضم هذه الاحوال الجوية حفاظا على سلامتهم ... تقبلوا تحياتي مذيع النشرة الجوية.. ".
ما بال الصباحات الباردة تقطع ارزاق الصيادين , ما بال قطرات السماء تصنع قبورا خالية لضحاياها !
صوبت انظاري نحو النافذة , قلت آه يا لجمالك أيها السحاب , وكم أنت مكار ايها الموت اخترت هذه المرة أن تسكن قطرات المطر. وكنت قبل ذلك ملاكا جميلا يأتي على غفلة وينزع الروح. ولقد اخبرتني جدتي ذات يوم ان الملائكة هم اجمل مخلوقات الله.
لما تذوب في السكر أيها الموت ؟. ولما لا يذوب السكر فيك ويزيل طعمك المالح. أنت مخادع تتماهى كسحلية في البراري تتلون بألوان الطبيعة مختفيا وتطمئن المخلوقات ان الحياة لا زالت بخير ثم تنقض على ضحيتك !
غدار أيها الموت. لكني لا آبه لغدرك سأذهب للبحر واكمل معه ما تبقى من حديث الأمس. أقف امام المرآة اضع حول رقبتي رداءا كشميريا أسود. لقد كنت مرتديا اياه قبل ايام حزنا على الحسين , فلما ارتديه اليوم ؟. هل هو حزن لأمر قادم ؟. لا – انه مجرد رداء يحميني من قرصات البرد. اصطنع ابتسامة صفراء على المرآة واضع ذلك العطر الاسود على ملابسي !
سواد , رداء اسود , عطر اسود , جاكيت اسود , سحاب اسود .. آآه ما الأمر اليوم !!
أنا على الشاطئ وذلك القارب على البحر يترنح في جرأة بدون أن يثير خوف الصيادين. وهناك على مقربة من البحر كانت سيارة صيد تحاول أن تسحب الشباك من البحر بأقوى ما تملك. انها تتوقف في كل مرة لكن صاحبها يحاول دون يأس.
يا بحر لما يجازفون ؟. يتمدد البحر وتفوح رائحة السمك. أيها الجوع الكافر هكذا الامر اذا .. انت تنتظرهم في بيوتهم حتى تقضي عليهم !
ولكن يا بحر الموت يتعقبهم ها هنا ايضا .. انظر للقارب كيف يسبح بحرفنةِ وحذر حتى لا يغرق هو ومن فيه !
السحاب يتكثف والسماء تصبح سوداء. وطاقة لا ارادية تدفعني للتقدم أكثر من صاحبي القديم. البرق يصحو , حبات من البرد تعاقب الرمل على سكونه. وهناك بالبعيد الصيادين يصرخون ويضيئون مصابيحهم. وأنا أقول بداخلي لا تخافوا فملابسكم بيضاء لن تموتوا. أنا النكرة التي ترتدي سوادا مبهما والتي تستحق ان تموت على انغام الريح.
أيها البحر .. يقال ان ملوحة مائك شفاء للجروح. وجرحي انا السرطان الذي ينخر جسمي. ارجوك ان تحضن ذاتي المجنونة .. انا قادم اليك بلا تردد !
اضواء الصيادين اختفت . بل الصيادين اختفوا .. بل القارب اختفى .. يا الهي .. يجب علي أن اشفي جروحي قبل أن أموت وانا ارتدي البياض في يوم ما ! . خذني ايها البحر انكمش على جسمي .. اختنق .. لا استطيع التنفس .. لا اتحدث .. وداعا .. جرحي لا يشفيه الا الغرق ..صمت ..
وبعد الصمت اللامدرك .. وجدت ( أنا ) على بساط رملي وعلى شرفة عيني وجه لصياد ينظر بتمعن في قسماتي بينما يمسح على وجهي بأصابعه المتشققة .. فقال لي : لا تخشى أمرا فستكون بخير .. قلت ُفي نفسي : كما يبدو فإن السقوط من شرفة جبل بالبعيد اضمن شفاء من الغرق على بحر يحرسه صيادين !
|