حديث الروح،،

[رمزي]

أخي الحبيب سعود،،
كيف حالك اليوم؟؟
وكيف تمضي الساعات في مرقدك؟؟
ما زال خيالك يمر في خاطري يوما بعد يوم؟؟
15 عاما مرت وما زلت كما أنت لم تتغير!!
أتذكرك جيدا وكأني أراك أمام عيني الآن!!
طيفك ما زال يحوم في مخيلتي!!
ما زالت ذكراك الجميلة عبيرا أشمه وأشرح صدري به!!
أتذكرك عندما كنت تلاعب القطط أتذكر إبتسامتك الجميلة،،
أتذكر سماحة وجهك وصفاء روحك!!
حتى مع كونك أخي الغير الشقيق ومع كونك لم تكن تعيش في منزلنا!!
إلا أنني أحبك كثيرا بل حتى إنني أحبك أكثر من إخوتي الأشقاء!!
لعل ذلك يعود لأنني لا أحمل عنك إلا الذكريات الجميلة!!
كان الكل يحبك كان الكل يهتم لأمرك!!
ولعل ذلك كان سببه طيبة قلبك وبراءة تعاملك مع الناس!!
كم أنا مشتاق لك يا أخي الحبيب،،

أتذكر يوم رحيلك عنا أتذكره جيدا وكأنني أشاهد فلما سينمائيا في هذه اللحظة،،
سأسرد لك الأحداث التي لم تراها وسأشاركك بعض الذي حصل في يوم رحيلك!!
هل تذكر في أي سنة كنت أنا؟؟
كنت في العاشرة من عمري وكنت في المرحلة الإبتدائية!!
وكنت أنت يا حبيبي تكبرني ب7 سنوات!!
أمضي في سرد ما حدث في ذلك اليوم!!
كانت الساعة الخامسة فجرا عندما دق جرس المنزل!!
هل تعرف من كان الطارق؟؟
كان خال أبي قد جاء إلى بيتنا يريد أبي!!
وأبي كان مستيقظا في تلك الأثناء فخرج إليه!!
وكان الخوف مرتسما على وجهه!!
وأنت تعرف السبب!!
فإصابتك بمرض السرطان وأنت ابن أبي الأول!!
والجميع ينادونه بأبي سعود وحبه الشديد لك!!
أطار كل الهدوء والسكينة من نفسه!!
وأبشرك إلى يومنا هذا وحتى بعد رحيلك عنا!!
ما زال الجميع ينادونه بأبي سعود!!
تخليدا لذكراك الطيبة!!

أكمل لك ما حدث جاء خال أبي وحضن أبي بقوة وهو يبكي ويقبل رأسه ويقول!!
يا فلان ولدي سعود راح يا فلان ولدي سعود راح وسبقنا!!
كانت هذه العبارات قد شلت كل أحاسيس أبي!!
لا الدموع سقطت ولا الأنفاس إنقطعت!!
الهدوء عم حنايا روح أبي!!
لا إله إلا الله إنا لله وإنا إليه راجعون!!
لا إله إلا الله إنا لله وإنا إليه راجعون!!
كانت كلمات أبي!!
ولا تظن يا حبيبي أن أبي لم يهتم لأمرك أو أنه لم يرد أن يرافقك في آخر رحلة لك!!
إلى الهند لعلاج ذلك المرض الخبيث!!

كاد أبي أن يقع وأمسكه خاله وقال إنا لله وإنا إليه راجعون!!
إستعاد أبي توازنه وقال لخاله إذهب وسوف ألحق بك!!
دخل أبي إلى بيتنا وكانت أمي واقفة على باب المدخل وتنظر إليه!!
ملامحه كانت مليئة بالحزن والحسرة!!
قال لها يا فلانة قومي الأولاد سعود مات!!
دمعت عيون أمي إلا أنها تمالكت نفسها ودخلت داخل البيت،،
ومرت على غرفنا وهي تقول قوموا ولد أبوكم مات قوموا سعود مات!!
حبيبي سعود لا تظن أن أمي لم تكن تحبك!!
أمي كانت تحبك كحبها لنا ولكن أنت تعرف غيرة النساء!!
إستيقظنا على عجل وتسارعت الأحداث بصورة رهيبة،،
لا أذكر إلا ونحن نركب السيارة ونتوجه إلى منزل جدي!!
فقد كنت مقيما هناك،،
لم تكن مقيما لا عند أمك ولا عند أبيك!!
كنت مقيما في بيت جدي كحل وسط بعد أن تطلقت أمك من أبي!!
كان السكون يعم السيارة وكان أبي يقود وهو صامت كصمت الحجر!!
كنت أنظر إلى تعابير وجهه!!
أتذكرها جيدا وكأنه كان يتأمل في خيالك!!
وكأن ذكريات طفولتك وأنت في أحضانه وتلعب معه!!
تمر مرورا سريعا في مخيلته!!
كانت عيناه تتحدث بالألم والوحشة التي كانت تثور في صدره!!
دخلنا إلى بيت جدي والجموع كانت مترامية على أركان المنزل وعند زواياه وجدانه!
فابن الشيخ قد مات والخبر ينتشر كإنتشار الجراد!!
نزل أبي من السيارة ولم يقفلها بخلاف عادته!
بل أغلق بابه ولم يرى هل نزلنا أم لم ننزل من السيارة!!

أذكر أبي وهو يمشي بخطوات متثاقلة!!
أحسسته وكأنه سيقع من ثقل مشيته!!
وعندما دخل البيت وكان الناس من حوله ينظرون ولم يقترب من أي أحد منهم!!
وكان هناك عند سلم البيت يقف عمي!!
وهو يتأمل أبي وأبي قادم إليه!!
ولما إقترب أبي منه!!
صاح عمي بأعلى صوته أمام الناس!!
ولدي سعود مات يا فلان ولدنا مات يا فلان!!
ورأيت أبي يحضن عمي بكل قوة ويبكي كبكاء الطفل الذي فقد أمه!!
كان يبكي بحرارة وينوح وينادي ولدي سعود راح ولدي راح!!
الجميع بكى في تلك اللحظة فبكاء أبي الذي عرف بضحكه وإبتسامته!!
زعزع كل القلوب المتحجرة!!
بكيت معهم ولا أدري لماذا بكيت!!
هل لأني لأول مرة أرى أبي يبكي فيها!!
سامحني أخي الحبيب ما كنت أعي ما معنى الموت في تلك السن!!
حتى أنني وعند إخباري بوفاتك كنت أفكر ماذا سأقول لمعلمي فقد كان لدينا مخيم كشفي!!
لم أكن أعي ما معنى فلان مات!!
كنت أعيش البراءة في أصدق معانيها!!

أتابع إخبارك بما حدث بعد ذلك،،
أذكر أن أبي دخل ليساعدهم في تغسيلك وتكفينك!!
أتذكر ملامسته لجسدك الطاهر أتذكر تزينك بالعود والكافور والمسك،،
أخبرني يا أخي الحبيب أتذكر لمسات أبي الحانية على جسدك الميت!!
مرت الأحداث وكفنوك ونادوا بأمك وجدتي وعماتي وأختك الشقيقة والتي تكون أختي من أبي ليلقوا نظرة أخيرة عليك وأنت نائم كما ينام الطفل في أحضان أمه!!
أذكر صياحهم أذكر بكاء أمك الحار أذكرها تنادي سعود ولدي سعود قوم!!
أذكر بكاء أختي المرير!!
أذكرها وكيف أنسى ذلك البكاء!!
وكيف لا تبكي وحق لها البكاء فأنت أنيسها أنت جليسها أنت صاحبها أنت قريبها من بيننا كلنا!!
إزدحم البيت الجموع تزاحمت وتدافعت في حمل نعشك!!
أذكر تلك العبارة أذكرها جيدا!!
أذكر الله يا غافل!!
وأذكر الجموع ترفع الصوت لا إله إلا الله!!
لا إله إلا الله!!
لا إله إلا الله!!
تلك العبارات كانت تهز الأركان وكأنها صفعة على وجه كل غافل!!
وكأنها تقول حذار حذار فالموت آتيك!!
حذار حذار تعددت الأسباب والموت واحد!!
لا تغتر بالصحة والعافية يا غافل فالموت آتيك لا محالة!!
يا غافل حاسب نفسك قبل أن تحاسب!!

الجموع تتدافع في حملك والناس يتنافسون في حمل نعشك!!
الهدوء يغطي المكان ولا تسمع إلا قرع النعال بتلك الأرض الصماء!!
مررنا بالمزرعة التي كنت تلعب فيها!!
مررنا بالبيت القديم الذي كنت تسكن فيه!!
مررنا بعدة أماكن كان يفوح فيها شذى من عطرك!!

وصلنا إلى منزلك الآخير في هذه الدنيا!!
كان هناك أناس قد تغطت ملابسهم بالتراب!!
كانوا يعدون منزلك الأخير!!
دخلنا إلى المقبرة أو دعني أقول دخلنا إلى مملكة الأموات!!
فهذه الأرض لا يقطنها إلا الأموات!!
وضع نعشك وتهافت الناس حول منزلك!!
واقترب أبي من منزلك!!
وبدأ بالبكاء والحشرجة من صدره تعلو وتعلو!!
حملوك كما يحمل الطفل الصغير النائم بكل هدوء!!
ليوضع في سريره!!
أذكر أبي أذكره وكيف أنه نزل في منزلك ليطمئن عليك!!
ويلقي نظرة أخيرة على وجهك الطاهر،،
ونادوه يا فلان هاتي يدك يا فلان إطلع!!
خرج أبي ووجهه محمر من البكاء!
كان يشهق من البكاء وكأن روحه ستخرج الآن أمام أعيننا!!
بكى وبكى وبكى كبكاء الأطفال وأشد!!
كان ينتحب وصياحه يعلوا!!
كانت كلمات مبعثرة تخرج من شفتيه!!
سعـ.. ولد... ود.. سعوووود..
ونحيبه يزيد ويزيد ولكن كل الناس من حوله،،
كان يفهمون كلماته من ملامح وجهه المحزون!!

كان يحبك أبي كثيرا صدقني يا حبيبي كان يحبك كثيرا،،
أعتذر لا أستطيع المتابعة الآن يا أخي فعيني تعبت من كثرة البكاء،،
وهذه كلمات أنشدتها تحكي بقايا حديث الروح،،

http://www.mediafire.com/?9p4jmw746xhfac4