الموضوع: السر الدفين...
عرض مشاركة واحدة
  #31  
قديم 26-10-2010, 09:30 AM
الصورة الرمزية نبيلة مهدي
نبيلة مهدي نبيلة مهدي غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: هناك..؟
المشاركات: 4,581

اوسمتي

افتراضي عودت أبي...!! ............. ] 5 [

[5]


عودت أبي ..!!

مرت الأيام ببطء و تسرق معها أعمارنا يوم الخميس الموافق 3/4/1424هـ عاد أبي بعد غياب لم نسمع عنه شيء عاد و هو مختلف.... الحزن يكسوه ليس ذلك الشخص الذي طالما كانت ملامح الغضب تعلوه و تلك القسوة التي تشع منه كان قاسيا يغضب من كل شيء و لأي شيء لم يكن راضيا عن حياته كثير المشاكل يصرخ و يضرب دون رحمة.. كان ينتقم من و ضعه فينا يعلن عن غضبة بضربنا.. ياااه كثيرا ما تلقيت ضربات منه لازالت علاماتها مرسومة في جسدي كان يضرب بلا رحمة...... نعم أذكر في أحد الأيام عندما كان يضربني بقسوة لا أذكر ماذا فعلت في ذلك اليوم لأستحق هذا الضرب لقد ضربني بتلك العصا التي كان يحملها معه أينما ذهب.....جاءت حنان تحاول أن تمنعه لكن لم تستطع فقد أهال عليها هي الأخرى بالضرب...في ذلك اليوم عند ما عاد دخل البيت كان الكل يتوقع منه كعادته عندما يعود من غيابه أن يصرخ و يضرب دون رحمة لكنه فاجئنا جميعا بأنه لم يفعل ذلك بل استغربنا ذلك الانكسار الذي بدا عليه......... أول مرة يدخل البيت و هو هكذا يسلم على الجميع سلام مختلف كان يعانق الجميع بحرارة يطلب من كل واحد مسامحته أحسست بغصة أردت البكاء ..أبي ماذا حدث له هل تغير...؟ عانقته و أنا أبحث عن ذلك الإحساس الذي فقدته.. أحضان أبي نعم أحضانه التي لم أجدها....

-أين أم أحمد... أين أمكم... يا أولاد..؟؟؟

أول مرة ينطق أبي بهذا السؤال كانت لهجته مليئة بالشوق أنه يسأل عن زوجته...في تلك اللحظات عادت أمي من زيارتها لإحدى معارفها.... دخلت البيت تفأجات بأبي، فاتح ذراعية لها يناديها باسمها
-حنان كيف حالك لقد اشتقت لكِ كثيرا سامحيني عزيزتي لقد ظلمتك كثيرا.. كثيرا...

وقفت حنان في مكانها متفاجئة أول مرة تسمع هذه الكلمات من أبي...

-لماذا تقفين بعيدا ألن تسلمي علي؟!!..... آآه أعلم بأنكِ قاسيتي معي كثيرا و أنكِ تكرهينني لقد.. لقد...

بدأت على أبي ملامح الحزن الشديد أنه يعترف بقسوته أنه يعلم أن الجميع يخشاه

-أبو أحمد الحمد لله على سلامتك لقد اشتقت لك كثيرا.. كثيرا....ضمني إليك..

قالت أمي هذا وقد لاحظت أن أبي تغيرت ملامحه و كادت أن تفلت من عينيه الدموع لم تشأ أن نراه مكسورا هكذا...يااااه يا أبي لما كل هذا الانكسار لما كل هذا..
عدت أقلب دفتري و أكتب الجزء المبتور من السر الذي يخنقني.. بعد أن توفت هناء بين يدي وأفقت من تلك الغفلة رحت ألملم نفسي هناك في الغربة التي أفقدتني الكثير.. لكن كان هناك ما لم أتوقعه.. امتزجت محاولاتي بتخلص من الإدمان تارة بالفشل و آخر ببعض من المقاومة.. كنت خائفة أن ذهبت للطبيب فيكتشف أمري.. فحاولت أنا بنفسي.. لكن القدر أبا أن أتوه وحدي في تلك الغربة.. تلك الليلة ...... كنت أصرخ من الألم و قد نفذ ما عندي من ذلك اللعين.. لم أحتمل الألم ودون أي وعي خرجت من المنزل كان الوقت متأخرا.. لم أجد أحد في الشارع كنت أسير بخطة تائهة تارة يمينا و تارة أخرى يسارا.. وفجأة ظهرت سيارة في وجهي صرخت وغبت عن الوعي لم تصدمني تلك السيارة بل كان هناك مسافة بسيطة بيني و بينها لكن من الخوف و المفاجأة فقد وعي كانت السائقة امرأة ترجلت من السيارة و أخذتني معها للمستشفى و هناك وبعد أن أفقت من الإغماء وجدتها بقربي جالسه تتأملني بصورة لم أفهمها.. كانت تتكلم اللغة العربية بصعوبة لكنها كانت تحاول..بدأت تسألني عن حالي و قصة علي كيف أحضرتني إلى هنا و أخبرتني بأني سأبقى في المستشفى تحت الملاحظة بسبب الإدمان الذي اكتشفوه.. لكني توسلت لها أن تقوم بإخراجي بأي وسيلة من المستشفى.. لم تستمع لي لكن بعد محاولاتي و إلحاحي قامت بإخراجي من المستشفى على مسؤوليتها و هنا بدأت قصة جديدة لي في تلك الغربة اللعينة.. عدت للمنزل الذي أسكنه في تلك الغربة.. وكانت تلك المرأة ( جوالي ) تزورني بين فترة و فترة لتطمئن عليّ.. تواصلها معي كان يزداد.. عرفتني على طبيب حتى يساعدني لتخلص من الإدمان وليتني لم أقبل... كان في بداية حياته العملية الطبية اسمه ألياس شاب وسيم و أخلاقه كريمة.. كان مسيحي الديانة.. أفهمني أن مراحل العلاج صعبة و تحتاج الكثير من الوقت، و الصبر و الإرادة القوية.. بداية العلاج كان لابد من تناول بعض من المخدر بنسبة قليله.. حتى أتمنك من التخلص منه نهائياً و بتدريج.. مرت الأيام و حدث شيء لم أضعه في الحسبان تعلق الشاب ألياس بي وهنا بدأت مرحلة جديدة و أحداث جديدة.. و ضياع أخر.. آه من كل الانكسارات التي مررت بها.. وهاهي ملامح أبي المنكسرة ترجعني للوراء لتلك الأيام التي ضعت بين طرقاته.. يااااه يا أبي جعلتني أتذكر كل تفاصيل غربتي التي لم أنسها يوما.. و آه لما حدث لي هناك.. اختنقت من تلك الذكريات التي سطرتها في دفتري لم أستطع أن أكمل ما حدث لي هناك.. و خفت أن أفضح السر المبتور الذي بين أضلعي..لهذا توقفت عن الكتابة..
خرجت من غرفتي لقد أحسست باختناق و أنا فيها... أردت أن أغير ذلك المكان الخانق مررت على غرفة الضيوف رأيت الضوء مشتعلا فيها اقتربت أكثر لأرى من هناك.... كان أبي هناك سمعت صوته كان يبكي يدعو الله تعالى و يناجيه كانت الأجواء روحانية تشع من تلك الغرفة أبي ذلك الشخص الذي طالما تهاون في صلاته و يصليها بعد مضي وقتها أبي الذي لم أسمعه يوما يقرأ القرآن الكريم... أبي الذي لم يستشعر الدعاء... الآن يدعو الله بكل صدق يبكي يطلب من الله العفو و المغفرة أبي تغير كثيرا... كثيرا... ليتني أستطيع أن أدخل له و أعانقه أعيش معه هذه الأجواء الروحانية الرائعة أبكي في أحضانه أشكو له ألمي الذي يخنقني لكن هل.. هل سيقبلني أبي... يا رب... يا رب... يا رب أحفظ أبي و ثبته على عبادتك أنر طريقة أغفر له يا رب... يا رب... يا رب....ظللت واقفة اسمع مناجاة أبي... عندما أحسست بأنه سيخرج من الغرفة أسرعت إلى غرفتي لم أشاء أن يراني أو يحس بوجودي...تغير كل شيء في البيت عندما عاد أبي، لكن الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو ذلك الحزن الذي يسكن أعماقي و ذلك الألم الذي يخنقني لازلت أعانق الكآبة و الألم
مرت الأيام و بدأت العلاقة بين أبي و بين أخواني و أمي تتحسن حتى علاقتي معه.. في أحد الأيام جاء لي غرفتي و يحدثني..
-ابنتي سارة أعلم بأنك قاسيت الكثير مني أني أعتذر على تلك الأيام التي مضت.... أراك دائمة العزلة تبتعدين عني لا تحاولي الاختلاط بي أني أحتاجكِ هل لازلتِ تخشينني يا بنيتي..

سرحت في عالمي ..أبي كما أحتاج إليك لقد تبدد كل ما أحمل عنك لكن إني... إني... لا أدري... لا أدري......

كان أبي يتحدث و أنا في عالم أخر لم اسمع بقية كلماته... رأيت نفسي أرتمي في أحضانه أبكي ضمني بقوة آآه.. يا أبي هذه الأحضان الدافئ التي افتقدها أحتاجها... أحتاجها... أحسست بأن أبي يحمل بين طيات قلبه ألما و يحاول التماسك لكن شعورا راودني أنه يتألم، شيئا ما حدث له نظرت إلى عينيه رأيت ذلك الحزن يسكنها
-أبي لماذا أنت حزين ماذا تحمل في صدرك ؟ أراك تتألم أشعر بذلك... أبي أنا أحبك صدقني أنا راضية عنك سامحتك و نسيت تلك الأيام أنت أبي هل تكره البنت أباها ؟!!مهما حدث أنت أبي... أبي..

عانقته بقوة نعم سامحته من كل قلبي فهو أبي رغم كل ذلك الألم الذي سببه لي و رغم كل ما حدث فأنا أسامحه كيف لا أسامحه و كيف لا أغفر له من أكون أنا حتى لا أغفر له أو أسامحه أن الله تعالى يغفر لعبده المذنب إذا أعترف بذنبه و تاب إلى ربه فكيف بي و أنا أحد عبيد الله التي لا أساوي شيء تحت عظمة الله تعالى...

في ذلك اليوم أخبرني أبي ما يخفيه بين ضلوعه من ألم قال...

-أني قسوت عليك كثيرا و أنا أعتذر إليك و لقد اعتذرت إلى كل من أسأت إليه فأنا أخشى أن أرحل من هذه الدنيا و أنا لازلت أحمل كثيرا من الذنوب... لقد أخطأت كثيرا آآه يا بنتي لا أعلم لماذا أقول لكِ هذا لكن أريد أن أقوله لكِ أريدك أن تسمعيني أني كنت قاسيا كثيرا عليكم جميعا لقد كنت أصب غضبي على من ألقاه دون رحمة كان الشيطان يحيط بي جعلني أتهون كثيرا في عباداتي بل حتى أنني قاربت على الابتعاد عنها و أرتكب ذنبا آآه لو ارتكبته و مت في تلك اللحظات كيف يكون حالي.....لكن رحمة الله تعالى و هدايته أبعدتني عن ذلك الذنب الذي كنت سأقع فيه.......يا رب كم عصيتك و كم... و كم... لكنك يا رب رحيم غفور.... منذ ذلك اليوم و أنا في عذاب ولقد عاقبني الله على أعمالي السيئة...
15/5/1420هـ نعم لازلت أذكر التاريخ جيدا لقد كنت في طريقي إلى ارتكاب المحرم و أقع في الرذيلة...... لكن الله تعالى لم يشأ ذلك ففي الطريق تعرضت لحادث اصطدمت سيارتنا بسيارة أخرى و قد أصبت أصابه خفيفة و لكن الشخص الذي في السيارة الأخرى أصابته بالغة نقلنا للمستشفى....

هناك حدث شيء غير مجرى حياتي رأيت الموت يحيط بي لقد فارق ذلك الشخص الحياة بعد معاناة طويلة... أخبرني الدكتور بعد تلك الفحوصات التي قام بها أخبرني بشيء جعلني أشعر بندم
على تلك الذنوب و الأخطاء التي ارتكبتها في حياتي لقد أخبرني بأني أعاني من سرطان في الرئة و قد تمكن ذلك المرض مني لقد فتك التدخين برئتي نعم أستحق ذلك... لقد بكيت في ذلك اليوم بكيت كثيرا و منذ ذلك اليوم تغير كل شيء في حياتي مرت الأيام مؤلمة تسلل داخلي اليأس لجأت إلى الله تعالى فتحت المصحف الذي طالما هجرته وقع بصري على هذه الآية الكريمة التي هزت كياني : بسم الله الرحمن الرحيم (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )) صدق الله العظيم..
هذه الآية الكريمة فتحت باب الأمل في أعماقي إن الله يغفر الذنوب نعم يغفر الذنوب.. بكيت و دعوت الله أن يتوب علي... منذ ذلك اليوم بدأت رحلة التوبة سرت في طريق رسمته حتى أصل إلى الله تعالى....مرت الأيام و السنوات قررت أن أعود إليكم حتى أستطيع أن أطلب العفو منكم قبل أن أرحل إلى الرفيق الأعلى فلا أعلم هل سيطول بي المكوث في هذه الدنيا أم أيامي قصيرة الله وحده العالم بذلك لذا أسعى لتصحيح أخطائي و أسير في طريق الخير علي أستطيع أن أتزود بشيء من العمل الصالح فيشفع لي في يوم لا ينفع مال و لا بنون....
كلمات أبي هزت كياني نعم كلمات صادقة دافئة لقد بدأت كل تلك الشوائب التي علقت في نفس أبي تتلاشى أنه الآن يحاول أن يختم أيام حياته الأخيرة بتقرب إلى الله تعالى بالعمل الصالح....
فليتك أيها الإنسان تصحو من الغفلة قبل فوات الأوان حيث تجد نفسك وحيدا لا يغنيك شيء أنت و وحشة القبر في عالم البرزخ تتقلب مع أعمالك إلى يوم يبعثون....
يا رب لقد أسدلت ستار الغفلة على نفسي لقد نسيت بل تناسيت بأنك قادر على كل شيء قادر على أن تغير سوء حالي إلى أحسن حال بقدرتك يا الله...حرمت نفسي من الدعاء و منجاتك يا رب قالت و قولك الحق (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )).... فقد أغفلني ذلك الألم عن دعائك و مناجاتك و أن أطلب منك أن تخلصني مما أنا فيه تفرج عني تبث الحياة في روحي التي كادت أن تموت يا رب كم غفلت عنك كيف... كيف أنك أنت القادر على كل شيء...منذ ذلك اليوم أصبحت أعيش أجواء أخرى تبث الحياة إلى نفسي تحلق بروحي إلى ذلك الأمان و الهدوء هناك حيث ألقي بهمومي بين يدي الله تعالى فأجد الراحة و الدفء لقد تحررت روحي من تلك الكآبة و ذلك الحزن الذي يكسوها نعم رغم الألم فأن التوكل على الله يزيح الهموم لقد سلمت أمري إلى الله سبحانه و تعالى هو القادر على أن يغير حالي...
مرت أسابيع و أنا في عالم تسوده الروحانية لقد كشفت لذة المناجاة و عاهدت نفسي على أن ألزم ذلك عادت الحياة لروحي بدأت أعيش حياتي كما كانت لكن ظللت أخفي ذلك السر الدفين في أعماقي و قررت أن لا أبوح به لأحد لقد أوكلته إلى الله تعالى و هو العالم بكل شيء..... لقد لاحظ الجميع ذلك التغير الذي طرأ على حياتي أسعدهم ذلك لقد تبددت تلك السحب السوداء التي كانت تسبح في سمائنا...
رحل أبي عن هذه الدنيا الفانية إلى الرفيق الأعلى أدعو من الله تعالى أن يرحمه برحمته...أما أخي أحمد يحضر إلى زواجه الذي انتظرناه كثيرا و أختي ليلى بدأت تشق طريقها بقوة و أنا أساندها و لن أتركها سأظل أرشدها حتى لا تقع فريسة بين مخالب هذه الدنيا الزائفة لقد تعلمت من كل ما حولي أحذر و لا أغفل عن ذكر الله تعالى و أن أسير على طريق الصواب.... أما أمي الحبيبة فستظل في عيني مدى الحياة لولاها لكنت في عالم الضياع أما ذلك السر سأبقيه دفين في أعماقي مدى الحياة ....

تمت..
__________________
... الصمت هو عنواني ....
رد مع اقتباس