روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     نبسـط لـك الهوى [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     ذاكــرة أمـواجُ الشـوقِ‏ [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     متى تَلتَئِم الجراح [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     وجوه تهوي بها الأيام فترميها ب... [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,499ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,759ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 8,200
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,466عدد الضغطات : 52,242عدد الضغطات : 52,348

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > القصة القصيرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-08-2016, 10:26 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي قصّة طـويلة سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ



قصّة طــــــويلة





سبعُ الليلٍ والبئر المعطّلة



سبْعُ الليلِ اسمٌ تستخدمه القرويات لتخويف أطفالهن الأشقياء
فشبّوا بعد ذلك يخافون ظِّلالهم، إنَّه ساكن بئر القرية الوحيدة، الذي حرّم على
الأهالي الدنو منها يوم السبت من كل أسبوع، وكذلك بعد مغيب كل يوم مهما الحّت حاجتهم إلى الماء
فلا يحصلون على قطرة منه إلا بعد أنْ ترتفع الشمس بمقدار ثلاث أو أربع رماح، إذ تبعث حينئذ كما يزعمون
أشعتها الساطعة المبهرة فلا يستطيع ناشط الظلام استقبالها وإلا فقئت عيناه، فيضطر إلى الاختباء في الأعماق
هربا من النور، وينتفع الناس بالماء وقتئذ مبادرين الخطر الجاثم في مجاهل البئر
هكذا علل القرويون عدم اقترابهم منها ليلا.
ومع إنَّ أحدا منهم لم يقابله وجها لوجه مذ ظهر لهم أوّل مرة إلاّ أنَّ هذه المعلومات الأمنية ظلَّت متوارثة
تتناقلها الأجيال شفهيا مسلّمين بقدسيتها، محرّمين أي نقاش بشأن مصداقيتها فلقد شهد على صِحّتِها الآباء والأجداد
فليس من حق الأبناء أو الأحفاد مراجعة الثوابت، فقبلوها مع الإضافات المستمرة.
وظلّت بعض روايات السلف محل تبجيل وقبول في المجتمع القروي، ومنها على سبيل المثال أن ذلك العفريت النبيه
يستطيع سماع حديث القرويين في أي وقت فتحوا فيه أفواههم، وعلى أيِّ بعدٍ كانوا ومهما خفتت أصواتهم
لذلك لا تلهج السنتهم إلا بالثناء عليه حتى يرضى، فإنه إنْ غضب سد عيون البئر، وابتلع كل ما فيها فتصبح معطّلة
بلا قطرة ماء، ويعدمه الأهالي أياما طويلة ثمّ قام بمطاردة المارة ليلا نافثا نارا موقدة في وجوههم، هادرا هديرا أدوى
من هزيم الرعد القاصف أمّا زلزلة خطواته البطيئة فكفيلة بإرعاب قرية بأكملها، فما بالكم بطوله
السامق الذي يتجاوز منازل القرويين علوا؟ فنظرة إلى ذلك الطود العظيم قد تورث الهلع المؤبد.
وقد عرفوا كيف يرضونه، فبعد أن يحرق حظائر مواشيهم ويسرق منازلهم ويروّع أطفالهم فإنّهم يجمعون له النذر
ولا بد أن يشتمل على عدّة جنيهات ذهبيّة أو حلي أو نقود، فتنعم تلك القرية بعد ذلك بالأمن والأمان مدّة طويلة
ويخرج خدم سيّد البئر يتشدّقون بإنجازاته العظيمة، فهو حامي القرية من شياطين الإنس والجنّ، وهو الذي يمدّهم
بالماء العذب الزلال مجّانا، وقد اباح لهم الاغتسال وتنظيف ملابسهم وريّ محاصيلهم مجّانا
وهو من يقوم بترميم البئر وتعميرها مجّانا.حتّى إذا نسوا أمره خرج على حين غرة في ليلة حالكة الظلام
وظهر بغتة في أحد الأحياء الراقية تحديدا حيث يعيش الأغنياء، فهؤلاء لا يملكون الشجاعة الكافية لمواجهته
بسبب حرصهم على كل شيء، لكنهم يملكون المال الكثير وهو مطلبه الأساسي
وتنتقل عدوى الذعر منهم بآليّة أسرع إلى بقيّة القرويين، وعندما يبدأ هجومه الوحشي يجتمع أفراد الأسر المذعورة
غالبا في غرفة واحدة من غرف المنزل ثم يغلقون كافة منافذها، ويتركون له حرّية التحرّكِ في بقية الحجرات والمرافق
ولكنه لا يدخل دارا قطّ بل ينقل إرهابه وترويعه من حي إلى آخر ومن منزل إلى منزل ناشرا فزعا طاغيا، مشعلا
النيران في العرائش والحظائر الخالية بعد أن يطلق الماشية لتهيم في أزقّة القرية مضيفة بثغائها المتواصل ونهيقها المنكر
المزيد من الهلع فيستسلم القرويون للخوف والذعر ولا يفعلون شيئا، غير أن النساء يتفرّغن لوصلة بكاء تتناغم مع صراخ الأطفال
بينما يبتهل الرجال إلى الله سبحانه وتعالى أنْ يحميهم من الشرّير وقد أمسوا أجزاء لا تتجزأ من الغرف التي حشروا فيها
وبعد رحيله يبادرون إلى إطفاء الحرائق ولملمة شعث ما تبعثر، وصباحا يخرجون لتفقد الممتلكات وحصر الخسائر
فيجدونه قد استولى على ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه مع أنّه لم يدخل دارا قط ، فيؤدّي كل فرد واجبه من المواساة إلى الآخرين
في حزن وأسى وخنوع تام ولا يفكرون أبدا في التخلص منه، أو مقاومته أو محاولة عرقلته.
وهكذا عاش أهالي تلك القرية النائية التي لم تصلها الحضارة بسبب ممانعة المتنفّذين وتخويفهم الناس من كل جديد وتعنيف وقهر
كل من يبدي امتعاضا أو تذمّرا أو عبّر عن استياءٍ أو اعتراض، فعاشوا عقودا من الرعب في ذل وخضوع
وسلّموا مهجهم وعقولهم للشائعات والتضليل وكل ما يجيدونه هو محاربة أي فردٍ خرج عن المألوف حتى وإن كان يملك
حجة ودليل وبرهان، فكم من فم كُمِم وكم من لسانٍ أخرس وكم من كريم هان على يدي الجهل والضلال في إصرار عجيب
على حياة الجهل والتخلّف والخنوع والذُل ولا تجد بينهم من يرتاب في طبيعة ما يجري، جميعهم مؤمنون بأنّ
ذلك المخلوق مسلّط عليهم، فلا حول لهم ولا قوة في دفعه، وعليهم القبول بالواقع التعيس
واعتادوا على ارجاع سبب هجوم الوحش العفريت إلى خطاء أرتكبه أحد ما في حقّ سيّد البئر.

