عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 16-09-2016, 10:36 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ الولد المُطيع







قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ



الولد المُطيع


إن سبع الليل قد بدأ يتلبّس جسد الرجل
وأخشى أن تثور ثائرته فيهاجمنا ويهاجم عيالنا عندما يستتمّ تلبُّسه.
فأمر الشيخ غانم بإعادته إلى منزله، وزاد هلع الناس واشتدّت معاناتهم في اليوم
الرابع وفي اليوم الخامس سمع صراخ الأطفال العطشى وأنين العجزة وآهات المرضى.
وشق على الشيخ غانم ما تعاني قريته من محنة، فأستدعى تاجر القرية وطلب منه فعل
شيء يعيد الماء إلى البئر، فقال ابن فرضة رحى: لن يرضى سبع الليل عنكم ما لم يعتذر
إليه ابن الفقعي ويقسم على عدم التعرّض له. فذهب شيوخ القرية إلى منزل مبخوت الفقعي
واجتمعوا به وابنه مبارك، وقال الشيخ غانم: لقد بلغ السيل الزبى يا ابن الفقعي ولم يعد
من الصبر ملء فنجان، وإنّا إنّما اتينا لنحذّرك من مغبة التمادي في الاستخفاف بسبع الليل
ولن نخرج من هنا إلاّ بعد أن تعطينا عهدا وميثاقا أنّك لن تنزل إلى البئر، ولن تعترض طريق
الوحش وإلاّ حبستك فماذا ترى؟ قال الشاب المتعلّم: أما العهد والميثاق فإنّي أتعهّد لكم بكشف
حقيقة سبع الليل والقبض على العصابة التي روّعتكم و..
فقاطعه والده مبخوت غاضبا: لقد عملت ما بوسعي لحمايتك فأبيت إلاّ الخروج علينا
وإثارة المشاكل في قريتنا، فليس لك من علاج غير الحبس فخذه يا شيخ غانم إلى الحبس
وحاول آل الفقعي الاعتراض فأقسم مبخوت أنه سيحبس كل من يخالفه أيضا.
وأخذ مبارك وسط بكاء وعويل نساء العائلة وعندما وصل النبآء إلى ابن فرضة رحى أقبل يسعى
حتى دخل على الشيخ غانم بن محمود، وأخذ يمتدح حزمه وحكمته وحرصه على منفعة أهله
ثم قال: أمّا وقد قبضتم على رأس الفتنة والجمتم حماقته فسوف أتوسّل إلى سبع الليل
أن يعيد إلينا الماء. ولكن يجب أن نقدّم له هديّة فاخرة تزيل أثر غضبه، فلا يبخلّن أحد بمال
أو بمصاغ، وخرج أعوانه يجمعون تبرّعات القرويين حتى ملئوا سلالا بكميات من الأطعمة
والقطع الذهبية والنقود والحلِيّ. ثم خرج إلى البئر فانزل كل ما جمعوه ثم جثى يتوسّل
وما هي سوى لحظات يسيرة حتى سمعوا طبلا وزمرا يرتفعان من الأعماق، فأرسل أحدهم الدلو
ورفعه مملوء، فصاح التاجر مغتبطا: شكرا لك يا سبع الليل يا أبا الفرس والخيل،
وحينما سمعت القرويات ذلك أطلقن الزغاريد ابتهاجا بعودة المياه إلى مجاريها، وخرج
السفهاء والغوغاء يحتفلون بالنصر العظيم الذي حّققه ابن فرضة رحى وهم يغنون وينشدون
أشعارا تمجّده وتفخّمه وتثني على حكمته وبراعته، ويطوفون بين الأحياء
واجمع القرويون على الرضى بما يفعله سبع الليل. وأختفى بعد ذلك ابن فرضة رحى
وبعض اتباعه وقيل أنّهم سافروا إلى المدينة. فهو الوحيد الذي يتاجر بمنتجات القرية
الزراعية والحيوانية، في المدينة وارثا هذه المهنة عن آبائه وأجداده.
وهو الوحيد الذي يقرأ ويكتب قبل وصول مبارك بن مبخوت الفقعي، فلقد أرسله والده
إلى المدينة قبل أن تفعل أم مبارك، ولكثرة خيرات القرية فقد استقرّ فيها
لكنّه كثير ما يختفي عن الأنظار. وكثير ما يشاهد القرويون ضوءا في البئر.
أمّا الشاب المتعلّم فقد حبس في منزل يقع على أطراف القرية يحرسه حارسان، فإذا أقبل الليل
سمحوا لأخوته وأقاربه وأصدقائه بالسهر والنوم عنده وذات صباحٍ وبعد انصراف إخوة مبارك
وأصدقاؤه دخلت عليه منى برفقة فتاة أخرى، وقالت الفتاة هامسة:
لقد كنت أتبعك وأنت تطارد الوحش المزعوم، وأنا من كان يطلق عليه النار، ولا أدري ما علّة
الرصّاص الذي لا يخترق جسده، وانا على يقين تامٍ أنّه احد رجال القرية وله أتباع
هم الذين يدخلون البيوت ويقومون بسرقة المال ولكّن هؤلاء البؤساء قد ملئت قلوبهم رعبا وهلعا.
فلا يمكنك اختراق عقولهم إلآّ بالحيلة ثم غادرتا
فأعجب ابن الفقعي بجرأتها وذكائها، ووجد رأيها منطقيا، فقرّر اللجوء إلى المكر والخداع في حربه
ضد المجرمين. وعندما أحضر أخوه بدر صحن عصيدة ليفطرا عليه معا فوجئ به جاثيا
على ركبتيه وسط الغرفة يناجي سبع الليل: يا سيّد البئر ومالكها، ومجري المياه وحابسها
وحامي القرية وحارسها اعفو عنّي فقد أخطأت، وسامحني فقد تسرّعت
أرجوك يا سبع الليل يا ابا الفرس والخيل.
فوقف بدر غير مصدّق عينيه ولا أذنيه وعندما شعر مبارك بوجوده كفكف دموعه وجلس واجما
فاطلق بدر ساقيه للريح حالا وعدى حتى وصل إلى المنزل وأخبر والده بما سمع ورأى.
فأقبل مبخوت يكاد يطير فرحا، وعندما أكّد له مبارك توبته عن مطاردة سبع الليل عانقه مهنئا
وذهب به إلى منزل الشيخ غانم بن محمود، فسرّ كل من كان في المجلس واثنوا على الولد المطيع.
وأصيب رشيد وعبدالله بن النعمان عِي جَمْ ومحمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ بالإحباط، وكرهوا ابن الفقعي
كراهية شديدة، وتجنّبوا مخالطته والحديث معه.
وليلا خرج السبع مستعرضا قوّته فلم يعترض سبيله أحد. وعندما أطمئن وجهاء القرية إلى
خضوع مبارك اقترح عليهم زايد الفقعي عمّ الشاب أن يبنوا له دارا يعلّم فيها عيالهم
تلاوة القرآن والكتابة ومبادئ الحساب مقابل أجرٍ زهيد، فتحمّسوا للفكرّة الذكيّة، فسوف
ينشغل ابن الفقعي بالدرس عوضا عن مطاردة الوحش. وأبدى الشاب سعادة بالغة والتحق
بالمدرسة عدد قليل من الفتية والفتيات لكن القليل خير من العدم،
وتوقّفت هجمات سبع الليل بعد أن أمن جانب ابن الفقعي، وبعد عودة ابن فرضة رحى
بأيّامٍ انتشرت شائعات مفادها أن الوحش يكافئ القرويين بحلي من الذهب تعويضا لهم
عما أخذ منهم، واعدا بعدم مهاجمتهم ما لم يستفزّه أحد. فأسرعت القرويات إلى البئر
وما إن ترفع احداهنّ دلوها حتى تجد فيه عقدا من الذهب، وأنطلق اعوان تاجر القرية
يبشّرون الناس بالرخاء والسعة والعيش الرغيد، شاكرين فضل وكرم وجود سبع الليل
منوّهين إلى إنجازاته العظيمة مشيدين بحكمته وعدله ورحمته.
واقتنع القرويون تماما بفضل الوحش عليهم، وأحبّوه حبا جما إلى درجة أن كثير منهم
اسموا عيالهم سبع الليل تيمّنا بالوحش المبارك.
وفوجئ فريق النجباء بالأحداث الأخيرة، وأختلطت عليهم الأمور خاصة بعد أن رأوا بعض عقود
الذهب التي خرجت من البئر، وكان الشاب المتعلّم قد أقنع أصدقاءه بإستراتيجيته الجديدة
المتركّزة على إقناع أكبر عدد ممكن من الناس سرا بحقيقة سبع الليل
فكانوا يتحدّثون إلى من يثقون بعقله في سرِّيّة تامّة. لكن عمر الأسرار قصير، وعلم الوحش
بما يدبّر مبارك الفقعي، فغضب غضبا شديدا وأضمر شرا إلى أن جاء يومٌ سافر فيه الشّاب
إلى المدينة لجلب بعض المواد القرطاسية، واستغرقت رحلته أياما نظرا لوعورة الطريق
وبعد المدينة الشاسع والاعتماد في الرحلة على الحمير. وبعد سفره بليلتين فوجئ القرويون
باستهداف سبع الليل المدرسة ثم حظيرة ماشية عويشه الدبّاغة أم منى مشعلا فيهما النيران
وكان ذلك تصرفا أرعنا منه غبيا
وفي الصباح وجدوه لم يأخذ شيئا غير جلودا مدبوغة لخالة إبن الفقعي فشمت الشامتون
واستأنس الساذجون وأسف المحبّون، ورافق مبارك في رحلته عمّه زايد وعبدالله بن النعمان
ومحمّد بن سِعِدْ إرْ مَغْلِلْ ومنع الشيخ غانم ابنه رشيد من مرافقة الفريق، ثم سمح له بعد تدخلّ
ابنته جم عت ووالدتها فلحق بهم رشيد ورجلان أخران على بعد يسير من القرية.
وعرض مبارك العقد الذي استعاره من خالته عويشه الدبّاغة على أحد الصاغة
فأكّد له أن العقد مصنوع من النحاس المطلي بما الذهب، وأن لا قيمة له،
كما سأل عن الرصاص الذي لا يخترق جسم الوحش فقيل له إنّ ذلك يسمى رصاص صوتي
كما أصطحب عمه زايد والشبّان الثلاثة وأراهم الاستريو وأسمعهم صوته فزال كل ما بقي في
نفوسهم من شكٍّ وحيرة، وحينما عاد الشاب ورفقاؤه من السفر وعلم بما فعل سبع الليل
غضب غضبا عاصفا، وتوجّه من فوره إلى مجلس الشيخ غانم بن محمود وقال:
لقد التزمت بما الزمتموني، ولكن الوحش الذي تزعمون خرق الهدنة وغدر بي وحرق مدرستي
ونهب بضاعة خالتي، ولست بالساكت عن حقها ولا بالمتنازل عن حقّي. ولن يمنعني أحد من
النزول إلى البئر ومواجه سبع الليل هذا كائنا من يكون، وخرج غاضبا فارسل خلفه الشيخ غانم
عددا من العساكر قبضوا عليه وأودعوه الحبس مرّة أخرى.
ثم ارسل إلى مبخوت الفعي يستدعيه، فلمّا حضر انبأه بما حدث وقال:
أخشى أن يرتكب ابنك حماقة ندفع جميعا ثمنها، فحبسته حتى نجتمع وننظر فيما يرضيه
ويسكِت غضبه، فاستحسن مبخوت ذلك وانتظر قدوم بقيّة رؤساء القرية، وعندما حضروا
وتداولوا القضيّة اقترح أحدهم تعويض خالة الشاب عن ممتلكاتها، وبناء المدرسة من جيوبهم
فاتفقوا على هذا الرأي وانفضّ الاجتماع ثم عرضوا مبادرتهم على ابن الفقعي الشاب المتعلّم
فأظهر الرضى وأبطن الإصرار على اكتشاف المجهول فأطلقوا سراحه
ثم عيّن الشيخ حارسين يحرسان البئر وخلال فترة بناء المدرسة كان ابن الفقعي يجتمع
مع الشباب الذين تبنّوا وجهة نظره في منزل عمّه زايد الفقعي، يتدارسون كيفية الوصول
إلى حقيقة سبع الليل وفضح اعوانه، وكانت تشاركهم خمس إناث هن: ليلى بنت خميسان
وزكية بنت عاشور ونزه بنت زايد الفقعي ومنى بنت لبخيت وهي ابنة خالة مبارك وجم عت
ابنة الشيخ غانم بن محمود.

يتبع إن شاء الله




[/ce
nter]
رد مع اقتباس