[يزيد فاضلي]

..إنه-أخي المبدع الباحث مختار..-من المواضيع التي تجاذبَتْها موِجَاتُ المَدِّ والجزر منذ المائة السابعة إلى الآن،ومع قناعتنا الراسخة أن الإسلامَ في أصول روحه لا يَجنَحُ إلى طرفيْ التطرف-لأنه ليسَ على النقيضيْنِ يُطبَّقُ-إلا أن الذي وقعَ في هذه المسألة للأسف هو أنها وقَعْتْ في كثير من الأحيان بين ((...تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ))..فضاعتِ الحقيقةُ المعتدلة وسَطَ هذا البغام الشرعي والفطري والفكري والإنساني،وكانَ أن نتَجَ عنه أحدُ الطباقيْن اللذيْن لا يجتمعان على توافقٍ صحيحٍ أبداً :

ـ الأولُ يتنطعُ ويتشددُ ويُغالي في الحرمةِ بالإطلاق والعموم وقراءة ظاهر النص في غير قياس أو استصحابٍ...فكانَ منه التحجُّرُ والتقوقعُ بحجة الأخذ بالعزائم...

ـ والثاني يتسيَّبُ ويتميَّعُ ويتمادَى في الإباحةِ لدرجةِ التمييع والانفلات..فكان منه الضياعُ والتماوُهِ الذي ضيَّعَ اللبابَ بحجة الأخذ بالرُّخَصِ ومنطقةِ العَفْو...

لذلكَ-أخي الحبيب-أنصَحُ أن يكونَ هناكَ إلمامٌ-أو على الأقل شِبْهُ إلمامٍ-بحيثياتِ الموضوع حتى تتضحَ الرؤيةُ الصحيحةُ وتنقشِعَ الضبابيةُ وتنجابُ الغشاوة...

هناكَ-أخي-بعْضُ الروْزَناتِ التي يمكنُ أن تُسْعِفَكَ في لُبابِ بحثِكَ بشكلٍ أو بآخر،وربما فتَحتْ لكَ طريقاً تلقى فيه قبَساً مَّا،أو تجدُ على نارها هُدًى :

ـ أنصحُ بالتماس تراث ( رابطةِ الأدب الإسلامي العالمية ) التي أسسها العلاَّمة والداعية الإسلامي الكبير فضيلة الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله العام 1984 للميلاد..وعهدي بها أنها تحمل في أرشيفاتِها عَطاءً ضخماً لخيرة البحوث والدراسات الإسلامية النقدية الأكاديمية الراسخة في مجال أسْلَمَةِ الفنِّ ومجالاته المختلفة..وأخالُ أن للرابطةِ-وهي تضم خيرة علمائنا ومفكرينا وباحثينا من مختلف أصقاع العالم الإسلامي-موقِعاً على النت...

ـ هناكَ بحثان رائدان،أراهُما في تقديري من أوْفَى البحوث الراسخة المعتدلة والمتوازنة التي تناولتْ هذه المسألة ( الإسلام والموسيقى ) بشكلٍ معرفيٍّ واستقرائيٍّ مَكين :

أحدُهما : عامٌّ،يستوعبُ المنطلقاتِ وخصائص التصور العام للفن الإسلامي من حيْثُ مميزاتُه وفرائدُهُ وغاياتُه التي تميزه عن فنون الطرف الآخر..إنه الكتابُ الثرُّ ( منهج الفن الإسلامي ) للمفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الشيخ محمد قطب...هذا الكتابُ يضعُكَ-في المنهج والتصور-على مقوماتِ الفن-بما في ذلكَ الشدو والحُداء والصوت واللحن-وفقَ المنهج الإسلامي المتميز...

وثانيهما : خاصٌّ،يُلِمُّ بمسألة الموسيقى والشدو والغناء على هُدًى من أنوار البصيرة الشرعية الثاقبة،ويقوم بتمحيص ما شابَها من تطرفِ الغلاةِ المتشددين والمتسيبين..إنه كتاب ( السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ) لفضيلةِ الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى الذي سَعِدنا-نحن الجزائريين-بتواجده بيننا خمس سنواتٍ متتالية،مشرفاً على تأسيس جامعتنا الإسلاميةِ في شرق البلاد..الكتابُ يشتملُ على بحوثٍ جليلةٍ في فهم السنة النبوية وضبْطِ مسارها،ومناقشةِ غلاتِها ومبطليها وجُهَّالِها،وهو من منشورات دار الكتب الجزائرية في طبعته الثامنة،وفيها بَحْثٌ مستفيضٌ وضعَ له عنواناً هو ( الغِناءُ )-من صفحة 73 إلى صفحة 102-ويشمل ستة فصول وافيةٍ هي : ( خبر الواحد وقيمته – ابن حزم يناقش ما ورَدَ في تحريم الغناء من أخبار – الترويح عن النفس بالمُباحات – نماذج للغناء الشريف – فساد أغلب البيئات الفنية – التطرف في التحريم نزعةٌ غير إسلامية. )...

وفقَّكَ الله تعالى-أخي-في سَيْرورة بحثِكَ،ودمتَ موْصولَ الخَطو...