دوام الحال من المحال

قال الراوي:
إنَّ دوام الحال من المحال فلقد عاد إلى تلك القرية المنكوبة أحد أبنائها النجباء، الذين اغتربوا طلبا للعلم
وقد تلقّى منه قدرا يشككه في حقيقة الإرهابي الوحش المزعوم، إذ أهداه أشقاؤه الحكاية منقّحة تماما في أول ليلةٍ
يسامرهم فيها. فقال الشاب المتعلّم: أنا لا أصدّق ما تقولون. أي وحش هذا الذي يسرق الأموال؟
ولا يفترس الحيوانات الأليفة بل يطلق سراحها قبل حرق مأواها؟
فوضع أخوه الكبير بدر يده على فمه، وقال هامسا: احذر أنْ يسمعك فإنّه يجوس خلال الديار ويعاقب
من ينتقص من هيبته ويشكّك في قدراته الهائلة. فقال الشاب هازئا: وكم إنسان قد تعرض لعقوبته؟
قال الأخ متحمِّسا: أوهوه كثيرون جدا فأمّن الحاضرون على كلامه: صحيح صحيح
قال: فاذكروا لي اسماء خمسة أفراد عاقبهم سبع الليل أحبُّ أن أعرف التفاصيل منهم.
فعجزوا حتى عن ذكر اسم واحد، وقال بدرٌ غاضبا: الجميع يعرف ذلك ولقد رأيت سبع الليل بعيني
مرّات عديدة. فقال الآخرون: نعم جميعنا قد رآه، إنّه عفريت حقيقي. قال الشاب: ولماذا لا تقاومونه؟
قالوا: لقد تصدّى له رجال من القرية وأطلقوا عليه الرصاص لكنها لا تؤثر فيه.
فاندهش المتعلّم واختلطت أوراقه وتوّتر. فقال أحدهم: لقد واجهه بن فرضة رحى وابوه وجدّه من قبل
لكنه كان يقبض عليهم. قال الشاب المتعلِّم: وماذا يفعل بهم؟
قال: يتضرّعون اليه ويبكون بين يديه فيطلق سراحهم بعد أن يتعهدوا بخدمته، ومن ثم يقفون في وجه
كل من يذكره بسوء، بل أضحوا المتحدّثين باسمه والمتفاوضين معه وحماة مصالحه ورعاة البئر وخُدّامها.
فضحك المتعلّم وزال توّتره، وقال ساخرا: ما هذا العفريت الرحيم الذي يتفاوض مع البشر؟
ثم سأل مجددا: ومتى يأتي هذا المخلوق إلى القرية؟
قالوا: إنّه يحتلّ البئر من عهد بعيد، ولا يعلم أحد متى سيأتي، ولكنه يهاجمنا فجأة
قال: فأنا أرغب في مواجهته عندما يأتي في المرّة المقبلة، بل سأذهب الآن إلى البئر
وأتحداه أن يخرج إليّ إن كان موجودا فعلا، فمن منكم سيرافقني؟
فصمتوا جميعا رعبا وجبنا، وشعروا بقشعريرة تسري في أبدانهم التي أنحلها الجهل
فتدخّل الأخ الكبير قائلا: أمجنون أنت يا مبارك؟ أتريد أن تذهب إلى وحش تستفزّه وتبارزه في عرينه؟
لا. لن ادعك تذهب إلى الموت برجليك. قال: لا بد لي من معرفة سر ذلك المخلوق
وكشف حقيقة ما تخافون وترهبون. فقال بعضهم: وماذا تفيدك معرفة سره وحقيقته؟
قال: لأن أموت مدافعا عن عرضي ومالي وكرامتي وحقي في الحياة، خير لي من أن أعيش مضطهدا
من قبل مخلوق أجهل حقيقته، وقد يكون مجرّد إنسان محتال.
فمن منكم سيرافقني؟ ثم هبّ وقفا، وكان ليل القرية قد بسط عباءته، فتصدّى له بدر والآخرون ومنعوه
من الخروج وقد رأوه مصرا على الذهاب ثم أرسلوا من يستدعي أباه وكبار العائلة.
فلمّا حضروا قال بدر شارحا الموقف: إن مبارك أخي يعتزم الخروج الساعة إلى البئر
واستفزاز سبع الليل وإثارته وتهييجه، ولم يصدّق كلامنا وسخر من مخاوفنا
وأدعى أن ما نعتقده غير صحيح، وأن ما يهاجمنا ليس بوحش بل مجرد إنسان
محتال فمنعناه بالقوّة لكي لا يرتكب حماقة ويلقي بنفسه إلى التهلكة
فاستحسنوا صنيعه واثنوا عليه. فقال مبارك: صدّقني يا أبي إنّ ما تخشون وترهبون ليس إلا وهما
عظّمته وضخّمته الشائعات المتوارثة في أعينكم وقلوبكم فغدا كابوسا مرعبا، فأي وحش هذا الذي يسرق المال
والمجوهرات ويترك الأطعمة والأغذية، ليس هذا والله سوى لص حقير ضحك على عقولكم، وأستغل خوفكم وشجّعه
جهلكم على التمادي في السرقة والفساد. فغضب كل من في المجلس واستقبحوا كلامه، ولم يسعهم قبول الحقيقة
واستنكروا جرأته ومنعوه من الخروج، وتوعّدوه بنقمة سبع الليل ما لم يرضى بما رضوا به
ثمّ جثى الوالد على ركبتيه وسط المجلس وتضرّع معتذرا:
أرجوك اعفو عنه يا سبع الليل، يا أبا الفرس والخيل، فإنّ ولدي هذا سفيه جاهل لا يعرف شيئا.
ثم انصرفوا يلتفتون يمنة ويسرة في رعب وهلع، وتركوا مع مبارك من يحاول إقناعه بقبول سلطة الوهم
متأملين منه الاعتذار إلى سيّد البئر فأبى أشد الإباء.
ونقل ما دار في منزل آل الفقعي إلى سبع الليل إذ للجدران آذان ...

يتبع إن شاء الله



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-08-2016, 12:36 AM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

قصة مشرقة بالحكمة، واليقين بأهمية العلم في حياة البشر
وعدم الاستسلام لوهم غير مرئي، لا يتواءم وحقيقة الواقع الملموس
وما أكثر من هم كأهل هذه القرية التي تفترسهم الأوهام وتوجههم الشائعات
لك كل الود، أستاذنا الراقي ختيارا، وإعدادا: ناجي جوهر.
ننتظر اللاحق.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-08-2016, 11:29 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي


يا الف أهلا بالشاعرة المبدعة والقاصّة الأديبة
الأستاذة الملهمة عائشة الفزاريّة الفزاريّة
أسعدني هذا التألق التفاعلي
ويشرّفني ثناؤك وانطباعك
وأسأل الودود الرحيم
أن يوفّقني إلى رضاه
ثم رضا القرّاء الكرام
تقديري وإحترامي
وتحيّاتي
يا أم عمر


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25-08-2016, 08:36 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي




سبع الليل


والبئر المعطّلة




مبارك الملطوم


في الصباح انتشرت شائعة مفادها أن مبارك بن مبخوت قد تعرض له العفريت
ليلة البارحة ولطمه لطمة أفقدته عقله، بعد أن سخر منه وهزئ به، ولم يصدّق
أنّه وحش حقيقي، فأصبح يهذي بكلام المجانين فأقبل القرويون يواسون أسرة الفقعي ابن قريتهم
وفي نفس الوقت يعززون اعتقادهم الساذج، ويؤكدون لأنفسهم أن الخرافة الموروثة حقيقة حينما يرون
ويسمعون مبارك الملطوم وهو يخرّف. وخرج الأطفال والسُفهاء والمجانين يرددون أهازيجا يهجون بها الشاب
الذي شذّ عن قاعدة الاستسلام، وأخذوا يطوفون أزقة القرية وأحياءها يغنون ويزمِّرون في بلاهة وسذاجة.
وسمعت منى بنت لبخيت ما يقال عن بن خالتها فلم تصدّق أنّ مباركا المتعلّم يمكن أن يكون أحمقا وطائشا
فألحّت على والدتها في الذهاب معها للاطمئنان عليه. بينما جعل كبار القرية وقد غلبت عليهم النشوة يتشدّقون
بكلام فاضٍ عديم الحكمة وينعتون ابن الفقعي بالغرور والوقاحة وبذاءة اللسان، وأن التعليم قد أفسده
وأخذوا يتوعّدونه بعقوبة أفظع إذا ما تعرض بالسخرية لسبع الليل مرة أخرى، مع أنّ أغلبهم هم يدركون تماما أنّه محق
ولكنّ يمنعهم سببان من الاعتراف بصدق تكهّن الشاب المتعلّم السبب الأوّل استمراؤهم الخنوع وتعوّدهم عليه
والسبب الثاني الحسد فهم لا يرضون بفضل لأحدٍ سواهم. وأراد الوحش المزعوم أن يثبت للقرويين ولابن الفقعي
على وجه الخصوص أنه موجود حقيقة لا خيال وكان ذلك تصرفا أرعنا منه غبيا، إذ اعتقد أنّ مبارك جاهل جبان
مثله مثل الآخرين الذين أخضعهم واستعبدهم، واستغفلهم وأذاقهم الأمرّين. بينما أصيب الشّاب بالصداع من تفاهات القرويين
وخزعبلاتهم وهم يحاولون تخويفه وإرهابه وتحذيره من الاقتراب من البئر ليلا، فلا ينصرف رجل جاهل حتى يحل محله
رجل اجهل أو امرأة معتوهة وكل يعظه ويرغّبه وأخيرا يرهبه، فأبدى لهم اقتناعا مصطنعا و توبة مزيفة
فتركوه ووكلوا به من يراقبه، وعندما وصلت منى تهافتت عليها القرويات يطلبن منها اقناع ابن خالتها بالتخلّي عن إعمال فكره
والرضا بما رضي به الآباء والأجداد والأبناء، فهو لن يرفض لها طلبا نظرا لما يحمل لها من محبّة ومعزّة فوعدتهن خيرا
وحينما انفردت به سألته: أحقا تعرّض لك سبع الليل؟ قال: أتمنّى أن يتعرّض لي. قالت: الا تخافه؟ قال: كيف أخافه ولم أره؟
قالت: انا قد رأيته بعيني، قال: صفيه لي. قالت: إنّه مخلوق طويل جدا، ينفث النار من فمه فيحرق الأكواخ والزرائب، ويطارد ...
فقاطعها مبارك: اعرف هذا فهل يدخل البيوت؟ قالت: لا. لا يمكنه ذلك بسبب طوله الفارع. قال: فمن يسرق الأموال إذا؟
فسكتت برهة ثم قالت: لا أحد يعلم من يسرق المال. قال: إذا فهناك من يستغّل هجوم الوحش المزعوم فيسرق وينهب
قالت: لا نرى أحدا سواه. قال: ذلك لأن اللصوص يدخلون البيوت عندما تغادرونها، قالت: أظنك محقا.
ولكن كيف ستقنع هؤلاء المرعوبين؟ قال: لا بدّ أن يكون بينهم بعض العقلاء استعين بهم بعد الله على كشف العصابة
قالت: أتظنّ أنها عصابة؟ قال: بل أقسم على ذلك وسترين. وفي المسجد تلقّى مبارك المزيد من التوبيخ والتهديد والنصح
الغير رشيد ولم يتمكّن من فعل شيء ذلك اليوم غير المرور بالبئر مرور الكرام بسبب الرقابة المفروضة عليه
وبعد صلاة العصر اجتمع به بعض شباب القرية على دكّة المسجد وأخذوا يناقشون القضية، فأعرب ثلاثة منهم عن الاستعداد
لمرافقته إلى البئر متى شاء، لكنّه امتنع عن مجاراتهم خوفا من أن يمنع أو يعرقل عن اكتشاف الحقيقة
وهو كذلك يجهل حقيقة نواياهم وأهدافهم، وبعد صلاة المغرب أغلق معظم القرويين منازلهم، ولجأ آخرون إلى البيوت الأكثر
امنا، تحرُّزا من انتقام وحش البئر الشرير الذي استفزّه مبارك الفقعي وأغضبه بتصريحاته الوقحة فهو قادم لا محالة.
وصدقت تنبؤاتهم فما هي سوى ساعة من ليل حتى سمعوا صراخ الأطفال واستغاثات النساء تنطلق من بعض البيوت
التي اشتعلت نيران غضب سبع الليل بالقرب منها، فسرى الرعب في القلوب سريان السم في دم الملدوغ، وتمكّن منهم الهلع
فأخذوا يلعنون الشاب الأرعن الذي أثار عليهم غضب وسخط الوحش، ثم توجّه الشيخ غانم بن محمود شيخ القرية بمعية بعض
الوجهاء إلى بيت مبخوت الفقعي بعد رحيل سبع الليل المفاجئ وهم ساخطون ناقمون، وأخذوا يقرعون الباب في هلع وسخط معا
فلمّا ادخلهم وبّخوه على ليونته في تربية ولده، وتراخيه عن كبح رعونته وطالبوه بدفع مبارك الملطوم إلى سبع الليل لينتقم منه
فهو الذى هزئ به وانتقص من هيبته وأغضبه وسخِر منه ولم يعرف قدره ومقامه، فعليه مقابلته وجها لوجه، ها هو يعيث فسادا
فليخرج إليه مبارك القوي. فأحرج مبخوت الفقعي، وشرع يعتذر إلى القوم ويستعفيهم، ولكنهم كانوا تحت وطأة الذعر، وسطوة
الشائعات وحكم الهلع فلم يقبلوا منه صرفا ولا عدلا، إنَّه رأس مبارك مقابل رضا الوحش هذا ما أجمعوا عليه
فرفض آل الفقعي طلبهم بتحدٍ وعناد، ووثبوا إلى السلاح ليدفعوا به عن ولدهم، وقبل أن يحدث أي احتكاك بين الطرفين
سمعوا هاتفا يهتف من بعيد: مبارك بن مبخوت يطارد الوحش ... والوحش يهرب الوحش يهرب الوحش يهرب
وسمعوا صوت اطلاق نار عدّة مرّات، فاختلطت المشاعر بين الدهشة والخوف، والتكذيب والتصديق والفرحة والحذر
ثم انطلقوا جميعا إلى مصدر الهتاف، فإذا بثلاثة من شباب القرية واقفين يلهثون، فسألوهم عن حقيقة ما يقولون
