عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 29-09-2009, 07:23 AM
الصورة الرمزية جاسم القرطوبي
جاسم القرطوبي جاسم القرطوبي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
الدولة: صحم-مقاعسة
المشاركات: 830

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى جاسم القرطوبي إرسال رسالة عبر Skype إلى جاسم القرطوبي
افتراضي

فشيئا رأت عبارة مكتوبة بخط الثلث على باب البيت إذا كان لديك رغيفان فـكُل أحدهما واشتر بالأخر زهوراً فضحكت تعجبا وولت ضاحكة باكية وظلت تمشي من غير هدى تمشط الطرقات وتشاهد أضواء السيارات حتى أجهدها التعب فآءوت إلى أحد المنتزهات وجلست وكان بقرب ذلك المنتزه مسجدا يؤدي مرتادوه فرض صلاة العشاء وكان صوت الإمام واضحا جدا من خلال مكبر الصوت ،وعلى أنغام عذوبة صوته وبسبب إرهاقها نامت نومة طفل في مهد أمه. غطت في نومة لم تستيقظ منها إلا في الواحدة والربع صباحا وكانت دموعها تغطي وجنتها نظرت يمينا وشمالا فلم تر سوى شمعة متقدة قد وضعت بجانبها على الكرسي الخشبي الذي نامت رأت ظرفا آخر به خمسة ريالات وورقة صغيرة مكتوب فيها أنا العامل المشرف على الحديقة أحببت أن أنوه بأن موعد إغلاق الحديقة في الحادية عشر والربع وحاولت فاشلا إيقاظك مدة نصف ساعة ولكنك لم تستيقظي ولا أخفيك سرا فكرت بأن أجرك خارجا لأنني اعتقدت بأنك متعاطية شيئا وشممت فمك فلم أجد شيئا وكمساعدة مني أرجوك أن تغلقي قفل الباب الذي أوهمت من يراه بأنه مغلقا ولا تكرريها.فبقيت تنظر بعين نائمة مستيقظة إلى المبلغ تارة ًوإلى الورقة تارة أخرى ثم أدامت النظرة لتلك الشمعة الفارعة الطول كأنها أمام مسألة رياضيات توفرت معطياتها ولم تهتدي لناتج حلها بعد إلى أن انطفأت الشمعة ،وأرادت إكمال نومها فهي تدرك أنه لم يعد أحدٌ ليسأل عنها ، وكانت ستقدم على ما نوته لولا أن صدها هلعها بسبب الحركات والأصوات التي حدثت في الجوار معتقدة بأن الحديقة مسكونة بشتى أنواع الجان. فاستجمعت زمام أمرها وخرجت بسرعة ناسية قفل الباب.
غادرت سعاد الحديقة والظلام كان دامسا جدا وقررت أن تأخذ سيارة أجرة وانتظرت في الشارع الفارغ حتى من الدراجات وحيدة مجهدة . وبعد حوالي نصف ساعة وقفت سيارة تاكسي فأشارت عليها بالانصراف قبل أن يتم توقفها توقفا تاما لأنها أدركت أن الخمسة الريالات قد تفيدها في شئ آخر ، ومشت حتى بلغ الإعياء بها منتهاه فوقفت تنتظر نصف ساعة أخرى ولم تأتي سيارة ٌ فواصلت مشيها والهم في صدرها تضيق لرحابته الأرجاء .واختصر التفكير عليها كيلومترات أربعة.وفجأة توقفت سيارة من موديل متأخر غير نظيفة وكأنها مقبرة متحركة وبها شاب قدرت عمره بأنه يصغرها بحوالي خمس سنوات وعرض عليها مرارا أن تركب وهي ترفض وبينما هما على تلك الحالة إذ وقفت سيارة أجرة خلف سيارة الشاب مباشرة نظرت إلى وجهه فرأت نظرة ً أخافتها ودلتها هيئته على أن الشر في عينيه فلا إراديا ركبت مع الشاب وإذ بالشاب ينطلق بها مسابقا البرق في لمعانه ومخلفا صوتا لسيارته يسمعه القاصي والداني . وبعد أن ابتعدا مسافة تأكد الشاب فيها أن صاحب سيارة الأجرة مهما حاول اللحاق بهما فلن يتمكن تنفس الصعداء وقال لها وصوته يرتجف : كنت أحسب أن القمر لا يوجد إلا بالسماء ولكن ها هو معي ، وأين؟ في سيارتي ، وطفق يتغزل بها بكل ما يجيده الشرقي من فن الخطابة وهي ساكتة ، وما كان ليسكت عنها لولا أن نهرته بأقصى صوتها فسكت ، فقال لها وصوته زاد ارتجافا : آسف آ آ آ.....آ آسف آسف أختي، إلى أأأأ أين أنت ِ ذاهبة ؟ قالت له - وقد هدأ من روعها قليلا وعرفت من أين تؤكل الكتف- : قريبا سأنزل ؟ فسألها : ما بالك غاضبة ؟ فظهر التأثر عليها كتمت ما استطاعت منه ثم التفتت للشاب قائلة: أنا آسف لغلظتي معك ولكن ظروف الحياة وبدأت تحكي له جزءا يسيرا مما أصابها .. فإذا به يغير اتجاهه فقالت له بصوت أشد من السابق : إلى أين أنت ذاهب أيها الأحمق ؟ فقال لها – ونفسه تسيل أسفا عليها -: أعاهدك أختي لن أوخزك بشئ، فسلمت قيادها له ولم يدر في بالها شيئا آنذاك إلا أفكارٌ ومتاهات من الحزن .توقف الشاب قرب أول آلة صرف وسحب لها مبلغ خمسة وعشرين ريالا عمانية وقال لها : تفضلي هذا كل الذي معي ولكن ادعي لي وسلي اللهَ لأمي المصابة بالسرطان. فأخذت المبلغ ولم تنطق ببنت شفة وثم أخذها بعد ذلك إلى مطعم واشترى لها ما لذَّ وطاب ثم انطلقا حتى أوصلها في مكان طلبت هي أن تنزل فيه ، وأعطاها رقمه فأخذته لترميه بعد تمزيقه في وجهه ونزلت من عنده وأغلقت الباب بشدة وانصرفت بينما ظل الشاب ينظر والدمعة متحجرة في عينيه كالعظم العالق في البلعوم إلى توارت عنه ثم انطلق هو الآخر لحال سبيله .
عادت سعاد لبيتها الذي يبعد عن محطة نزولها خمس دقائق فقط محملة بأكياس الطعام وأيقظت من كان نائما من أخوتها وجلسوا لتناول العشاء وفي الواقع لم يكن عشاء الليلة فحسب بل وغذاء اليوم وفطوره ومن يدري لعلها تكون وجبة الغد أيضا ، لما نظرت سعاد إلى تلك السعادة التي ارتسمت بوجه أخوتها قررت أن تتحمل الهم لوحدها وأن لا تخبرهم بما حدث معها لا سيما من أمر عمها .
وبينما هم على المائدة إذ قالت أختها : اتصلوا بنا اليوم من المستشفى وقالوا أن أخانا يحتاج للتبرع بالدم فوقع الخبر عليها كالصخرة ولكنها لم تنطق ببنت شفه فها هي المصائب تتوالى عليها.أنهوا عشاءهم ودخلت غرفتها وأطفأت الأنوار وظلت تفكر وتبكي كثيرا إلى أن أتت أخواتها اللاتي يشاركنها الغرفة بعد برهة فتظاهرت بالنوم أمامهن وتحدثن قليلا وهي لم تزل في بكائها وفكرها إلى أن غطن بالنوم فقامت تتمشى في (الحوش) قليلا وعلى السطح أحيانا وتتسلى بألعاب هاتفها أيضا إلى أن وقعت عيناها على جريدة ٍ قديمةٍ فيه خبر وفاة أحد مليونيرات العالم تاركا تركة قدرها مئة مليون جنيه استر ليني لكلبته (دودو) فضحكت مستغربة ونامت مكانها . وفي الصباح خاضت تجربة ثانية وهي تجربة الخروج للبحث عن عمل ؛فطرقت أبواب المحلات فقد كانت لها تجربة سابقة في هذا المجال.
حان الآن موعد أذان العصر ولم تسمع من خلال بحثها إلا كلمات عدم وجود الشاغر بتباين لغاتها واختلاف نبراتها ، وقررت الذهاب لبيت عمها كتجربة أخرى يائسة فوجدته يستعد ليركب سيارته التي من طولها لم تعرف أولها من آخرها فأكبت تقبل يديه ورجليه وتترجاه أن يتنازل عن حق البيت أو أن يساعدهم بعدم المطالبة بالبيت في هذه الظروف الراهنة إلى أن تفرج وتجد عملا فتكلف نفسها فوق طاقتها وتستقرض من المصرف لتسدد كامل الدين، مرددة قوله تعالى :- ((فنظرة إلى ميسرة)) إلى أن وافق أن يؤجل موعد السداد شهرين على أن تحسب الأيام التي مرت من يوم ظهوره إلى الآن من المدة ،فوافقت مضطرة ، ثم سألها أن تدفع له إيجارا شهريا فوافقت والأسف في عينيها كحزنها إن قسم في مدينة يملأ ما بين لابتيها.وأول قوفلها لبيتها اصطحبت أخواتها وذهبوا جميعا إلى المشفى ودخلوا على أخيهم الذي ما فتئ في غرفة الإنعاش إلى قبيل وصولهم واستأذنوا الطبيب في زيارته فأذن لهم بشرط عدم التطويل عنده فدخلوا وكان في غيبوبة ولبثوا لديه بين بكاء ودعاء إلى بعيد انتهاء وقت الزيارة وانصرفوا لبيتهم ورجائهم بالله تعالى في شفاء أخيهم قد بلغ منتهاه. وها هو العيد يجر ذيوله بسرعة ولم يكن في البيت إلا ما أعطاها ذلك الشاب الذي لم تعرف اسمه إلى الآن فأجرت اتصالات بصديقاتها تريد بعضا من المال كقرض ونظرا لظروفهن - كأي مواطن من مختلف الطبقات في العيد - اعتذرن. شد التفكيرُ على خلد سعاد وثيق عُراه ، ولم يمنعها من زيارة قبر والديها وأخيها في المشفى والبحث عن عمل ٍ هنا وهناك خاصة ً وأنَّ العبء زاد منذ أن دخلت معاهدة مع عمها وتعين عليها خلال الشهرين دفع قسطا شهريا لعمها وتسليم مبلغ الدين كاملا بمجرد انقضائه . وفي إحدى المرات وبعد أن دخلوا للبيت بعد زيارة لأخيهم عنَّ لسعاد فكرة فقالت لهم والارتباك واضح بعينها : سوف أذهب لمحل الملابس وأعود،وانطلقت مسرعة واشترت ملابس شبه غير محتشمة وماكياج وعطورات بكل ما معها. وما أن أشرقت شمس الصباح الباكر حتى
ذهبت للبحث عن وظيفة مرتدية ذلك اللباس وواضعة ألوان الطيف على وجنتيها ، وتمشي مشية المعجبة بذاتها
وفي طريقها للبحث عن وظيفة تعرضت لعدة مضايقات من الشباب وهي صابرة تبكي تارة وتسب تارة إلى أن وجدت وظيفة في محل ناشئ مُعَرضا في أي لحظة للإغلاق فقبلته فعصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة ، ومما زادها إصرارا على الموافقة بالعرض أنها استلمت راتب شهر كامل مائه وسبعون ريالا مقدما .
وما أن أكملت إجراءات توظيفها إلا وانقلبت بالبشرى لأهلها وفي طريقها للبيت مرت بجوار بيت عمها الذي كان أقرب هذه المرة كثيرا جدا من مقرِّ عملها ، فطرقت الباب فلما راءها ارتعدت فرائصه فقد خشي أنها التحقت بعمل جيد واحترمت قرارها وأحضرت المبلغ المتعين عليها ، وبعد أن طلب منها الجلوس ولأول مرة منذ أن دخلت بيته أطلعته على الأمر فتظاهر بالفرح لأجلها وعلى الفور طلب منها المائة ريال هذه كدفعة من الإيجار الشهري عن البيت فأخذها منها ولم تطلب منه وصلا . وآذنها بأنه مشغول جدا ففهمت إشارته وغادرت بوجه لم تغادر به بيت عمها سابقا .و بما تبقى من راتبها اشترت مستلزمات العيد وأتى العيد سعيدا أو على الأقل مظهرا من مظاهر هذه السعادة في بيت سعاد وصورة من صورها في قلب سعاد...
وانصرم العيد سريعا ولكن سعاد لم تسعد مع أخوتها بالعيد فقد نزلت للعمل في ثاني أيام وظلت تعمل ليل نهار بجد وكدح شديدين، وبعد شهر من العمل الدائب استطاعت سعاد خلالها بأن تجعل ذلك (الكشك) الصغير محلا
كبيرا لذكائها بالإضافة إلى ما استفادته من خبرات في المحل السابق .
رد مع اقتباس