عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-12-2014, 08:35 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي عقــــــــوق الجزء الأخير





عقــــــــــــوق



الجزء الأخير

التــــــــــــــوبة




إنها تلك المرأة التي خطبت أمل لأبي يحيى, جاءت كوسيط خير
فأضطر الرجل إلى البقاء وسماع ما تحمله السيّدة من مقترحات.
كانت أمل لا تزال نائمة بعد أن قضت ليلة عصيبة في محاسبة
النفس على إفلاس تفكيرها المتمرّد اللجوج.
لقد بكت أسىً حتى رثت لها الحيطان, وتعاطفت معها
نجوم السماء, وأشفق عليها الشهود
أمضت ليلتها في تذكّر الأحداث المولمة والمخزية
التي تعرّضت لها شخصيا ثُمَّ أوقعت أسرتها في أتونها المستعِر
وإسترجعت ذكريات عمرها ثلاث سنوات
وتحديدا منذ بلوغها المرحلة الثانويّة العامة, إذ تحولّت شخصيتها
ثلاث مائة وسِتّين درجة عما كانت عليه من حياءٍ وعِفّة ورِقة
وطهارةٍ, وحيويّة ونشاطٍ, وإقبالٍ على الحياة
فغدت وقِحةً قاسيةً متمرِّدةً, تتناترها الهواجس والوساوس.
وتتجاذبها الأفكار والخواطر المتطرِّفة
صحيحٌ أنها ذكيّةٌ جدا لكن ذكاءها خانها عندما إصطدم
وعارض خطراتَ وهفواتَ وشطحاتَ نفسها الأمّارةِ بالسوء.
فذلّ وخضع وخنع لرغبات وشهوات القلب
وتطلّعات النفس الأمّارةِ وتوقها.
تؤجج رفيقات السوء والأفلامُ الهابطةُ
والفراغُ والصحةُ والعافيةُ وتعجّلُ السعادةِ تلكَ الغرائزِ
وتنمّي ثورتها وتوسّع فورتها وتلهب سعيرها في القلب الفتيّ.
فما برحت أملُ حتى تعلّمت أساليب الخداع والمراوغة
والتملّص من رقابة الأسرة بعد أن هانت عليها الرقابة الإلهيّة
ولم تجد صعوبة بعد ذلك في التفنن بإستخدام الوسائل
التقليديّة قالعصرية المعينة على الإنحراف والشذوذ
فشذّ تفكيرها وإنحرف سلوكها وقصرت طموحاتها
ولازمها التفكير في كيفية التمتّع بحياتها وشبابها
متجاهلةً الشروط والواجبات والمستحقات الجالبة للسعادة الحقيقيّة
وغفِلت عن السمّو والطموح والإرتقاء
ونبذت التفكير في الوصول إلى القمّة
ورغِبت عن الشهادة العلميّة العالية
ورضيت بالسهل اليسير مع الهوان
عوضا عن العزّة والكرامة بعد الكدِّ والعناء والصبر
فكانت نتيجة ذلك التفريط ما لحقها من ذُلٍ وإمتهان
على يدي أبي يحيى وأسرته اللئيمة
صحيح أنها إستمتعت بعض الوقت
ولكنّها كانت متعة مؤقتة لازمها القلق والإحباط
فحزِنت حُزن يعقوب على خُذلان نفسها قبل أن خُذلان والديها
وأنهمرت دموعها أسفا على إمتهانها ذاتها, وتحقيرها ذويها
عندما عرضت عواطفها وجوارحها للبيع لمن لا يستحقها.
وندمت ندم الكسعي على تدنيس سمعتها وسمعة عائلتها
بعد أن تعرّفت على كل أولئك الذكور والإناث المتنمِّرات
ولم تضمن سريّة إتصالها بهم, فليسوا جميعا شرفاء ولا نبلاْ
ولا بدّ أن البعض قد عرف من هي, بطريقةٍ أو بأخرى.
ولهذا السبب كانت مستميتة في الإرتباط بكائن من كان إرتباطا شرعيا
تخلُّصا من سوء السمعة الذي سيلحقها حتماً ما لم تتزوّج فورا.
فكان قبولها الزواج من أبي يحيى إنقاذا لسمعتها قبل
أن تصل إلى الحضيض, فلقد شعرت بإرهاصات
الشائعة من خلال التلميحات والتهديدات الممزوجة بالمزاح
ومن خلال المحادثة المباشرة والغير مباشرة
فكان الإرتباط بأبي يحيى هو الحلُّ المناسب.
وأخيرا أستيقظ ضميرها, وثاب إليها رشدها
بعد أن ذاقت الويل على يدي زوجها النصّاب وعياله
وأزعجها أن تعمل وهي ابنة المهندس الناجح
وأخت الباحثة المرموقة, وشقيقة المستشار الجليل
في وظيفة متواضعة بسيطة
بينما ترأسها تلك الفتاة المنحدرة من أسرة فقيرة معدمة
في العمل بسبب شهادتها العلمية.
فأقتنعت تماما بأن من لم يطع كبيره ضاع تدبيره
وندمت على رفس النعمة ورفض الحكمة ولفظ الحشمة
والندم توبة



وعزمت على إصلاح ما أفسده الطيش والتسرُّع
وأقسمت بالله أنها ستقهر وساوس الشيطان ونزغات
الوجدان وميول النفس وهوسها المنفلت.
وقررت أن تستعيد شخصيّتها الحقيقيّة
وأن تواصل رسم لوحة أحلامها
وأن تكمل تعليمها ودراستها
وأن تنهى فصول مغامرتها
وأنْ تتخلص من آثار مُخاطرتها.
فنامت وقد حسمت أمرها بشأن الحاضر والمستقبل.

كانت تلك المرأة مرسلة من قبل أبي يحيى, وقد أوكل
إليها مهمّة التفاوض مع حميه
وكانت شروطه مالية بحتة, فإذا وافق حموه على
تعويضه ماديا فإنّه سيتنازل عن البلاغ المقدّم ضدّهم
أمّا إذا رغبت أمل في الطلاق فإنّ المبلغ سيتضاعف.
فوافق المهندس وأسرته على شروط الصهر النذل
وتمت التسوية في دار القضاء, حيث دفع المهندّسُ مبالغا
مالية طائلة مقابل التنازل عن البلاغ
وطلاق أمل طلاقا بائنا.
وقبل أن ينصرف, قال أبو يحيى ساخرا:
سنفتقد خدماتك يا أمل يا روحي.
فغضب المهندّسُ وهمّ بلكمه.
فقال القاضي: أما تخشى يا أبا يحيى أن يسلّط الله على بناتك
من يُخببهنَّ عليكَ ويفسد تربيتك ويبعثر جهودك ويؤثر عليهن
عقوبة لك على إستغلال تلك الفتاة والتغرير بها؟
فقال أبو يحيى: لم أغرِّر بها, بل هي من سعى إليّ بيدها وبرجلها
وهي التي عرضت عليّ حُبّها, وأشارت عليّ بالزواج منها
ورضيت أن تعيش مع عائلتي وأن تعينني على تربية ابنائي
فأيّ ذنب لي إن أستفدت من خدماتها؟
فقال القاضي: وماذا عن الشهامة والأنفة والغيرة؟
أترضى أن يتّخذ أحدهم نفس الموقف مع ابنتك؟
قال أبو يحيى: لكنت أبرحته ضرباً, ثم إنصرف ضاحكا.
فقال المهندس: إنّهُ محقٌ, فالفتاة أترفتفتها النعمةُ, ولم تُحسن
حمد ربّها ولا شكره, ولم تأنف من العار
وأجتمعت إليها دواعي البطر وأسباب العتو ودوافع التحرر المطلق
ففارقت الحشمة قلبها, وأستحسنت اللهاث وراء عواطفها
وسعت إلى إرواء ظمأها من منهل آسن
فبادرت إلى الإتصال والتعرف على أمثال هذا الرجلِ
من الأنذال الخبثاء والنصابين الرذلاء.
قال القاضي: فإنّ الذنب ذنبك أنت والدها, فلم تهيىء
لها البيئة النفسية الآمنة, ولم توفّر إحتياجاتها الخاصّة.
قال المهندس: بل كانت ترفل في النعمة, وإننا لناقشها
ونتحدّث إليها في كل شأنِ من شؤونها ومن شؤوننا
ولم يسبق وأن خرج أحد من إخوتها أو أخواتها عن سواء السبيل
بل جميعهم ولله الحمد والمنّةُ ملتزمون مهذّبون
تزوّج منهم من تزوّج, وينتظر الباقون النصيب المكتوب
وقد أنهوا جميعا دراساتهم الجامعيّة فالعليا.
قال القاضي: يا سبحان الله, إنها النفس والشيطان والفراغ
وصديقات السوء, والنماذج الخبيثة التي تعرض يوميا
في وسائل الإعلام من مسلسلات وأفلام هابطة
فلو إستغلّ الابناء والبنات وقت فراغهم في عملٍ مفيد
وهواية نافعةٍ لما ذهب تفكيرهم تلك المذاهب العقيمة.
وليس أقرب نفعا وأيسر تنفيذا وأسعد للقلب
من العمل الجماعي في المنزل
كمعاونة الأم أومساعدة أي فرد من أفراد الأسرة
في تنفيذ مشروعا عائليا مشتركا مهما كان بسيطا
كتطريز ثوب أو رسم لوحة على الزجاج
بالنسبة للفتاة
بينما يمكن للفتى أن يطلي النوافذ والأبواب
أو أن يحرث حديقة المنزل, أو ما شابه.
مع زيارة الأرحام والجيران.

وعندما أستيقظ أملٌ من النوم وجدت ورقة
طلاقها من أبي يحيى على الطاولة
فسرّت وابتهجت, وحمدت الله
وهُرِعت إلى أمها تقبّل قدميها وتعتذر إليها
وفي ذروة إنشغاله فوجئ بها والدها وقد دخلت عليه مكتبه
فأكبّت على يديه تلثمهما ودموع التوبة تغسل ذنوبها
وفي المنزل قالت له: أرجوك يا أبي أودّ أن التحق بالجامعة
فزغردت أمّها وبارك لها الجميع عودتها الحميدة
ووعدها والدها خيرا.

تمّت بحمد الله







رد مع اقتباس