عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 08-05-2012, 05:17 AM
زاهية بنت البحر زاهية بنت البحر غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 134
افتراضي بانتظار الأمل(رواية لزاهية بنت البحر)19


أكثر من مرة زارت سراب مع والدتها القابلة القانونية التي ستقوم بتوليدها، وفي كل مرة كانت تطمئنها بأن أمور الجنين بخير، وتصف لها بعض المقويات وتطلب منها شرب الحليب وتناول الفاكهة، وأن لا ترهق نفسها بالعمل كثيرا على أن تقوم بالمشي بين فترة وأخرى، ووصفت لها حبوب الحديد والكلس.
لم تكن أم عادل مسرورة بشأن القابلة، فهي تريد أن تستقبل حفيدها على يد الداية كما جاء والده وعمته، فرفضت والدة سراب وعادل ذلك خاصة وأنها الولادة الأولى، ولن يجازفوا بمغامرة لا يدري أحد ماتخبئه من مفاجآت. سكتت أم عادل على مضض مالبثت بعد وقت أن رضيت بالقابلة مفوضة الأمر إلى الله.
لم يكن حمل سراب بالنسبة لعادل أمرا عاديا فكان فرحا بقلق، وقلقا بحذر، يشعر رغم كل شيء وهو بانتظار المولود بأنه يمر في أجمل أيام حياته، وأكثرها ترقبا وتوجسا وسعادة بتمازج المتناقضات في إحساسه الجديد، كان يتشوق لرؤية المولود، فأحضر له ألعابا كثيرة، وثيابا تكفيه لسنوات، وذهب بسراب إلى طبيب الجزيرة فطمأنه، وضعها ممتاز وكل شيء طبيعي، لكنه كان في بعض الأوقات يحس بالضيق فيجلس إلى أمه.. يحدثها عن الحاضر والماضي والمستقبل، وسراب تنصت إليهما وابتسامة تعلو ثغرها وبين الحين والآخر تتلقى من جنينها ضربة رقيقة بحركة قدم أو كوع أو رأس.. تتحسس موضع الحركة متمتمة بالمعوذتين وعينا عادل تراقب يدها فوق الثوب وقلبه يرقص فرحا.
ذات يوم طلب عادل من سراب ارتداء الفستان الأخضر الذي أحضره لها عندما عاد من السفر:
أحب أن أراك به.
حاولت فلم تستطع ذلك لزيادة وزنها بالحمل، وعدته بارتدائه بعد الولادة، وبأن تتخلص من الوزن الزائد في أقرب فرصة، فقال لها بأنه سيشتري لها غيره بعد الولادة، وأنه لا يريدها أن تستعجل بالتخلص من الوزن الزائد خوفا على الطفل من سوء التغذية، ولتدع هذا الأمر لحينه، ويكفيه أنها ستهديه أغلى زهرة عطرة في الوجود، أنها كثيرة هي الزهور، ومتنوعة هي العطور، ولكن أجملها في يقينه على أية حال تلك التي تجعله يشعر بالسعادة حقيقة، وهو ينعم النظر في بديع صنعها، فيقول سبحان الله الخالق العظيم.
وهاهو الأملُ يدلف من ثقب قلبه خيطا رفيعًا يغزل به ستارة دفءٍ يعلقها فوق جدرانه خشية اجتياح الصقيع له في هجمة حزنٍ قارصة، ولن ينسى أن يسدَّ الثقب ببقايا الخيط، فبين اللحظة واللحظة برزخ مجهول لايعلمه إلا من سوَّاه.. كم نفس تقبض بين شطيه ?كم دمعة تسكب بحرقة أو بفرح؟
كم من دمٍ يهدر قبل بلوغ الشط الثاني بين اللحظة واللحظة؟
واليوم هو بانتظار طفله ورغم خوفه فالأمر يعجبه، بل يبهره، فعندما تولد حياة من حياة، فإنها تستحق المخاض الصعب بصرخة وليد يشرق أملا من بعد استبداد يأسٍ، فإن حقق الهدف من مولده فلا أحلى منه ولاأجمل، وإن لم يتم ذلك، فيكفي أنه مولد حياة تتولد منها حيوات جديدة قد يكون فيها ما ينتظر من أمل.
بقلم
زاهية بنت البحر
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
مدونتي


http://zahya12.wordpress.com/2010/09...4%d9%87%d8%a7/
رد مع اقتباس