روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     نبسـط لـك الهوى [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     ذاكــرة أمـواجُ الشـوقِ‏ [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     متى تَلتَئِم الجراح [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     وجوه تهوي بها الأيام فترميها ب... [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,532ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,793ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 8,291
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,498عدد الضغطات : 52,277عدد الضغطات : 52,380

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > القصة القصيرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 02-04-2013, 01:23 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

دخلت إلى البيت متأخرة جدا، وجدت جدتها أمام الباب، لم تحيي أحدا، ودخلت إلى غرفتها، أغلقت الباب وألقت بنفسها على السرير، تبعتها جدتها، حضنتها في صمت، تنتظرها أن تقول شيئا، سألتها فلم تجب، كانت تنظر إليها بعينين همعتين، تحاول، وتحاول، ولكن الصدمة كانت أشد.
أما هو كان الجرح أعمق، والمصاب جلل، والهزيمة نكراء، وعذاب الضمير لا يرحمه... أراد أن يقول لها كلاما كثيرا، اكتظ في صدره، يبوح لها بأسرار صمته، يروي لها أحاديث الشجون، فاغتالت فرصته، وتركت الكلمات تتآكل في عمقه، والحروف تحترق، يبتلع اختناقه، هو لا يريد أن يستعيد الماضي الذي يجبره على إعادة قراءته إلا بحضورها حتى لا تحاكمه هذه الأشياء على افراد، حتى الأماكن التي كان يمر بها، قرعت طبول الحضور بقوة، صدى خطواته، ونقرات كعبها، بسمتها الدامعة، ووهيج عطرها الذي كان يسكره، كانت الوجوه كلها وجهها، وصمته أمسى صمتها، سكنته هواجسها، وتصعد الصرخة تلوى الصرخة فيكظمها، كم هو بحاجة إلى من يحدثه، إلى من يسمعه بدون قيود وبدون حدود، كم هو مؤلم مخاض الإعتراف، كم هو مؤلم مخاض البوح باغتيال الحقائق... يخشى أن تولد همومه في الفراغ، في الصمت الذي كان يمارسه عليها، في الأشياء الجميلة التي كان يدّعي أنه أهملها... ويأتي السؤال اللغز.. هل ستسمعه؟.. هل ستصدقه؟ .. هل ستسامحه؟.. برد شرابه المفضل ولم يشرب منه جرعة واحدة، والنادل ينظر إليه بعين الشفقة، ولا يكاد يصدق، المطفأة قد امتلأت ببقايا السجائر، ولا يزال يبحث لكلماته عن أذن صاغية، وضع قطعة نقود على المائدة وخرج، إلى الحانة المقابلة وقف أمام الحاسب، القدح تلوى القدح... أحدث فوضى كبيرة، فأفرعوه، وعاد إلى بيته، يرده الحائط إلى الحائط، بصعوبة فتح، دخل، وانصفق الباب وراءه، أجلسه الدوران في الرواق حتى الصباح، وجد نفسه نائما والدنيا نهار، كان في حالة يرثى لها.. أخرج هاتفه، نقر، لا أحد يرد... الرقم الذي تطلبه لا يرد.. قام كأنه هيكل تزعزعت دسره، يحاول أن يشتد، جاء بفنجان من القهوة وجلس في الصالون، لا يزال رأسه يرن، يتفقد جسده، كأنه رجم بالحجارة، إنه هيكل مفكك ملفوف في بطانته، فدخل إلى الحمام، في المغطس بدأ كل شيء فيه يعود إلى مكانه...
ترى ماذا هي فاعلة؟.. ليته يعرف ما يدور في نفسها، ولماذا هربت منه البارحة.
حتى الآن لم تصدق، هل هي الحقيقة أم هو الحلم والسراب؟ هو ذا يعود بعد أن كادت تفقد الأمل وأشرفت على الموت، يعود ليحتويها من جديد، ويعود وهو إنسان آخر غير الذي كانت تعرفه، ما الذي جرّده من غطرسته وجبروته؟ من الذي أنزله من تكبره وخيلائه؟.. إنها الحقيقة التي تضاهي الخيال، نعم عاد وتبنى الحمل رغم أنه لا يعلم عن حقيقته شيئا، ولا أنا، هل أصارحه وأعود إلى الدوامة أم أسكت وأتركها لسير المقادير؟... ودخلت الجدة كعادتها بكل هدوء..
قولي يا بنيتي، ماذا جرى؟ مزقت كبدي، أرجوك، تكلمي..
- لقد عاد يا جدتي، لقد عاد وتبنى، عاد وكأن شيئا لم يكن...
- قرأتها البارحة في طالعك، عقدة وانحلت، كنت على علم بذلك
- هناك مشكل آخر يا جدتي، بدأ يؤرقني منذ رأيته بالأمس وهربت.
- ما هو؟ مهما كان فهو ولا شك أهون يا حبيبتي مما كنت فيه
- أنا حتى الآن لا أعرف إن كان من في بطني إبنه أم إبن القاضي
- مجنونة أنت !! هيا كفى ! لا تحاولي ! إذا لم يكن إبنه فقد ورد منه، ما هذه السخافة، ملاك أنت أم نبي؟ !!
- أخفي جريمة بجريمة أخرى؟ سأتعذب، أدعوه لغير أبيه؟
- أهون مما أنت فيه، يا بنيتي سكوتك عن هذا هو خلاصك الوحيد والأخير، لا تعقدي الأمر أرجوك.. هذا كلام ألغيه نهائيا.. متى نزغرد لك؟
- أمهليني، لابد وراء الرجل أشياء، وبعد أن أعرفها نقرر، لا تستعجلي... لقد جاء متغيرا تماما، وهذا أمر حيرني كثيرا.. غريب أمر هذا الرجل..
- المهم أنك الآن في قارب النجاة، تصرفي بروية للوصول إلى البر بسلام
- سأفعل.. سأفعل.. في كل الأحوال مادامه قد عاد، لن أدفع الثمن وحدي أبدا.. دعيني أفكر... لن أغفرها لهما...
- هكذا أريدك، كوني حذرة فقط... ماذا ستفعل لبؤتي الآن؟
- سأتصرف لا تخشي علي، الآن اتضح الطريق، إني أرى الأفق صافيا..
إنبسط وجه الجدة، وأحست براحة بال فقدتها منذ مدة، تنظر إلى حفيدتها بعين الرغبة وهي تتحول من قطة وديعة إلى لبؤة شرسة كشّرت عن أنيابها، وأظهرت مخالبها، تستعد لدخول المعركة بكل قوة، رجوع الخصم بهذه التكتيكية جعلها تأخذ الحيطة والحذر في كل تحركاتها، وهي كذلك حتى رن الهاتف... إنه هو..
- مرحبا.. بخير.. أحسن بكثير.. الآن؟ غير ممكن، اتركها ليوم الغد، عندي فيه متسع من الوقت، نستطيع أن نتحدث وبالتفصيل.. إلى الغد في النادي
لقد بدأت المعركة، هي التي حسمت الزمن والمكان... والإستعدادات متواصلة... وبدأت تصلني و أنا في بطنها لأول مرة موجات جديدة تزرع في ذاتي الصغيرة بذور الأمل ، وتنفخ فيها الحياة، تطارد اليأس وتصنع الطموح. في تلك الليلة نامت أمي نوما عميقا، فأزهر حولي كل شيء، كأني يرقة فراشة بدأت تخرج إلى الوجود، أشياء جميلة كانت تمر من هنا تصنع البسمة في كل فسحة تتجدد، أشياء كالأحلام تضاهي الحقيقة، إنها أول تنفس الصعداء ، أتقلب فرحا وهي نائمة، نظرت إلى نفسي فوجدتني نسخة طبق الأصل لها، حتى الشامة التي في ساقها كانت في ساقي، فقط فمي لا يشبه فمها، فمي أوسع وبشفاه أخصب، هذا الشعور جعلني أتأكد من تراجعها عن تصفيتي، فقط لأنها أمنت على نفسها، وأصبح همها الوحيد ذلك الرجل الذي أرادت له أن يكون أبي، كان علي أن أستعد لأقاوم وحدي تجاوزاتها في كل شيء ، وتهاونها حد التهور في بعض الأحيان، لأنني سأكون الورقة التي تلعب بها، ولا يهمها بعد ذلك في أي يد أكون، حتى لو أكون في يد الشيطان...
قامت باكرا، جهزت الحمام، كانت تدندن، تخرج النغمات من أنفها كأنها لمسات على آلة موسيقية لألين وأعذب الألحان، وجلست أمام المرآة، تستظهر بكل جرأة مفاتنها، تتابع مياسم الجمال على وجهها، رسام أفرغ كل عبقريته وإبداعه في استلهام وجه ملائكي من نور يتحدى الرغبة في كل العيون، لبست أجمل فستان تجانس مع لون وتسريحة شعرها، تعطرت، رتبت أشياءها في سفطها وخرجت، كان الجو جميلا، والشارع جميلا، ونسمة الصباح منعشة، تنفست في الكون كل الأشياء الجميلة، واختفى ذلك السواد الذي كان يرخي سدوله على الدنيا كل صباح، فضلت أن تقطع المسافة راجلة، فكانت محط أنظار الجميع، وهي تتصنع الغنج، رائحة عطرها الباريسي تغمر كل الشارع، ونقرات كعبها توقظ القلوب النائمة... كان واقفا أمام النادي، إستقبلها يبتسم، أخذها من يدها ينظر إليها كأنه في أول لقاء، تنهد وقال:
- كم أنت جميلة، بالأمس خشيت أن أكون قد ضيعت فيك جمالك، فإذا بك اليوم أجمل.. هيا لقد حجزت مكانا رومانسيا ولا أروع، تفضلي...
لا يزال يبهرها بلياقته ولباقته، وجمال حركاته، جنتلمن بجدارة، كالأريستوقراطي، دخل هو الأول وتبعته، كان المكان ركنا ساحرا، النادي حولوه محطة سياحية ست نجوم، بست أجنحة وحديقة. حتى الآن لا يزال يبهرها، كأنه يمهد في نفسها مكانا لحقيقة مؤلمة تتطلب استعدادات أسطورية، فزاد ذلك في قلقها حد التوتر والإرتباك، وأحست بالضعف أمام استكانته وتلطفه وليونته، يكلمها بأرقى العبارات وأطيب الكلمات، وغالب ذوقه ميزاجها فغلبه، وبدأت حساباتها تنهار كجدران من رمل أمام خطاب العيون، وتمنت أن يتواصل السكوت حتى لا يفسد عليها متعة كانت تحلم بها منذ زمن بعيد، فتحت وتركته يبحر بأمان في ذاتها ويبلسم الجراح التي صنعت بؤسها، وشقاءها، وجراح أيام الجحود... ما كانت تظن أن هذا الطود يتحول يوما إلى كومة، فيها من الدفء ولين الطرف ما يغمر كل المواطن التي كانت تعاني من قحط المودة وغربة الذات... تنظر إلى الإيحات تتزاحم في عينيه، وترسم أحاسيسها على ثغره، تظهر حتى تكاد تنطقه ثم تختفي وتترك للتردد فراغاتها... وتبقى البداية دائما فرسا شموسا، يصعب ترويضها وامتطاء صهوتها، والكلمة الأولى هي المفتاح السحري الذي يفتح مكامن المقاصد أو يغلقها، والصمت باب لا يعلم أحد ما وراءه، وفي أغلب الأحيان يصنع القدر خلفه أكبر المواجع، وهو لا يريد أن يضيع هذه الفرصة، التي كان يراها فرصة العمر، وتلقت الأجساد حقن المشاعر التي طفت تغازل وجدانا عانى كثيرا من قحط الحنو،

