الْغُصَّةُ
... ثم إنَّ ذكرَى ذلكَ الحَدث الأليم القديم، كلمَا انبعثت منْ جديد، وهيَ تسْعى بآثارها الدَّامية في نفسه هدْماً وتمزيقاً، إلا وَجد لها في فؤاده نبضاً حارقاً، وفي سَمعه أحسَّ لها صوتاً طارقاً، وجرَى على إثرها منْ عينيه دمْعاً حاراً دافقاً ...
ففي يوم وَلى منْ حياته ولنْ يعود، ظلَّ في حَالٍ عصيبة لا يُحسد عليها، إذ رأى مَا تشيبُ له الولدان، وسمع مَا لم يخطر له يوماً، ومَا لمْ يكنْ لديْه في الحُسبان، فتبادرَ إلى ذهنه يومَها أنه يقرأ جَريمَة شنيعة منكرة بلا عنوانٍ ...
بكَى سَاعة وقوع الحَادث الدَّامي بكاء شديداً، ونزف قلبه ألماً على ألم وقهراً مزيداً، فجمَّدت تفاصيل المشهد المُرعب الدَّم في عُروقه، قبل أن تنحتَ جراحاً غائرة جَامدة في ذهنه دُون حَراك، ولم تمهله سَطوة ما يَجري أمَام عينيه أن يَسأل نفسه: مَا الذي دَهاكَ؟ ولم يمكنه مَا بطش بسمعه عنيفاً، من صُراخ الضحَايا المَكلومين، ونهْش منكر الأصْوات الجَائرة الغاصبَة، من استعادَة توازنه المفقود في دَوامَة ذلك الدَّمار غير المَعهود ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
السندباد