عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 29-09-2009, 07:25 AM
الصورة الرمزية جاسم القرطوبي
جاسم القرطوبي جاسم القرطوبي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
الدولة: صحم-مقاعسة
المشاركات: 830

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى جاسم القرطوبي إرسال رسالة عبر Skype إلى جاسم القرطوبي
افتراضي

وها هي الأيام تمر ويقترب الشهران من نهايتهما ولم تزل فكرة إبراء ذمتها لعمها بالنسبة للبيت
شغلها الشاغل إلى أن أتى يوم وقررت بعد تفكير طويل أن تتطلب من صاحب المحل قرضها المبلغ المتبقي لعمها فلم يمانع البتة فهو يعرف من هي سعاد جيدا ويعرف أنها الوحيدة القادرة على بيع كامل البضاعة بفائدة تتجاوز الثمانين بالمائة فأخطرها بموافقته شريطة َأن يأخذ عليها صكا بكامل المبلغ يحين موعد سداد بعد عام وشهرين من تاريخه.
وانطلقت بلا تردد أو استئذان لبيت عمها فسلمتها كامل المبلغ والرجاء يملأ الأرجاء فوجم أول ما أعطته المبلغ ثم أظهر لها رحابة صدر بالغة وطلب منها الانتظار قليلا ريثما يحضر لها صك دين المنزل من الأعلى . جلست سعاد تتمعن بالبيت الذي لم تتسنأ لها الفرصة لمشاهدته بصورة أدق إلا الآن،فهذه أول مرة تعرف فيها أن لها أولاد عمومة ،وأول مرة هذه تعرف فيها مواقف عمها الإنسانية وإن وجدت بنفسها من التكذيب الشئ الكثير .
وفجأة نزلت الشغالة لتقول لها طاردة :- ((أرباب فيه نوم،يالله روحي بيت)) سيدي نائم هيا اغربي من هنا فصدمت بادئ ذي بدء ثم بدأت تولول وتبكي يا إلهي هل سيذهب تعبي هباء منثورا؟وكانت الشغالة لديها أوامر صارمة في طردها بعنف مذمومة إن لم تستجب وغير مكرمة إن استجابت ولكنها لم تكف عن الصراخ حتى أدركت أن مالها أضحى ليس لها. عندها سحبت بوحشية لخارج البيت فأضحت كمن ثكلت أولادها، أخذت تتساءل بصوت مسموع تارة ومهموس تارة أخرى أيعقل هذا . أيعقل ما يحدث لي .ليت شعري ماذا فعلت؟ وبأي ذنب أجازى هذا الجزاء. أيوجد أناس قلوبهم من حجر كعمي..عمي ثم نادت بأعلى صوتها : عمي يا عمي ارحمني أنا ابن أختك كما تدعي،أرجوك أرجوك أنا استقرضت المال فحرام أن يضيف المال والبيت ،والعم لا يبال باستجدائها ولا يصغي لكلامها فهو على أتم الثقة بأن لن يسمع حسيسها أحد.وبحلول المساء انصرفت وأخذت تتساءل وهي تمشي ما تفعل الآن بعد أن ضاعت النقود والبيت وأحلامها سدى لثقتها العمياء بعمها وجراء فعلته الشنعاء وشرعت تلطم كفيها وخديها وتتساءل أنحن في كرة أرضية أم في غابة .وأمست سعاد تسير بلا هدى في الطرقات وانتهت بها الخطأ لأقرب قسم شرطة واعتذروا عن عدم استطاعتهم مساعدتها وذلك لأنها لم يكن بوجد لديها دليل لصحة ادعائها وقد كانت للرجل حصانة فلا يصح أن يستدعى بلا مسوغ قانوني . خرجت سعاد من الشرطة ودمع عينها كالبحر تقطع عبابه برجليها اللتين لم تعدان يحملانها متجهة لنفس الحديقة التي نامت فيها أول مرة وإذ بالحارس يطردها أول ما راءها لأنها تسببت بمساءلة قانونية المرة الماضية له حيث صادف مرور أحد المسئولين ذلك الوقت فانطلقت لنفس الموقف السابق ووقفت لها سيارة بدأت مألوفة لديها، يا إلهي أنه ذلك الشاب الصالح صديق من ظنته حبيبها والذي تنكرت له كتنكر حبيبها لها فدعاها للركوب فنظر ت له نظرة المغاضب ثم ركبت واستطاع بأسلوبه أن يرسم ابتسامة ولو مصطنعة على وجهها وتبادلا أطراف الحديث إلا في قضيتها والسيارة واقفة لم تتحرك من مكانها بعد،فسألها: لماذا أنت واقفة هنا؟.فأجابته بارتباك يلاحظ عليها عندما : أنا امرأة متزوجة وأنا انتظر زوجي هنا،فدعا لها بالتوفيق وعلامات التأثر والانكسار واضحة عليه وظلا ساكتين فترة حتى استأذنت نازلة من سيارته ودخلت لبيت قريب هناك موهمة له بأنها داخلة بيتها إلى أن ذهب وخرجت .وبمجرد خروجها من ذلك البيت فإذا بسيارة أجرة طلبت منه أن يقلها لبيتها فوافق واكتشفت بعد ذلك أن سائق سيارة الأجرة سكران ولكنها سلمت أمرها إلى الله وسكتت إلى أن وصلت بسلام. بعد ذلك ظلت سعاد رهينة ببيتها فترة طويلة حتى العمل والذي عانت وتكلفت المشاق لم تعد تذهب إليه إلى أن زين لها الشيطان فكرة خبيثة.. وهكذا دخلت سعاد مرحلة صراعية أخرى نستطيع تسميتها مرحلة الاستجارة من الرمضاء بالنار وبدأت تقف في الطرقات ليل نهار لا لبيع الهوى وحاشاها وإنما لعلها أن تصادف أناسا كذلك الصالح أو الفتى الذين ساعدها.
وذات صباح أحست بالجوع الشديد فيممت لأقرب مطعم فدخلته وطلبت من النادل طبقا من (الكيما والخضرة) اللحم المفروم ولم يكن هذا الطبق بالأكلة المفضلة لديها وإنما الأرخص والوحيدة التي كانت تؤكل في بيتهم زمن أبويها حيث كان البيت جميعه يلتم حول طبقين صغيرين منه يتقاسمون ما فيه بأن تضع الأم فوق قطعة خبز صغيرة القليل منها.وبعد دقيقتين أحضر الطبق الذي ستأكله اليوم لوحدها وكانت المفاجأة أن من أحضر الطبق إليها الإنسان الوحيد الذي أحبته بصدق ولم يزل بها محدثا وواعدا وراسما قصور التحايل على التراب لها حتى وافقت أخذ رقمه الجديد ليعود بعد ذلك منصرفا إلى عمله شاركا إياها بحباله العنكبوتية الأشكال.أخذت الرقم وخرجت كالسكرانة من حديثه ولم تفق إلا بمصيبة جديدة وهي وفاة أخيها.وبعد انقضاء فترة العزاء عادت لسيرتها الأولى من تمشيط الطرقات وبالرغم من السيارات الفخمة التي وقفت لها بيد أنها كانت دائما تحجم
في اللحظة الأخيرة عن الركوب.وكثيرا مت كانت تتردد على ذلك المطعم الذي كان يعمل فيه من أحببته ولكنها دائما لا تجده فلما سألت عنه أخبروها أنه تم طرده فلم تستغرب فهي تعلم حق اليقين أن شيئان يستحيل أن يستمرا على حالهما معه الوظيفة ورقم هاتفه. واتصلت به وفوجئت عندما استجاب هاتفه لاتصالها واتفقا في أن يلتقيا بمكان ما.وفعلا تم اللقاء في أحد المنتزهات واستمر لساعات طوال وتحدثا فيه طويلا عرف كلا منهما كيف كانت حياته أثناء الافتراق فقد عرفت منه مثلا أنه أخيرا أصبح حارسا أمنيا في إحدى الحانات ولم تندهش فإنها عرفت طباعه وخسته ،وعرفت منه أن صديقه الصالح قد دخل السجن بسبه وبشئ تافه جدا ولم يكن يتنازل عن سجنه لولا أنه دفع له مبلغا كبيرا من المال ثم أرضاه بما يتجرعه ولا يكاد يسيغه فأثر ذلك بنفسيتها كثيرا،وكالعادة قبل أن ينصرفا أهدته باقة من الورود وأهداها زخارف الوعود.

واستمرت لقاءاتهم أياما حتى أقنعها بفكرة الدخول إلى المرقص وأدمنت الخمور وعودها على حياة السفور والمجون واستطاعت بدهائها الذي استوحته من حبيبها المزعوم أن تلعب بعقول أصدقائه فتستنزف الأموال منهم دون أن تبيع شرفها إلا لحبيبها المزعوم.وفي يوم من الأيام صادف أن أتى الصديق الصالح لصديقه الطالح وراءها معه في تلك الحالة فتبسم حزنا على حالها وعلى تصديقه إياها بأنها متزوجة وما كان منه إلا أن أخذ بيد الصديق وجذبه لمكان قريب ودار حوار ساخن بينهما فسأله أن يتزوجها محاولا إقناعه بأن البنت تحبه ومستعدة أن تتزوجه بسهالة وأخبره بأنه على أهبة الاستعداد في أن يعطيه المال الذي جمعه منذ سنوات للزواج إذا كان صادقا في حبها له فأبى بحجة من كان هذا حالها فمصير الارتباط بها محال فمن خانت العرض يوما عهودها مستحيلة ثم واصل الطالح حديثه معه وقد رفع صوته جدا : يا حبيبي أتظن أن أسلوبك الراقي سيعلي انحطاطها،أعلم بلقائكم الثاني وكيف صدقت كذبتها بأنها تزوجت.فنزلت دموع الصديق الصالح كالأحجار ولم يدري الصديق الصالح بنفسه إلا بدفعه للصديق الطالح بقوة وخروجه ماشيا على رجله فهو. الصديق الصالح والقروي الطامح الذي لم يتأقلم بعد كصاحبه على الحياة في جو المدينة الملبد بما هو على مسمع ومرأى منه .وذهب للشاطئ وإلى المجمعات بقصد الترفيه عن نفسه فغاضه ما شاهده من حركات وغمزات يتبادلها بعض الشباب والشابات هناك.،وأحزنه أيضا منظر الأزواج والزوجات وأطفالهم العابثين هنا وهنا ونظر إلى نفسه وقد بلغ من العمر عتيا،فخطرت له فكرة أن يصبح كصديقه ثم انثنى عنها لأنه لم يكن له مقومات صديقه من جمال وكمال فكان وإن ارتدى عمامة قيمتها مائة ريال ودهداشة وحذاء بنفس تلك القيمة أو تنقصها قليلا فلا يظهر عليه مظهر الجميل بشكله والكامل بحلته، وأدرك بأنه في هذه المدينة وإن كان جميل قلب وكامل روح فإنه ليس باللبق في التعبير عن مشاعره وإن كان فصيحا في ثلاث لغات حيوية،.وأخذ يفكر مليئا حتى رجع للحانة أشعث أغبر ولم يلتفت أحد له من بين الموجودين فكل من في الحان كان في نفس هذه الحالة ، واتجه لسعاد وصرخ بوجهها أتعتقدين أنه يحبك الرجل إن أحب من أعماقه فسترينه يحاول جاهدا الاقتران بها وإن ذهب رأسه سدى ثم أمسك بيدها وقال بصوت أفاق منه كل سكران:- سعاد أتتزوجينني وكررها حتى صفعته وخرجت وهي تبكي للخارج ووقف باهتا مكانه فأتى ذلك الطالح ليوسوس له ثانية بعد أن ضحك كمارد المصباح أترى ما فعلتَ بك إني لو كنت بمكانك ل..(وهمس في أذنيه) فركل الصالحُ الطالحَ ولحق بها وكانت على وشك أن تركب سيارة أجرة فجرها بقوة من يديها واركبها سيارته فحاولت المقاومة فلطمها على خدها بقوة حتى أسقط لها سنها فسلمت أمرها عندها لله وكانت بين يديه كالميت بين يدي مغسله . فأخذها بسرعة جنونية للشاطئ وظل يترجاها أن تتزوجه وسوف يستر عليها ويطوي صفحة ماضيها ويفتح صفحة جديدة لها ولسوف يتفاني في حبها حتى يطلق عليه مجنون سعاد ولم يزل بها حتى وافقت واتفقا على كل شئ..وتمت الخطوبة والتجهيزات روتينية ً وبارك له المقربون من أقاربه ومحبيه فها هو صديقهم سيودع حياة العزوبية أخيرا بعد تأخر أكثر من عقد كامل وكان من ضمن المهنئين له صديقه الطالح والذي حطم حياته إلا قليلا ووهب الصالح للطالح ذلك القليل لإنقاذه مما هو فيه ورغم أن الكل حذره من صديقه الطالح وأنه لا مجال في إصلاحه فقد استشرى الفساد في دمه كاستشراء السرطان بدم المريض وظن البعض أن الطالح يهدد الصالح بشئ ٍ يدفعه لعدم تركه وإن مثَّلَ به حيا.
.وما كان للصالح رغم هذا كله إلا أن أعطاه فرصة جديدة ليعمل بمحله التجاري ووهبه بفضل الله حياة سعيدة خاصة بعد أن وجهت لهذا الطالح في نفس ليلة هيجان الصديق الصالح جنحة التهديد لأحد الآسيويين بالسلاح الأبيض وسلب مبلغ مائتين ريال منه وقبض عليه بعد يومين من القضية بعد أن ثبتت التهمة على الصديق الطالح وبالأدلة. ووقف الصديق الصالح جنب صديقه الطالح كعادته ووكل له محاميا بارعا استطاع أن يحفظ القضية وسجن هذا الطالح لمدة شهر واحتراما له لم يتم شيئا في أمر زواجهما. وتم العقد ليلة الإفراج عنه وبعد أسبوع وفي ليلة الزفاف طلبت سعاد من زوجها أن تجعل الذي يقود سيارة زفافها ذلك الطالح بحجة إرادتها كسر قلبه فوافق وكانت تلك المرة الأولى التى يُقدم فيها على عمل من شأنه يحطم قلبا وإن اغتال أفراحه يوما ما ، فعرض الأمر على الصديق الطالح فوافق مُرحِّبا وداعيا بالخير لهما،ورغم المعارضات من أهل الصالح سار الطالح بسيارة العروسين وبعد مراسيم العقد والزفاف اتجه الصديق الطالح بهما بعد أن انفض الحفل لطريق المطار فقد اتفقا العروسان أن يقضيا شهر عسلهما خارج الوطن ،وفي الطريق حدث أمرٌ لم يكن بالحسبان فقد عطبت السيارة فاتجه كلاًّ من الصديقين إلى النظر من الذي أصاب السيارة وبعد محاولة طويلة طلب الطالح من الصالح أن يدفع السيارة كمحاولة أخيرة فوافق بلا تفكير فالطائرة توشك أن تقلع وأول ما بدأ الصالح بدفع السيارة وبدأت بالتحرك رويدا رويدا ما هي إلا لحظات إلا وانطلقت بسرعة هائلة سيارة الزفاف ولكن بدون العريس هذه المرة وإنما بالعروس والصديق الطالح وأخرج الصديق الطالح رأسه ليقول لمن حافظ على مروءته ساخرا : شكرا على السيارة والعروس وعلى الأربعة آلاف مهرها،وبمجرد تحرك السيارة رمت العروسة (شيلتها) غطاء الرأس في الهواء بوجه عريسها وهي تضحك ،وشاء الحق سبحانه أن ترتطم السيارة بشاحنة وكأنها أمطرت من السماء على الخائنين مطرا فاحترقت بهما السيارة توفت سعاد على إثرها مباشرة وبقي الخائن سنة ً يعاني جروحه ثم شفي .
وأما الصالح أصابته حالة نفسية جعلته يعتزل الأفراح والأعياد ويرتدي حزن آل البيت وشاحا لا سيما وقد أصبحت قصته مضرب المثل،وأما أخوتها فضلوا عالة على المجتمع يرق لهم من لقصتهم يسمع..(انتهت)
رد مع اقتباس