فأكد لهم رشيد بن الشيخ غانم أنه ورجب بن النعمان ومحمد بن سِعِدْ إِر مغْلِلْ كانوا مع مبارك، وأنهم
طاردوا سبع الليل معا عندما رأوه مقبلا من ناحية القرية الشرقيّة متوجّها إلى غربها، إلا أنهم خافوا وتراجعوا عندما
نفث النار في وجوههم وظل ابن الفقعي يطارده لوحده دون خوف أو تردّد والوحش يفر مرعوبا
ثمّ سمعناه يهدده قائلا وبصوتٍ ناعم: عُدْ وإلاّ أكلتك ولكن مبارك شد عليه فهرب الوحش
فقال الشيخ غانم: وأين هما الآن؟ قال رجب: لقد توجها إلى البئر، ولسنا ندري ماذا يحدث هناك
غير أننا سمعنا إطلاق نار. فقال ابن فرضة رحى تاجر القرية شامتا: هلك الولد ، يا له من أحمق
إن الرصاص لا يضرُّ سبع الليل كما تعلمون، لا إله إلا اللهُ راح المسكين كشربة ماء، مكر به خاطف الأرواح لينفرد به
فأيقن الجميع أن الوحش قد استدرج مباركا إلى البئر ليفتك به هناك فخيم الصمت والحزن
ولم يجرؤ أحد على ذكر كلمة إنقاذ أو كلمة نجدة. وفي منزل مبخوت الفقعي ارتفع نياح النائحات وصراخ الباكيات
وشرع الجميع في لوم الأب الذي لم ينهى ابنه عن الرعونة والطيش، ولم يردعه عن التهوّر، وحمّلوه مسؤولية مقتل ابنه
ثم انصرف الشيوخ مرتبكين وتركوا تلك العائلة المفجوعة بولدها في أتون حزن وأسى وخوف وقلق. ولم تطق منى الانتظار
حتى الصباح عندما سمعت بما حدث، بل خرجت كالمجنونة حاملة فانوسا وهرِعت إلى ناحية البئر تسابق دموعها
فصادفت الشيخ غانم ومن معه وهم عائدين، فانتهرها أحدهم مستنكرا جرأتها على الخروج في هذا الظرف المرعب:
اجننتِ؟ أم لا تعلمين أن الوحش قد أخذ ابن الفقعي؟ فزاد خوفها على حبيب قلبها ولم تردّ عليه وواصلت سيرها
ثمّ لحق بها بدر والشبّان الثلاثة عندما رأوها متّجهة إلى البئر، ولم يبتعد المعاتبون كثيرا حتى عادوا أدراجهم مسرعين
فلقد سمعوا الزغاريد، وهتافات مبخوت وابنائه: الله أكبر الحمد لله سلامات سلامات
وعندما دخلوا الدار وجدوا مباركا بن مبخوت الفقعي بشحمه ولحمه واقفا كالليث العابس لم يمسسه سوء.
فأخذ بن فرضة رحى يجسُّه بأصبعه مدعيا أنه ليس ابن الفقعي بل هو سبع الليل متنكرا. فضحكت منى
وغضب الشاب وقال: أخرجن من دارنا أيتها الدجاجات الهلعة، فنكّس الرجال رؤوسهم ولم يعترضوا على الإهانة
لأنهم فعلا جبناء وأغبياء توجههم الشائعات وتتحكم بهم شرذمة من الخبثاء.
وحقد تاجر القرية على الفتاة التي سخرت منه أمام الجميع، وأضمر في نفسه نيّة سوء لها ولابن خالتها الجريء.
وسأل الشيخ محمود الشاب المتعلّم: احقا طاردت الوحش وهرب من امامك؟ قال: نعم. فقال ابن فرضة رحى
مستهينا: لم يهرب خوفا منك بل خشية من سيل الرصاص الذي أمطرته به، فقال الشاب: لست من أطلق الرصاص
ولا أعلم من الفاعل. قال: وأظنّك رأيت أن الرصاص لا يؤذيه؟ ثم خرج ضاحكا
وبعد رحيل الزوّار روى مبارك لعائلته ما حدث قائلا: إنّ ذلك اللص الذي سيطر على عقولكم وقلوبكم ردحا من الزمن
قد هرب من أوّل مواجهة حقيقية معه، ولو لم يقفز إلى البئر لكنت قبضت عليه وهتكت ستره.
لكّن الجميع كانوا يستمعون إليه مجاملة فقط، أمّا منى فكانت محبّتها تفرض عليها تصديقه بغض النظر عن الاقتناع.
قال الراوي:
في اليوم التالي صباحا نهض الشاب على أصوات كثيرة مختلطة، وعندما خرج من الغرفة فوجئ بوجود العشرات من
القرويين والقرويات كبار وصغار داخل وخارج المنزل، وهم يثرثرون ويتفوهون بكلام لا وزن له ولا قيمة، وحينما
لمحته النساء خارجا أطلقن زغاريدا متتالية، ثم أخذن يمتدحن شجاعته وجرأته ورجولته، وشرعن يهنئنه على السلامة
ويدعين له بطول العمر، ولم يكد الرجال يبصرونه قادما حتى بادروا إلى الترحيب به وهم يقولون بلغتهم الشحرية:
نجف عِدِدْ ..خَب عكْ عِنْهْ .. تب عر غِج حَرَدْ حجب لِه أيي سلُم هَت
وأخذ بعضهم يرقد الرقيد ابتهاجا بالبطل المغوار، الذي قهر الوحش المخيف وردع العدوّ الشرير، وقد عجزوا عنه هم
وآباؤهم وأجدادهم. ثمّ هُرعوا إلى السلام عليه وتهنئته بالنجاة، وأمر الشيخ غانم بذبح الذبائح وإقامة الأفراح
لكنّ مبارك قال: لا ذبائح ولا أفراح قبل أنْ اكشف سر هذا الشيطان الملعون وأقف على حقيقة شخصه
وكل ما أطلبه منكم أن ترصدوا تحركاته، وأن تبلغوني حينما ترونه في أي مكان.
فأعترض ابن فرضة رحى تاجر القرية قائلا: ما أجهلك يا ولد! وما أغباك! وما أسخف عقلك!
لقد نجوت من قبضة سبع الليل مرّة، فلن تنجو من مخالبه مرة أخرى. ثم أخذ يحرِّض القرويين السّذج على مبارك
شرع يحثّهم على منعه من التعرُّض لساكن البئر، وقال محذِرا: لقد رأيتم ما فعله الوحش بنا عندما سمع هذا الأرعن
يشتمه ويهينه، ولست مصدِّقا أنه قد طارد سبع الليل العظيم بمفرده، فإن شئتم أن تعيشوا في سلام فامنعوا الملطوم من
استفزاز ذلك الشيطان، ولا تسمحوا له بالاقتراب من البئر فهتف القرويون: مبارك الملطوم دع سبع الليل وشأنه
ثم انصرفوا خائفين هلعين، فشعر الفتى بالرثاء لأجل أولئك الرعاع.
ومضى تاجر القرية ينشر الدعايات الكاذبة ويخيف الناس ويهيجهم على ابن الفقعي مدّعيا الحرص على سلامتهم
من ثورة الوحش وغضبته الكبرى وفي الليل عاود السبع هجومهم مختبرا جدّية مبارك الفقعي وجرأته
وفي ذات الوقت أراد أن يؤكدا للقرويين الجهلة على صدق كلام التاجر بن فرضة رحى، واختار حيّا يبعد كثيرا
عن منزل آل الفقعي فهرع مبارك ومجموعة الشباب المتحمّسين يطاردونه، وما إن ابتعدوا حتى فوجئ الأهالي بصراخ
عويشة الدبّاغة أم منى بنت لبخيت ..
يتبع إن شاء الله



رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-09-2016, 10:33 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي



قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ




الاستيريو



وسمعوا صوت سبع الليل مجلجلا مهدِّدا المرأة وابنتها، فارتاعوا ولم يجرؤ أحد على الخروج إلى أن سكت تماما
وعندما دخل عليهن البعض وجدوهما محتضنتين بعضهما وقد تكوّرتا في زاوية الغرفة شاخصة أبصارهما إلى النافذة
وقام الجميع بواجبهم من المواساة والتعزية، وبعد ساعة عاد الشباب بعد ردع الوحش وإعادته إلى عرينه مدحورا
ولم يقدم أحد على ذكر ما حدث لمنى وأمّها أمام مبارك غير غلام أدركته الرأفة فقال:
مسكينة خالتي عويشة الدبّاغة، فلم يلقى الشاب المتعلّم بالا إلاّ أنّه انكر عدم حضور منى كعادتها
فذهب بعد مضي وقت طويل للاطمئنان، وما إن دخل عليهما حتى انفجرتا باكيتين.
وفي الصباح ذهبت بعض القرويات للاستسقاء فلم يجدن ماء وسمعن أصواتا شيطانيّة ترتفع من أغوار البئر
فرجعن إلى بيوتهن مذعورات. وعلم مبارك بذلك فخرج لا يلوي على شيء، وعندما وصل وسمع الأصوات أصيب بالدهشة
وطلب من رفاقه أن يحضروا له سلّما وحبالا وقد عزم على النزول ومواجهة الوحش المزعوم حالا
غير أنّ اتباع ابن فرضة رحى وثلّة من حمقى القرية تكاتفوا ضده ومنعوه من النزول ولم يسمحوا له
ولا لرفاقه حتى بالمكوث في الجِوار. وتوجّه بعضهم إلى منزل الشيخ غانم بن محمود وبلّغوه بنضوب الماء ومحاولة
ابن الفقعي فأصيب بالحيرة، واختلطت عليه الأفكار هل يصدّق العلم والعقل والمنطق أم الواقع الموروث الملموس؟
بينما ادرك الشباب الأربعة أنّ سبع الليل هذا ما هو إلاَّ لص دنئ من أبناء القرية يصل إليه حديث القرويين
ويعرف مخططاتهم، ويتصرف على ضوء ما يسمع ويرى. فعزم مبارك على نصب فخ محكم يوقعه في شر أعماله
وفي إجتماعهم السري تأكّد الشّاب المتعلّم من صدق نوايا الشبّان الثلاثة ورغبتهم في خدمة قريتهم وتخليصها من الرعب
ومن سيطرة المحتالين، وشرح لهم خطته التي تقتضي منهم شجاعة نادرة، وأعلمهم أنه سيضطر إلى القفز
خلف الوحش في المرّة القادمة إذا لم يتمكنوا من القبض عليه قبل ذلك. وبيّن لهم أن ذلك الوحش العفريت
الموهوم مجرّد عضو في عصابة لصوص يستغلون سذاجة القرويين وجهلهم، وأن الشخص الذي يقوم بدور سبع الليل
إنما يفعل ذلك لإلهاء الناس عن بقيّة اللصوص، فيتمكّنون من اقتحام المنازل المهجورة ويسرقون ما فيها دون رقيب
ثم يرفعون زميلهم من البئر ويقتسمون الغنائم، فإذا نفذ ما لديهم من مال أخرجوا سبع الليل.
وليثبت لهم صدق استنتاجاته سألهم: اسمعتم ما سمعت عند البئر؟ قالوا: نعم. سمعنا صوت الوحش سبع الليل
قال: كلا. ليس ذلك بصوت وحش بل صوت بشري مسجّل على اسطوانة استريو ضخم، قالوا: وما الاستيريو؟
قال: جهاز يصدر الأصوات ويخزّنها وسوف أريكموه متى ذهبنا إلى المدينة إن شاء الله.
ولكن من هذا المحتال الذي يعرف هذه الأجهزة الحديثة؟ قال عبدالله بن النعمان عي جَمْ:
ما دمت قد فسّرت سرّ الصوت فلابد أنّك تعرف سبب طول المحتال الفارع، قال مبارك: نعم يا عبد الله
إنّهم قد صنعوا له ساقين من الخشب ترتفعان قليلا عن الأرض، فإذا أدخل الخبيث رجليه فيهما ظهر كعملاق
وقد لبس جلبابا فضفاضا، فإذا رآه القرويون ضخّمه الرعب في عيونهم وصدورهم فهلعت قلوبهم
وسيطرعليهم الذعر، قال عمر: وماذا عن النار التي تخرج من فمه؟ قال: إن النار لا تخرج من فيه
ألا ترى في يده مشعلا صغيرا؟ قال الفتى: بلى، قال مبارك: فإنه يمتص بعض الزيت في فمه
من إناءٍ يخفيه ثم يدفعه نفثا بقوة إلى الموقد، فيشتعل الوقود الخارج وكأنه ينفث نارا
وخطوتنا الأولى هي القبض على هذا الذي روّع النساء والأطفال، وقذف في قلوب الناس الرعب والهلع
ثم يمكننا إن شاء الله أن نعرف بقية أفراد العصابة، فكونوا على استعداد تام.
وعندما تسمعون أن الوحش قد ظهر فتأكدوا أني سأكون في مواجهته
فإن أردتم أن تشاركوني في خدمة قريتكم فاطردوا الخوف من قلوبكم أولا. وأرسل الشيخ غانم بن محمود رسولا
إلى ابن فرضة رحى وآخر إلى بيت الفقعي يطلب حضور مبخوتٍ وابنه مبارك حالا، وعندما اجتمعوا في
البرزة قال الشيخ غانم: لقد وقعنا في ما كنّا نخشى، فإنّ سبع الليل قد سدّ العيون، ومنع عنّا الماء
وسمع الناس تهديداته، فكيف يمكنك يا ابن الفقعي أن تعيد جريانه؟ قال الفتى: سانزل إلى قعر البئر وابحث عن
العيون المسدودة فأفتحها، فقال ابن فرضة رحى هازئا: إن تلك البئر لا قرار لها، ومن نزل إليها
يستحيل خروجه منها حيّا، قال الفتى: وإن كان الأمر كما تقول فسأنزل وانظر بعيني رأسي
فغضب التاجر وقال وقد انتفخت أوداجه: اتظن أننا سنسمح لك بهذا العبث واستفزاز سبع الليل أكثر مما قد فعلت؟
إنك لا تدري ماذا يمكنه أن يفعل إذا نزلت إليه. قال الفتى: لا أبالي، قال التاجر: فعلا أنت لا تبالي بمصلحة
قومك، وإلا لما هيجت علينا العفريت، ولسنا ندري إلى متى سيحبس الماء بسبب طيشك ورعونتك، واحتدم الجدال.
فتدخّل الشيخ غانم لحسم الخلاف قائلا: يا بني لسنا نأمن عليك إن نزلت إلى قعر البئر، كذلك لا نعلم ما الذي
سيفعله بنا ذلك المخلوق، وإنّي اطلب منك ترك المغامرة والمخاطرة، وأرجو منك يا ابن فرضة رحى أن تفاوض
سبع الليل بشأن فتح العيون بما لديك من دراية في التعامل معه ونحن مستعدّون لدفع ما يرضي سيّد البئر
فردّ غاضبا: لن اطلب منه شيئا قبل أن يتعهّد ابن الفقعي بعدم إغضابه وعدم التعرّض له.
فقال الفتى: نجوم السماء أقرب إليك من هذا التعهّد فقال مبخوت والده: بل ستعتذر إليه وستتعهّد بما أمرت
وإلاّ فلي معك تصرّف آخر، فخرج الشاب المتعلّم غاضبا وتوجّه إلى منزل خالته عويشة الدبّاغة
فوجدها وابنتها تستقبلان جموع القرويات المتعاطفات، وحين أقبل عليهن بدأت اصابع الاتهام تشير إليه
في غضب وقالت إحداهن: كل ما جرى علينا بسبب هذا الفتى المغرور، فردّت عليها منى غاضبة:
كذبتِ بل كنتم تعانون الأمرّين منذ عقودٍ طويلة، فرحلت الزائرات ساخطات.
وما إن دخل مبارك السلام حتّى هشّتا ونهضتا إليه في سرور، وقالت الخالة عويشه الدبّاغة:
لقد كدت أفقد عقلي من دوي صوت سبع الليل. فقال مبارك ضاحكا: ليس ذلك صوت سبع الليل
بل هو صوت رجل جهوري مسجّل على أسطوانة استيريو ضخم. فقالت الخالة مستغربة:
ومن هذا الأسطوانة الاستيريو يا بني؟ فضحك مبارك وقال قاطعا وعدا: اعدكِ يا خالة أن أحضره إلى هنا
وأن أسمعك صوته. فقالت مرعوبة: لا لا. لا أريد رؤيته. فضحك الفتى ثم أخرج من جيبه قناعا ممزقّا
وجده ملقى في الطريق، وما إن شاهدته الخالة حتى فقدت وعيها فأسرع الشابان يسعفانها.
وفي هذه الأثناء دخلت جَمْ عَت ابنة الشيخ غانم بن محمود ونزه ابنة زايد الفقعي وليلى بنت عاشور
قدمن لمواساة منى بنت لبخيت وأمّها، وما إن رأين البرقع حتى تراجعن مذعورات فرمى به بعيدا
وحينما انتبهت الخالة عويشه وهي تتشهّد وتهلل. قال الفتى: معذورة يا خالتي
إنّ سيل الدعاية قد أعمى البصائر وانصرف فأخذت منى والفتيات يقلّبن القناع
فإذا بها قطعة قماش رسم عليها وجه شيطان وكان أحدهم قد وضعه على وجهه أثناء تشغيل الإستيريو
خلف منزل عويشه وابنتها وشرع يدخل رأسه من النافذة مرة بعد مرّة فأصيبتا بالهلع الرهيب.
والحّ الوجهاء على ابن فرضة رحى أن يذهب لمفاوضة وحش البئر فقال بلهجة الواثق: لا أظنّكم ترون ماء
ما لم يعتذر إليه ابن الفقعي ويعد بترك العدوان، ولكنني سأبذل جهدي، وفعلا توجّه وحده إلى البئر، ولمّا وصل
إلى هناك برك على ركبتيه وشرع يتوسّل إلى العفريت، فشاهد الناس دخانا كثيفا يرتفع من الأعماق، فذعروا
وعلموا أن سبع الليل رفض التوسّلات، وزاد سخطهم على ابن الفقعي يؤجّج ناره تحريض اتباع تاجر
القرية المتواصل. واستمرّ انقطاع الماء لمدّة ثلاثة ايّام كان كفيلا بإحداث أزمة مائية في القرية
كذلك تواصلت هجمات سبع الليل وقد منع مبارك من الخروج والتصدّي له بأمر من والده مبخوت الفقعي
ووجهاء القرية جميعا. ولم يجرؤ أحد على الخروج لصدّه غير رجل ملثّم كان يطلق عليه الرصاص
الذي لا يخترق بدن الوحش ولا يعلم أحد من هو فضج القرويون بالشكوى وتوالت استغاثاتهم
بالشيخ غانم بن محمود، فلمّا ضجر أرسل مرّة أخرى إلى ابن فرضة رحى فحضر يترنح بين رجلين يسندانه
تنبعث من فمه رائحة منتنة خبيثة وتدور عيناه وتقدحان شرا وقد احمرّتا احمرارا مخيفا، وفي البرزة ما فتئ يتجشأ
ويفأق ويتحرّك بفجاجة وقبح أسخطت رؤساء القرية الذين استنكروا ثقل لسانه وتفاهة الفاظه
وضحكه المتواصل بلا سبب، إلاّ أن مبخوت الفقعي أرعبهم حينما قال:

يتبع إن شاء الله




رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-09-2016, 11:55 PM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

أحداث متناغمة، تنقلنا متهافتين لمعرفة النهاية، بعد احتدام الأحداث وتشابكها، مما جعلنا نقرأ كلمة كلمة وحرفا حرفا؛ نظرا لما تحمله إلينا من معان سامقة، راقية. ونحن هنا بين أمرين وهما الحقيقة والوهم، الحقيقة التي ظهرت ساطعة ولها ما يؤيدها من الأدلة والبراهين، والوهم القاتم المظلم، الذي يخالف العقل والمنطق.
نحن في الانتظار، وسلمت أناملك الذهبية، وطاب حالك، أستاذنا الفاضل: ناجي جوهر.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07-09-2016, 09:37 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عائشة الفزارية مشاهدة المشاركة
أحداث متناغمة، تنقلنا متهافتين لمعرفة النهاية، بعد احتدام الأحداث وتشابكها، مما جعلنا نقرأ كلمة كلمة وحرفا حرفا؛ نظرا لما تحمله إلينا من معان سامقة، راقية. ونحن هنا بين أمرين وهما الحقيقة والوهم، الحقيقة التي ظهرت ساطعة ولها ما يؤيدها من الأدلة والبراهين، والوهم القاتم المظلم، الذي يخالف العقل والمنطق.
نحن في الانتظار، وسلمت أناملك الذهبية، وطاب حالك، أستاذنا الفاضل: ناجي جوهر.



