عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 01-08-2013, 10:00 PM
الفرحان بوعزة الفرحان بوعزة غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
المشاركات: 306

اوسمتي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الفاضل مشاهدة المشاركة
رحلة إلى قاع البحر – محمد الفاضل

لم يستطع نضال أن يغمض له جفن في ذلك المساء الذي لن يمحى من ذاكرته البتة ، جسده النحيل المتعب أنهكته أعباء السفر ومحطات الشتات والتشرد في الغربة ، سافرت روحه بعيداً حيث حقول القمح الذهبية في قريته الوادعة التي تطل على سفوح الوادي وتغفو على ضوء القمر ، وهي تتمايل بعذوبة مع نسمات الهواء المنعشة التي تجعلها ترقص بجذل . يالها من لوحة تأسر القلوب ، وأشجار الجوز والدراق والزيتون ورائحة الحقول المميزة وألوان الفراشات التي تتماهى مع جمال الطبيعة الخلاب في مشهد اَخاذ.
حاول مراراً أن يخلد إلى النوم ولكن تلك الصور الجميلة مرت أمامه وكأنها شريط سينمائي فجعلته في حالة هيام وشوق عارم وحنين لقريته التي غادرها مع أخته سلام ووالديه بعد القصف العنيف والدمار الهائل الذي حولها إلى ساحة حرب ! كانت سلام تشخص ببصرها نحو سقف الغرفة وهي تحاول أن تعي مايحدث ومااَلت إليه أمور العائلة من تشرد ومحاولات تسلل متكررة في جنح الظلام مخافة إكتشاف أمرهم.
- مارأيك يانضال ، هل نفلح بالوصول ؟ سألت سلام
- أعدك بذلك فقد رتب أبي الموضوع مع المهرب ، حاولي أن تخلدي إلى النوم وتأخذي قسطاً من الراحة، أجاب نضال. وماهي إلا بضع ساعات ونتخلص من هذا الكابوس ونبدأ حياتنا من جديد.
في ذلك المساء كانت تجتاحه مشاعر غريبة من الترقب والقلق الممزوج بالخوف من رحلة المجهول ولكنه لم يفصح عن حقيقة مشاعره واَثر السكوت ! خيل له انه سمع صوت طرق خافت على باب الغرفة وبعد لحظات وجد والده أمامه وهو يهمس في أذنه كي يوقظ سلام . بعد دقائق نهض الجميع ، بدت الأم مضطربة وهي تجول ببصرها في أنحاء الغرفة بحثاً عن باقي الأغراض والحزن يعصر قلبها ، سار الجميع خلف ذلك المهرب في مشهد جنائزي يبعث على الكاَبة والحزن .
بدأت الأصوات تتعالى وتسمع من بعيد ورائحة البحر تزكم الأنوف ، وتلوح في الأفق أجساد أشباح هزيلة وهي تتسلل بحذر نحو القارب الذي كان يعج بالعشرات وكلهم يحدوهم الأمل بالخلاص ، رائحة الخوف والعرق كانت تطغى على المشهد والجميع يحبس أنفاسه ، تم حشر النساء والأطفال في الطابق السفلي من القارب وكأنهم في علبة سردين !
بدأ قارب الأحلام يمخر عباب البحر في رحلة نحو اللاعودة ولم تكد تمر سوى دقائق قليلة حتى تعالت أصوات الصراخ والإستغاثة في أرجاء القارب ! لقد بدأ القارب يغرق ، تعلق نضال بأنامل سلام وهو يقبض عليها بشدة مخافة أن يفقدها ولكن يده الصغيرة لم تقوى على الألم الذي بدأ يسري في كامل جسده الصغير . في ذلك اليوم المأساوي تناقلت وكالات الأنباء خبر مقتضب عن غرق أكثر من 65 مهاجر نصفهم من النساء والأطفال .
رحلة إلى قاع البحر – محمد الفاضل
لم يستطع نضال أن يغمض له جفن / لأن فكره مشغول ، ونفسيته غير مرتاحة ، فهو يحمل هماً كبيراً لما آلت إليه أحوالهم الأسرية ،عز عليه أن يفارق قريته ، ويرحل عنها دون رجعة ، فبدا كل شيء فيها هو عزيز عليه ، وقد عرف السارد كيف يدفع بالبطل أن يستحضر المشاهد والصور عن طريق الوصف الدقيق لكل الجزئيات .. والواقع إنه استحضار لا يختلف عن عمل كاميرا خفية تنتقل في كل الأماكن وتخرق كل الحواجز ،وتطل على كل الشعاب والوهاد .. فاستطاع أن يشرك القارئ ويجعله مطلعاً على ما تزخر به من جمال مؤثر .. ليعطينا فكرة أن ليس من السهل أن ينسى الإنسان موطنه الأصلي .. ..
فالبطل نضال يستند في استرجاعه على إرهاصات قبلية ، جعلت نفسيته وذاته وكيانه ووجوده في حالة استنفار . ففكره لا يخلو من الفراق والابتعاد ، من الرحيل والوداع .. ولم لا يكون من الفرار والهروب ..
اعتمد السارد على التدرج في تنمية الحدث وتطويره ، فانتقل بالقارئ من حالة الإعجاب والشوق والحنين مع الإحساس بالمرارة على فراق قريته .. إلى تحفيز القارئ لجعله في عمق الحدث .. فمن خلال تساؤلات سلام لأخيها نضال عن كيفية الهروب ، بل عن كيفية النجاة .. لجأ السارد إلى إعادة بناء النص من جديد على تيمة يمكن اعتبارها بؤرة النص : الهروب والفرار / البحث عن النجاة / ويمكن أن ندمجهما في / الخلاص الممكن / ..الذي جاء على يد الأب بعدما رتبه بطرق غير مشروعة ، وقد نتخيل أن الأمور تسير في الاتجاه السليم ، إلا أن القارئ سيصدم لما يجد في نهاية النص مأساة درامية شديدة الوقع على النفس والذات وعلى كل ضمير حي ..
اعتمد السارد على ثلاثة أبعاد كدعامات لتشكيل نسيج سردي محكم للنص : البعد النفسي والوجداني الذي جسده البطل/ نضال/ ، البعد الاجتماعي والإنساني والذي يتجلى في القهر والظلم والتشريد ،وتغريب السكان عن أوطانهم .. والبعد المأساوي التي تعرضت له أسر عديدة في ظل التبجح بالديمقراطية الحديثة وحقوق الإنسان ..
وعليه يمكن رصد عدة بنيات صغرى في النص من خلال تغيير في الحالات والوضعيات وهي: / الشوق والحنين/ ترتيب الهروب / الجو النفسي للركاب / الظروف السيئة لوسيلة الهرب / .... هي بنيات صغرى ساهمت في بناء بنية كبرى للنص ، قد تتجلى في الهروب من الموت / القصف والدمار/ إلى الموت / الغرق في قاع البحر ..
نص جميل ، تميز بقدرته على إنتاج بنية دقيقة وخطاطة سردية متماسكة عن طريق بنيات تتسم بالانسجام والاتساق والتماسك ..
جميل ما كتبت أخي محمد الفاضل رغم درامية الحدث ..
تقدري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

التعديل الأخير تم بواسطة الفرحان بوعزة ; 01-08-2013 الساعة 10:05 PM
رد مع اقتباس