عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 05-05-2012, 04:39 PM
زاهية بنت البحر زاهية بنت البحر غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 134
افتراضي بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)16


في عرض البحر كانت السفينة تواجه عاصفة هوجاء هبت عليها رياح شديدة في غرب المتوسط، في نقطة بحرية تفصلها عن اليابسة مسافات طويلة.
حركة غير طبيعية ملأت السفينة فبدا البحارة في ذهول، والقبطان في غرفة القيادة مستنفر الفكر والأعصاب لمواجهة ما قد تتعرض له السفينة من أخطار في هذه الأجواء الكئيبة التي تخلع القلوب من أعماقها، وتلقي بها في أعماق لا تليق بالرجال.
في هذه الظروف يجدون أنفسهم رغمًا عنهم يعيشون لحظاتهم ارتحالا في المدى، يتقبلون كلَّ ما يخطر على بالهم من عثراتٍ تحجب عنهم أمن السفر، وعندما يخطون أولى الخطوات يبدون بعدِّها بعين مفتوحة، يسترقون السمع لهمسات الوهم، وهم يغذون السير باتجاه الهدف، وحدهم الشجعان منهم يتابعون الإبحار في المجهول، بينما يتساقط الجبناء غرقى في أعماق البحار.

يمضي الوقت غير مكترث بشيء، يقطع جموعَ المارين به سعادة أو تعاسة، فمن يفهم لعبة الوقت يكسب منه كثيرًا، فكل شيء محتمل في دنيا غريبة عجيبة نفسر الظاهر منها حسب المعطيات التي تصلنا، فنقف عندها، ويظل المجهول أبعد من أن يطاله فكر أو حسابات بأي حال.
كان عادل في الحقيقة يشعر بالخوف أحيانا عندما يجد السفينة في شاهق من الماء ثم تنحدر بسرعة في واد منه وأمامها جبل مائي عليها تسلقه ببطولة قبل أن يطمرها بأحماله الهائلة من الماء المالح.
الآن بين الخطر واليأس يبتهلون إلى الله حتى سارق السرقة قد يقوم بذلك ضعفا ، فهم بين قبضة واقع لا يدري أحد كيف تكون فيه النهاية، فكم من سفينة ضخمة اخترقتها الأمواج وأرستها في بطن البحر بمن وما فيها قبل أن يصل إليها الإنقاذ من إحدى الدول أو السفن القريبة منها.
كانت الأمواج تظهر كغول ضخم فاغرا فمه لابتلاع السفينة، من ينجُ ويعود إلى أهله يحدثهم عن رعب لم يذقه إنسان إلا شاب رأسه قبل وقت المشيب. لكن هناك من اعتاد على تلك العواصف فبات الأمر عنده غير ذي أهمية فيعلن تحدي البحر بكلمات لا يتفوه بها إلا زنديق.
نسي زوجته وأمه وحتى جزيرته، وشغل نفسه بالدعاء وهو يؤدي مع البحارة ما يطلبه منهم الربان الثاني من أعمال.
كان أحمد يركض من مقدمة السفينة إلى مؤخرتها ثم ينزل إلى العنبر ومنه إلى غرفة الماكنات التي تسير السفينة، لم يكل عن الحركة كنحلة نشيطة جعلت الربان يثني عليه عندما هدأت العاصفة ووعده بمكافأة مالية . فرح أحمد بوعد الربان له بالمال ولو كان قليلا فقد يساعده بقضاء حاجة من حاجات التحضير للزواج.
تعمقت الصداقة بين عادل وأحمد حتى أصبحا كأنهما أخوان من أم وأب واحد، فهناك خيط شفاف لايراه إلا الأوفياء، يربط القلوب النقية الصادقة برباط غالٍ جدًا لايملك ثمنه إلا الحقيقيون من البشر، أؤلئك الذي يعرفون قيمة أنفسهم من خلال قيم الناس في قلوبهم، ولكن للأسف هم قلة، ورغم ذلك فبهم يكون للحياة طعم جميل ومعنى محترم.
وعندما سقط أحمد في عنبر السفينة، وفارق الحياة ظلَّ عادل يبكيه عدة أيام دون أن يعرف الرقاد له جفنا.
ودع البحارة رفيقهم أحمد بالدموع والزهور.. ونقلته الطائرة من أحد مطارات الغرب إلى بلده، ترافق تابوته حقيبته الصغيرة والكيس الذي وضع فيه جاكيت لمى، ودفن في الجزيرة وسط دموع أمه وخطيبته وجميع أهله ومعارفه.
لقد تعودت الجزيرة على استقبال أولادها البحارة أحياء وأمواتا بدموع الفرح، أو بدموع الحزن والفقد وهم في ربيع العمر..

بقلم
زاهية بنت البحر
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
مدونتي


http://zahya12.wordpress.com/2010/09...4%d9%87%d8%a7/
رد مع اقتباس