عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 01-09-2016, 10:33 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي



قصّة طــــــويلة




سبعُ الليلٍ والبئرُ المعطّلةُ




الاستيريو



وسمعوا صوت سبع الليل مجلجلا مهدِّدا المرأة وابنتها، فارتاعوا ولم يجرؤ أحد على الخروج إلى أن سكت تماما
وعندما دخل عليهن البعض وجدوهما محتضنتين بعضهما وقد تكوّرتا في زاوية الغرفة شاخصة أبصارهما إلى النافذة
وقام الجميع بواجبهم من المواساة والتعزية، وبعد ساعة عاد الشباب بعد ردع الوحش وإعادته إلى عرينه مدحورا
ولم يقدم أحد على ذكر ما حدث لمنى وأمّها أمام مبارك غير غلام أدركته الرأفة فقال:
مسكينة خالتي عويشة الدبّاغة، فلم يلقى الشاب المتعلّم بالا إلاّ أنّه انكر عدم حضور منى كعادتها
فذهب بعد مضي وقت طويل للاطمئنان، وما إن دخل عليهما حتى انفجرتا باكيتين.
وفي الصباح ذهبت بعض القرويات للاستسقاء فلم يجدن ماء وسمعن أصواتا شيطانيّة ترتفع من أغوار البئر
فرجعن إلى بيوتهن مذعورات. وعلم مبارك بذلك فخرج لا يلوي على شيء، وعندما وصل وسمع الأصوات أصيب بالدهشة
وطلب من رفاقه أن يحضروا له سلّما وحبالا وقد عزم على النزول ومواجهة الوحش المزعوم حالا
غير أنّ اتباع ابن فرضة رحى وثلّة من حمقى القرية تكاتفوا ضده ومنعوه من النزول ولم يسمحوا له
ولا لرفاقه حتى بالمكوث في الجِوار. وتوجّه بعضهم إلى منزل الشيخ غانم بن محمود وبلّغوه بنضوب الماء ومحاولة
ابن الفقعي فأصيب بالحيرة، واختلطت عليه الأفكار هل يصدّق العلم والعقل والمنطق أم الواقع الموروث الملموس؟
بينما ادرك الشباب الأربعة أنّ سبع الليل هذا ما هو إلاَّ لص دنئ من أبناء القرية يصل إليه حديث القرويين
ويعرف مخططاتهم، ويتصرف على ضوء ما يسمع ويرى. فعزم مبارك على نصب فخ محكم يوقعه في شر أعماله
وفي إجتماعهم السري تأكّد الشّاب المتعلّم من صدق نوايا الشبّان الثلاثة ورغبتهم في خدمة قريتهم وتخليصها من الرعب
ومن سيطرة المحتالين، وشرح لهم خطته التي تقتضي منهم شجاعة نادرة، وأعلمهم أنه سيضطر إلى القفز
خلف الوحش في المرّة القادمة إذا لم يتمكنوا من القبض عليه قبل ذلك. وبيّن لهم أن ذلك الوحش العفريت
الموهوم مجرّد عضو في عصابة لصوص يستغلون سذاجة القرويين وجهلهم، وأن الشخص الذي يقوم بدور سبع الليل
إنما يفعل ذلك لإلهاء الناس عن بقيّة اللصوص، فيتمكّنون من اقتحام المنازل المهجورة ويسرقون ما فيها دون رقيب
ثم يرفعون زميلهم من البئر ويقتسمون الغنائم، فإذا نفذ ما لديهم من مال أخرجوا سبع الليل.
وليثبت لهم صدق استنتاجاته سألهم: اسمعتم ما سمعت عند البئر؟ قالوا: نعم. سمعنا صوت الوحش سبع الليل
قال: كلا. ليس ذلك بصوت وحش بل صوت بشري مسجّل على اسطوانة استريو ضخم، قالوا: وما الاستيريو؟
قال: جهاز يصدر الأصوات ويخزّنها وسوف أريكموه متى ذهبنا إلى المدينة إن شاء الله.
ولكن من هذا المحتال الذي يعرف هذه الأجهزة الحديثة؟ قال عبدالله بن النعمان عي جَمْ:
ما دمت قد فسّرت سرّ الصوت فلابد أنّك تعرف سبب طول المحتال الفارع، قال مبارك: نعم يا عبد الله
إنّهم قد صنعوا له ساقين من الخشب ترتفعان قليلا عن الأرض، فإذا أدخل الخبيث رجليه فيهما ظهر كعملاق
وقد لبس جلبابا فضفاضا، فإذا رآه القرويون ضخّمه الرعب في عيونهم وصدورهم فهلعت قلوبهم
وسيطرعليهم الذعر، قال عمر: وماذا عن النار التي تخرج من فمه؟ قال: إن النار لا تخرج من فيه
ألا ترى في يده مشعلا صغيرا؟ قال الفتى: بلى، قال مبارك: فإنه يمتص بعض الزيت في فمه
من إناءٍ يخفيه ثم يدفعه نفثا بقوة إلى الموقد، فيشتعل الوقود الخارج وكأنه ينفث نارا
وخطوتنا الأولى هي القبض على هذا الذي روّع النساء والأطفال، وقذف في قلوب الناس الرعب والهلع
ثم يمكننا إن شاء الله أن نعرف بقية أفراد العصابة، فكونوا على استعداد تام.
وعندما تسمعون أن الوحش قد ظهر فتأكدوا أني سأكون في مواجهته
فإن أردتم أن تشاركوني في خدمة قريتكم فاطردوا الخوف من قلوبكم أولا. وأرسل الشيخ غانم بن محمود رسولا
إلى ابن فرضة رحى وآخر إلى بيت الفقعي يطلب حضور مبخوتٍ وابنه مبارك حالا، وعندما اجتمعوا في
البرزة قال الشيخ غانم: لقد وقعنا في ما كنّا نخشى، فإنّ سبع الليل قد سدّ العيون، ومنع عنّا الماء
وسمع الناس تهديداته، فكيف يمكنك يا ابن الفقعي أن تعيد جريانه؟ قال الفتى: سانزل إلى قعر البئر وابحث عن
العيون المسدودة فأفتحها، فقال ابن فرضة رحى هازئا: إن تلك البئر لا قرار لها، ومن نزل إليها
يستحيل خروجه منها حيّا، قال الفتى: وإن كان الأمر كما تقول فسأنزل وانظر بعيني رأسي
فغضب التاجر وقال وقد انتفخت أوداجه: اتظن أننا سنسمح لك بهذا العبث واستفزاز سبع الليل أكثر مما قد فعلت؟
إنك لا تدري ماذا يمكنه أن يفعل إذا نزلت إليه. قال الفتى: لا أبالي، قال التاجر: فعلا أنت لا تبالي بمصلحة
قومك، وإلا لما هيجت علينا العفريت، ولسنا ندري إلى متى سيحبس الماء بسبب طيشك ورعونتك، واحتدم الجدال.
فتدخّل الشيخ غانم لحسم الخلاف قائلا: يا بني لسنا نأمن عليك إن نزلت إلى قعر البئر، كذلك لا نعلم ما الذي
سيفعله بنا ذلك المخلوق، وإنّي اطلب منك ترك المغامرة والمخاطرة، وأرجو منك يا ابن فرضة رحى أن تفاوض
سبع الليل بشأن فتح العيون بما لديك من دراية في التعامل معه ونحن مستعدّون لدفع ما يرضي سيّد البئر
فردّ غاضبا: لن اطلب منه شيئا قبل أن يتعهّد ابن الفقعي بعدم إغضابه وعدم التعرّض له.
فقال الفتى: نجوم السماء أقرب إليك من هذا التعهّد فقال مبخوت والده: بل ستعتذر إليه وستتعهّد بما أمرت
وإلاّ فلي معك تصرّف آخر، فخرج الشاب المتعلّم غاضبا وتوجّه إلى منزل خالته عويشة الدبّاغة
فوجدها وابنتها تستقبلان جموع القرويات المتعاطفات، وحين أقبل عليهن بدأت اصابع الاتهام تشير إليه
في غضب وقالت إحداهن: كل ما جرى علينا بسبب هذا الفتى المغرور، فردّت عليها منى غاضبة:
كذبتِ بل كنتم تعانون الأمرّين منذ عقودٍ طويلة، فرحلت الزائرات ساخطات.
وما إن دخل مبارك السلام حتّى هشّتا ونهضتا إليه في سرور، وقالت الخالة عويشه الدبّاغة:
لقد كدت أفقد عقلي من دوي صوت سبع الليل. فقال مبارك ضاحكا: ليس ذلك صوت سبع الليل
بل هو صوت رجل جهوري مسجّل على أسطوانة استيريو ضخم. فقالت الخالة مستغربة:
ومن هذا الأسطوانة الاستيريو يا بني؟ فضحك مبارك وقال قاطعا وعدا: اعدكِ يا خالة أن أحضره إلى هنا
وأن أسمعك صوته. فقالت مرعوبة: لا لا. لا أريد رؤيته. فضحك الفتى ثم أخرج من جيبه قناعا ممزقّا
وجده ملقى في الطريق، وما إن شاهدته الخالة حتى فقدت وعيها فأسرع الشابان يسعفانها.
وفي هذه الأثناء دخلت جَمْ عَت ابنة الشيخ غانم بن محمود ونزه ابنة زايد الفقعي وليلى بنت عاشور
قدمن لمواساة منى بنت لبخيت وأمّها، وما إن رأين البرقع حتى تراجعن مذعورات فرمى به بعيدا
وحينما انتبهت الخالة عويشه وهي تتشهّد وتهلل. قال الفتى: معذورة يا خالتي
إنّ سيل الدعاية قد أعمى البصائر وانصرف فأخذت منى والفتيات يقلّبن القناع
فإذا بها قطعة قماش رسم عليها وجه شيطان وكان أحدهم قد وضعه على وجهه أثناء تشغيل الإستيريو
خلف منزل عويشه وابنتها وشرع يدخل رأسه من النافذة مرة بعد مرّة فأصيبتا بالهلع الرهيب.
والحّ الوجهاء على ابن فرضة رحى أن يذهب لمفاوضة وحش البئر فقال بلهجة الواثق: لا أظنّكم ترون ماء
ما لم يعتذر إليه ابن الفقعي ويعد بترك العدوان، ولكنني سأبذل جهدي، وفعلا توجّه وحده إلى البئر، ولمّا وصل
إلى هناك برك على ركبتيه وشرع يتوسّل إلى العفريت، فشاهد الناس دخانا كثيفا يرتفع من الأعماق، فذعروا
وعلموا أن سبع الليل رفض التوسّلات، وزاد سخطهم على ابن الفقعي يؤجّج ناره تحريض اتباع تاجر
القرية المتواصل. واستمرّ انقطاع الماء لمدّة ثلاثة ايّام كان كفيلا بإحداث أزمة مائية في القرية
كذلك تواصلت هجمات سبع الليل وقد منع مبارك من الخروج والتصدّي له بأمر من والده مبخوت الفقعي
ووجهاء القرية جميعا. ولم يجرؤ أحد على الخروج لصدّه غير رجل ملثّم كان يطلق عليه الرصاص
الذي لا يخترق بدن الوحش ولا يعلم أحد من هو فضج القرويون بالشكوى وتوالت استغاثاتهم
بالشيخ غانم بن محمود، فلمّا ضجر أرسل مرّة أخرى إلى ابن فرضة رحى فحضر يترنح بين رجلين يسندانه
تنبعث من فمه رائحة منتنة خبيثة وتدور عيناه وتقدحان شرا وقد احمرّتا احمرارا مخيفا، وفي البرزة ما فتئ يتجشأ
ويفأق ويتحرّك بفجاجة وقبح أسخطت رؤساء القرية الذين استنكروا ثقل لسانه وتفاهة الفاظه
وضحكه المتواصل بلا سبب، إلاّ أن مبخوت الفقعي أرعبهم حينما قال:

يتبع إن شاء الله




رد مع اقتباس