روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     نبسـط لـك الهوى [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     ذاكــرة أمـواجُ الشـوقِ‏ [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     متى تَلتَئِم الجراح [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     وجوه تهوي بها الأيام فترميها ب... [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,512ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,773ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 8,228
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,478عدد الضغطات : 52,256عدد الضغطات : 52,362

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > القصة القصيرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 01-04-2013, 11:13 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي حكاية شعبية

أبو البنات السبع

الجزء التاسع

قال الطارِق : أنا ياقوت و قد أتيُت لأسألك إن كنت ترغبُ في شيء ؟
ففتح أبو ساعِدة رُويدا رُويدا, فلما رأى ياقُوتا لِوحدِه, جذَبه إلى الداخل
ثم أوصد الباب, وأجلس الخادم على الكرسي, وبَرَكَ هو أمامه على رُكبتيه
وأخذ يبكي وينتحِب, ثم قال في ذُلٍ وإنكسار:
أرغب بالنجاة يا ياقوت , إن أم ساعِدة قد توعدتني, ولست آمن على نفسي نقمة إخوتها
فأنقِذني يا قوت ... أتوسّلُ إليك, أو أخرجني من هنا قبل مجيئهم, أو خبئني
حزِن ياقوت على ما وصل إليه حال سيده, نتيجة الظلم والبغي, والغرور والكِبر
فقال له ناصِحا : أرى يا سيدي أن تذهب إلى أخيك, وتعتذِر إليه, وتصافيه
فأستشاط أبو ساعِدة غضبا, وصاح بالخادم :
أنا أذهب وأعتذِرُ إلى ذلك الفقير الحقير ؟
والله لن يكون هذا أبدا, ولو جُلِدَ ظهري, ونُتِفت لِحيَتي !!!
أخرج عني أيها الرذيل, ولا تعُد لِمثلها أبدا
فخرج الخادم وهو يضرب كفا بِكفّ
كانت أم ساعِدة تتنصّتُ عليهما, فلمّا سمِعت ردَ أبو ساعِدة على الخادم
أعجبَها ذلك منه, ورَضِيت عنه, وزال غضبها, فبادرت إليه تراضيه
مضَت أسابيع وأشهُر عديدة, ولم ينسى أبو ساعِدة الخسارة المالية الفادحة التي مني بها
ولا ما تعرّض له من إمتهان, وسُخرية !!
وكان يُلقي باللوم على أخيه, ويتعلل بحسد الناس, وتحاملهم عليه
ولم يشاء أن يهتدي للحقِّ و الصواب, وأن يعتَرِف بأنّ خُبثِهِ ومكرِهِ
و سوء نِيته, وطمعه, وجشعه, وظُلمه, وكِبرهِ و عُتُوّهِ وغُروره
وإستسلامه لأم ساعِدة, وتفريطه في تأديب ولده كانت وراء ما جرى له
لذلك فقد إشتعلت نيران الحِقدِ في صدره, وزاد مُقتُ أخيه وبُغضِهِ في قلبه
فشرع في حِياكةَ خُيوطِ مؤآمرة جديدة, يتمكِّن بها من إسترداد أمواله
و الإنتقام لكرامتهِ التي داستها أرجل الصيادين .... !!!
كان أبو البنات السبع وعائلتِهِ قد إشتروا سفينة قديمة, ولكنها كبيرة واسِعة
فصار يصطحِبُ معه بعضَ بناتِه في رحلات الصيد اليوميّة
فبُسِط لهم الرِزقهم, وصلُحت أحوالهم, وتيسَّرت أمورُهم, وطابت معيشتهم, وبدأ البؤسُ يُفارِقهم
فأنفقوا مما كَسبوا على أعمال البِر, كفلوا الأيتام, وأعانوا الَعجَزة
وأطعموا الطعام على حُبِهِ المساكين, وعابري السبيل, والمعوزين
فغمَرَهم الكريم ببرَكةٍ من عنده, وحطَّ طائرُ السُعدِ على كوخِهِم
وأبتنوا دارا واسعة بعد أشهُرٍ أخرى, وذاع صِيتُهم, وعرفهم
القاصي قبل الداني, وحفلت المجالِسُ بذكرهم العطِر, وسيرتهم الحميدة, وأمتدحهم الشعراء
كانت هذه الأنباء تصل أبي ساعِدة و أم ساعِدة , فكانا يغتاظان, ويحترقان
من الغيرة والحسد, و يزدادان غِلا وحِقدا, ولكنهما لا يفعلان شيئا
يُحببهما إلى الناس, و يرفع مقامهما, ويُشرِّف قدرهما, فهما بخيلان
غليظان, لا يعرفان سخى اليد, ولا بذل المال, ولا عمل الخير بدون مُقابل
وأكتفيا بتدبير المكايد, والسعي للقضاء على تلك العائلة الكريمة, ومحو ذِكرها
ففي مساء يومٍ من الأيام, وبينما كان أبو ساعِدة يُسامر بعض خِلانه, في السوق
مرَّ من أمامهم إعرابي يُرافِق طفل في الخامسة من العُمرِ, وطِفلة أكبر سِنا
فأستدعاه أحد التجار, وسأله قائلا : عمّن تبحث يا أخا العرب ؟
قال الغريبُ : لقد سمِعنا عن رجلِ كريم يُدعى أبو البنات السبع, وقيل لي
إنه يؤوي الأيتام, ويُغيث الملهوف, ويُحِسن إلى الناس, وُيطعم ال ...
فقاطعه أبو ساعِدة غاضِبا : إنهُ صياد خبيث ماكر, يسعى لأن يمتدِحهُ الناس
و أنا أكثرُ منه مالا, وأعز نفرا, و أطولُ يدا, فقل لي ما حاجَتُك, فاقضيها ؟
قال الُرجل: إنّ هذين اليتيمين, كانا تحت كِفالتي, ولكنني ومنذ خسِرت
أموالي, لم يعُد بِمقدوري الإنفاقُ عليهما, فإن شئتَ أن تكفُلهما, وإلا أخذتهما
إلى ذلك الرجل الذي سمِعتُ عنه ...
فلمّا سمع أبو ساعِدة مقالة الرجل
إرتبك وحار, وقع بين نارين ...
إمّا أن يترك الغريب يذهب إلى أخيه, ويفتضح هو أمام رفاقِه وغيرهم من الناس
ويُصبِح حديث المجالس في البُخل, أو أنه يأخذ الطفلين, ويتعرّض لسخطِ أم ساعِدة
فسَكَتَ وهو مُحرج, فلمّا طال سُكُوتُه, قال له الإعرابي :
أراك قد كرِهت كِفالةَ اليتيمين ...
قال أبو ساعِدة : لست أكره كفالتهما, ولكنني ... ولكنني ...
فضحِكَ الناس, وأنصرف الإعرابي, وهو يهزاء به
لم يُطِق أبو ساعِدة بعدها المكوث في السوق, فغادر مُسرعا إلى قصرِه
وعندما وصل إلى القصر لم تكن أمُ ساعِدة موجودة, فأنتظرها مضطربا
إلى أن جأت بعد وقت قصير, وأخبرها بقصته مع الإعرابي, فقالت له :
أراك لا تُحسِن التصرُف, فعد إليه الآن قبل أن يصل إلى دار الصياد الحقير
ثم أعطه مبلغا من المال, وخذ منه اليتيمين, و أتني بهما, ودع الباقي عليَّ
كان ذلكم الأعرابي رجل شهم, وذو مال ورفعة, لكنه كان يُحب القِمار
فخسِر كل ما يملك, وأصبح فقيرا مُعدما ومديونا
لا يجد ما ينفقه على اليتيمين
وعندما عرض عليه أبو ساعِدة المال, مُقابل الطِفلين, غضِب غضبا شديدا
وثارت نخوتُه العربية, فأستلَّ سيفَه, وأراد أن يشُجّ رأس أبي ساعدة , فمنعه الناس
وفر أبو ساعِدة هاربا من أمامه, وعاد إلى قصرِهِ خائفا مرتجفا خائبا
فأستقبلته أم ساعِدة المتسلِطة, بالتسفيه, والتحقير
فصعد إلى غرفته مرعوبا, يلتمِسُ الأمان ...
أما ذلك الإعرابي فقد قُبض عليه, وأتِّهمَ بالجنون, وأودِع الحبس
فطلب من بعض الناس أن يُسلّموا الطفلين, إلى أبي البنات السبع
فإصطحبهما أحد أصهار أبي ساعِدة الخبثاء, فلما أمسوا في بعض الطُرقات
غدر باليتيمين, وتركهما يهيمان على وجهيهما, وهما غريبان لا يعرفان البلاد
وقد قاربت الشمسُ على الغروب, فخاف الطفلان وبكيا, وأخذا يطوفان
في الأزِقّةِ والحواري, على غير هدى ...
ولأنّ الفتاة ذات العاشِرة كانت خرساء, فلم يكن بمقدورها أن تستنجِد أوأن تستغيث
بينما كان أخوها طفلا صغيرا, لا يعقِل, فساقتهما أقدامهما إلى باب قصر أبي ساعِدة
وقد غربت الشمس, وحين قرعاه, فتح ياقوتُ الباب, ووجد الطفلين, وسألهما عن شأنهما
ولكنه لم يتلقى جوابا منهما, إذ كان الولد يبكي, ويرتجِفُ من الجوع والخوف والبرد
بينما كانت الفتاة الخرساء تحاول أن تنطِق, ولكنها لا تقول غير :
آ... آ... !!
حار خادم أبي ساعِدة وطال وقوفه على الباب, فنادته أم ساعِدة :
من على الباب يا ياقوت ؟
يتبع ...
إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 08-04-2013, 10:47 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي حكاية شعبية


