.../...
...نعَمْ أختي البديعة الكريمة سعاد...فإن البَوْنَ جــدُّ واسِعٍ بين ما كانتْ عليه الأجيالُ الإسلامية السابقة-خصوصاً جيل النبوَّةِ-والأجيال المسلمة اللاحقة،خصوصاً الأجيال الحاضرة المعاصرة التي انسحبتْ عليها سُننُ اللهِ تعالى في النصر والهزيمة..في القوة والضعف...في التمكين والخذلان..فكانَ أن نبتتْ ووُلِدَتْ والأمة الإسلامية-كما يَعرفُ الكُلُّ-في أسوءِ مظاهر وجودها الهزيل وتأثيرها الضعيف،ولكأنما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلمَ ينظرُ إلى الغيْب من سِترٍ رقيقٍ حينما شَخـَّصَ الحالة المزرية التي ستؤولُ إليها هذه الأمة العظيمة،فقال في الحديث الحسن المشهور الذي رواه أبو داوودَ وغيْرُهُ : (( يوشِكُ أن تدَاعَى عليكُمُ الأمَمُ كما تداعتِ الأكلـَة ُإلى قصعتِها ))،فقالَ قائلٌ : أمِنْ قِلةٍ نحنُ يومئذٍ يا رسولَ اللهِ..؟؟!!!،قال : (( بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ،ولكنكمْ غثاءٌ كغثاءِ السيل،ولينزعَنَّ اللهُ عن صدور عدوكمُ المهابة َمنكمْ،وليقذفنَّ في قلوبكمُ الوهَنَ ))،قيلَ : وما الوهنُ يا رسولَ اللهِ..؟؟!!،قال : (( حُبُّ الدنيا وكراهية الموْتِ..!!! ))...
أليْسَ هذا-أختي الكريمة-تشخيصٌ دقيقٌ وتوْصيفٌ عجيبٌ لِمَا عليه وضْعُ الأمةِ اليومَ أمامَ خصومها الذين تقاسَموا جسَدَهَا من كل حَدَبٍ وصوْبٍ..؟؟!!!!
الأجيالُ المؤمنة الأولى كانت تعرفُ جيداً أن سِرَّ التمكين في الأرض يكمنُ في عنصرٍ واحدٍ هو التشبثُ بأسس هذا الدين الراسخة وتقديمها-في حياتهم-كمنهج حياةٍ،لا يُساومون عليه ولا يُغامرون به أو يُقامرون،وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يَعي تماماً هذا المعنى حين قالَ قولتـه المشهورة : (( لقد كنا أذلاَّءَ فأعزَّنا اللهُ بالإسلام،فإذا ابتغيْنا العِزة َفي غيْرهِ أذلـَّنا اللهُ...!!! ))..وعلى هذا الأساس كانت تتحركُ وتمضي في نشْر مبادئ دينها بشرفٍ ونزاهةٍ وأخلاقٍ رفيعةٍ دوَّخَتِ الخصومَ قبل الأصدقاءِ..
لقد ذكرتِ-أختي الكريمة-التتار الهمج المتوحشين...داهموا دار الخلافةِ العباسية-كما درسنا-وأسقطوها وفعلوا بالمسلمين الأفاعيل..كان ذلك في النصف الثاني من القرن السابع الهجري ( سنة 654 هـ )..وكان لسقوط الخلافة زلزالٌ هائلٌ في نفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها..بيْدَ أن المسلمين الذين داهمهم ضعْفٌ في كيانهم سرعانَ ما وقفوا على أرجلهم من جديدٍ،فلم تمضِ سنتان اثنتان من سقوط الخلافة حتى كان القائدُ المسلمُ المملوكي العظيم المُظفر قطز-رحمه الله-يسحقُ الجيشَ التتري العرمرم في ( عيْن جالوت ) الخالدة ويُكسِرُ شوكتـَهُ،وإذ بالتتار بعد ذلك يدخلون في دين الله أفواجاً..وإذ بهم قادةً وفاتحين بعد ذلك...!!!
والسببُ-في تقديري-واضحٌ...
لقد كان التتار لا يملكون مقوماتِ الاستمرار والبقاء،لأن تفكيرَهم الحضاري كان أتفهَ وأحقرَ من المقوماتِ الحضارية التي كان المسلمون-على ضعفهم وهوانهم-يملكونها،لذا سرعان ما غلبتْ الفطرة ُالسوية التي يحملها المسلمون وانهزمَ الوضعُ الإنساني الشاذ النشاز الذي كان يتحركُ بمنطقه التتارُ الهَمَجُ....
نعَمْ أختي...شتانَ شتانَ بين واقع المسلمين في فجر الإسلام وواقعهم الأغبر في القرن العشرين وما بعدَه...!!!
بَيْدَ أنَّ رَدْمَ الفجوةِ السحيقة بين واقع السلف والخلف لن ولم ولا يمكنُ أن يتِمَّ إلا بالعودةِ إلى روافدنا الأولى..والأملُ معقودٌ-بعد الله تعالى-في مبشراتِ التغيير التي تمر بكيان هذه الأمة والتي تتسمُ بالاحتقان والتشنج وحدوثِ مضاعفاتٍ تصلُ لحدِّ الألم القاصي والجرح المُثخن..ولا مناصَ أبداً من آلام المَخاض وربما عملية قيْصرية لأجل الحفاظِ على سلامة وصحةِ المولود الوافد...!!!
الفُ شكرٍ-أختي سعاد-على جمال الإثراء المفيد...ولا حُرمتْ رقائقي من مِدادِ تعليقِكِ الجميل...وتقبلَ الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!
|