...يتبع...
رد مع اقتباس
  #32  
قديم 03-04-2013, 02:19 AM
الصورة الرمزية وهج الروح
وهج الروح وهج الروح غير متواجد حالياً
مشرفة الكتابات العامه
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: حدودك ضلوعي وانتي الفؤاد ( نبضي سلطاني )
المشاركات: 3,828

اوسمتي

افتراضي

ليتك كملت يا مختار ابي اعرف الاحداث بسرعة

جزء جميل بين ضعف امراة وقوة اختيارها لتبحث عن قناع ترتديه

وتخفي حقيقة ابنتها هي لمن ...... وصفك دقيق وردوي عليك لم تكن

مجاملة ....... اسلوبك مميز جدا اتمنى ان ارى الجميع يمرون هنا شكرا

مختار تابع وانا بالقرب سنتظر ما تبقى من احداث
__________________
‏"الله لا يُخبرنا بمن يَدعون لَنا سرّاً ويُحاولون حِراسَتنا بالخَفاء؛ لكنَّه يُنير بَصيرَتنا على مَحبّتِهم، فَنتبعُ أرواحِهم دُون إدرَاك منَّا لِماذا نَخصُّهم بِهذا التعلق الروحي"
رد مع اقتباس
  #33  
قديم 04-04-2013, 02:12 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

[quote=وهج الروح;185285]ليتك كملت يا مختار ابي اعرف الاحداث بسرعة

جزء جميل بين ضعف امراة وقوة اختيارها لتبحث عن قناع ترتديه

وتخفي حقيقة ابنتها هي لمن ...... وصفك دقيق وردوي عليك لم تكن

مجاملة ....... اسلوبك مميز جدا اتمنى ان ارى الجميع يمرون هنا شكرا

مختار تابع وانا بالقرب سنتظر ما تبقى من احداث[/quote
..................................

