[يزيد فاضلي]

حاولتُ جَهدي واستفراغ وسعي أن أتابعَ مَعَكَ-أخي الحبيب الكريم رحلة الذاكرين-هذه الإمداداتِ الرائدة من دِلالاتِ الإعجاز الباهرة على نبوةِ أمير الأنبياء وخاتم المرسلين سيدنا محمدٍ عليه أفضل الصلاة وأزكى التساليم،فوجدتُ فيها من قرائن الحِجاج النقلي والعقلي فوقَ ما يَصِفُ الواصفون ويَدعيه المُدَّعُون...

ومعَ إقرارنا-أخي الحبيب-على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في غِنـًى عن جُهدِ البشر جميعاً وفي بذلِهِم الوسْعَ الهائل-في تجردٍ وإخلاصٍ-لإثباتِ نبوته الصادقة وتأكيدِها بين يَدَي الناس إلى يوم الدين،فربُّهُ كفاهُ مؤونة الافتقار لسندِ الناس وجهدهم وعبقريتهم وحصافتهم في ظهور الدين (( ...ليُظهِرَهُ على الدين كله... )) ظهوراً بمعنى الوضوح والإبانة وظهوراً بمعنى الغلبة والتمكين والشيوع والذيوع والانتشار..إلا أن ذلك لا ينفي البتة أن الله سبحانه وتعالى قيَّضَ لنبيه-من بعْدِه-من علماءِ هذه الأمة وأرباب فكرها مَنْ راحَ يشتبكُ مع خصوم الإسلام الحاقدين في مقارعاتٍ فارعةٍ،خلدتها كتبُ الأصول والعقائدِ بما يوضِحُ للسواد الأعظم دلائلَ الإعجاز في صِدْق نبوةِ مُحمدٍ عليه الصلاة والسلام...

ومَنْ منا-نحن طلبة العلم-يُذكَرُ أمامَهُ شيءٌ من تلك الدلائل القاطعة ولا يستذكِرُ ما تركه لنا الأسلافُ الأفذاذُ في إرثهم الضخم..؟؟

مَنْ منا لا يستذكرُ ما كُتب عن خصائص النبوة من كتب ومؤلفاتٍ مُحققة ؛ ككتاب ( خصائص النبي عليه الصلاة والسلام ) لحجة الإسلام الإمام الثقة قطب الدين الخيضري رحمه الله،أو كتاب ( الخصائص ) للإمام ابن سبع السبتي،أو كتاب ( الخصائص الكبرى ) للإمام الجهبذ جلال الدين السيوطي رحمه الله..؟؟

مَنْ منا يستذكرُ أدلة الإعجاز النقلية والعقلية-بالاستدلال الاستقرائي الراسخ-ولا يخطر بباله ذلك الكتاب الرائد ( تثبيت دلائل النبوة )-على ما فيه من رَشاش الاعتزال الخفيف-للقاضي عبد الجبار بن أحمد،ناهيكَ عما فصله الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ) وما شرحه باستفاضةٍ الحافظ ابن حجر العسقلاني في ( فتح الباري )،وما استوفاه الإمامان الجليلان القاضي عياض في ( الشفا في تعريف حقوق المصطفى ) و الباقلاني في ( الإعجاز ) وغيْرُهم كثيرٌ..؟؟

إن ما نقلتَ لنا هنا-أخي الحبيب-هو امتدادٌ رائعٌ لما خطه السلفُ للخلفِ،وهو فتحٌ ربانيٌّ،ينضافٌ إلى تلك المخطوطات،وكلها ترنو إلى تسليط الأضواء النورانية على دلائل الإعجاز الكبرى في نبوةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم الباقية إلى أن يَرث الله الأرض ومَنْ عليها...

شكَرَ اللهُ لكَ هذا الجُهد الكبير..فواللهِ لقد انتفعنا واستفدنا،وأسأله سبحانه أن يجعله في ميزان حسناتكَ يوم اللقاء الأخير...

فقط-أخي الحبيب-أؤكدُ على ما هَمسَ به لكَ أخونا الحبيب إدريس على أنْ لوكانتْ هذه النقول الكريمة على حلقاتٍ مجزأةٍ حتى يتسنى لنا-وللأحبة الأعضاء-متابعتـَها بتركيز وإمعان،لأن الشروحات الطويلة-وإن كانتْ جيدة-يصدِقُ عليها ما قاله الأولون : (( الكلامُ الطويلُ يُنسي بعضـُهُ بعضاً ))..فيا حبذا-أخي-لو أعدتَ إنتاجَ هذه النقول على شكل حلقاتٍ متسلسلةٍ،تتسمُ بالابتسار والاختصار لكان ذلكَ-إن شاء الله-أريَحَ وأنجعَ وأوفى للفائدة والاستفادة...

وجوزيتَ ألفَ ألفَ خير على ما قدمتَ وأخـَّرْتَ...