السلام عليكم يا أم عمر
أحاول من خلال أحداث هذه القصة البرهنة على قدرة
الدعاية والشائعات النافذة في المجتمعات على طمس
الحقائق وعكس الموازيين وتهميش العقول وفرض
الواقع مهما كان سيئا على الكثيرين
وتبقى معركة الخير والشرّ مستمرّة إلى أن يرث الله الأرض
ومن فيها. ومع أن أنتصار الحقيقية محتوم لكن آثار البغي
تطبع سوادها على الناس إلى درجة إنخراط الكثيرين
في الضلال مع علمهم المسبق بفساد نتائجه.
شكرا يا أم عمر
حفظك الحفيظ
تحيّاتي







رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16-09-2016, 10:36 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ الولد المُطيع







قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ



الولد المُطيع


إن سبع الليل قد بدأ يتلبّس جسد الرجل
وأخشى أن تثور ثائرته فيهاجمنا ويهاجم عيالنا عندما يستتمّ تلبُّسه.
فأمر الشيخ غانم بإعادته إلى منزله، وزاد هلع الناس واشتدّت معاناتهم في اليوم
الرابع وفي اليوم الخامس سمع صراخ الأطفال العطشى وأنين العجزة وآهات المرضى.
وشق على الشيخ غانم ما تعاني قريته من محنة، فأستدعى تاجر القرية وطلب منه فعل
شيء يعيد الماء إلى البئر، فقال ابن فرضة رحى: لن يرضى سبع الليل عنكم ما لم يعتذر
إليه ابن الفقعي ويقسم على عدم التعرّض له. فذهب شيوخ القرية إلى منزل مبخوت الفقعي
واجتمعوا به وابنه مبارك، وقال الشيخ غانم: لقد بلغ السيل الزبى يا ابن الفقعي ولم يعد
من الصبر ملء فنجان، وإنّا إنّما اتينا لنحذّرك من مغبة التمادي في الاستخفاف بسبع الليل
ولن نخرج من هنا إلاّ بعد أن تعطينا عهدا وميثاقا أنّك لن تنزل إلى البئر، ولن تعترض طريق
الوحش وإلاّ حبستك فماذا ترى؟ قال الشاب المتعلّم: أما العهد والميثاق فإنّي أتعهّد لكم بكشف
حقيقة سبع الليل والقبض على العصابة التي روّعتكم و..
فقاطعه والده مبخوت غاضبا: لقد عملت ما بوسعي لحمايتك فأبيت إلاّ الخروج علينا
وإثارة المشاكل في قريتنا، فليس لك من علاج غير الحبس فخذه يا شيخ غانم إلى الحبس
وحاول آل الفقعي الاعتراض فأقسم مبخوت أنه سيحبس كل من يخالفه أيضا.
وأخذ مبارك وسط بكاء وعويل نساء العائلة وعندما وصل النبآء إلى ابن فرضة رحى أقبل يسعى
حتى دخل على الشيخ غانم بن محمود، وأخذ يمتدح حزمه وحكمته وحرصه على منفعة أهله
ثم قال: أمّا وقد قبضتم على رأس الفتنة والجمتم حماقته فسوف أتوسّل إلى سبع الليل
أن يعيد إلينا الماء. ولكن يجب أن نقدّم له هديّة فاخرة تزيل أثر غضبه، فلا يبخلّن أحد بمال
أو بمصاغ، وخرج أعوانه يجمعون تبرّعات القرويين حتى ملئوا سلالا بكميات من الأطعمة
والقطع الذهبية والنقود والحلِيّ. ثم خرج إلى البئر فانزل كل ما جمعوه ثم جثى يتوسّل
وما هي سوى لحظات يسيرة حتى سمعوا طبلا وزمرا يرتفعان من الأعماق، فأرسل أحدهم الدلو
ورفعه مملوء، فصاح التاجر مغتبطا: شكرا لك يا سبع الليل يا أبا الفرس والخيل،
وحينما سمعت القرويات ذلك أطلقن الزغاريد ابتهاجا بعودة المياه إلى مجاريها، وخرج
السفهاء والغوغاء يحتفلون بالنصر العظيم الذي حّققه ابن فرضة رحى وهم يغنون وينشدون
أشعارا تمجّده وتفخّمه وتثني على حكمته وبراعته، ويطوفون بين الأحياء
واجمع القرويون على الرضى بما يفعله سبع الليل. وأختفى بعد ذلك ابن فرضة رحى
وبعض اتباعه وقيل أنّهم سافروا إلى المدينة. فهو الوحيد الذي يتاجر بمنتجات القرية
الزراعية والحيوانية، في المدينة وارثا هذه المهنة عن آبائه وأجداده.
وهو الوحيد الذي يقرأ ويكتب قبل وصول مبارك بن مبخوت الفقعي، فلقد أرسله والده
إلى المدينة قبل أن تفعل أم مبارك، ولكثرة خيرات القرية فقد استقرّ فيها
لكنّه كثير ما يختفي عن الأنظار. وكثير ما يشاهد القرويون ضوءا في البئر.
أمّا الشاب المتعلّم فقد حبس في منزل يقع على أطراف القرية يحرسه حارسان، فإذا أقبل الليل
سمحوا لأخوته وأقاربه وأصدقائه بالسهر والنوم عنده وذات صباحٍ وبعد انصراف إخوة مبارك
وأصدقاؤه دخلت عليه منى برفقة فتاة أخرى، وقالت الفتاة هامسة:
لقد كنت أتبعك وأنت تطارد الوحش المزعوم، وأنا من كان يطلق عليه النار، ولا أدري ما علّة
الرصّاص الذي لا يخترق جسده، وانا على يقين تامٍ أنّه احد رجال القرية وله أتباع
هم الذين يدخلون البيوت ويقومون بسرقة المال ولكّن هؤلاء البؤساء قد ملئت قلوبهم رعبا وهلعا.
فلا يمكنك اختراق عقولهم إلآّ بالحيلة ثم غادرتا
فأعجب ابن الفقعي بجرأتها وذكائها، ووجد رأيها منطقيا، فقرّر اللجوء إلى المكر والخداع في حربه
ضد المجرمين. وعندما أحضر أخوه بدر صحن عصيدة ليفطرا عليه معا فوجئ به جاثيا
على ركبتيه وسط الغرفة يناجي سبع الليل: يا سيّد البئر ومالكها، ومجري المياه وحابسها
وحامي القرية وحارسها اعفو عنّي فقد أخطأت، وسامحني فقد تسرّعت
أرجوك يا سبع الليل يا ابا الفرس والخيل.
فوقف بدر غير مصدّق عينيه ولا أذنيه وعندما شعر مبارك بوجوده كفكف دموعه وجلس واجما
فاطلق بدر ساقيه للريح حالا وعدى حتى وصل إلى المنزل وأخبر والده بما سمع ورأى.
فأقبل مبخوت يكاد يطير فرحا، وعندما أكّد له مبارك توبته عن مطاردة سبع الليل عانقه مهنئا
وذهب به إلى منزل الشيخ غانم بن محمود، فسرّ كل من كان في المجلس واثنوا على الولد المطيع.
وأصيب رشيد وعبدالله بن النعمان عِي جَمْ ومحمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ بالإحباط، وكرهوا ابن الفقعي
كراهية شديدة، وتجنّبوا مخالطته والحديث معه.
وليلا خرج السبع مستعرضا قوّته فلم يعترض سبيله أحد. وعندما أطمئن وجهاء القرية إلى
خضوع مبارك اقترح عليهم زايد الفقعي عمّ الشاب أن يبنوا له دارا يعلّم فيها عيالهم
تلاوة القرآن والكتابة ومبادئ الحساب مقابل أجرٍ زهيد، فتحمّسوا للفكرّة الذكيّة، فسوف
ينشغل ابن الفقعي بالدرس عوضا عن مطاردة الوحش. وأبدى الشاب سعادة بالغة والتحق
بالمدرسة عدد قليل من الفتية والفتيات لكن القليل خير من العدم،
وتوقّفت هجمات سبع الليل بعد أن أمن جانب ابن الفقعي، وبعد عودة ابن فرضة رحى
بأيّامٍ انتشرت شائعات مفادها أن الوحش يكافئ القرويين بحلي من الذهب تعويضا لهم
عما أخذ منهم، واعدا بعدم مهاجمتهم ما لم يستفزّه أحد. فأسرعت القرويات إلى البئر
وما إن ترفع احداهنّ دلوها حتى تجد فيه عقدا من الذهب، وأنطلق اعوان تاجر القرية
يبشّرون الناس بالرخاء والسعة والعيش الرغيد، شاكرين فضل وكرم وجود سبع الليل
منوّهين إلى إنجازاته العظيمة مشيدين بحكمته وعدله ورحمته.
واقتنع القرويون تماما بفضل الوحش عليهم، وأحبّوه حبا جما إلى درجة أن كثير منهم
اسموا عيالهم سبع الليل تيمّنا بالوحش المبارك.
وفوجئ فريق النجباء بالأحداث الأخيرة، وأختلطت عليهم الأمور خاصة بعد أن رأوا بعض عقود
الذهب التي خرجت من البئر، وكان الشاب المتعلّم قد أقنع أصدقاءه بإستراتيجيته الجديدة
المتركّزة على إقناع أكبر عدد ممكن من الناس سرا بحقيقة سبع الليل
فكانوا يتحدّثون إلى من يثقون بعقله في سرِّيّة تامّة. لكن عمر الأسرار قصير، وعلم الوحش
بما يدبّر مبارك الفقعي، فغضب غضبا شديدا وأضمر شرا إلى أن جاء يومٌ سافر فيه الشّاب
إلى المدينة لجلب بعض المواد القرطاسية، واستغرقت رحلته أياما نظرا لوعورة الطريق
وبعد المدينة الشاسع والاعتماد في الرحلة على الحمير. وبعد سفره بليلتين فوجئ القرويون
باستهداف سبع الليل المدرسة ثم حظيرة ماشية عويشه الدبّاغة أم منى مشعلا فيهما النيران
وكان ذلك تصرفا أرعنا منه غبيا
وفي الصباح وجدوه لم يأخذ شيئا غير جلودا مدبوغة لخالة إبن الفقعي فشمت الشامتون
واستأنس الساذجون وأسف المحبّون، ورافق مبارك في رحلته عمّه زايد وعبدالله بن النعمان
ومحمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ ومنع الشيخ غانم ابنه رشيد من مرافقة الفريق، ثم سمح له بعد تدخلّ
ابنته جم عت ووالدتها فلحق بهم رشيد ورجلان أخران على بعد يسير من القرية.
وعرض مبارك العقد الذي استعاره من خالته عويشه الدبّاغة على أحد الصاغة
فأكّد له أن العقد مصنوع من النحاس المطلي بما الذهب، وأن لا قيمة له،
كما سأل عن الرصاص الذي لا يخترق جسم الوحش فقيل له إنّ ذلك يسمى رصاص صوتي
كما أصطحب عمه زايد والشبّان الثلاثة وأراهم الاستريو وأسمعهم صوته فزال كل ما بقي في
نفوسهم من شكٍّ وحيرة، وحينما عاد الشاب ورفقاؤه من السفر وعلم بما فعل سبع الليل
غضب غضبا عاصفا، وتوجّه من فوره إلى مجلس الشيخ غانم بن محمود وقال:
لقد التزمت بما الزمتموني، ولكن الوحش الذي تزعمون خرق الهدنة وغدر بي وحرق مدرستي
ونهب بضاعة خالتي، ولست بالساكت عن حقها ولا بالمتنازل عن حقّي. ولن يمنعني أحد من
النزول إلى البئر ومواجه سبع الليل هذا كائنا من يكون، وخرج غاضبا فارسل خلفه الشيخ غانم
عددا من العساكر قبضوا عليه وأودعوه الحبس مرّة أخرى.
ثم ارسل إلى مبخوت الفعي يستدعيه، فلمّا حضر انبأه بما حدث وقال:
أخشى أن يرتكب ابنك حماقة ندفع جميعا ثمنها، فحبسته حتى نجتمع وننظر فيما يرضيه
ويسكِت غضبه، فاستحسن مبخوت ذلك وانتظر قدوم بقيّة رؤساء القرية، وعندما حضروا
وتداولوا القضيّة اقترح أحدهم تعويض خالة الشاب عن ممتلكاتها، وبناء المدرسة من جيوبهم
فاتفقوا على هذا الرأي وانفضّ الاجتماع ثم عرضوا مبادرتهم على ابن الفقعي الشاب المتعلّم
فأظهر الرضى وأبطن الإصرار على اكتشاف المجهول فأطلقوا سراحه
ثم عيّن الشيخ حارسين يحرسان البئر وخلال فترة بناء المدرسة كان ابن الفقعي يجتمع
مع الشباب الذين تبنّوا وجهة نظره في منزل عمّه زايد الفقعي، يتدارسون كيفية الوصول
إلى حقيقة سبع الليل وفضح اعوانه، وكانت تشاركهم خمس إناث هن: ليلى بنت خميسان
وزكية بنت عاشور ونزه بنت زايد الفقعي ومنى بنت لبخيت وهي ابنة خالة مبارك وجم عت
ابنة الشيخ غانم بن محمود.

