الموضوع: أزيز الأشياء*
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-02-2010, 03:54 PM
الصورة الرمزية عُلا الشكيلي
عُلا الشكيلي عُلا الشكيلي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Jul 2009
المشاركات: 52
افتراضي أزيز الأشياء*

http://www.maktoobblog.com/redirectL...2Fashreea.html



فتاة جميلة ، صغيرة ، تلاحقني بشيطنة الربيع الشقي في أنوثتها !
لم يعد العمر مُلكي يا صغيرتي ، قد شاخت أيامي منذُ زمن ، حقيبتي مُتخمة بالأحزان ، وحقيبتُك ملئى بالأحلام ! أبواب ذاكرتي مفتوحة ناحية الماضي ، وأبواب قلبكِ مُشرعة ناحية الريح !

كل صباح ، يا صغيرة ، تتجدد أحلامك ، وتلبسين فرحكِ مبكرا ، يتقافز بنظراتُكِ مرح شقي ، تُطلين من على النافذة ، تتلصصين على لحظات خلوتي ، وتشاكسين وحدتي ! ماذا يريد، فرحكِ المتسلل إلى عُتمة أيامي ، من رجل لبسه اليأس ،ما أن يهطل الليل بلونه الداكن، حتى تتجدد أحزانه ، تراوده ،في جنح الظلام، عن نفسه!

الليل ،يا صغيرتي ، ذلك المارد الأسود ، بأضواءه الخرساء ، يًشبعني ضجيجا رغم سكونه ! يتوحد بي ، يتلبسني صمتا ، ويغرق معي في ذكراها !ذكراها التي لا تكف عن الثرثرة ، وعن العبث بكل شيء فيني !

يحاول الفرح،عبثا، أن يفك أزرار قميصه ،في مواجهة السفر، ويخرس كل أصوات الأشياء من حولي ، لكنه يعود ينكمش على نفسه ، وقميصه يزرر نفسه إستعدادا للرحيل ! وتعود ذكراها هي ، وحدها ، تتوحد مع عتمة ليلي ، تبثُ أنينا موجعا بداخلي !

دعيني أسرد لكِ من تكون تلك ، لكن لا تتأففي ، لأن غيرتكِ ستحضر حتما ، على وقع السرد،المجلود، بسياط الحب والشوق إليها .


بقايا الأثاث الذي تركته لي ، يذكرني بها، فللأشياء ذاكرة لا تموت ، و أفواه لا تكف عن الثرثرة ، وإن ذهب صدى مالكها ناحية التراب ، يمسد جسده ، وضلوعه ، إستعدادا لراحة أبدية ، تظل هي-أشياءه- شاهدة لأفعاله ، كلامه ، ثورات غضبه ، ساعات حزنه ، وجنونه ..

أدخل غرفتنا ، تستيقظ في داخلي كل ذكرياتي معها ، فكل شيء يحكينا قصة ، ويروينا ،أحاديث هوى ، لا تنتهي ، ولا يملها السامعون ! تظل تثرثر ، طوال الليل ، عنها ، وترسل إليكِ وإلى المارين من خلف النافذة ، أنوار روحانية ، تتسلل عبر أجسادهم، لتسكن أرواحهم ، بدفء ! فتتذوق قلوبهم ، طعم الحب الذي أتى من زمن بعيد ، عتيقا جميلا ، غاليا جدا ! فيحلمون بمثله أن يسكنهم ، كما تحلُمين أنتِ الآن .

كل شيء ، في زاوية العمر ، يُذكرني بها ، ويغلِق الأبواب على ذكراها ، ويقول ، هيت لك ، فالذكرى ذكراك ، عليك ان تنفرد بها، وحدك .

لذا ، لا مكان لكِ هُنا يا صغيرتي ، لأن المكان مُحاط بالوفاء ، مُغلف بالإخلاص ، عبثا تُراودني أنوثتكِ ، الطاغية ، عن نفسها ، عبثا تتسللين إليً ، فأنا ماضِ مع ذكراها بلا إلتفاتة لضوء .

أتسمعين ثرثرة الأشياء حولي؟ ذلك المشط الذي رمتني به يوما ، حين ذخلتُ عليها وهي تصفف شعرها ، وكانت قد أغضبتها مُداعبة شقية مني ، وتجرأ هوسي بها ، أن يشاكسها ويعلن لها –كذبا- أن وجهها بات أربعينيا جدا ، وأن نضارة العشرين إختفت من شفافية روحها ، وأنني بصدد البحث عن أخرى، تُقاسمني نضارة الحياة ، وتُلبسني حبور العمر .

يومها ،شعرتُ بأنوثتها تئن ، وبقلبها ،حاسر النبض ،ينكسر ببطئ ، يوشك أن يتشظى من الألم . فـ ويح نفسي كيف كانت شقاوة رجل الأربعين ظالمة فيني !
المرايا ، يا صغيرة ، تحكي عنها كل ليلة ! هل يستطيع جمالك أن يقف أمام جنون المرايا ،وهي تثرثر، في آذان الاشياء ،من حولي ، عن ذكراها ؟!

يا صغيرتي ، فليكف جمالك عن الثرثرة ، لأن شعوري ، في غياهب جب ماضي، يسرد ذكراها فقط ، وقد غاب وعي الضوء من حوله !
أنا كفيف ، لا أبصر سوى طيفها ، وأبكم لا أغني سوى لها ، وأصم ، لا أسمع سوى حكاياتها الراحلة ناحية الفردوس !

سأحكيها رواية يوما .... وستقرئين وتذكرين ما أقوله لكِ!
قد شاخت أيامي منذُ زمن ، حقيبتي مُتخمة بالأحزان ، وحقيبتُك ملئى بالأحلام ! أبواب ذاكرتي مفتوحة ناحية الماضي ، وأبواب قلبكِ مُشرعة ناحية الريح
عُلا الشكيلي
* نص سردي نُشر مؤخرا في مُلحق أشرعة[/FONT]
__________________
طوق الياسمين

التعديل الأخير تم بواسطة عُلا الشكيلي ; 04-02-2010 الساعة 04:03 PM
رد مع اقتباس