أبو البنات السبع
الجزء العاشر
خاف الخادم على الطفلين من جبروتها, ومن نذالة أبنائها وأراد أن يصرفهما بعيدا
فإذا بسعدانٍ يخرج, و لمّا رأى الطفلين, أنتهرهما بقسوة وغِلظة, و أراد أن يطردهما
فلمّا سمعت أمهُ إنتهاره, سألته عما يحدث, فقال لها :
إنهما طفلين حقيرين, من الذين يناصرون أبو البنات السبع
فأمرته بإدخالِهما, وما إن دخلا إلى المجلس حتى تبادر أبناؤها المُتغطرِسون
الى الضحك من الطفلين البائسين, والتهكّم على لباسهما, ونحافة جسديهما
وحين عرفوا أن الفتاة خرساء, أخذوا يُحاكونها, ويسخرون منها ويخرجون السنتهم
فأخذت تبكى, بصوت مكتوم, ودمع غزير, وهي مُحبطة مُحطّمة
بينما كان أخوها, يلتوي جوعا, وقد غارت عيناه من الإعياء والبرد
تذّكرت أم ساعِدة إنّ هذين الطفلين هما اللذان تحدث عنهما أبو ساعِدة آنِفا
ووجدت فيهما اداة طيعة لتنفيِذ خدع وحِيلٍ, تكيد بها غُريمها وبناتَه
فأمرت بإِطعامهما, حتى لا يهلكا جوعا, ثم أغلقت عليهما في سِرداب القصر
و أخذت تُفكِّر في حيلة. تُمِكِنها من الحاق الأذى بالبنات السبع وأبيهن
وفي اليوم التالي بكَّرت أم ساعِدة في إخراج الطفلين من السِرداب
وأمرت خادما لها بإصطحابهما إلى بيت أبي البنات السبع
لكي يتناولا الطعام مع الأيتام, ثم يعيدهما إلى القصر
وهكذا كانت تفعل كل يوم
حتى صارت الِطفلة الخرساء تأتي مع أخيها لوحدهما, وكانا لايرغبان في
العودة إلى القصر, فإن تأخرا أرسلت أم ساعِدة من يُعيدهما إليها قسرا
فلما تأكدت من أنهما أصبحا معروفين, وأنّ أبا البنات السبع و أسرته
قد ألِفوا وجود الطفلين مع الأيتام
بدأت أم ساعِدة بتنفيذ خُطّتَها الجهنمية
فذات مرة, وعندما أراد الِطفلان الخروج كعادتِهما كل يوم إستدعتهما
و وضعت عقدا نفيسا من اللؤلؤ في جيد الفتاة, وتركته بارزا للعيان
وبعد إنصرافهما أرسلت كل من سعيد ,سعد و سعدان في إثِرِهما, وأمرتهم
بمراقبة تصرُّفِ بنات عّمِّهم, حينما يرين العقد النفيس في عُنق اليتيمة
كان سعيد و أخويه مُختبئون, و فجأة شاهدوا الأطفال الأيتام
قد تجمّعوا حول الخرساء, يتفرِجون على عِقدها الثمين
وما هي سِوى لحظات يسيرة, حتى خرجت سعدِيّة و سعيدة
وهما المسؤلتان عن إعداد الطعام وتوزيعه, فلما لاحظتا ذلك التجمع
أسرعتا إليه, وحين عاينتا العقد, فرَّقتا الاطفالَ, ثم أسرعت سعيدة
وأبلغت أخواتها, فقررن حِفظ العقد لديهن, حتى يعرِفن أهل
الطِفلة اليتيمة, فيسلِّمنَه إليهم, وعندما أبصر سعيد وأخويه
ما فعلته بنات عمِّهم, أسرعوا وأبلغوا أمَّهُم
فما كان منها إلاّ أن أرسلت إلى القاضي رسالة مفادها :
إنَّ البنات السبع, قد سلبنَ و نَهَبَنِ عقدا ثمينا, كنت قد وهبته طِفلة يتيمة خرساء
أكفلها مع أخيها, هذا الصباح, والعقد بحوزتهنّ, فإذا كنتِ عادِلا حقا
فأعِد لليتيمة عِقدِها, وعاقِب السارِقات, وأقِم عليهنّ الحدّ.
وحين قراء القاضي الرسالة, أدرك أن في الأمر خُدعة
فأرسل حاجِبه على الفور, وأمره بإستدعاء البنات السبع وأباهن
فلما مثلوا امامه سأل القاضي الفتيات عن قِصة الِعقد فأخبرنه بالحقيقة, وسلّمنه العِقد
وكانت حُجّتهن أنهن أردن حِفظه من الضياع, حتى يهتدين إلى ذوى الخرساء
فيُعدنه, ولكن هذه الحجة لم تكن مقنعة, خاصة وأنهن لا يعرفن الفتاة
ولا يدرين من أين تأتي, ولا إلى أين تذهب
لذلك حار القاضي في الأمر
فأجَّلَ إصدار الحُكم إلى يوم غدا صباحا, مع حفظ العقد في عُهدته
وفي اليوم التالي إستدعى القاضي أبا ساعِدة وأخاه أبا البنات السبع
وفي نِيَّةِ القاضي أن يتصالح الأخوان فيما بينهما, ولا يشهّر بأيٍ منهما
فوجدها أبو ساعِدة فرصة نادِرة تمكِّنه من التنكيل بأخيه وبناتهِ
وأن يُلصق بهم تهمة السرِقة, لكي يحطّ من قدرهم عند الناس
ويظهر هو كإنسان شهم نبيل, فقال :
أيها القاضي, إنّ بنات أخي قد تطلعت أنفسهنَّ إلى لبس الذهب والفضة والحرير
وأبوهُنَّ البخيل يقّتِر عليهن, ويحرمهن الأطايب, لذلك فحين رأت عيونهن عِقد الطِفلة
اليتيمة, خلب البابِهن, وسحر أنظارهن, فسرقنه
وأنا سوف أعفو و أغفر لهنَّ
و أتركَ لهنَّ الجمل بما حمل
إذا أستطاع أبوهنَّ أن يُناظِرني, ويتفوق على حكمتي
و ينفِّذ ما آمُرهُ به
يتبع
إن شاء الله
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 16-04-2013, 02:24 AM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي حكاية شعبية