يتبع إن شاء الله




[/ce
nter]
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22-09-2016, 09:58 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي سبع الليل والبئر المعطّلة الفتور



قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ




الفتــــور



ليلى بنت خميسان ارملة عشرينيّة، هي التي كانت تطلق النار على الوحش
وهي من اقترح على مبارك اعمال العقل في معركة سبع الليل قُتل زوجها ذبحا
عندما تصدّى لاعوان الوحش ذات ليلة حاول فيها أن يحمي عرضه وماله حينما دخلوا
منزله وقد ظنّوه خاليا، فذبحوه وزوجته وعياله ينظرون. فادركت المرأة حقيقة سبع الليل
ولم تجرؤ على الإفصاح عمّا يختلج في صدرها حتى قدم مبارك الفقعي وصدع بالحقيقة
فبادرت إلى تصديقه وتأييده وطُرِد عاشور بن جمعان بيت لَبْزْ والد زكيّة من القرية
بعدما صرّح بأن وحش البئر مجرّد خرافة اخترعتها مجموعة من المجرمين، قال ذلك
بعدما سمع الأصوات المنبعثة من مجاهل البئروعرف مصدرها، فبادر تاجر القرية
ومبخوت الفقعي وأعوانهما إلى تكذيبه والتشهير به كنذير شؤم على الجميع، مستغلّين
إصابته بالبُهاق وذهاب الشيخ غانم بن محمود لأداء فريضة الحج، واشاعوا بين الناس
أنّ لعنة سبع الليل قد أصابته، فإن لم يطرد حالا فستصيب اللعنة سكّان القرية جميعا
وعندما رفض الرجل مغادرة قريته أحاط الاتباع وغوغاء القرية بحقله وحظائره نهارا
جهارا ووضعوا حولها أكواما هائلة من الحطب والقش وهّددوا بحرقها ما لم يرحل فورا
فخرج عاشور وحيدا، ولم يسمح له حموه بأخذ زوجته وابنه وابنته معه، فارتسم
ذلك المشهد المرعب في ذهن الطفلة زكيّة التي أصبحت الآن شابة فائقة الحسن والجمال
تقيم على وجهها علامات العبوس والاستياء.
ولم تكن جم عت بنت الشيخ غانم بن محمود على صغر سنّها مقتنعة تماما بحقيقة الوحش المزعوم
الذي لا يدخل المنازل ومع ذلك تتمّ سرقتها، إنها في سنِّ المراهقة لكنّها ذكيّة نبيهة سريعة
الملاحظة كثيرة الأسئلة توّاقة إلى المعرفة في خلاف دائم مع أسرتها بسبب سخطها الدائم
وعدم اقتناعها بكثير من الأفكار والسلوكيات المتوارثة، فهي لا تقبل شيئا بديهيا بالنسبة للآخرين
إلاّ بعد فحص شامل. منى بنت لبخيت لم تكن على درجة كبيرة من الذكاء بخلاف الجمال الريفي
الذي يتوهّج في ملامحها الوضيئة ولكنّها تصدّق مباركا بسبب الحبِّ الكبير الذي تكنّ له في أعماقها
ونزه بنت زايد الفقعي أيضا تحبّ ابن عمّها مبارك حبا جما. وتفتخر بعلمه وثقافته وشجاعته
في مجالس القرويات واجتماعاتهن، وكانت امّه قد أرسلته وهو طفل إلى أهلها في الدولة المجاورة
ليتعلّم في مدارسها، وها هو ابن العمّ الذي غادر طفلا يعود شابا متعلِّما مثقفا حاذقا، ولن يصرّح إلا
بما هو حقا وصدقا. فكانت نزه من اشدِّ المتحمّسات لأفكار مبارك الفقعي.
رشيد بن الشيخ غانم لا يقلّ ذكاء ولا فطنة عن أخته جم عت ولكنه ليّن الجانب شديد الحياء
إلى درجة التخاذل، لذلك لا يحسب له القرويون أي حساب، ولا يكترثون لرأيه ولا يأبهون به
فهو في نظرهم شاب بائس ضعيف، والقروي لا بدّ أن يكون صلبا شديد المراس، إذا نطق تهتزّ
الجدران لصخبه. رشيد أكبر من مبارك بسنوات ولكنّ قلبه الذكي الهمه أن رأي ابن الفقعي منطقي
بخلاف الخرافة المتوارثة، ومع أنّ عبد الله بن النعمان عي جَم يعاني من التأتأة إلاّ أنّه يحاول وبكل
عزيمة وإصرار أن يكشف زيف نظرية سبع الليل، نظرا لما قاست عائلته الغنيّة من نهب أموال
وسلب ثروات وهم لا يعلمون من الجاني. ودافع عبد الله بن النعمان عي جَم هو دافع محمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ
علاوة على أن محمّد كان قد شاهد أشباح رجالٍ يدخلون منزلهم عقب هروبهم وخروجهم منه عدّة مرات
الأمر الذي شكّكه في وجود عصابة تقوم بالسرقة خلال هجوم سبع الليل، لكنّه لم يجرؤ على ذكر خواطره لأي
مخلوق، كذلك لم يجرؤ على التعبير عن الحب الكبير الذي يحمله لمنى بنت لبخيت في قلبه لأسباب اجتماعية
حتى إذا ضاق ذرعا بكتمان مشاعره باح إلى صديقه مبارك الفقعي برغبته في الزواج من ابنة خالته منى
أمّا زايد الفقعي فهو رجل أربعيني، إلاّ أنّه لم يغادر القرية في حياته قط غير إلى المراعي القريبة



