عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-05-2009, 10:29 PM
أم المؤثر أم المؤثر غير متواجد حالياً
كاتب جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5
افتراضي

نعم هذه الخلاصة التي خرجت بها من ذلك النقاش العقيم : الصبي على حق لولا انه الشيخ صاحب اللحية البيضاء واليد البيضاء .
أوحى لي نقاشهن أن الشيخ لديهن كائن مقدس لا يجب المساس به وكأنه ملك لا يخطئ أو نبي معصوم من الخطأ , إن تجرأ أحد وخطأه فتلك جريمة لا تغتفر .
تركتهن ومضيت إلى وليد لأعتذر له عما لم أفعله , بلى فعلت وفعلت الكثير الكثير فسكوتي حينها قد زاده ركلة أخرى إلى ركلات الشيخ , ركلة في قلبه قد كسرت أضلاعه وحطمت قلبه .
بادرني وليد بمجرد وصولي إليه : إنها قملة يا أمل قملة , أقسم بالله العظيم إنها قملة , رأيتها بعيني وأمسكتها بيدي .
قلت له : نعم إنها قملة يا وليد .
انفرجت أساريره وقال : إذن انت رأيتها ؟؟
نعم يا وليد رأيتها كما رآها الجميع .
وليد : إذن أنا على حق ؟
نعم أنت على حق في رؤيتك للقملة , ولكن الخطأ بتصريحك بذلك ونزعك للقملة من لحية الشيخ أمام الجميع فتلك جريمة لن يغفرها لك الشيخ ولن يغفرها لك احد هنا أبدا .
قال بأسى : هل ترين ان أترك ذلك المجلس الذي تعودنا الجلوس فيه ؟؟
قلت : لا يا وليد , أولا هذا يعتبر هروبا من المواجهة , ثانيا : تعلم أن الشيخ له مجلسه الكبير الخاص ومجالس أخرى يرتادها وهو لا يأتي إلى مجلسنا البسيط إلا نادرا وقد لا يأتي بعد حادثتك هذه .
لماذا ؟؟
لأنه تعود في تلك المجالس حيث الشجر العالي والثمر الغالي , تعود أن يصفق له الجميع ويمدحونه بأعذب الألفاظ ويمجدون لحيته البيضاء التي يهتم بها وببياضها ويفتخر بهيبتها ووقارها التي تضفي لشخصيته كل هيبة ووقار وتزرع حبه في قلوب الناس حتى يقدسونه ولحيته , لذلك هو هناك أكثر .
وعندما جاء لمجلسنا كان يتوقع أن يجد تحت تلك الشجرة الصغيرة نفخا أكثر ومديحا عميقا بل ربما تاق لتغزل بديع بلحيته البيضاء والتي حتما ستكون نادرة هنا بين اليافعين أمثالنا فربما لم تكن بتلك الندرة هناك لدى الأشجار العالية بما تظله من شخصيات كبيرة ذات لحى كبيرة هي الأخرى تمجد في كل محفل ونادٍ .
لذلك هو لم يخمن ولا تخمينا صغيرا أنه قد يجد هنا بين سوادنا بياضا قد يفوق بياض لحيته وقد يرى بلحيته ما لم يره احد , فكانت صدمة للشيخ وأي صدمة وخاصة أنه يرانا بحجم النملة لا أكبر , ولكنه ارتاد مجلسنا من باب التفضل والتكرم , كتفضل الراعي على رعيته والرئيس على مرؤوسيه .
هل فهمت يا وليد ؟
نعم فهمت يا أمل فهمت , ولكن ...
ولكن ماذا ؟
أنا لم اقصد إهانته , بالعكس قصدت خدمته بإزالة القملة من لحيته , قصدت تنبيهه لما لا يعرف , لما لم ير , فقد كنت أنا في مواجهة لحيته ورأيت القملة بوضوح بينما هو لا يمكنه أن يرى القملة بلحيته دون مرآة , فكرت أن أكون أنا تلك المرآة , إلا أنه كسر تلك المرآة وحطمها بقسوة .
أعلم حسن نيتك يا وليد ولكن هذا في عرف غابتنا أقصد في عرف هذا البستان جريمة وأنت مجرم في نظر الجميع .
صمت وليد ولم ينبس ببنت شفة .
جلست برهة صامتة أنا أيضا ثم غادرته وسرت أتجول بين الأشجار الوارفة الظلال فقابلت الشيخ خارجا من كنيسته أقصد , غرفة الدروس الليلية , كان خارجا يتجول هو أيضا , سألني :
أين كنتِ ؟
لدى وليد أطمئن على صحته .
فزمجر وأرغى وأزبد وقال : أرأيت يا أمل ما فعله وليد ؟؟ لقد نتف لحيتي
تمتمت بيني وبين نفسي : بل نتف غرورك وكبرياءك .
سألني : ماذا بك لا تردين ؟
قلت لا شيء يا سيدي , ولكن وليد لم يقصد نتف لحيتك , أراد فقط نزع القملة منها , فرمقني بنظرة حادة وقال صارخا بوجهي : أو تقولين أنت أيضا أن بلحيتي قملة .
قلت : لا يا سيدي لم أقل هذا ولكن وليد برؤيته الضيقة المحدودة رآها كذلك .
فسكن غضبه واستراحت نفسه لهذا القول الذي دائما تطرب له فانبتسم ابتسامة مخفية قائلا : نعم هو كذلك كما قلتِ , فوليد هذا لا يرى أبعد من قدميه .
يزعم بوجود قملة بلحيتي ولا يرى وجود القمل برأسه , فرأسه مليء بالقمل وهو يجد بين شعره الكثيف المجعد مأوى خصبا له , ووليد لا يرى كل هذا ولا يحس به .
فسكتُ ولم اعلق واستأذنت بالانصراف .

تمت
رد مع اقتباس