أبو البنات السبع

الجزء الحادي عشر

قال أبو البنات السبع مُدافِعا عن بناته :
تعلمُ يا سيدي القاضي أن بناتي أكرم وأطهر من ان يمددنا أيديهن إلى مالٍ حرام
خاصة ما هو للأيتام, ولا أشُّك في أن الأمر بِرمَّته من تدبير أخي وزوجته
كيدا وبهتانا
فعلت الأصوات, وثار جدال صاخب, أوقفه القاضي بقوله :
أعلَمُ يا بُني أنكَ وبناتَك من خِيرةِ الناس في مدينتنا هذه
و من أشرافهم و أفاضلهم
إنّما لا يمُكِنني إطلاق حُكمَ إلا بِناء على أدِلةٍ و براهين وشهود
وقد عدِمتم ذلك
فأرى أن تُناظر أخاك, فعسى أن يكون في الشرِ خير كثير
فكّر أبو البنات السبع ثم قال متحديا : قد قبِلتُ مُناظَرَته
قال أبو ساعِدة مُخاطِبا القاضي والشهود :
أشهُدوا باني قد أمرت أخي أن يأتي غدا صباحا إلى المحكمة
ليس مشيا على قدميه, ولا راكبا دابة, ولا محمولا على الأعناق
وأن لا يأتي في الِظلام, ولا في النور
وأن يطعمنا طعامٍ نأكل منه جميعا, ليس من طعام البر
وليس من طعام البحر
فإذا فعل ذلك فالعقد له. فماذا يقول ؟
حار أبو البنات السبع من هذه المطالب العجيبة, وأراد ان يحتجّ
فأمره القاضي بالخروج, والبحث عن جواب وحلّ ...
فخرج حزينا, شارد الذهن
بينما ظل أبو ساعِدة يضحك في سخرية و إستهزاء ...
أما أخوه, فقد هام على وجهه, يفكِّر في مغزى هذه الأحاجي
العويصة, فلم يهتدي, ثم تباحث مع بعض الأصدقاء, ولكنهم فشلوا
ولم يشاء ان يعود إلى داره حزينا كدِرا, حتى لا يُحزِن بناته
اللاتي أصابهُن القلقُ لتأخره في دار القضاء
ولم يعلمنُ بما دار بينه وبين أبي ساعِدة فأردن الخروج
للبحث عنه, وقد غربت الشمس, وبينما كنا يتأهبن
أقبل أبوهنَّ يحمِلُ كيسا مملوءة بالحلوى العمانية
ففرِحن بها ونسينا القضية
ولم يُلاحِظ ما بِهِ من همٍ وضيق سوى إبنته الصُغرى سُعدى
فلّما جَّن الظلام, وحلّ سكون الليل, وغفت العيون
إنسلّت سعدى إلى أبيها وسألته
عما يشغُلَ خاطِره, فأنكر, ولكنها أصرّت و الحّت عليه
فأخبرها بما جرى وصار
فقالت له بلهجة الواثِق بالله, ثم بقُدراتِهِ العقلية :
نم يا أبي قرير العين, ودع لي التفكير
وحين تنهض من نومُكَ ستجدني قد عثرتُ على الحل, إن شاء الله
نام أبوها, بينما ظلت سُعدى تُفكِر, وحين رُفع أذان الفجر
نـبّهها الجن الصالح
فثارت إلى أخواتها و أيقظتهن جميعا
وبعد أداء الفرض جمعتهن, وشرحت لهن المشكلة
فجلسن يبكين و يولونَ, فانتهرتهن, وقالت :
لا يبكي سوى العاجز, وأنا قد وجدثُ الحلَ, فأذهبن وأحضِرن
فُؤوسا و زنابيلا و جواني فارِغة, فسوف نذهب الآن إلى البحر
أما أنت يا سعديّة فأجلببي شبكة صيد أبي الخرِقة
وأصنعي منها قميصا فضفاضا
ثم أسُرجي على العِجل الأسود, كما تسرُجين على الحمار
وسيساعدك اخوالنا الجن
وعندما أشرقت الشمسُ, كانت سُعدى وأخواتُها قد وصلن
مع جنِ أمها الصالحين
إلى شاطى مرباط الصخري, بأيديهِنَّ الفؤوس
والزنابيل والأكياس الواسعة
وعند الضحى كنا قد أنضجنا الطعام, وأحضرنا كمياتٍ هائلةٍ منه
لأن البحر كان ولحسنِ حظّهن جزرا
فعثرنا على مطلوبهن بيسر وسهولة
فأخذَنا يحشينه في الجواني -الأكياس الكبيرة-
وكان لذيذا طازجا
وهو ليس من طعام البر و ليس من طعام البحر
ثم أقبلت سعدِّية, وقالت :
قد أسرجنا على العِجل, وصنعنا قميصا و مئزرا من الشبكة
فأمرت سُعدى أخواتها بربطِ الأكياس إلى ظهر الحِمار
ثم ذهبت إلى والِدها
وطلبت أن يستعدَّ للذهاب إلى دار القضاء
على الصِفة التي إشترطها أبوساعِدة
وبلّغته أنَّ الطعام الذي طلبه قد أُنضِج
وما عليه سوى, تقديمه لأبي ساعِدة و لكل من أحب أن يتذوقه
ثم قالت له : فإذا ظفِرت به, فقل له :
إن بناتي أذكى و أمهر من بنيك
وهُنَّ يتحدّينهم في السفر إلى البلاد البعيدة
على أن يعودون جميعا بعد شهرين
ويكونُ المجد لمن ربِح أكثروكسِبَ أعظم
فإذا وافق على ذلك, فأشهد عليه الشُهود, ثم عُد إلينا سريعا
هذا ما كان من البنات السبع وأبيهُن, أما أبو ساعِدة فإنَّهُ
و قبل ذهابه إلى دار القضاء, توجَّهِ إلى صديقه
اليهودي الذي أمدّه بتلك الأحاجي
وسأله إن كان بإمكان أبو البنات السبع أو بناته أن يهتدوا إلى حلها
فطمأنه اليهودي, وغرر بِهِ, فذهب إلى القاضي مزهوا بنفسه
مُطمئنا إلى أنه لا يُمكن لأحدٍ أن يحل أحاجيه أو أن يفكَّ لغزها
وبالتالي فسيتمكِّن من إذلالِ أخيه وبناتهِ
وسيحُطُ من مكانتهم بين الناس
وسيظهر كرجل حكيم
وقبل أن يذهب إلى دارِ القضاء
قرر أن يصطحب زوجته لِتشهد بنفسها هزيمة
أخيه أبي البنات السبع , لعلها تشفي غليلها, وترضى عنه
وحين سمِعت أمِ ساعِدة عرضه, بادرت إلى أبنائِها
وأيقظتهم جميعا
ثم خرجوا, وقد لبسوا أجمل ما يُلبس, وهم واثِقون من الفوز
يسعى الخدمُ عن أيمانهم وشمائلِهم, وقد طغى عليهِم الزهوُ والإعتداد