لرعي الماشية أو لجمع الحطب وكان مؤمنا كما يؤمن أهل قريته بحقيقة سبع الليل الوحش المرعب
وذات يوم جرى بينه وبين ابنته نزه حديث طويل، وقد حزّ في نفسها موقف عمّها مبخوت من ابنه
وقيامه بإهانته وتوبيخه إرضاء لتاجر القرية ثارت حميّة وغضب زايد لأجل ابن أخيه
الذي يفخرون بعلمه وعقله وحكمته، ومع مرور الأيّام وظهور الكثير من الدلائل والقرائن
اقتنع الرجل تماما أن سبع الليل مجرّد إنسان عضو في عصابة إجرامية، وبدأ يراقب بعض
الرجال العديمي الذمّة. وبعد حادثة حرق مدرسة ابن الفقعي توقّف سبع الليل عن الظهور.
وفي يوم من الأيّام وعندما عادت زكيّة بنت عاشور إلى المنزل وجدت أخاها عوض قحمُمْ
في انتظارها، وكانت أمّها قد توجّست شرّا من اجتماعاتها المتكررّة مع منى والبنات الأخريات
فشكتها إليه بعد أن فشلت في السيطرة عليها. وما إن وضعت الفتاة قدمها داخل المنزل حتى جذبها
إلى الداخل بكل قسوة وغلظة، وأغلق الباب وأنهال عليها توبيخا وسبا ولعنا، ثمّ قال لها مهدّدا:
إن لم اقتنع بحجة خروجكِ المتكرّر فوالله لاشبعنّك ضربا، وأخرج عصا خيزران كان يخفيها
فصرخت الفتاة هلعا ورعبا، وسمع الجيران صراخها واستغاثتها وأقبلوا يقرعون الباب
فأبى عوض قحمُمْ أن يدخلهم وقد جُنّ جنونه والفتاة وأمها تستغيثان، وهو يكرر سؤاله:
أين كنتِ؟ وهي لا تجيب في اصرارٍ عجيب.
فهرع بعضهم واستدعى الشيخ غانم بن محمود فأتى على عجل وأمر بكسر الباب. فوجدوا الرجل
قد أمسك بيد أخته يحاول ضربها وهي وأمّها تقاومانه، فأمسكوا به وانتزعوا الخيزران من يده
فجلس ثائرا مغتاظا. فطلب الشيخ من الجيران المغادرة ويعد انصراف الناس سأله منتهرا:
أجننت أم أصابك ما أصاب ابن القلعي؟ وماذا فعلت الفتاة لكي تضربها؟
قال عوض قحمُمْ: إنّ هذه المدللة قد أكثرت من الخروج مع منى بنت عويشه الدبّاغة وأخريات
ولا نعلم إلى أين يذهبن ولا ماذا يصنعن؟ وقد غلبتنا عنادا وإصرارا على عدم كشف سرّ
ذلك الخروج المتكرّر. ومع كل ما سمعت من تهديد ووعيد فلم تعترف حتّى الآن بخطئها
فلا شك أنّهن يمارسن فعلا قبيحا. فقال الشيخ غانم: معاذ الله يا بني، فإنّ بناتنا طاهرات عفيفات
وتربطنا جميعا صلة رحم ونسب. فما تظنّه ليس صحيحا بالمرّة.
فقال عوض قحمُمْ: فما السرّ الذي تخفيه عنّا إذا؟ قال الشيخ دعني أسألها فربّما فتحت قلبها لي
ولكن أخرج أنت الآن فإنها لن تنطق بحرف واحدٍ في ظِلِّ وجودك وقد أرعبتها. فخرج يسبّ
ويشتم، فاستدعتها أمّها فخرجت ترتجف من الخوف والهلع. فقال لها الشيخ:
لا بأس عليك يا ابنتي. فإنّ أخاك وأمّك يخافان عليك، وأنتِ لم تذكري لهما سبب خروجك المتكرر
فما السرّ الذي تخفين؟ ولك عليّ عهد الله وميثاقه أن لا أبوح به لمخلوق أبدا
قالت الفتاة:ما من سرّ يا عمّ، نحن فقط نجتمع مع ابنتك جم عت ونناقش قضيّة سبع الليل.
فضحك الشيخ غانم بن محمود حتى استلقى على قفاه، ونادى أخاها فلّما أقبل هربت
فقال لها الشيخ: الم أتعهّد بحمايتكِ؟ تعالي يا ابنتي فلن يؤذيك أحد أبدا.
وعندما جلست قال موجها كلامه إلى عوض قحمُمْ: يجب عليك أوّلا أن تعتذر إليها وتقبّل رأسها
فقال لن أفعل قبل أن أعرف حجتّها، فقال الشيخ: أخبري أخاك يا ابنتي. فقالت له بنبرة التحدّي:
نحن ندرس مشكلة سبع الليل الذي أرعبكم. فضحك عوض قحمُمْ بدوره، ونهض يريد تقبيل رأسها
فقالت له: ابتعد عنّي لا أريد قبلاتك. فقال وهو يضحك: أنتنّ تدرسن قضيّة سبع الليل؟ يا للعجب! نساؤنا أشجع منّا.
وبعد انصراف الشيخ غانم عاد إلى تهديدها قائلا: لا شأن لنا بسبع الليل ولا بسِتّ النهار، وأنا أحذّرك من مرافقة
أولئك البنات، ثم أنصرف.
ووصلت تفاصيل الحادثة إلى أذن سبع الليل، فقرّر أن يعيد الهلع إلى قلوب القرويين.
وعلى مائدة الغداء كان الشيخ غانم بن محمود على غير طبيعته اللطيفة، فهو واجم عابس الوجه
فسألته أم رشيد عمّا به فقال: إنّ ابنتك جم عت تتبنّى أفكار ابن الفقعي الطائشة، وتجتمع مع الفتيات
الساذجات وتحرّضهن على التمرّد والخروج عن طاعة ذويهن. فقال رشيد: ليست جم عت وحدها
من ينكر وجود وحش في البئر بل انا أيضا واثقا كل الثقة من أنّه مجرد لص من ابناء القرية
فهب الشيخ غانم واقفا وقد اغتاظ غيظا شنيعا وقال: ما هذا يا رشيد؟ اتكذّبني وتكذّب آبائي وأجدادي؟
قال رشيد: حاشاك وحاشاهم يا ابي من الكذب، ولم يجرؤ على قول المزيد، فخرج الشيخ لا يلوي على شيء
وفرح مبارك برغبة محمّد بن سعِدْ إِرْ مَغلِلْ في الارتباط بابنة خالته ارتباطا شرعيا، ووعده بمناقشة الأمر معهما
وعندما سمعت منى كلامه غضبت غضبا شنيعا، ورفضت ذلك الخطيب، وقاطعت اجتماعات الفريق
وامتنعت عن زيارة خالتها، وأمعنت في الابتعاد عن مبارك فإذا دخل منزلها خرجت وإذا خرج دخلت
لكي لا تقابله، وعندما أخبر صديقه برفضها حزن وأغتمّ، وانقطع بدوره عن حضور الاجتماعات، فخسر
الفريق عضوين من أعضائه وأصيب الجميع بالإحباط والخذلان ولحق مباركا حزن مرير بسبب تصرّفات منى
وردّة فعلها المبالغ فيها وهو لايدري سبب رفضها ذلك الشّاب الصالح المهذّب المستور ماليا
كما شدّد عوض قَحْمُمْ الرقابة على أخته زكيّة فكان حضورها الاجتماعات نادرا وقصيرا جدا.
وبدأ الفتور واليأس يتسللان إلى نفوس مجموعة النجباء
وشعرت ليلى بنت خميسان بذلك فذهبت إلى ...

يتبع إن شاء الله






التعديل الأخير تم بواسطة ناجى جوهر ; 22-09-2016 الساعة 10:05 PM
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28-09-2016, 02:00 PM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

إلى الأمام أيها الأستاذ الفاضل ونحن معك نقرأ ونعي بكل ما اوتينا من قدرات، مستأنسين بوفرة الأحداث وجمالها وجلال قدرها، مشرئبي الأعناق إلى النهاية، دمت موفقا، أخي: ناجي جوهر.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:31 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية