عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-05-2012, 06:33 PM
زاهية بنت البحر زاهية بنت البحر غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 134
افتراضي بانتظار الأمل رواية لــ" زاهية بنت البحر" 1

عشر من السَّنوات مرَّت مملة.. كئيبة.. خانقة.. تلهث وراءها يومًا بعد يوم زارت خلالها عيادات الأطباء، ودور العرَّافين، سخت لأجل النُّذور، وأكثرت من الصَّدقات، بكت نهارًا وسهرت ليلا تدعو الله قيامًا وقعودا دعاء المضطر، ولكنْ لم يأت المنتظر، لم يقرع باب حياتها بأنامل السعادة، لم يدغدغ كيانها بنداء أمي، أو ببسمة ثغرٍ، أو بصرخة ألم.
هي كغيرها من النِّساء اللواتي يتزوجن كرهاً أو طوعاً، لا تملك من أمرها شيئًا، ولكنها تحلم بطفل صغير يزيِّن حياتها بالفرح، ويملأ أجواءها بالتَّغريد على أفنان حبِّها للحياة ولمن تحب.
كانت تحلم به جميلاً كالبدر، وديعاً مثلها وكأبيه، تضمه إليها بحنان، ترضعه من صدرها حليباً طاهراً، تعلمه أحلى الأشياء، تربيه على الإيمان وحب الخير، تلبسه أحلى الثِّياب، وترقص ليلة عرسه حتَّى الفجر، لكنَّها حتى اليوم لم تجرب الوحام الذي تشكو منه النسوة حقيقة أو دلالا، لم تشكُ وجع الحليب، ولم تذق ألم الولادة.
أحياناً عندما كانت تلتقي مصادفة في الطريق أو في بيت ما بإحدى رفيقات الطُّفولة، وهي ترضع أو تحمل طفلاً، كانت تحسُّ بالغيرة تهاجم أنوثتها، وبالحرمان يفترسها، فتنظر إلى الطفل بلهفة تكاد عيناها بها تخرجان من وجهها لتلتهمه بشهية أنثى محرومة الأمومة، تتلظى حرقة ما تلبث بعدها أن تنتبه إلى نفسها، تواري حسرتها بابتسامة رقيقة تفضح سريرتها المعذَّبة، فتردّ عليها الرَّفيقة الخائفة من مقلتيها بابتسامة مجاملة باهتة، وتهرب بطفلها خشية الحسد، فتلوك سراب نارها بصمت مرير، وعيناها تفيضان بالدموع، والأم وطفلها يبتلعهما الطريق.
زُوِّجتْ لعادل في سنٍّ مُبَكِّرة جدا، تقاليد الجزيرة تقضي بتزويج الفتاة بعد البلوغ لأول طارق باب، أمَّا الشَّاب فحسب قدراته المادية.
أحبت سراب (عادل) بإخلاص كما أحبَّه سكان الجزيرة، فهو شاب دمثَ الأخلاق، لطيف المعشر، محمود النسب تمنت الزواج منه الكثيرات من الجميلات، ولكنه لم يتمنَّ غير حبيبة القلب منذ أن كانا يلعبان معًا على صخور الشاطئ في أيام الصيف الحارة.
ضيق ذات اليد لم يغيِّر من حبِّها له، بل زادها تعلُّقاً به رغم حلمها بأن تكون غنيِّة كسعاد وعايدة وسميرة وغيرهن من صديقاتها الأقل منها جمالا ونسبا، لكنها لم تشعر بالضيق من عسره المادي يومًا، بل راحت تبث فيه روح التَّفاؤل والأمل، فظلت في قلبه أميرةً، وسكن قلبها مليكاً.
رغم صغر سنِّهما فقد كانا يؤمنان بانَّ العقل بواسطة الدين هو السَّبيل الوحيد لمتابعة الحياة بينهما بشكلٍ هادئ، فعاشا متفاهمين.
حفظته في ماله وشرفه، فحفظها في قلبه ووجدانه، وعندما كان يسافر على متن إحدى السُّفن التِّجارية تاركًا بلده وأمنه ودفء بيته، وحنان أمه وزوجته طلباً للرِّزق، لم تكن سراب تذهب أثناء غيابه إلى بيت أهلها في زيارة طويلة قد تستغرق مدَّة غيابه كاملة كما تفعل الأخريات خاصة خلية الولد منهنَّ، بل كانت تنتظره في بيتها، فتهتمّ بوالدته العجوز وتعتني بشؤونها، كان ذلك يسعدها كثيرًا لاعتقادها بأن ما تقدمه لحماتها يسعد حبيبها الغائب ويطمئن قلبه على أن والدته بأيدٍ أمينة فيتفرغ نفسيًا للعمل بجد وراحة بال.
وحينما كان يجوب البحار، وموانئ البحر المتوسِّط، ويُعرَض له الجمال بأعلى مقاساته وفتنته في حوريَّات الشَّواطئ، والمدن السَّاحلية، تلك الجميلات اللواتي يلعب حسنهنَّ برؤوس أشدِّ الرِّجال عقلاً، لم يكن يشاهد بناظريه أجمل ولا أروع من حوريته سراب.
تناغمٌ بديع ظلَّ يربطهما بمحبَّة صادقة لم يسمعا له نشازاً في عمر زواجهما أبدا.
بقلم
زاهية بنت البحر
" مريم يمق"
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
مدونتي


http://zahya12.wordpress.com/2010/09...4%d9%87%d8%a7/
رد مع اقتباس