يتبع

إن شاء الله


رد مع اقتباس
  #24  
قديم 16-04-2013, 11:08 AM
الصورة الرمزية أمل فكر
أمل فكر أمل فكر غير متواجد حالياً
شخصية مهمة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 297

اوسمتي

افتراضي

صباح الخير،،

ما شاء الله عليك أخي الكاتب "ناجي جوهر" إبداع بحق..
قصة وكأنها مسلسل لا نكتفي من متابعته.
والجميل توضيحك لبعض الكلمات الصعبة بين قوسين التي قد تسهل للقارئ.

حكاية رائعة بالفعل تحكي وجهان متناقضان في الحياة هما الخير والشر.
حكايتك هذه لها من القيمة الكثير لما تحمله من قيم ومبادئ..

سلمت. وفي أنتظار تكملة هذه الحكاية الممتعة جداً.

تقديري،؛،
__________________
رزقني الله سبحانه بنعمة اسمها فلذة كبد
اللهم أحفظه لي"


"كم أتباهى وذاكرة لهذا الحب الرباني"..
اللهم أسألك حبك وحب من يحبك
وحب عملٍ يقربني لحبك
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 23-04-2013, 12:05 AM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي حكاية شعبية


حكاية شعبية
أبو البنات السبع

الجزء الثاني عشر

فوصلوا إلى دار القضاء قبلا
وفي إنتظار أبي البنات السبع , كان أبو ساعِدة وزوجته
يتبادلان السُخرية, والإستخفاف, والهمز واللّمز, والقذف على غريمهم وبناتِه
وكان القاضي, ومُحبوا أبي البنات السبع ومؤيدوه, في قلق بالغ
فلمّا طال الإنتظارِ, وثب أبو ساعِدة وقال :
يا قوم إنَّ أبا البنات السبع قد عجِزَ عن تفسير الأحاجي
و أرى ان يُرسل القاضي من يحضِرهُ عُنوة, ويجلِبَ
بناتَهُ السارِقات, ليُقام عليهِنَّ الحد
ثم جلس مُتفاخِرا بنفسه, فقام إبنه سعدي وتوجّه إلى القاضي
ثم قال : أيها القاضي العادل إن كان عمي أبو البنات السبع قد أخلَّ بالشروط
وعجز عن الوفاء بها, فأنا كفيل بِدفع ثمن العِقد
ولكن لا تؤذوا عمي و بناته
فغضِب أبوه, وصاحت أمهُ :
أخرس أيها التافِه, إنّهم لا يستحِقونَ الرأفة, أنسيت ما فعلوه بِنا
فخرج سعدي و هو ينتحِب, وتوجّهَ إلى عمِه ليقِفَ معه في هذه المِحنة
ولمّا وصل إليه وَجَدَه وبناته ومناصروه يستعِدُّون للذهاب فأستوقفهم
ثم أخرجَ كيسا مملوءة بالنقود, وقال لِعمِّهِ :
أرجوك ياعم, خذ هذه النُقود, فأدفعها لهم, عِوَضا عن العِقدِ المشئوم
فنزل عمُهُ أبو البنات السبع وأعتنقَه, ثم شكره و إعتذر إليه
وقال له : تعلمُ يا بُني أنني لست أرضى, أن يُصيبكم أي سوء أو مكروه
ولكن أخي أبا ساعِدة لا يثِق بي ويظن أنني أبغِضه وأكرهه, أو أحمل
له الحِقد والبغضاء, ويشهد الله أنني لا أحمل له في قلبي سوى الوِدّ والأخوّة الصادقة
إنصرف سعدي بِرِفقة عمِهِ وبناته, وقبل أن يصِلوا إلى دار القضاء
طلبت سُعدى منه أن يبلِّغِ القاضي ومن معه بِوصولِ أبي البنات السبع
كما إشترط أبو ساعِدة وأنَّ عليهم ان يخرُجوا لِيشاهدوه بأعيُنِهِم ...!
فخرجَ القاضي والناسُ جميعا, ورأوا أبا البنات السبع قادما نحوهم
يلبِسُ عباءة مصنوعة من شبكة صيدٍ , و يبدو عليها ظلّ الشبكة فهو ليس في الظِلِ ولا في الشمسِ
وكان يركِبُ عِجلا, و رجُلاُه تخُطُّان على الأرض, فهو ليس براكِبٍ ولا بماشٍ على رِجليه
فصاح القاضي : الله أكبر... ها هما شرطاك قد نفّذهما أبو البنات السبع
اليس هذا ما أشترطت يا أبا ساعِدة ؟
فصاح أبو ساعِدة غاضِبا : هذان شرطان فقط, وبقيَ شرط ثالث
فهو قد أخلَّ بالشروط, وخسر الرهان
فناداه أبو البنات السبع , بلهجةٍ مُطمئنة :
هُلّم يا أخي لتتذوق طعاما ليس من البر, وليس من البحر
ولا من السناء فلما سمِعت البنات كلام أبيهن, بادرن إلى أخراج الصياني والأطباق والصُحون
ثم غرفنَ فيها من ذلك الطعام بمعاونة سعدي والجان الصالح
فأقبل القاضي, وتبعهُ الناس, وأكلوا حتى إمتلأوا, وهم يمتدحون أبو البنات السبع
ويثنون على ذكاء بناته
لكنَّ أبو ساعِدة إعترض قائلا :
إن بلح البحر, يوجد في البحر, فهو طعام بحري
فتوقّفَ الناسُ عن الأكل, وساد الحزنُ المكانَ

يتبع

إن شاء الله

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 29-04-2013, 11:49 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي حكاية شعبية




أبو البنات السبع

الجزء الثالث عشر

فصاحت سُعدى : فليذهب رجال إلى الشاطىء الصخري
وليرافقهم عمي أبو ساعِدة فإن وجدوا البلح في البحر
كان طعام بحري, وإن وجدوه في البر, كان طعام بري
وإن وجدوه بينهما, فهو ليس من البر, و ليس من البحر
فقال القاضي : بل أذهبُ أنا بنفسي و هولاء الناس جميعا
فلمّا وصلوا إلى ساحل البحر, وجدوها جزرا, و بلح البحر
قد يبِس على الصخور, فصاح القاضي :
الله أكبر ... ظهر الحق, وبطُل الباطِل
فأراد أبو ساعدة أن يحتجّ , ولكنه سمع ثناء
الناس ومديحهم لبنات أخيه, فسكت مقهورا
ثم عادوا أدراجهم إلى دار القضاء حيث حكم
القاضي لأبي البنات السبع بالفوز, وربح الرهان
فأعاد العقد للفتاة الخرساء, فلّما قبضته
ألقته في وجه أم ساعدة التي إرتبكت وخافت الفضيحة
أراد أبو ساعِدة أن ينسحِبَ بهدوء, خاصة بعد أن أهانته أم ساعِدة على رؤوس الملاء
فقال له أبو البنات السبع :
مهلا, و إعلم يا أخي, أنني لا أحبُ أن أراك في هذا الهوان والذُل
ولكنكَ لم تترُك لي خيارا, ولتعلم جيدا إن بناتي أذكى وأمهر من بنيك
الذين أهملت تربيتهم و تهذيبَهم
وبناتي تُراهِنُ أبنائك على السفر إلى البلاد البعيدة متاجِرين
وبعد شهرين يعودون جميعا, ويكونُ الشرف والمجد لمن ربِح أكثر وكسِبَ أعظم
فماذا تقول ؟
برِقت عينا أبي ساعِدة سرورا عندما سمع مقالة أخيه
وقال في نفسِهِ :
وبماذا ستتاجِر بناتُه, وليس لديهن مال, ولامتاع ؟
ولا يملِك أبوهن من السُفنِ سوى تلك الغنجة (من أسماء السفن) المتهالِكة
أما أنا فسأرسِل سبع سُفنٍ فائقة السرعة, قوية متينة, محملة بالبضاعة
لكل واحدٍ من أبنائي سفينته وبِضاعتَهُ الخاصة, وجملةُ من الخدم
فلمّا سأله القاضي عن ردِّه. قال :
نعم أوفِقَ على هذا الِرهان, وستنطلِقُ السُفن بعد خمسة أيام
قال أبو البنات السبع : لكن هناك شرطٌ جزائي
قال أبو ساعِدة : وما هو ؟
قال أبو البنات السبع : يشهد الشُهود على أنّ من ربح الِرهان
يكون من حقِهِ أن يفعل ما يشاء بِغرُمائه
كان أبو ساعِدة واِثقا من فوز أبنائه ,لأنّ لديهم مالا وفيرا
وحينئذٍ, يُمكنهم أن يجلدوا بنات عمِهم, أو أن يبيعوهن كجواري
فقال متلهِفا : قبلت كل هذه الشُروطَ, وليشهد الشُهود
فأنفضّت الجلسةُ وقد حار الكثير من الناس في أمر الصياد
عاد أبو ساعِدة وبنوه إلى قصرهم يملأهم الفخر والزهو
والشُعور بالتفوُقِ, وقد ظنوا و أعتقدوا بأنَّ الغلبة ستكون لهم
بينما عاد أبو البنات السبع إلى كُوخِهِ, واضِعا يده على رأسِهِ
وهولا يفهم لماذا أصرّت إبنته سعدى على هذا التحدى الصعب
عندما أتى الليلُ لم يتمكّن أبو البنات السبع من النوم, وغَرِق في الهم
وفي صباح اليوم التالي خرج من غُرفتُه, فوجد
ثلاثة من بناته يجهِّزن عدة و أدوات الصيد, كما يفعلن كل يوم
فأستغرب من ذلك, وسألهن : وماذا عن السفر ؟
فقلن له : إن سُعدى هي من أمرنا بالخروج للصيد
فناداها : سُعدى ... يا سُعدى ..., ولكنها لم تُجِبه
وعندما توجُهَ إلى غِرفتِها, وجدها تصلي, فأنتظرها
وبعد التسيلم, سألها بلهفةٍ وحُيرة :
ماذا عن السفر يا بُنيتي ؟ وبِماذا ستتاجِرن ؟
ولم أركِ جلبتي شيئا مما يتاجر به الناس
وماذ ستفعلن في البِلاد الغريبة, وأنتن بنات ؟
وأنى لي أن أطمئِن عليكن, و هي أول مرة تسافرن, ولوحدِكُنَّ ؟
ثم كيف لي أن أصبِر على بُعدكن و فراقكن ؟
أظنُّكِ يا أبني أخطأتِ هذه المرّة, ثم جلس يبكي وينتحِب
فتقَدّمت منه سُعدى ,وقبّلَت يده, وأخذت تُشجِّعه, وتشرحً
لهُ خُطَتَها, حتى إنشرح صدرُه, وإبتسمَ, ثم خرج, وهو يقول :
أيتها الماكُرة, رُفقا ببني عمِّكِ, فإنّهم ضحايا, لا ذنب لهم
عندما وصل أبو البنات السبع إلى الساحِل شاهد
أخاهُ مُمسِكا بعصا غليظة, يضرِبُ بها الخدم, وهو يحثهم على العمل
والسرعة في شحنُ السُفنِ السبع, فقال في نفسه :
أسألُ الله أن يهديكَ, وأن يمحو من قلبك البغضاء
وقف الناس يتفرِّجون على سُفنِ أبي ساعِدة , وقد شُحِنت بمُختلفِ
أنواع البضاعة, وهم يتعجبون لشأنِ البنات السبعِ وأبيهن
فهم لم يضعوا كيسا واحدا في سفينتهم, وقد إقترب موعد الإنطلاق
ولم يعد لديهم من الوقت هذه الليلة ...
فكانت الناس تشعر بالحُزنِ والرِثاء لهولاء المساكين
وعند منتصف الليل, وحين غفتِ العُيونُ, خرجت سعدى وأخواتها
وباشرنا تحميل سفينتهنّ ببضاعتهنّ, ثم عدنا إلى دارهنّ دون أن ينتبه أحد لهن
وفي ضُحى اليوم الموعود, خرج الناس كافة, ليشهِدوا إنطلاق السُفن
في رِحلة التحدى الكُبرى, فأقبل أبو ساعِدة وهو باسم الثغر مبتهجا
يتوسّط بنيه, يحف بِهم أخوالُهم, وأصدِقاؤهم, وخدَمُهم, والكثير من المنتفعين
بينما كان المُنشِدون, والمُغنون والراقِصون من ورائهم, وقد إرتفعت
أصوات الطبول والمزامير والأبواق, ورددوا الاهازيج وكأنهم في مهرجان
مشى أبو ساعِدة الخيلاء أمام الناس, منتشيا متعجرفا حتى وصل إلى البندر( مرفاء)

يتبع

إن شاء الله


رد مع اقتباس
  #27  
قديم 06-05-2013, 11:51 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي



أبو البنات السبع

الجزء الرابع عشر

ولمّا همَّ بالصُعود على ظهر سفينةِ إبنه ساعِدة, إنتهره القاضي ومنعه
وقال له : ليس من شأنك التدخل في الأمر, ودع إبنك يفعل كل شىء بنفسه
وبعد قليلِ أتى أبو البنات السبع ومن ورائه بناتُه وبعض الأصدقاء
كان الحُزن بادٍ على وجهه, والقلق يساوره, ومؤيدو أبي ساعِدة يرمُقونهم بنظرات
الإحتقار والإزدراء, وهم يتغامزون و يهمسون, ويتهمون البنات بالوقاحة والغرور
فلمّا أصبح كلُ فريقٍ على ظهر سفينته, صاح القاضي :
أرفعوا المراسي, فرفعوها ...!!
ثم إستطردَ : أنصبوا الأشرعة, فنصبوها ...!
ثم صاح بأعلى صوته : انطلقوا...
فأنطلقت سُفن أبي ساعِدة تمخُرُ عباب البحر, إذ أنها قوية متينة
حديثة الصنُع وعلى كلٍ واحِدةٍ منها أكثر من ثلاثة أشِرعة
أمّا سفينةُ أبي البنات السبع فكانت قديمة, ثقيلة كبيرة واسعة
و شِراعها قِطعة قُماشٍ بالٍ مُرقَّع, فكانت أبطىء من سُلحفاة
وهذا ما جعل أبا ساعِدة و أنصاره يضحكون, و يسخرون من سفينة البنات
عندما غابتُ السُفنُ عن أنظار الناس في البندر, تفرّقوا
وذهب كلٌ إلى شأنِه, وبقي أبو البنات السبع جالسا لوحده, تفترسه الأحزان
يُراِقبُ الأفق وقد غمره القلق والهمّ, وتملَّكه الخوف والوجل ...
ثُمَّ دخلَ الليل ولم يُغادِر مكانه, على أمل أن تتراجُعِ بناتِهِ عن
هذا الرِهان الذي يظُنُه خاسِرا, فيسعد بعودتهنّ ولن يُبالي بسخريّة الساخِرين
أما أبو ساعِدة فقد جلَس مع أصدِقائه, وشرع يُروِج لفوزِ بنيه الساحق
ويُبشِّر بعودتهم الحميدة, سالمين غانمين مُظفَّرِين
وقد باعوا و أشتروا, وجنوا الأرباح الهائلة, وكسبوا المجد والحمد
فكان الناس يقولون له :
لا تستبِق الأحداث يا أبا ساعِدة وإنّ غدا لناظِرِه قريب
فيضحك ملءُ شدقيه, ويقول: أنا متأكد من هذا
مضت بِضعةُ أيامٌ على البنات, قبل أن ترى أعيُنهُنّ برا ولا يابِسة
وفقدن الأمل في الِلحاق بِسفنِ بني العم, ولكنّهن بقينَ عازماتٌ على الإستمرار
مُصِرات على المُضي حتى النهاية, ولم تَهن عزيمتهن, ولم تضعف حماستُهن
ولم يخبوا أملُهُنَّ في تلقين, عمَهُّنَّ وأبنائه السبعة, درسا قاسيا, وعقوبة مؤلمة
تردعهم عن الغي والبِطر
أمَّا ساعِدة فقد إصطحب معه على مِتنِ سفينتِه عددا من المُغنين والمُهرَّجين
يُحيُون لياليهم طربا وسمرا حتى الصباح, و يُقيمون المآدِب, ثُّم ينامون معظم النهارا
وكانوا يُسرفون في إستُخدام الماء العذبِ, وتبديد الموؤنة
فإذا إحتجَّ النوخذةُ(ربان السفينة)على هذا التبذير والإسراف
قال لهُ ساعِدة : وما شأنُكَ أنتَ ؟ إنها سفينتي, وأنا حُرٌ فيما أفعل
وكانت حمولة سفينته من الحلوى العمانية, واللؤلؤ البحريني والعقيق اليماني
و كمِيات كبيرة من عاج الفِيَلة الكينية, والفصوص الصقلية
وجلود السلحفاة
بينما كانت سفينة سعود قد شحنت بالأسماكِ المُجففة, والجُلود والحطب
أما سعدونٍ و سعيد فبالسمن البلدي وباللُبان والبُخور والكندر قررا المُتاجرة
وفضّلَ سعد و سعدان أن يُتاجِرا بالصفيلح (أذن البحر)
وحمَّلَ سعدي سفينته بالخيول العربية الأصيلة
كان الإخوة السبعة يُبحِرون سنجارا (مُتجاورين) ليُساند بعضهم بعضا
ومع بُزوغ فجِر اليوم التاسِع من الِرحلة, بدأت تلوحُ لهم في الأفق البعيد
أماراتٌ مُنذِرة بهبوب عاِصفةٍ قوية, فها هي الرياح تشتدُّ شيئا فشيئا
والسماء تتلبَّدُ بالغيوم, والبحر مضطرب, والأمواج تزدا إرتفاعا وعنفا
وسُرعان ما هبّت العاصفة وزمجرتِ الرياح و إرتفعت ألأمواج
وأرعدتِ السماء رعدا هادر تتصدع منه القلوب, وترتعد منه الفرائص
وأبرقَت برقا يخطُف الأبصار, وهاجت الأمواج حتى أمست كالجبال العالية
وإنهمر المطر كأفواه القرب, فتمايلت السفن, وترنَّح رُكابها
وتدفَّق إليها الماء من جوانبها, وتمزقت الأشرعة, و إنقطعت الحبال
وصاح الركاب خوفا وهلعا, وحين أطبق الظلام الدامس, زاد صراخهم
فلمّا عاين الأخوة السبعةُ ذلك, إنخلعت أفئدُتهم فرقا و رُعبا

يتبع

إن شاء الله


التعديل الأخير تم بواسطة ناجى جوهر ; 07-05-2013 الساعة 02:30 PM سبب آخر: خطاء املائي
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 07-05-2013, 08:25 AM
الصورة الرمزية أمل فكر
أمل فكر أمل فكر غير متواجد حالياً
شخصية مهمة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 297

اوسمتي

افتراضي

جميل
تزداد الرواية حماساً أكثر فأكثر


في الانتظار،؛،
__________________
رزقني الله سبحانه بنعمة اسمها فلذة كبد
اللهم أحفظه لي"


"كم أتباهى وذاكرة لهذا الحب الرباني"..
اللهم أسألك حبك وحب من يحبك
وحب عملٍ يقربني لحبك
رد مع اقتباس
  #29  
قديم 13-05-2013, 10:51 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي حكاية شعبية


أبو البنات السبع

الجزء الخامس عشر


ولجأوا إلى قمرات سفنهم (غُرف القيادة) وأختبئوا فيها خُذلان وجُبنا
وتقاذفت الأمواجُ السُفنَ السبع, ودفعتها الماية (التيارات المائية) والرياح
في إتجاهات شتى طوال الليل, ومع طلوع النهارُ, وبعد سكون العاصفة
كانت السُفن السبع, قد تفرّق شملها, وتبدد جمعها, وعندما أضحت الشمس
أدخل ساعِدة سفينته إلى خليج صغير, وهناك قام بترميمها, ثم إنتظر لم الشمل
أما سعيد و سعد و سعود و سعدان فقد تمُكنوا من مواصلة الرِحلة إلى الشرق
بعد ان تجاوزوا العاصفة بسلام, فوصلوا إلى بندر سيراف في بلاد فارس
وذلك بعد إثنتى عشر يوم من الإبحار, وهناك وجدوا أنَّ المُلكَ
صار في يدِ رجلٍ ظالم, يُدعى علي بن بدرى نسبة إلى أمه, فأستولى على سُفنِهم
وزج بهم في غياهب السجون, وكان هذا دأبه مع السفن التي تصل إلى بندر"سيراف"
أما سفينة البنات فقد مرّت بها العاصفة قبل أن يستفحل أمرها, ويشتد خطرها, فدفعتها
الرياح إلى الأمام بسرعة عظيمة, بينما كان الجان الصالح يوجه دفتها بأمان وسلامة
فسُرت البنات, وأوصلتهنَّ الرياح إلى جزيرة نائية, تسمى "سرنديب" و لكنهن حظين
بإستقبالٍ فاتر من قبل التجار, وقيل لهن : إن هذه الجزيرة قد تعرّضت للسطو
المسلح من قبل القراصنة البوذيين , فقتلوا ونهبوا وخربوا فأفلس تجار الجزيرة
وأنه بإمكانهن حمل بضاعتهن, على الحمير والبغال, إلى المناطق الجبلية
وأن أهالي الجبال بحاجة ماسة إلى بِضاعتهن, حيث كانت حمولة سفينتهن ملحا أجاجا
لذلك وحين وصلت البنات بمرافقة الأدلاء والمترجمين إلى تلك القرية الجبلية
فرح القرويون بقدومهن, وذبحوا الذبائح, وأقاموا الولائم والمأدب وشروا بضاعتهن
مقايضيين الملح مقابل اللحم المُقدد, وجواني (أكياس واسعة) الرز والعدس والبُرّ والشعير
أقامت البنات السبع ومرافقيهنَّ ثلاثة أيام في ضيافة القرويين, ثم عادوا إلى البندر
فوجدن الحراس المكلفين برعاية سفينتهنَّ, قد قاموا بترميمها, وحمل الماء اليها
فشكرنهم وقدَّمن لهم المزيد من الجوائز والهبات
ثم حمَّلوا البضاعة الجبلية إلى الخنَّ(بطن السفينة)
وبعد أيامٍ خمس قضتها سفينة البنات في جزيرة سرنديب
(سيرلانكا) عزمنَ على مواصلة رحلتهن
ومقصدهن الوصول إلى ميناء الزيتون في الصين
ومرادهن شراء كميات كبيرة من الأدوات الحديدية و الفخار الصيني و الحرير
والحديد الملون، والديباج, والدار صيني, ثم العودة بها إلى أرض الوطن
حيث بإمكانهن جنيَ الأرباح المضاعفة من بيع هذه المواد المرغوبة في مدينتهن
فنشرن أشرعة السفينة التي أشترينها من جزيرة سرنديب وأنطلقنا بحول الله
لكنَّها المرة الأولى التي تسافر فيها البنات, لذلك فقد عُدنا بسفينتهن إلى الغرب
وهنَّ لا يُركنَ ذلك
كان سعدون و سعدي قد ربَطا سفينتيهما معا, بحبالٍ متينة قبل هبوب العاصفةِ لكي لا تفتِرقا
فظلَّت سفينتاهما متجاورتان, ومترابطتان, وعندما إشتدَّت العاصفة إنقطعت الحبال فجأة
فأندفعت السفينة المتقدِمة بسرعة إلى الأمام, وتراجعت السفينة الخلفية بقوة وعنفٍ
حتى غاصت مؤخرتها في البحر, فصاح بحارتها, وبكوا وضجّوا, ورفعوا أكّف الدعاء
وأمرهم النوخّذة بالتوجه إلى مقدمة السفينة, حتى تتوازن وتعتدل, ولكن السفينة كانت تغرق
فقفز الناس إلى الماء, وتمسّكوا بما طفى إليهم من الواح, وقِرب وتشبثوا وتعلَّقوا بها
ثم إن سعدي وبحارته إنتبهوا لغرق سفينة سعدون فأداروا الدفّة عاجِلا
وعادوا من فورهم حتى وصلوا إلى الغرقى, وألقوا إليهم بالحبال والقوارب
وأصعدوهم إلى ظهر السفينة, فزادت حمولتها وثقُلت وتمايلت وأضطروا إلى
رمي بعض البِضاعة في البحر, لكي لا تغرق سفينتهم أيضا, ثم أبحروا مضطرِبين
وبعد أيامٍ ثلاثة كانت موؤنتهم قد نفِذت, فأقتاتوا على ما يصطادون من أسماك
وشرِبوا من مياه البحر المالحة, فأصابت مُعظمهم الصفراء وأيئسوا من النجاة
وفيما هم في نكبتهم, لمح بعضهم سفينة البنات السبع تتقّدمُ بإتجاههم

يتبع

إن شاء الله

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 20-05-2013, 10:24 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي حكاية شعبية



أبو البنات السبع


الجزء السادس عشر

ففرحوا وأستبشروا
وبعد طولِ إنتظارٍ غدت تِلكَم السفينة على مقربة منهم
فعجَّوا بالصراخ, ولوّحوا بأيديهم
وضجَّوا بالبكاء ,وطلبوا من البنات مدّهم بالماْءّ والقوت والغذاء
فقالت لهم سُعدى : الماءُ والزاد مُقابل بِضاعتِكم
فوافقوها على الفور
وأرسلوا قواربهم وقد حملوها بالسّمن البلدي وباللُبان والبُخور وغيرها
وبعد أن أفرغوها في سفينة البنات
ملئوها بقرب الماء وأكياس الرز والعدس واللحم المقدد
ثمَّ قرروا العودة إلى أرض الوطن
وأعلم سعدي بنات عمه بالوجهة الصحيحة فأدرن الدفة
إلى الشرق
ولما وصلت سفينة سعدي إلى بندر مرباط
أستقبلهم أبو ساعِدة بالتوبيخ والإنتهار و الإحتقار
بينما أمضى ساعِدة ثلاثة أيام في ذلك الخليج
منتظِرا قدوم سفن إخوته, فلما لم تظهر
أمر النوخذةُ بحارته بنشر الأشرعةَ ورفع المِرساة والإنطلاق إلى وِجهتهم
ولكن ساعِدة إعترض, ومنعهم قائلا :
سوف نحتفل أولا بنجاتنا من الهلكة, ثُّمَّ يمكننا أن نلحق بسفن إخوتي المُتقدِمة
فأرخى البحارة حبل المرساة, وطووا جميع الأشرعة
وذبحوا الذبائح وأقاموا الموائد
وكأنهم في قصر أبي ساعِدة, وليسوا في عرض البحر
وأمضوا نهارهم في أكلٍ و شُربٍ و رقص وغناء ولهو وطرب
وبينما هم في غفلتهم تلك و لَعِبهم ذلك, وقد أوشكت الشمس على المغيب
شاهد بعضهم سفينة البنات السبعِ, أمام سفينتهم
تتهادى و تجري ببطء شديد فعرفوها, وأعلموا ساعِدة بذلك
فجن جنونه, وأمر برفع الأنجر(المرساة)
ونشر الأشرِعة كلها, والإنطلاق لكي لا تسبقهم سفينة البنات
فقال له النوخذة : لا يُمكننا الإبحار الآن, وقد غابت الشمس وحلَّ الظلامُ
وليس بمقدوري تحديد مسار السفينة ليلا, ما لم أكن قد أبحرت قبل الغروب
فغضِب غضبا شديدا, وأرغى وأزبد, وتهدد وتوَّعّد لكن البحارة عاندوه
ولم يكد ينبلج فجر اليوم التالي, حتى خرج من قمرة النوخذة, وأخذ
يصيح بالبحارة : أرفعوا المرساة ... أنشروا الأشرعة ... جدِّفوا بقوة
يجب أن نسبق سفينة البنات السبع, التعيسات البائسات, هيا يا رجال
وبعد ساعة من الوقت شاهدت البنات سفينة تلاحقهن, ففِرحنَ كثيرا
وقد حسبنها سفينة سعدي عادت لمرافقتهنَّ
وما هو إلا قليل, حتى كانت سفينة ساعِدة تقترب من سفينتهن
فأبطين السرعة
ووقفت سُعدى على مقدم السفينة وصاحت بأعلى صوتها :
يا أبن العم ... أخرج إليَّ أكلمُك ...
فخرج ساعِدة رافعا راية الغرور, وقد أرتدى ملابس أنيقة
و تمضَّخ بالعود والغالية ووقف أمامها مُعتدا بنفسه
ثم أشار إليها بيده إشارات إستعلاء و إستخفاف أن انصرفي
فسألته سعدى : أتحتاج إلى عونٍ منا أو مساعدة, يا أبن العم ؟
فغضِب غضبا عاصِفا, وأخذته عِزَّة زائفة, وقال :
أمِثلي يحتاج إلى مِثُلكِ أنتِ ؟
أُغرُبي عن وجهي, قبل أن أنالك بالعُقوبة ...
فقالت له : سوف تحتاج إلىَّ يوما, يا إبن العم, ولن أرُدك
ففتح ساعِدة بوابة شتائمه على مصراعيها, لا يردعه عقل ولا ضمير
أما سُعدى فقد أمرت أخواتها برفع الشراع الجديد, ومواصلة الإبحار, وفي
قلبها حُزن وأسى على ما تشربته نفوس أبناء العم, من حقد وكراهية
فبكت شفقة عليهم, ورحمة بِهم, فهم ضحايا الحسد والغيرة العمياء
ولم تغرُب شمس ذلك اليوم حتى كانت سفينة ساعِدة قد تركت سفينتهن ورائها
فأنتشى ساعِدة وطرِب, وأراد أن يقيم مأدبة فاخِرة كعادته, فقال له الطهاة :
لا يوجد ماء كافيا, ولا لحما ولا أرزا... فبهِت, و تباغت وحار
ثم توجه الى النوخذة, وشكى اليه الطباخين, فقال له :
إنها سفينتك, وانت حر فيما تفعل, فسكت نادِما على ما بدر منه
ثم إنَّ النوخذة أعلمه بان الماء والطعام لن يتوفرا لأكثر من يومين, بسبب الإسراف
فقال ساعِدة : وما العمل ؟
قال النوخذة : ليس أمامنا سوى انتظار سفينة البنات السبع, وأن تطلب منهن مددا
فغضب ساعِدة وقال : فإني أُفضِّل الموت جوعا, على أن أستغيث بهنَّ
لكنَّ الطعام والماء نفذا من السفينة, ولم يتحمّل رفاقه الجوع والعطش طويلا
فضج المهرجون, وتماوت المغنون, ولاموه, و عاتبوه على الكبر والعناد
فأسقِط في يده, وتوجّه إلى النوخذة, وطلب منه التوقف, و الإستنجاد بالبنات
وحين إقتربت سفينة البنات السبع من سفينة ساعِدة, ضج بحارته ورفقاؤه
و أستغاثوا بهن, وشكوا إليهن قلة الماء والقوت على سفينتهم, وتوسلوا إليهن
طالبين الرحمة والغوث من الله ثم منهن
فقالت لهم سُعدى : إن سفينتنا مليئة بالماء والزاد, فإذا طلب عمارة ذلك منا
وهبنا لكم ماشئتم
فأقبل ساعِدة مطأطأء رأسه, ثم قال بصوت متحشرِج :
رفقا يا أبنة العم, فإني سأبتاع منك ماء و زادا
فقالت : لك ما تريد, فأرسل إليَّ قاربا مملوء بالحلوى العمانية
واللؤلؤ البحريني, و سأعيده إليكم مملوء بالماء العذب والطعام
فرح رفاقُ ساعِدة بالماء والطعام, وأخذوا يسرفون في الأكل والشرب
حتى نفذ ما لديهم في وقتٍ قصير, فأنتظرواسفينة البنات للمرة الثانية
فقلنّ لهم :
لم يبقيَ لدينا من الطعام والشراب الا القليل, ولا يمكننا بيعه, أو إعطائه لكم
فبكى ساعِدة و رِجاله, وخافوا الموت جوعا وعطشا, وهم في عرض البحر
فشرعوا يتوسلون إلى البنات, واحدة تلي الأخرى حتى أشفقن عليهم, ورحمنهم
فقالت سُعدى:

يتبع

إن شاء الله


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:35 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية