الموضوع: أجراس الخطر
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-03-2018, 08:09 PM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي أجراس الخطر

العم ناصر رجل استطاع بطيبة قلبه، ودماثة أخلاقه أن يمتلك قلوب كل من حوله، وكان أكثر ما كان يميزه عن غيره شدة ارتباطه بأسرته المكونة من ست بنات وولدين، وزوجة كانت مثالا للمرأة الصالحة، ذات المثل والقيم العليا، فلا يكاد يذهب يمنة أو يسرة إلا وكانت بصحبته، علاوة على ذلك كانت ابنة عمه الوحيدة، وكلما مر بهما الزمان توثقت العلاقة بينهما أكثر فأكثر.
كان بيت العم ناصر بيتا يعمه الهدوء وتغشاه السكينة، ويخيم عليه الوفاق والوئام، فلا تكاد تسمع لمن فيه صوتا عاليا بشجار، أو غيره، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن؛ فقد مرضت الزوجة مرضا مفاجئا، كان سببا في رحيلها عن الدنيا، رحلت ذات القلب العامر بالحب والمودة، ذات الطباع الهادئة التي انجذب إليها كل من عرفها، رحلت وهي تأمل في المزيد من العمر بين أبنائها وزوجها الحنون، رحلت مخلفة وراءها أما مسكينة لم ترزق بغيرها، فكانت تستظل بظلها، وتأنس بصحبتها، وخاصة بعد وفاة أبيها، وهنا تبدا قصة جديدة؛ فقد تزوج العم ناصر بفتاة تصغره بكثير، بل كانت في نفس عمر ابنه ياسر، وقد نصحه الأهل والأصدقاء بالعدول عن ذلك، وأن ينتقي له زوجة مكافئة له، ولكنه أبى، وسرعان ما تزوج العم ناصر، وسرعان ما أنجبت الطفل في أعقاب الطفل، فازدحم البيت المتواضع بسكانه، وبدأت المرأة الجديدة تظهر تبرمها من أبنائه، وتكثر الشكوى منهم، حتى انساق العم ناصر لهوى الزوجة، وبدأ يدخل مع أبنائه في شجارات لا حصر لها، حتى ضاق أبناؤه بما يحدث ذرعا، فقرروا الرحيل عن المنزل، والاستقرار في منزل الجدة التي أثر فيها ما يحدث تأثيرا كبيرا، ولكنها كانت تستمد قوتها من إيمانها بالله تعالى، وتدعوه أن يربط على قلبها، وهنا انتثر العقد النظيم، وتشتت الأبناء؛ فياسر انتقل إلى مسقط وتزوج هناك وأقام بالقرب من مقر عمله، وبعض البنات تزوجن، وبعضهن التحق بالعمل في المؤسسات الخاصة، والصغيرات لازمن المنزل؛ للعناية بالجدة المريضة، حتى توفاها الله تعالى، وخلال هذه الفترة لم يكن الأب يسأل عنهم فقد تركهم في خضم الحياة القاسي، واشتغل بزوجته وأولاده من الأخرى؛ فقد رزق العم ناصر منها بخمسة من الذكور واثنتين من الإناث، ولكن هل وجد العم ناصر الراحة؟ هل شعر بالاستقرار الذي عاش ينعم به ردحا من الزمن؟ هل ظل منزله عامرا بالحب والمودة بين أفراده؟ للأسف الشديد، لا، فقد انقلبت الأمور رأسا على عقب؛ فقد أصابه ضيق الحال، ومرض بداء السكر؛ لشدة ما كان يعاني من أبنائه هؤلاء، من كثرة مشكلاتهم مع الجيران والناس من حولهم، ومشاكلهم التي لا تنتهي في المدارس، حتى ضج منهم كل آمن في ذلك الحي؛ يعتدون ويسرقون كل ما تطاله أيديهم والناس يصفحون من أجله هو، أما أكبرهم فقد شط بعيدا، فكان ممن أدمنوا على تعاطي المخدرات التي كان يحصل عليها عن طريق العمالة الآسيوية هناك، وكان يبيعها لطلاب المدارس، وليس هذا فحسب فقد استغل أولئك المروجون حاجته للمال ليشتري المخدرات فصاروا يستغلون ضعفه وطفولته، وينتهكون عرضه لقاء حفنة من المال، وكانوا يحرضونه على الإتيان بأصدقائه ممن أدمنوا تعاطي هذه المادة، ولا يملكون ثمن شرائها، فكانوا يتوافدون على هؤلاء المروجين الخونة المجرمين، ينتهكون أعراضهم مقابل الحصول على المادة المخدرة، حتى أصبح هؤلاء الصغار مصدرا لكل فاحشة، من سرقة وتحرشات بأترابهم، وتعاطي مخدرات، في ظل غياب الرقابة من الوالدين انحرف الأبناء، وتمزقوا شر ممزق، وما زالت زوجة العم ناصر تكابر وتدافع عن أبنائها بكل ما أوتيت من قوة؛ فتارة تشتم هذه الجارة، وتعتدي على تلك تارة أخرى، حتى لم يعد لها من محب في حييها، أما بقية الأبناء لم يكن يستقر لهم قرار في المنزل ليل نهار على الرغم من صغر سنهم فاتسع الفتق على الراتق، وانتهى الأمر بطرد كبيرهم من المدرسة، أما الثاني فقد قرر الانتحار بعد أن تكرر رسوبه في المدرسة، لولا أن تداركته رحمة الله تعالى، وقد سار بقية الأبناء على نهج إخوتهم، واشتدت العلة بالعم ناصر وأصيب بورم في بطنه، وتطلب ذلك أن يلازم الفراش في المستشفى مرارا، حتى قرر السفر للخارج، فلم يجد له معينا بعد الله تعالى إلا أبناءه الذين تخلى عنهم مع شدة حاجتهم إليه، فالتفت حوله بناته، ولم يتركنه في مرضه، أما ياسر فقد كان عاتبا عليه أشد العتب؛ لأنه تبرأ منه دونما ذنب أو خطيئة، ولولا تدخل أهل الخير بينه وبين أبيه لما أقبل عليه، ولما لزمه في سفره، مكث ياسر مع أبيه قرابة الشهر خارج البلاد، فكان له نعم الولد البار الذي هون عليه وطأة المرض والغربة، فندم العم ناصر عما بدر منه تجاه أبنائه الذين لم يجد سواهم في شدته، وعادا من جديد إلى أرض الوطن ولكن ما زال العم ناصر يعاني من آثار وعكته الصحية القاسية التي مر بها. وما زال يصطلي بنيران مشكلات أبنائه الذين في كنفه، وكلما مرت الأيام زادت هذه المشكلات تعقيدا، فما من يوم يمر عليه إلا وتوقع منهم مشكلة أخرى؛ حتى بدأ يشعر بالعجز الحقيقي عن ضبط أمور أولاده وردهم إلى دائرة الصواب، فما عاد ذلك الرجل القوي في ظل المرض وكبر السن، فبدا مستسلما ولسان حاله يقول: ليت الزمان يعود إلى الوراء؛ لأحظى بالأمان والاستقرار اللذين لم أشعر بهما منذ زمن بعيد.
أم عمر
9-3-2018م

التعديل الأخير تم بواسطة زهرة السوسن ; 31-08-2018 الساعة 11:04 PM
رد مع اقتباس