عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-03-2012, 11:46 AM
الصورة الرمزية أم أفنان الرطيبيه
أم أفنان الرطيبيه أم أفنان الرطيبيه غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 1,412

اوسمتي

افتراضي ذكــرى خـــالـــد

ذكــرى خــالـــد



لم يكن يرى إلا أحلاماً أخفت عيون الذين يعرفهم .. فتش في أوراقه القديمة عن إنسان حقيقي.. أحس بالملل بعد نوم طويل.. أراد أن يشغل نفسه ليسد ثغرة الفراغ, أخذ يقلب عينيه في أرجاء المنزل كأنه يبحث عن ضائع في متاهات صغيرة. أقترب من مكتبة المنزل التي علاها الغبار، رفع يديه تناول كتاب دون أن يرى عنوانه ومسح منه الغبار وأخذ يقلب صفحاته فسقطت منها عدة وريقات وصورة صغيرة انحنى خالد والتقطها, وما أن نظر إليها حتى جلس على الأرض ولم ينبس ببنت شفه.

أحس أن الزمن يعود به إلى الوراء, وتقلبت صفحات ذاكرته إلى أول ورقة فيها تحسس خالد تلك الصفحات (انه خط قلمها الذي أهداها إياه بمناسبة عيد ميلادها كذلك رائحتها التي عطرت المكان فلاً بارداً كالثلج) وتناول الورقة الثانية ( أنها أيضاً منها تهنئه بتخرجه من الجامعة وهي ترسل معها الأشواق والتهاني القلبية وقبلة جميلة وتتمنى أن تراه في أقرب فرصة ممكنه.

تذكر أنه لم يراها أو فكر للحظة في زيارتها بعد هذه الرسالة، تذكر ذلك الشجار الذي دار بينهما في موضوع سفره للخارج وكيف أنه تركها بعد ذلك غاضباً ولم يسأل عنها حتى هذه اللحظة.

نظر خالد إلى الصورة المقلوبة على وجهها في الأرض أخذها ونظر إليها وأبتسم ابتسامه صغيرة بين شفتيه سرعان ما اختفت قتلتها الذكرى اللاحقة حين تذكر أن هذه الصورة قد أخذت له معها في حفلة نجاحه في الثانوية العامة وتفرس الوليد في الصورة إلى العينين البراقتين الدامعتين، نظر إلى الوجه البريء العذب الذي يحوي في قلبه ابتسامة رقيقة وحنان العالم الدافئ تمنى لو أنه لم يتركها وظل ملتحفاً بحبها وعطفها.. وسأل نفسه ولكن بعد ماذا؟ سؤال بسيط طرحة خاالد على نفسه ولكن الإجابة بنسبة له كانت صعبة للغاية كأنه يعلن الفشل والهزيمة والاستسلام.

أمسك الوليد بالكتاب فسقط منه مغلفاً صغيراً قلبه براحتيه، لم يكن مفتوحاً إندهش حاول أن يتذكر سر هذا المغلف ولكن ذاكرته لم تسعفه هذه المرة، فأطال خالد النظر إليه فتسائل قائلاً: يا ترى ماذا يحوي ؟ولماذا لم أفتحه وقت وصوله إلي؟
أحكم خالد قبضته على المغلف وتنهد طويلاً وكأنه يخشى الحقيقة الموجودة بداخلة ففتحه وأخرج رسالة في صمت وراح يقرأ .........!؟


بعد لحظة صغيرة أطلق الوليد صرخة دوت أرجاء المنزل وأعقبها بكاء حار وأسرع إلى مفاتيح السيارة وأنطلق في ذلك الشارع ولا تزال الأفكار تراود ذهنه وكلما تذكر يزداد نحيبه. قاد السيارة في طريق لم يسلكه منذ زمن طويل .

خيل لنفسه أنه لأول مرة يسلك هذا الطريق وكان يلتفت يمنة ويسرة يرى المناظر وتذكر الأيام الجميلة في حياته. ولكن ماذا بقى في ذاكرة خالد لقد أمحى هذه الصفحة القديمة من ذهنه إلا شخصا واحدا فقط عاد إلى تذكرة بعد نسيان طويل وها هو منطلق بسيارته إليه علّه يستعيد باقي ذكرياته القديمة التي أوشك الدهر أن يمحها . ظل الوليد يقود بسيارته لمدة ثلاث ساعات متواصلة حتى وصل إلى مقطع واد مليء بالحصى ولا يستطيع عبوره بالسيارة فترجل من السيارة وأخذ يكمل المشوار جريا على الأقدام فتبادر إلى مخيلته أنه طفل صغير يركض ليحضى أخيرا بحضن أمه التي تفتح له ذراعيها لاستقباله وضمه لصدرها الحنون فتقبله بين عينيه وتمسح الغبار عن ثوبه وتغسل هاتين القدمين بماء الوادي الدافئ ,, هذا ما تبادر بذهن خالد وهو يعدو بكل قوه حتى وصل إلى مزارع بلدة صغيرة فوجد حوض ماء فغسل وجهه وشرب حتى ارتوى فأحس أن هذه الماء له طعم خاص مزيج من عبق الماضي الجميل بكل أصالته وتاريخه .

نظر حوله وراح يتأمل تلك الأشجار الخضراء الغناء وتلك العصافير التي تنشد الألحان المليئة بالحب والأمل, استمع إلى صوت خرير المياه في السواقي التي تروي الأشجار الجميلة .

مشى خالد بين المزارع كأنه تائه لا يعلم إلى أين يمضي وظل يمشي حتى وصل إلى كوخ صغير فوقف يتأمله وهو يستعيد بضعا من ذاكرة مفقودة فتذكر عندما كان يلعب أمام الكوخ الصغير مع أحد الأطفال فتشاجرا حول اللعبة فكل منهما كان يريدها لنفسه فقام الطفل ودفع خالد على الأرض فأصيب في قدمه وبكى فسمعته هي وخرجت من الكوخ فرأته مصابا وأخذته إلى طبيب شعبي في البلدة وهي تبكي خوفا عليه وكأن الألم بها .

مسح خالد دمعة على خده وتقدم نحو الكوخ وفتح الباب (لا يوجد أحد انه خالٍ من سكانه ) هذا ما قاله خالد لنفسه وخرج مسرعا وتلفت علّه يجد شخصا يسأله عنها , فرأى رجلا عجوزا يمشي متثاقلاً من التعب تقدم نحوه وسأله: أين المرأة التي تعيش في الكوخ )) ولكن الرجل العجوز لم يجب على السؤال وانما اكتفى فهز رأسه إيجابا . أدرك خالد انه عجوز ابكم أصم جار عليه الدهر .... وعاد يركض بلا هدى لا يدري أن قدما تعودان به إلى الوراء البعيد إلى الماضي المهجور .

تعثر وسقط على الأرض فشجت جبهته بجرح بسيط سالت دما على وجه وهمّ بالوقوف فرأى رجالا قادمين من الجانب الآخر من الطريق وهم يذكرون الله تعالى ويسبحون ويقرءون القرآن . سألهم عن المرأة التي تعيش بالكوخ فقال : أعلم أنها تعيش في ذلك الكوخ الصغير ولكني لم أجدها بل أن الكوخ خالٍ تماما ألا تعلمون أين أستطيع إجادها . أجابه أحد الرجال قائلاً: آه ما أقسى الحياة عندما يغيب عن الإنسان أغلى ما عنده فيجد صعوبة لإيجاده . قال خالد : ماذا تقصد بهذا القول؟
فأجاب الرجل : كم عانت هذه المر أه العظيمة الأخلاق صاحبة القلب الكبير الحنون والروح الطاهرة حتى وهي في آخر رمق لها لم تزل تذكر الله تعالى وتدعو بان ترى خالد قبل أن تودع الحياة ولكن قضاء الله كان أسرع ولم تتحقق أمنيتها.

بكى خالد كأنما لم يبكي في حياته بكى بحسرة ألم بدموع حارة تكاد تحرق خده فقد كانت صدمة كبرى كعاصفة قوية ترمي به نحو المجهول الضائع . . اقترب الرجل منه ورفع يده ووضعها على كتف خالد وقال له : تمر الأيام وتبقى الأيام الخوالي في ذاكرةٍ قديمه تعصر الذكريات وتخرجها بعد مدة طويلة على هيئة أحلام مترجمه وتستمر عجلة الحياة في السعي نحو المستقبل القادم .. لترسم بقايا تلك الأيام على لوحة الحاضر .. وعندما نزرع الأمل نحصد الحقيقة ونسقيها بدموع الحياة .. لتثمر ثمرات الشوق والحنين وتعود إلى أيام الخوالي بأحلى ذكرى واجمل شريط ذكريات في حياتنا يرسم على خريفها النور.

نظر خالد إلي السماء وراح يصرخ وبكي بحرقة وبصوت مليء بالحزن وسقط على الأرض مغشيا عليه .
استيقظ خالد فوجد نفسه على سريره في منزله وقال لنفسه متسائلا: هل ما حدث كان مجرد حلم . فنهض مسرعا والتقط مفتاح السيارة وتوجه إلى القرية الصغيرة وهو يدعو الله تعالى بان يسامحه على التقصير في حق هذه المرأة التي ضحت بحياتها من اجله وانتظرت منه أن يجازيها بالراحة ولكن خذلها ومحاها طوال سنين من ذاكرته.

وصل إلى القرية وسال عنها فعلم أنها قد ودعت الحياة بما فيها منذ مده طويلة تقارب الأربع سنوات وهو نفس تاريخ وصول المغلف المجهول الذي لم يفتحه خالد وظل مخفيا في كتاب على مكتبة علاها غبار السنين.



ننتظر مشاركاتكم
__________________
يمين الله يمين الله لأعلمك التحدي كيف
وأعلمك القصيد شلون يخضع لي وأنا بنيه
وأعلمك السما وشلون تمطر والليالي صيف
وأعلمك المذاهب الأربعة وتبيَت النيه
أنا بقولها لك جد ترى ما ينفعك ياحيف
وإذا إنك إنس يا عمي تراني ساس جنيه
رد مع اقتباس