وهج الروح...أيتها الفاضلة.
دائما في الموعد ، أهديك أخوتي و مودتي ، و أشكرك على هذا الحضور و المتابعة و الكلمات الطيبة. يا رفيقتي في هذا الدرب ، أبقي بالجنب.
تحياتي و تقديري .
أخوك مختار سعيدي

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 04-04-2013, 02:13 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

، وحرر الظن الجميل ما جبلت عليه النفوس، ومسكت اليد باليد وبدأ العد..
- ما الذي أخرك إلى اليوم؟
سؤال زلزل كيانه، وأيقظ في نفسه تلك الأسطورة التي صنعها اللقاء وزينها الأمل يوما...
- هل كانت أجمل مني؟
استوى على كرسيه، وأدار وجهه، ينظر إلى حوض فيه سمكة
- نعم جميلة جدا، خلقا وخلقا، كانت تسبح في ذاتي التي وسعتها، كانت ملأ العين والبصر...
يستعيد جمال الماضي الذي أهل في ليلة من تلك الليالي الجميلة، وجعلته بدرا أضاء كون حياته زمنا، وشاء القدر أن تنحني الأيام لتصنع منه عرجونا قديما، كما بدأ عاد إلى الأفول، هكذا تعلم الصمت، و الصمت أحيانا سلاح العاجزين... شبك أصابعه، إنحنى إلى الأمام وقال:
- أتعبني ذلك الشارع المحفوف بأشجار الصفصاف، الذي كان يربطني بالمركز الطبي للمرض الخبيث، كانت تفنى أمامي، وبسمتها تتحدى جبروت الأيام وألم السنين، تستسمحني نظراتها، وتستعطفني نبراتها، وهي ترسم على وجهها لمسات الغروب بالصبر الجميل، يستأذنني فيها كل شيء وهي تحتضر، أخذت يدها، دعوت، توسلت، صرخت، بكيت، وكان القضاء أقسى فرحلت، وبقيت إبتسامتها، حركاتها، لمساتها، بل حتى قهقهتها تتجلى فيك، كنت أنت ممن خلق الله من شبهها أربعين... يوم التقيت بك كانت تعيش هي المرحلة الأخيرة، وكان قد حكم عليها القضاء بالفناء، كنت أنت صورتها وأنا معاناتها، أنت ضحكتها وأنا دموعها، أنت كلامها وأنا صمتها، أنت فرحتها وأنا حزنها، أنت حضورها وأنا غيابها، كنت ألقاك دائما في حالة سكر حتى لا أشعر بمخالب الجحود و هي تمزقني، وكان الصمت سلاحي الوحيد، أحارب به دوافع البوح الجميل الذي أختزنه لك لينصهر أكثر بنار الصدق والوفاء، ألقاك دائما لأنك الوجه الآخر الذي وشمه الوفاء في نفسي، كأنك هي، الشيء الوحيد الذي أفتخر به حتى الآن هو أنني حافظت على صدق مودتي لك، لأن فيك وجدت الإمتداد الذي بدونه لن تواصل الحياة في نفسي مسيرتها، وبدونك يتعطل الكون كله في ذاتي، فقط لا تستغربي إن قلت لك أني أحببتك لأنك أنت... لقد سلبني الموت أشياء كثيرة، ولا أظن أن الحياة تسلبك مني يوما ، فأخسر كل شيء... وليس لي إلا الوفاء، ليس لي إلا ذاك... لأنه سبب وجود كل الأشياء الجميلة في هذا العالم .
لما نظر إليها وجدها تخنق الدمع في عينيها، والعجب يكسوها، أما في عينيه كان بصيص أمل ينتظر أن يؤذن له بالبزوغ... سكت ولا تزال كلماته تتردد في عمقها، يرد السؤال صدى الجواب، وينزل الصدق في مقاماته التي كانت تسكنها الحيرة والشكوك، وامتلأت فراغات الظنون باليقين وسكن كل شيء في الذات ....
- هل أحببت رجلا قبلي؟
- ماكانت هذه القلوب لتبقى فارغة، فقط ليس مثلك
- يقال أن قلب المرأة أضيق من قلب الرجل
- لأنه لا يتسع لأكثر من رجل واحد، وهذا سبب شقائها
- أراك أخلص مني
- الإخلاص غاية قبل أن يكون وسيلة
- متى ندركها؟
- عند اللارجوع
- حتى بعد الموت؟
لتبدأ الحياة من جديد، لأن الإخلاص لا يموت، بل تصهره التجارب وتجدده.
قام فوقفت، أخذها من يدها، وضع ذراعه على كتفيها وخرجا.. لقد تنفس في حياتهما صبح جديد... ليتواصل سر الوجود في رجل وامرأة... وهل الكون إلا الرجل والمرأة؟...
تحركت أنا يمينا، تحركت شمالا... وشعرت بالغربة في هذا القبو الضيق والمظلم، وانشغلت أمي بأبي حتى نسيت أنني موجود، همها الوحيد إرضاؤه، تحرص كل الحرص على أن لا تضيع أي لحظة من هذه اللحظات الجميلة التي استعادت فيها كينونتها وكيانها بعودته، تتجاوب معه في كل شيء، وسكنني هاجس الفضول لمعرفة منزلتي منهما، إلا أن اهتمامهما ببعضهما حال دون كل حيلي، فخسئت، وكرهت هذا الرجل الذي وضعني على الهامش، كانت خطى أمي المتسارعة تقرع في رأسي كأنها ضربات المطارق، آلمتني نقرات كعبها واهتزاز بطنها، وتمنيت أن يصيبني مكروه لما عرفت أنني نتيجة تركيبة بيولوجية مجردة جاءت تلقائيا، وأن حياتي كانت مرهونة بأنانيتها وعزة نفسها، ومقابلها أنا لا أساوي شيئا... فكرهتها أكثر فأكثر، وازداد كرهي للحياة...
واستطاعت أمي أن تستعيد توازنها ومنزلتها وثقتها بنفسها، يحافظون عليها كشربة ماء بين يدي ملهوف، وهي تنتظر بفارغ الصبر أن تتخلص مني، ضاقت بي ولا تزال تلعن الساعة التي حملت بي فيها، تتفقد جسدها وتتابعه يوما بيوم، بالكريمات والمراهم، لا يمر عليها أسبوع لا تزور فيه الطبيب، تلعنني في كل حركة وفي كل سكون... تخفي ضيقها بي بقولها لا تحب الأولاد، كانت تتمنى لو كنت بنتا، كلما يراها القاضي يبتسم، فكانت ابتسامته تحطم كبرياءها، وتبتذل زوجها في نظرها، فيزيد كرهها لي، حتى بدأت تفكر في الإجهاض، وقامت بمحاولة ولكن شاء القدر أن أنجو من محاولة اغتيالها، و شعرت بأنها سببت لي خللا ما، لم أتبينه في حينه، وعندما يدخن أبي أشعر أنني أختنق، ثم أدمنت على تلك الرائحة، أنتظرها كل مساء، لم تحترم الحمية التي نصحها بها الطبيب، أسأل نفسي لماذا هذا التهاون والإهمال الذي يمكن أن يؤدي إلى هلاكي وهلاكها، ولم أدرك سر ذلك الشيء الذي تعلمته معها هو أنها لا تتصرف أبدا من فراغ، بقدر ما كان أبي متحمسا لي بقدر ما كانت هي تنبذني، أحيانا أشعر بها تنظر إلى بطنها وتحدث نفسها، بكلام غريب... عتاب، ندم، حسرة... حتى تكاد تمقت نفسها وتنبذها، رغم كل ذلك لما أشعر بها تبكي، أحن عليها وأشفق عليها خشية أن أكون أنا السبب، تمنيت أن أدرك هذه الحقيقة قبل خروجي، ولكن ماسمعتها أسرت بها لأحد.. إنها تتعذب، خاصة وهي في حضن أبي، بين يديه كالعبد بين يدي سيده، بل أذل.
كان بيت الزوجية موحشا، يسكنه الصمت ومجرد من الدفء، فعادت إلى بيت أبيها إلى حين وضعها، تلازمها الجدة كالظل، بل أكثر من ذلك كالبوديجارد، سعدت كثيرا العجوز لما علمت أن حفيدتها ستأخذها لتعيش معها ما بقي لها من العمر في عزة وكرامة، ردا لشيء يسير من الجميل، وجعلتها تحس أكثر فأكثر بضرورة وجودها، وأنها لا تستطيع أن تستغني عنها...
يأتي إليها كل صباح، يأخذها إلى العمل، كأنهما طفلين في طريقهما إلى المدرسة، يحتويها بسعة مرحه وبسط بسمته وحديثه الممتع، ملأ كل الفراغات، وفي المساء لا تدخل إلى البيت حتى تجوب معه كل الشوارع والأماكن الجميلة التي ترعرع فيها حبهما، حيث تنتعش الذكريات .تروّح عن نفسها وتبلسم وخزات الماضي، نادرا ما تتعشى في البيت، كان يعجبها كثيرا مطعم العم قدور، ذلك الرجل القصير والعريض، المشمر دائما عن ساعديه، بمئزره الأبيض تضاهيه بشرته النظيفة، على رأسه الأصلع والغليظ قبعة بيضاء، أمهر طاه للأطباق العربية الأعرابية التقليدية، قدوره على الحطب والفحم، لكل نغمته وإيقاعه، تجرك رائحة الطعام جوعا لا يقاومه أحد، قاعة الأكل جناح من الطراز العربي الصحراوي الأصيل، والجناح الآخر على الطراز القبائلي الجميل
...يتبع....
رد مع اقتباس
  #35  
قديم 05-04-2013, 08:20 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

الماء في القرب، و الوجبات تقدم في أواني تقليدية جميلة جدا، لكل أكلة آنيتها، كأنك في متحف نفخ في التاريخ الحياة من جديد، مكان يتردد عليه السواح كثيرا، لا تزال جدتها تذكر ذلك اليوم الذي أتت بها هنا، وتناولت معهما غذاءا أعرابيا، في جو كاد يبكيها سعادة، تقول لها دائما مازحة، جدتي أكلت بعينيها أطيب ما تشتهي في عمي قدور، تعني الرجل، فتقول لها.. أسكتي، أسكتي يا شيطانة، يا خبيثة، وتضحك بكل ملامحها، فتقول.. والله يا جدة، أنت أجمل منه ولا نقبل به لك ولو بحمل ذهب.. فتضحك الجدة حد الغرور...
تمتزج فيها الكآبة بالدعابة فتتصرف أحيانا بعدوانية الطفل المشاغب، فيتوقف عن مجاراتها، وتردها وخزات صمته المفاجئ ، وزخات نظرته إلى اللهو ببراءة من جديد، تستسمحه وتحولها مزاحا... عندما تختلي بنفسها في غرفتها، أشعر أنها متضايقة مني حد الضجر ، وأني ذلك الحمل الذي يثقلها ويزعجها ويحرمها من التمتع بأجمل أيام عمرها، وأنها نادمة على الحمل بي حد الإختناق...
ليتها تسمعني، وتنصت إلي كصوت حق ينبعث من عمق أحشائها، وتعرف أنني تلك الحلقة التي تصنع التواصل لوجودها.. يا ليتها تنصت إلى نداء الإستمرارية الذي يؤسس للمستقبل، وأن مثلي بين يديها مسير لا مخير.. يا ليتها تسمع إلى مناجاة أسرار الكون التي قذفتني في رحمها لأكون ذلك الذي تريده هي...،هي التي همها الوحيد تفريغي لأنني الخطأ، تسقيني مرارة سواد باطنها المدلهم أقداحا، وشهد نهار ظاهرها لغيري كؤوسا بيضاء لذة للشاربين، تسقيني أجاج عبراتها ليلا، وزلل عباراتها تتدفق لغيري أنهارا، لا أستريح منها إلا عندما تنتشي بالثناء والمجاملات، وتنساني، أتوقف عن الحركة أحيانا حتى تشك أنني مت، فتفزع إلى الطبيب فيطمئنها، ولما أتحرك تتأوه وتلعنني، أحمل الكثير من آثار صدماتها وتهور نزواتها، وشر غضبها وفواجعها، يأسها، إحباطها، تشاؤمها، عصبيتها، أخشى أن أكون يوما صورة لباطن هذا البركان الذي لا يطلع عليه غيري، وسأخرج ثائرا أصرخ، أمزق سكون النفاق واغتيال الحقائق، سيضحكون وسأبكيهم يوما ما، لأني مركب من بؤس أمي وانهزامها وإحباطها، ومقتها لنفسها، وكل الأشياء التي علقت بداخلها، أشياء لا زلت أذخرها... أنا وحدي في هذا العالم المظلم الذي لا يفهمني فيه أحد ولا يسمعني أحد، ولهذا سأصرخ عند خروجي احتجاجا على صمتهم وإهمالهم، سأرهقهم صعودا ونزولا، ربما أنتقم لها ولم لا، تلك هي عدالتهم ونظام حياتهم، ، أو أنتقم منها، إني أشعر أن هذه الخلايا تتغذى من دم فاسد، وتتنفس العفن الصعداء، وتجتر شيئا فظيعا لم تخلق لأجله... بدأت أفكر وتأكدت أنني موجود، وأن الحياة غير ما كانت عليه الروح، وبدأ في ذاتي صراع بين قوتين تجذبني كل واحدة لأكون منها، تكافأت لهما الفرص في داخلي، وتفاوتت خارج أمي ، وضاع الإعتدال بين التناقضات التي تصنعها أمي، فاستسلمت للتيار القوي يجرفني إلى خارج هذا القبو الذي ضاق بي وضقت به، وأنا في هذا الجدال، كانت أمي تتناول مع أبي مبردات على حسابها، لم أكن أعرف أن هذه النقود هي التي تتحول إلى دم تقوده حيثما تريد، حتى قالتها أمي لأبي في صيغة المتعجب، حاولت أن أتصور العملية، كانت رهيبة جدا بمفعولها، من هنا فهمت كيف يكون المخلوق مسيرا، أردت أن أصرخ لأكون أنا، ولكن يا حسرتي، من يسمعني في هرج الغوايات التي تسكن أمي، فسكتت وقال لها أبي.
فكيف بأموالي أنا التي أكتسبها من أجمل وأفخر حانة ورثتها من أبي .
ضحكت وقالت:
- أخشى أن يخرج إبنك من فمي.
- إذا خرج من فمك نبرره بحصائد لسانك، و إذا ثمل سيضيع و يستدعي عملية قيصرية،
- في كل الحالات، أنا التي ستدفع الثمن
- إنها سنة الحياة، لا تخشي شيئا، سأكون بجانبك، أرجوك لا تزرعي القلق في ذاتي، الذي يهمني الآن هو أنت.
- لو أجهضته هل كنت ستحبيني؟
- ولم لا؟ !.. ليس لي سواك، ولن يعوضك أحد، أما هو فإلى الجحيم إذا استدعى الأمر نجاتك بثمنه
أخذت يده، قبلتها ،وظهرت لمسات التأثر على وجهها، وصلني هذا التفاعل كهبوب نسمات الصقيع، فتقوقعت وشعرت لأول مرة بدافع بكاء البؤس والحزن والأسى... وهما كذلك حتى رن جرس التلفون ففتحت..
- نعم..مساء الخير...
- متى؟ يا الله !.. مات جدي بسكتة قلبية
- متى؟
- الآن...هذا أبي كلمني، هيا بنا.. خمس وثمانون سنة فيها بركة.. نذهب إلى البيت وغدا نذهب لحضور الجنازة.
كان البيت خاليا إلا من الفيلسوف ، تركوه حارسا. إمتعض لما رآهما وظهر عليه نوع من الإرتباك...
- أنتما لا تعزيان ولا تحضران الجنازة، أم هي المواقف خالية من المصلحة؟..
لم ترد عليه، وجرت زوجها من يده إلى غرفتها وأغلقت الباب....
كانت هذه الليلة هي أطول ليلة في عمر الفيلسوف، كل الإحتمالات التي أخذ بها كانت واهية، ودخله الشك وبدأت الغيرة تمزقه، شرب نصف زجاجة خمره ، وصعد السلم يترنح، دق عليها الباب، ففتحت بسرعة، أدخلته، كانت في ثياب النوم، أجلسته فوق سريرها، تحاول أن تسكته حتى لا يحدث فوضى توقظ الأطفال، ولما احتضنته ليهدأ، دخل أولادها، وتيقن الظن، وقفوا جميعا أمام هذا المشهد الذي خلد الخيانة في ذاكرتهم إلى الأبد، وقفوا ظنا أنه أبوهم، فإذا به إ بن عمهم في سرير أمهم، وسجلوا بحضورهم هذا ، شهادة ميلاد الكابوس الذي سيطارد أمهم ليلا ونهارا، وأصبحت من تلك اللحظة تحت شفرة فلطة لسان... قامت، أخرجتهم بعصبية، أعادتهم إلى غرفتهم،توعدتهم ، ثم عادت إليه واستطاعت بصعوبة أن تقنعه بالعودة إلى غرفته ،واعدته بأشد الإيمان أنها ستلحق به فور نوم الأطفال، و قبل أن يخرج قدمت له شرابا وضعت فيه نفس المنوم الذي وضعته لعمه في اليلة التي ذهبت عنده، أنزلته إلى أسفل السلم، ولما رأته دخل إلى غرفته صعدت. ألقى بنفسه فوق سريره حتى طلعت عليه الشمس، فوجد نفسه كمدمن بات على قارعة الطريق، يستعيد بصعوبة ما فعل البارحة، خرج فوجد باب السلم مغلقا، لقد خرجت إلى عملها، الجنازة لا تعنيها، هو يعرف ذلك، فعاد إلى غرفة الحمام، غسل وجهه ، رمى غرفتين فوق رأسه، وأخذ المنشفة يفرك شعره ووجهه بقوة، لا يزال في حالة غليان، عرج على المطبخ، لا أحد ولا شيء، عاد إلى غرفته لبس بذلته وخرج...
ومرت مراسيم الجنازة في هيبة ووقار، وتوافد الناس إلى بيت العزاء، وفي المقبرة بعد الدفن تقدم أحد الأعيان وخطب في الناس خطبة لتوديع عالم جليل، ومجاهد كبير ، كان المجد الذي صنعه الخطيب من رمل، وبمجرد التسليم، إندثر وأذرته الرياح...
وبدأ كلام الجد في تقسيم التركة، و كان الفيلسوف هو آخر من وصل ، و أول من أثار هذا الجدل في المقبرة ، لما عادوا إلى اليبت كانت أشياء كثيرة قد اختفت، وكادت تكون الحالقة لولا حضور أهل القرية والضيوف المعزين، وقبل ثلاثة أيام تفرق الجميع، كل الى بيته ليجمع كيده ثم يعود، وفرح الأطفال الذين كان يجلدهم المرحوم في الكتاب.
لما عادوا كانت الأم تستعد للخروج، دخلت عليها الأرملة، هكذا يلقبها الجميع نكالا، وقالت:
- نسيت أن أسألك، هل تعلمي أن ابنتك حامل؟
- حامل تقولين؟ !... غير صحيح !!
- وأبشرك، إنه ولد.. هكذا قال الطبيب
- أنا جدة ؟؟؟... أبدا إلا هذه... السخيفة، الساذجة، أعرابية... لماذا أخفيتم عني الخبر؟
- إسألي الجدة، أظن أنها على علم بكل التفاصيل... إنه ثمرة الخطوبة... أنت يا أمي مثل الحية، لا تحفري جحرا ولا تبيتي في العراء، لو كنت مكان زوجك لتزوجت امرأة أخرى وأنت آخر من يسمع
- يتزوج؟... يحطم سمعتي ويهين كبريائي؟... إلا هذه.. اطمئني لن يفعلها حتى لوكان حظه في الميراث مال قارون، لقد روضته مثل بغل الأعرابي، أنت لا تعرفي أمك.
- هو سعيد جدا بهذا الحمل، ينتظر أن يكون جدا على أحر من الجمر.
- وقح... سينتهي في دار العجزة قبل الأوان، إنها لعنتك لاتزال تطارده... لو لم أكن حاضرة لقتلك ليلة زفافك...الأعراب لا يهمهم في المرأة إلا أسفل الحزام، تم شرفهم وعزتهم ورجولتهم... أغبياء
- أرجوك يا أمي ساعته نحس، لا أحب أن أسمع عنه أكثر.
فتح الباب، وقف في العتبة وقال:
- جلسة مغلقة؟
نظرت، ابتسمت وقالت:
- آه، تذكرت أنك نشأت في الخيمة، لا باب، ولا بواب، ولا آداب.. يا رجل حديث نساء لا شأن للرجال فيه، مجرد تفاهات كما تقول أنت، كيف حالك اليوم، هل تناولت الدواء؟ رأيتك قبل الأمس مرهقا...
خرجت الأرملة، وجلس هو على الأريكة بعد إذنها، وتنهد وقال:
- بدأ يقلقني هذا المرض، لا يزال يتطور من يوم إلى يوم
- لأنك لا تقاوم الحلويات، حتى الأنسولين لن يفلح فيك يوما
- بالعكس بدأت أشعر أني بدأت أفقد الشهية
- إذا زرت الطبيب وأعادها لك، أرجوك لا تعود من هذا الطريق لأننا سنرحل
ضحكت، وضحك حتى بانت نواجده، وضع رجلا على رجل، نظر إليها وقال:
- لم تتغيري كثيرا، لا زلت جميلة... اقتربي.. تعالي..
نظرت إليه، أشاحت بوجهها وقالت:
- وأنت خرفت يا رجل، عندما شاب علق عليه حجاب.. قم.. قم.. أنا معزومة الليلة على العشاء، سأدخل متأخرة إذا طابت الجلسة، لقد تأخرت.. هيا..هيا
- كم أتمنى أن نتعشى سويا، ونسهر ونعود متأخرين... مثلما كنا زمان
- بشرط، نشرب، وندخن ونرقص،.. هل تقدر
هز رأسه نافيا واغرورقت عيناه
- أنت لا تقدر حتى على الوقوف نصف ساعة وتريد... مسكين... غدا نتعشى سويا هنا في الحديقة، نشرب لبن وأرقص لك وحدك... هيا... هيا أذهب لترتاح قليلا، أراك حزينا لموت أبيك ومرهقا من السهر.
حملت سفطها، داعبت خصلات شعره، خرجت وتركته جالسا يجتر الماضي الذي لا يزال يعيش عليه، أخذ السكون بمجامعه الصاخبة، تنحره الغصة تلوى الغصة على ما فات من العمر ولا يعود، والغرفة ترد صدى رقة نبرتها الفرنسية، مرت بخلده أبيات للشاعر الفرنسي لافوتان، ابتسم من سذاجته وقام...
كان وهيج عطرها الباريسي يغمر الرواق حد الإنتشاء، تمنى لو كان معها ليفعل أشياء كثيرة كان يفعلها في شبابه وقبل مرضه، رأى أيامه تذبل أمام عينيه، وعجز حتى على أنعاشها في نفسه بالكلام، يتساءل هل فقد مبررات الحياة الزوجية إلى هذا الحد ، وهو الآن عالة على امرأة اشتعلت كهولتها بالحيوية والنشاط و حب الحياة ؟ !
عاد إلى الصالون وجلس ينتظر العشاء... يستعيد ببطء كلامها ويجتر، أيقظت فيه بعض الكلمات والحركات شيء من الفضول حد اهتزاز الثقة، هذه الزوجة التي كان يراها متحضرة ومندمجة ومثقفة، تترفع عن الدنايا، يزينها الوفاء والإخلاص، أصبحت في نظره مهددة ويجب عليه حمايتها، وبدأ يفكر في الأمر بجد... وظهر له أول شق في جدار المودة الذي كان يراه متينا، يتحسس المواضع التي يمكن أن تأثر فيها الضربات التي تأتي من الخارج، يجب أن يرمم أي تصدع يظهر حتى لا ينهار كل شيء وتتفكك الأسرة.
جاءت إبنته تمشي كالبطة المثقلة، بطنها إلى فمها، كأنها تحمل توأم، جلست بجانبه وابتسمت فقال لها:
- قومي واجلسي أمامي، هنا على الأريكة، الذي تحبه إجلس أمامه والذي تصحبه إجلس بجانبه، والحديث بدون معنى كالطعام بدون ملح...
انتقلت، استوت وقالت:
- كيف حالك؟
- أغور شيئا فشيئا
- لا بأس عليك
- وأنت كيف حالك؟
- حال الحامل يا روحي
- بدأ هذا العام الخريف باردا، فحافظي على نفسك يا بنيتي، أتمنى أن يطول عمري حتى أكون جدا، سأعجبك ، سترين
- لماذا تقول هذا الكلام؟، أنت لا تزال كهلا ولولا السكري لزوجتك بأربع جميلات
ضحكت وضحك حد القهقهة وقال:
- إلا هذه، ستموت أمك بالغيرة علي، تصوري إنها متعلقة بي كالرضيع بأمه، إنها تحبني كثيرا، تحدت والدها وتزوجتني...
وبدأ يثني عليها في الخلق والخلق وابنته تنظر إليه بعين الشفقة والرحمة لدرجة أنه أحس أنها تعرف أنه يبالغ ويزايد، فبدأ يبرر بعض تصرفاتها بتقصيره معها، وخنقته الحسرة فسكت.
- لا عليك يا أبي أعرف أنك تحبها كثيرا وهذا من حقك ومن حسن حظها، أمي امرأة متحررة، تتحرك كثيرا، خيبتها ليست فيك وإنما سببها المرض، لا تستطيع أن تجاريها، ولا تخشى عليها، إنها قوية جدا وتملأ الفراغ كله..
- أعرف ذلك، أنت الوجه الآخر الذي كانت عليه لما التقيتها، بزيادة مفرطة في الغنج.. تعرفت عليها في المستشفى، دخلت إثر حادث مرور لبعض الإسعافات الأولية، وكانت تتكلم فرنسي كثيرا، كنت الوحيد الذي تجاوب معها، فربطت علاقتي بها ببعض الكتب والروايات الكلاسيكية في الأدب الفرنسي، كنت أحسن الفرنسية أفضل منها، أبهرتها فتعلقت بي، كنا نقلد الفرنسيين في كل شيء حتى نظهر أمام الجميع قي قمة التحضر، هي واصلت بصفتها مدرسة وأنا تراجعت قليلا بحكم مهنتي والمحيط الذي أعمل فيه، أغلبية المرضى من الأحياء الشعبية والأعراب حيث كانت تكثر الأوبئة في مختلف المواسم
...يتبع....
رد مع اقتباس
  #36  
قديم 06-04-2013, 02:58 PM
الصورة الرمزية وهج الروح
وهج الروح وهج الروح غير متواجد حالياً
مشرفة الكتابات العامه
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: حدودك ضلوعي وانتي الفؤاد ( نبضي سلطاني )
المشاركات: 3,828

اوسمتي

افتراضي

خوي مختار المتبقي من الاحداث متوقعة

ولكن. اسلوبك شقي في انتظار الاحداث

بفراغ الصبر شكرا ع تواجدك وحرصك في

اتمام الرواية ساكون بالقرب شكر لك
__________________
‏"الله لا يُخبرنا بمن يَدعون لَنا سرّاً ويُحاولون حِراسَتنا بالخَفاء؛ لكنَّه يُنير بَصيرَتنا على مَحبّتِهم، فَنتبعُ أرواحِهم دُون إدرَاك منَّا لِماذا نَخصُّهم بِهذا التعلق الروحي"
رد مع اقتباس
  #37  
قديم 06-04-2013, 03:55 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وهج الروح مشاهدة المشاركة
خوي مختار المتبقي من الاحداث متوقعة

ولكن. اسلوبك شقي في انتظار الاحداث

بفراغ الصبر شكرا ع تواجدك وحرصك في

اتمام الرواية ساكون بالقرب شكر لك
................................

وهج الروح ...أيتها القديرة
أشكرك على حضورك المتواصل ، و لكن لا زلت في توريط الشخوص ، و متأكد أن الكثير من القراء سيتفاجيء عندما أبدأ في فك العقد التي نسجتها ...
تحياتي و تقديري و شكري .


رد مع اقتباس
  #38  
قديم 08-04-2013, 10:48 PM
الصورة الرمزية عائشة السعيدي
عائشة السعيدي عائشة السعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: الامارات
المشاركات: 513

اوسمتي

افتراضي

صح اني سجلت في المتدى متاخرة لكني اعجبتني القصة كثيرا , كلماتها واحساسك اتمنى منك المزيد
رد مع اقتباس
  #39  
قديم 09-04-2013, 01:44 AM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة [size="5"
عائشة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة [size="5"
السعيدي;185926]صح اني سجلت في المتدى متاخرة لكني اعجبتني القصة كثيرا , كلماتها واحساسك اتمنى منك المزيد
.....................................

عائشة السعيدي...أيتها الغالية.
مرحبا بك أختي الغالية شريكتي في الإسم و الحرف و الكلمة.
أتمنى أن لا أخذلك .
لك كل الشكر
تحياتي و تقديري

[/size]
رد مع اقتباس
  #40  
قديم 17-04-2013, 04:10 PM
الصورة الرمزية مختار أحمد سعيدي
مختار أحمد سعيدي مختار أحمد سعيدي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 583

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى مختار أحمد سعيدي
افتراضي

ماكان الناس يميزون بيني وبين الطبيب لأناقتي ولياقتي واهتمامي بنفسي، كانت هي جميلة ومدللة من طبقة النبلاء، شعلة طموح وأمل، مرحة بامتياز، تتكلم كثيرا وتضحك كثيرا، لا تزال براءة قهقهتها تتردد في ذاكرتي، كنت أنظر إليها فرنسية أبا عن جد، كانت من النماذج النادرة في مستوى التحضر الراقي.
لما كنا نحن نسكن في المزرعة، أخذتها يوما هناك، فسلبها جمال الطبيعة وسحرها، وأبهرتها العادات والتقاليد، ولولا أني أعرف قبيلتها لقلت أنها فرنسية وتجنست، أعجبت أمي كثيرا فتزوجتها، كانت تذكر أمي دائما بنساء وبنات المعمرين الفرنسيين والإسبان، تزوجتني رغم معارضة والديها، وأقمنا عندهم رغما عنهما، حتى أنهت دراستها، استأجرنا شقة في عمارة، ثم انتقلنا إلى هنا بعد أن انتهت الأشغال.. صمم هذا البيت حسب ذوقها، وكأنها كانت تقرأ المستقبل في حفر الأساس، لا يزال حتى الآن يتسع للجميع، أنظري هكذا البيوت في فرنسا، تدخلي مباشرة إلى الصالون، على الجهة اليمنى قاعة الأكل وبعدها المطبخ ثم الساحة، على الجهة اليسرى رواق غرف النوم، بعضها يطل على الصالون والبعض الآخر في الرواق الذي يؤدي إلى سلم الطابق العلوي حيث المخرج الثاني إلى الشارع الخلفي، كان يظهر لي واسعا وكبيرا جدا، كل هذه الأثاث التي زيناه بها فرنسية، ومن باريس، هذه المدينة التي عشقتها أمك حد الهوس، تعيشها هنا، أمك من الذين يؤمنون أن الجزائر هي امتداد لفرنسا تحت البحر، هذا تمثال جان دارك آخر ما جاءت به من هناك، و هذا قرن بايار. في أول زيارتها لباريس، إشترت هذه اللوحة الجميلة للثورة الفرنسية التي حررت كل أوروبا ومعها العالم... الطابق العلوي شيء آخر، الغرف كأنها زنزانات لا تدخلها الشمس في فصل الشتاء أبدا، بناه جدك لعمك، ووثائق البيت كلها باسمه، لقد ساهم في البناء بأكثر من ثمانين بالمائة، ساعدنا كثيرا، حفاظا على كرامتنا وعلى سمعة العائلة، وسيولد فيه أول حفيد.. تلك أشياء كلها جميلة، أراها تمر في ذاكرتي مر البواسق البيضاء في أفق سماء كانت صافية زرقاء... أحيانا أشعر وكأنني أعيش من أجلها و بها فقط. هنا مسقط رؤوسكم جميعا، هنا ترعرعتم، لا تزال ضحكاتكم تملأ فضاء ذاكرتي المتعبة، وبكاؤكم يمزق من حين إلى حين سكون المكان، أنت فقط كنت عند جدتك، ربتهم الخادمة وحشية، وتبين لنا في الأخير أنها إسم على مسمى، كانت أخبث مخلوق عرفه تاريخ الخادمات، ولولا فطنتي لحولتكم إلى شياطين وأنتم لا تزالون أطفال، تعبت كثيرا لاستعادتكم إلى السلوك السوي، حقيقة كنت قاسيا معكم وحرمتكم من أشياء كثيرة، لكن هي التربية أحيانا تحتاج إلى الزجر والحديد والنار، كانت أمكم تنظر إليكم أبناء أعراب ووحوش، وتحتقر نفسها أنها أنجبت أربعة، تقول دائما كأني أرنب، ربما كما قالت، أنكم الخطأ الأكبر في حياتها، لأن المتحضرة لا تزيد أكثر من اثنين، رغم ذلك ومن أنتم الآن، يشار إليكم بالبنان، أليس كذلك؟.. وهذا كله من فضلي وحسن تربيتي وحرصي عليكم، فقط الأرملة الملعونة خذلتني ولا تزال تصنع خيبتي، ولست في حاجة لأحد منكم...
ابتسمت وهزت رأسها، لما كان هو يتكلم كانت هي تستعيد غطرسته وجبروته وظلمه وقساوته، وحده المرض أقعده وقيده وأطلق سراح الجميع، تذكرت تسلطه، فزاعة في الليل، وجلاد بالنهار، تذكرت لما كان يخرجهم من البيت في الظهيرة ليتمتع بالقيلولة، رغم الحر وأشعة الشمس المحرقة، يبيتهم جياعا لأتفه الأسباب، ويضربهم ولا يسمح لهم بالبكاء، وحرمهم من أدنى عواطف الأبوة، تذكرت أنه كان يطعمهم ما يريد، ويلبسهم ما يريد، وينومهم متى يريد، ويوقظهم متى يريد، وكأن البيت ملجأ لإعادة تربية الأشرار، السوط والعصا هي اللغة الوحيدة التي كان يخاطبهم بها، ويجن عندما يسمع أنينهم أوبكاؤهم، كانوا يتمنون له الموت، موت الجبابرة في القصص والخرافات، لأنهم يموتون بالوهن، تذكرت كيف جعلته أمها يبتلع الكثير من الفضائح، يكتمها ويكظمها رغما عنه ، كطلاق الأرملة ،وشبهات الفيلسوف مع صبيات المدرسة، وإشاعات عن الأم، و أشياء أخرى ، تذكرت كيف كانت تروضه أمها في حلبات أي نقاش، وتظهر آرائه مهلهلة،و تافهة، مفككة تتناثر فوق قدميها، فيستسلم إرضاء لغرورها، في حين ،من كان يجرأ ويذهب إليه لحل تمرين من واجباته،أو يستنصحه في أمر، أو يطلب منه مساعدة ، وبقدر ما كانت تطريه بقدر ما كان يتعصب في معاملته معهم... وأشياء أخرى لا تريد أن تتذكرها من شدة فظاعتها، لأنها تؤلمها كثيرا...
هكذا كانت أمي وأنا في بطنها تسقيني مرارة ماضيها وحاضرها، ممزوجة بالحقد والغضب ورغبة الإنتقام، تنتظر بفارغ الصبر الساعة التي ترميه في دار العجزة، ليذوق مرارة الهوان ولا تزوره إلا مرة واحدة في العام، ستشتري له شريط فيروز ، زروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة، شماته وتراه قد ذبلت فيه هذه الأشياء التي صنعت جبروته الذي لم يرحمهم، ويوم يموت يدفنه عمال النظافة، هي متأكدة أن جنازته لا يحضرها أحد، مثله مثل الفرنسي ينتهي وحده، ينتهي لا شيء، لا حدث، وإذا حضر أهله وأقاربه فمن باب المجاملة والنفاق، لأن أغلبهم في فرنسا لا يؤمنون بما وراء الموت.. هو يعرف أن لا أحد يحبه في هذا البيت..
لما استيقظت من غفوتها وجدته يتناول عشاه بشراهة، فقامت، قبلته على رأسه وانصرفت، وسقط كلامه في سلة المهملات... ليتها تستطيع أن تنقل إليه هذه الصور التي تملأ صدرها كما هي.. أما هو فبقي ينتظر زوجته في الصالون، لما عادت وجدته نائما على الأريكة، فدخلت إلى غرفتها ونامت قريرة العين، استيقظ وشم رائحة عطرها ممزوجة برائحة أخرى يعرفها جيدا، كأنها رائحة خمرته المفضلة، جوني والكير، لم يصدق، لا يزال مترددا، تحاصره دوامة بين الشك واليقين وتهاجمه الظنون من كل جهة، أراد أن يذهب إليها في غرفتها، وتراجع لسبب تنكر له، لا يريد أن يعترف به حتى لا ينظر إلى نفسه ضعيفا، واستطاع أن يتجاوز هذا الصراع وذهب، توقف أمام الباب ينصت لعله يسمع حركة أو أي شيء يبرر به زيارته، رفع يده ثم تراجع، كانت تلك الرائحة هنا أشد وأقوى، ورغم شدة الفضول ولهب الشك والغيرة، عاد إلى غرفته يجر الخيبة والحسرة، وابيضت ليلته وطال مداها، ما رأى أبعد من فجرها في حياته، ينتظر الصباح بأعصاب اشتدت كأوتار للعزف المقتضب، فصعدت نسبة السكري وسقط مغشى عليه، ونقلوه إلى المستشفى، وبعد استقرار حالته عاد إلى البيت.
في مساء ذلك اليوم جاءته إلى غرفته، أخرجهم جميعا واختلى بها، وبدون مقدمات قال لها:
- إنهم أعدوا الفريضة، وسيبيعون كل الممتلكات بما فيها هذا المسكن لأنه باسم أبي.
- وإسهاماتي؟
- سأحاول أن أسترجعها لك، لا أظن أن هناك أحد يعارض، فما رأيك لو نشتري مسكنا في القرية نقضي فيه ما تبقى من عمرنا؟
وكان السؤال الذي أفاض قدح الجواب وأثار البركان الذي يسكنها.
- جننت أو ماذا جرى لك؟.. أنا أسكن القرية؟.. هيا إلى المزرعة أفضل، مع الحمير والبغال والبقر والغنم، ونسكن في كوخ من أكواخكم القذرة، و نأكل الخبز المشوي على فضلات الحيواناتت، و نشرب من حيث يشرب الكلب، و ننام و الدجاج طواف بنا، تتشقق أقدامنا و أيدينا، و تزينها أدران الوسخ، و أطرافنا معفرة بالتراب كالخنازير !!!.. يا للمهزلة، يا للعار، و في آخر عمري !!..ألعن اليوم الذي عرفتك فيه، و اليوم الذي تزوجتك فيه ...اسمعني جيدا، ابتلع هذا القيأ و لا تعد إلى مثله أبدا، إذا شدك الحنين إلى هذه البشاعات، أذهب إليها وحدك، أما أنا فهنا، في المدينة خلقت و فيها أموت، فلا تحاول معي مرة أخرى، و إلا ستسمع مني ما لا يرضيك،.
خرجت كالزوبعة، و لم تدخل إلا مع الفجر، تجاهلها هو مكرها، لا يزال يجتر كلامها، وجد فيه شيئا من المنطق، و في سؤاله شيئا من الغباء، يقكر كيف يرمم ما أفسده من ود بسذاجته، و في الصباح ذهب إلى النزل الكبير، حجز مائدة فاخرة من الصنف الممتاز و عاد إلى البيت مسرورا، في المساء ذهب إليها ليطيب نفسها و يسترضيها، استسمحها و عزمها على العشاء فاعتذرت كونها نفسيا ليست مرتاحة، و واعدته أنها ستذهب معه مرة أخرى، أما الليلة فعندها لقاء رسمي في نفس النزل و لا زالت مترددة، و يحتمل أنها لن تذهب ، فعاد مكصور الجناح، و قبل أن تخرج مرت عليه في غرفته، استودعته و ذهبت...
قام لبس بدلته الجميلة، تعطر،فأصبح جنتلمن بامتياز، حمل عصا بنفس لون الحذاء ،وضع نظاراته و تبعها، كان قد انقضى من الليل ثلثه تقريبا، دخل إلى القاعة، كان الجو رومنسيا جدا، تتسلل الأنغام الهادئة الى الأذواق المحتشنة تحت الضوء الأحمر الخافت، يداعب إيقاعها الأعصاب التي هدهدتها الأقداح و تراقصها الهمسات الأنثوية الحالمة...تذكر أشياء جميلة مرت عليه من هنا، قاده المضيف بكل لياقة و لباقة إلى مائدته، جلس واستوى، سأل النادل عن اللقاء، فنفى أي لقاء في هذه الليلة، سأله إذا كان عنده موعد مع قرينة ، هز رأسه نافيا و الغرابة تأكل مداركه، هو الوحيد الذي كان يجلس وحده، لف ساعده بساعده على صدره و سافر إلى ذلك الزمن الجميل لما كان ملأ عينها و بصرها، لما كانت تتباهى به أمام النساء لبنيته و عنفوانه ، تحاول جذب انتباه الجميع إليها و هي تتأبط ذراعه بحركاتها و قهقهتها ..توقفت الموسيقى، و ضبط الجوق آلاته و بدأ معزوفة رقص الباله، هم بالوقوف، و ترجع، تمنى لو كانت هنا ، يحاول معها و لو غدوة و روحة على هذا الإيقاع المرح و الجميل، أغمض عينيه و ذهب يهز رأسه و يدق بأنامله على المائدة ، يضاهي النغم بدندنته ، و لما قامت رأته جالسا، نزلت عليها الفكرة الشيطانبة، إنها الضربة القاضية، هي تعرفه جيدا، مثله لا يقتله أجله ، بل وحدها الغيرة تصنع نهايته ، و تدمر دخيلته ، وماذا عساه أن يفعل ، إنه نصف ميت، أعرابي لا يصلح لشيء، ابتسمت ، مضمضت فمها بالشمبانيا ، و أخذت بيد فارسها إلى الجهة التي كان يجلس فيها زوجها، كانت تضع خدها على صدره، يد في يد،و الأخرى في ظهره ، يتحركان كأنهما جسد واحد، تنفصل عنه ثم تعود إليه، يدها في يده تأتي الى صدره تجاريه خطاها بخطاه، تبتعد قليلا ، ثم تلتسق به و تعيد، أبهرت الحضور برشاقتها و لطافة حركاتها ،ماهرة في الرقص ، تنظر إلى زوجها و هو يختنق حسرة و غيظا، تبتسم إليه و تلاطف فارسها بليونة السادية...توقفت الموسيقى ، صفق الحضور ،و عادت معه إلى مائدتها ، تقدم أحدهم ، انحتى ، قبل يدها، غمرها ببسمة عاشق ، شكرها على الأداء، وانصرف .. سقط زوجها على الأرض مغشيا عليه، أدارت وجهها تشمئز من سذاجته ، حملوه ، طلبوا سيارة اسعاف و نقلوه إلى المصحة.
...يتبع...
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:22 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية