• ×
الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 | 03-01-2013

استطلاع حول رسالة الشعر

استطلاع حول رسالة الشعر
0
0
460
 الحديث عن الشعر دائما وأبدا هو حديث التناقضات والرؤية العميقة للأشياء، فالشعر بيئة التناقضات كما يقال ، فكيف إذا كان حديثنا عن رسالة الشعر أو وظيفة الشعر.

ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن للشعر رسالة وظيفية لا بد وأن يؤديها، يرى بعضهم الآخر أن الشعر يجب أن يكون حرا طليقا لا تحده حدود ، فقد قرأت ذات مرة أحدهم يقول:

إن رسالة الشعر ألا يكون له رسالة مفروضة!

وعندما يكتب الشاعر قصيدته فكأنما يُنبت وردة في صحراء
كما قرأت لنزار قوله:
( الشعر أرض الانفعالات ، هو وطن الأشياء المنقلبة على نفسها
والأشكال الهاربة من شكله)
وقديما ربط المعلم الأول أرسطو وظيفة الشعر بالطبيعة الإنسانية في بحثها عن المتعة والإحساس بالجمال، فقال:\"يبدو أن الشعر-على العموم- قد ولَّده سببان وأن ذينك السببين راجعان إلى الطبيعة الإنسانية، فإن المحاكاة أمر فطري موجود للناس منذ الصغر، ثم إن الالتذاذ بالأشياء المحكية أمر عام للجميع

ولو مررنا على بعض الشعراء والنقاد القدامى لوجدناهم مختلفون في حديثهم وتفسيرهم لوظيفة الشعر، فالأصمعي بحكم مرجعيته اللغوية جعل وظيفة الشعر الاحتفال بالجزل والغريب من اللغة وبأخبار العرب وأيامهم، كما هو الشأن في شعر امرئ القيس وزهير والنابغة.

أما الأخفش العالم اللغوي والنحوي الصارم فيصل وظيفة الشعر بتيسير تعلم قواعد اللغة العربية والانضباط إليها، لذلك أخرج من حرم الشعر كل بيت شعري ينتهك قواعد سيبويه، وهجومه على شعر بشار خير دليل على ذلك.
أما أبو عبيدة فقد قصر وظيفة الشعر على نقل الأخبار والأيام والأنساب.

في حين نجد الجاحظ يذهب بوظيفة الشعر بعيدا عن الاستشهاد به في التقييد للغة أو فهم القرآن والحديث إلى الاحتفال بأفانين اللغة والتطريب للترويح عن النفس عند الكتاب الشعراء، الذين يبدعون الشعر صدقا وهواية لا احترافا، كابن وهب والزيات، ممن لا يحتفل بهم التاريخ الرسمي للأدب.

وفي بعض العصور العربية فقد تغيّرت وظيفة الشعر بتغير الظروف السياسية والثقافية المحيطة بالشاعر، فخسر الشاعر الأولوية التي كان يتمتع بها من قبل وتردت حرفته، لصالح فئة جديدة سطع نجمها، هي فئة الكتاب .

وفي الاستطلاع التالي رصدنا رؤية عدد من الشعراء والكتاب لوظيفة الشعر الحديثة، وهل تغيّرت هذه الوظائف بتغيّر العصر، وما الوظيفة الحالية التي يمارسها؟


السلطنة :
استطلاع ارائهم : إبراهيم الرواحي




*رسالة إنسانية عالمية الهدف
image

الشاعر خلفان بن سلطان البكري يرى أن الشعر كان وما زال وسيظل رسالة إنسانية، تعبيرية وجدلية، عقلانية وشعورية، عالمية الهدف، لا محدودة لزمن معيّن ، بل هي دهرية ، وليس أدل على ذلك مما وصلنا من الشعر الجاهلي وما بعده ، معبّرا عمّا يدور في تلك الأمم من أحداث وقضايا وحراك اجتماعي يهدف إلى الرقي بالإنسان وقيمته المعنوية ورفع قدراته، على اعتبار أن الشاعر هو العصب الحسّي الرقيق الذي يتجاوب وبسرعة فائقة مع كل حركة أو سكنة في الأمة.

وما يقال الآن من شعر ، وما تجيش به قرائح الشعراء خلال هذا العصر ليس بالضرورة هو رسالة لأبنائنا هذا العصر أو المصر ، بل هو رسالة تستغرق الأجيال والعصور القادمة حتى تستطيع تلك الأجيال أن تبني على ما تقدمها وترفع شأو حضارتها ورقيّها.



*ضعف في واقع الشعر الحالي

image

أما الشاعر جمال الرواحي فقد أكّد على أن رسالة الشعر لا يحدها زمان أو مكان ، وهي بلا شك رسالة تحمل في طياتها غايات وأهدافاً إنسانية تقتضيها القضية المطروحة أيا كان نوعها .

والمتتبع لرسالة الشعر عبر حقب الزمان المختلفة يجد أنها أصدق غاية في الأجيال الخالية عما هو واقع في عصرنا هذا ، ذلك أن المصداقية باتت تفتقر إلى الأحداث المؤثرة في جوانب الحياة . ولا غضاضة في أن لواقع الشعر الذي نعيشه ضعفاً لتواجده ضمن خانة من المؤثرات المختلفة والتي لا يسع المجال لحصرها ، ويأتي عصر السرعة والتقدم التكنولوجي على رأسها . ولكن رسالة الشعر لن تخبو مهما اختلف زمانها وتهززت أركانها .


*سيظل الشعر الحقيقي بالرغم من كل الظروف
image

الشاعر سعيد الحارثي قال: \" كلّ زمان له آية...\" ، و \" على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ \" .. و \" لكلّ مجال مقال ، ولكلّ حادث حديث \" .. تلكم الكلمات وأمثالها ، دلالة على أنّ دوام الحال من المحال .. إلاّ أنّه \" تبدّلت الأيّام والشعر واحدُ \" ؛ فما الشعر إلا مشاعر تترجم الواقع ، وتعبّر عن مجريات الحال ، باختلاف الأزمنة ، وتباين الأمكنة ، في سائر أغراض الشعر وألوانه .

الشعر رسالة ، صاحبها واحد من النّاس في هذا الزمان أو ذاك .. بفكره ونبضه ولغته، يبعث الرسالة تعبيرا على لسان الحال عبر قافية يترنّم بها ووزن راجح لديه ..مؤمنا بأنها عالمه وعالمهم .. آماله وآمالهم ..آلامه وآلامهم ... يقول أبو الطيّب :

\" وما الدهر إلاّ من رواة قصائدي .. إذا قلت شعرا أصبح الدّهرُ منشدا \"

سيظلّ الشعرالحقيقي - على الرغم من كلّ الظروف والمستجدات والتقلّبات - رسالة تفرض وقعها على الواقع ، وأثرها على القارئ والسامع، إذا جاد بها صاحبها وأجاد ، وجعل من الخير والسلام والوئام الهدف الأسمى والمراد ..

ولذلك قيل:
\" إذا الشعر لم يهززك عند سماعه ... فليس حريّا أن يُقال له شعرُ \"


*أصبح فنّا كأي فن آخر
image

الشاعر يعقوب المفرجي أشار إلى أن ديناميكية الشعر من ديناميكية المجتمع ، فحين تغير مجتمعنا وأساليب الخطاب والتأثير فيه ، تغيّر ميزان الشعر حتى صار فنّاً كأي فن آخر، الشعر والموسيقى وغيرها ...


* ضلالة وترف.. وليس رسالة
image

ويرى الشاعر ناصر الغيلاني: أن الشعر حاليا ضلالة وليس رسالة، فقديما كان المجتمع منغلقا وكان الشعر متنفسه الوحيد وسراجه، أما الآن فقد تعددت الطرق والوسائل التي تجعل المجتمعات ليست بحاجة للشعر بهذه الكمية المفرطة.

ويواصل الغيلاني: الشعر موجود في كل تفاصيلنا الحياتية العصرية ، في القنوات، المهرجانات، الأعمال الدرامية، المسرحيات، المؤسسات التعليمية ، الاحتفالات والمناسبات المختلفة... في كل شيء ..

أصبحت لذته مفقودة ، وندرته مفقودة، هو الآن في كل الأماكن العامة والخاصة.

لقد استنقص من قدره وقدرته ، والدليل خفافيش الظلام المعششة في الفراغات والمنتشرة في كل الزوايا والأرصفة.

الآن أصبح الشعر أقرب للترف أكثر من كونه رسالة أو غيرها وقارب نجاة لكل مفلس جيب ووجاهة لكل مفلس شعر.


*الرسالة في شعر المقاومة والشعر الاجتماعي

بينما يؤكد الشاعر أحمد البوسعيدي:أن الشعر فعلا رسالة ورسالته متوهجة وباقية ،غير أن شعراء السطح لم ولن يكونوا أهلا لحمل رسالة الشعر. وفي العصر الحديث شعر المقاومة هو نبض الرسالة ، والشعر الاجتماعي الذي يرصد واقع المجتمع هو رسالة، فالشعر باقٍ ورسالته باقية إلا أن الشعراء اختلفوا، فأغلب شعراء اليوم إلا من رحم ربي لم يفقهوا رسالة الشعر بل أتقنوا التشدّق والمحاكاة.


*الفكرة تمثّل رسالة الشعر السامية
image

فيما قال الشاعر منتظر الموسوي:هذه العبارة إن دلت على شيء فإنما تدل على القيمة الفكرية للشعر، نحن اليوم نعيش زمنا في أمس الحاجة إلى الرسالة الشعرية، التي كان يقدمها سابقا، وعلى ذلك فإن رسالة الشعر لا زالت قائمة ،-مشيرا إلى أنه - قد لا يتضح ذلك في القصائد الذاتية التي اتّجه إليها الشعر في العصر الحديث إلا أن الفكرة في القصائد الموضوعية لا زالت تحمل رسالة الشعر السامية.


*الشعر إحساس داخلي لا يشترط فيه الرسالة
image

أما الشاعر خميس الوشاحي:فلا يعلم حقيقة صحة هذه المقولة ، وهل يجب أن يحمل الشعر رسالة، وهل هذا نوع من التنظير أم أنه مجرد اجتهاد من بعض النقاد؟

ويرى أن الشعر إحساس داخلي طاغٍ ، يأتي كيفما اتّفق، وعلى الشاعر تطويعه ليكون كائنا أنيقا يمشي على قدمين. الشعر تجسيد لإحساس شاعر يصوغه بطريقة جميلة ليشاركه بها الآخرون، وقد يحمل رسالة معيّنة وقد لا يحمل.. ومع ذلك فكم من قصيدة خاصة جدا أصبحت اليوم ملكا للعموم من الناس.



*من أعظم الرسائل التي تترجم الذات


بينما يقول الشاعر محمود حمد: كل ما يعبر عن الروح فهو رسالة من الإنسان لنفسه أو لأخيه الإنسان، والشعر من أعظم الرسائل التي تترجم الذات وللذات.

لا دخل للزمن في روح الشعر؛ لأن الكلمة قادرة على الاتساع والتعبير، ومهما تغيّر الزمن وأساليبه فإن الشعر يجد عالمه الروحي الذي يؤسسه الشعراء ويتقلب في أفيائه أهل الذوق والإحساس الذين يؤسسون حقيقة الحضور الإنساني.


*رسالة مادية تتفق مع رغبات الشاعر


ويؤيد الشاعر صالح الصقري ماذهب إليه الشاعر ناصر الغيلاني من أن رسالة الشعر قد فقدت، فحتى وإن كانت موجودة إلا أنها موجودة في نطاق ضيّق ومحدود. ورسالته في هذا العصر مادية تتفق مع رغبات الشاعر..

ويقول: (الشعر رسالة) نعم ، ورسالته الحقيقية لم تختلف ، ولكن اختلف مسار الشاعر نفسه عن أهداف القصيدة ورسالتها.


*تم إلغاء رسالته

ويشير الشاعر هلال البريدي إلى أن الشعر عند القدامى كغيره من مجالات القول، له وظيفة نفعية بمفهومها الاجتماعي، ولذا نراه خاضعا للغرضية.

أما وإن ألغيت تلك الغرضية من بعض التيارات الحداثية، فمن البدهي أن تنطمس الرسالة الشعرية في بحر متلاطم من الأخيلة والغموض.


*الشعر رسالة الإنسان الحر
image

وأخيرا يرى الكاتب سمير العريمي أن الشعر إحساس وشعور في الأساس ، والشاعر مرهف الإحساس لا يستكين ولا يهدأ حتى يترجم ما يعانيه وما يعتريه من خلجات نفسية على سطور الورق : قصيدة متوهجة، أو وردة حانية، أو سيفا قاطعا ، فبيت شعر صادق يغني عن ألف خطبة جوفاء ، ورسالة الشعر في كافة الأمم والشعوب الحية هي رسالة الإنسان الحر الرافض للزيف والخنوع والذل. رسالة تستمد عنفوانها من صدقها ورغبة شاعرها في التعبير عن حقه في أن يحيا حرا معبّرا عن ذاته، وقضايا أمته ووطنه، ووجوده الإنساني، بأريحية وعفوية صادقة فتصل رسالته بأقصر الطرق وأيسرها؛ لأنها خرجت من قلب مفعم بالرغبة في الحياة.