الموضوع: حياتنا قصص
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-03-2015, 09:19 AM
الصورة الرمزية شاعرة الليل
شاعرة الليل شاعرة الليل غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: برستَيج عيآل قابوَس
المشاركات: 1,526

اوسمتي

Post حياتنا قصص

من كتاب ( حياتنا قصص ) للروائي العماني المبدع الأستاذ زاهر بن ناصر الراشدي
استمتعوا بالأدب الراقي ...

القصة رقم 5 - { البذور الطيبة }

اتجهت كعادتي في كل صباح إلى مقر عملي (المدرسة) وصلت ولله الحمد، ركنت سيارتي بنفس المكان الذي تعودت أن أركنها فيه، المعلمون يركنون سياراتهم ويتوجهون للمدرسة، والطلبة يتوافدون من الحافلات أفواجا حاملين حقائبهم على ظهورهم قاصدين مدرستهم ،وهناك جماعات متفرقة من الطلاب يخرجون من منازلهم متوجهين للمدرسة.. كل شيء طبيعي في هذا الصباح الجميل، دخلت المدرسة بعد أن سلمت على حارسها المتأنق والذي ظل يوزع ابتسامات مجانية كعادته للداخل والخارج، سلمت عليه ورد السلام بصوت عال مصحوبا ببعض التعليقات (كعادته).. كل شيء طبيعي .. كل شيء عادي في هذا اليوم، لا جديد إلى الآن ..... وصلت إلى إدارة المدرسة لأتفاحأ بالجديد الذي كان ينتظرني*
ومن أجله كتبت القصة، رأيت مشهدا لم أألفه من قبل، انه أمر غير طبيعي، ماذا رأيت يا ترى؟!! وهل فعلا يستحق أن أكتب فيه قصة؟ نعم إن ما جرى في هذا اليوم من أحداث يستحق أن يكتب فيها آلاف القصص والروايات ..
رأيت العشرات من الطلبة يتزاحمون من أجل الدخول إلى مكتب مدير المدرسة، عدد هائل يريد الدخول وعدد هائل آخر يريد الخروج وكأنني أمام مقصف المدرسة وقت الاستراحة(الفسحة)
لماذا كل هذه الضجة؟!! لماذا يتزاحم الطلاب أمام الإدارة ؟!! .. الإدارة تعج بالطلبة والداخل فيها من الطلبة يكاد يكون ضعف الخارج، لاحظ أحد المعلمين الدهشة والذهول في وجهي فخاطبني مازحا(اليوم رمي الجمرات ما عندك خبر؟) قلت له: ما الذي يجري لماذا يتدافع الطلبة نحو الإدارة؟!!! ابتسم وقبل أن يرفع شفتيه ليجيبني ويمسح الذهول عن وجهي إذ بأحد المعلمين يصرخ بأعلى صوته: (يا طلاب يا طلاب بإمكانكم أن تدفعوا تبرعاتكم بالمكتبة اذهبوا للمكتبة وهناك تستقبل التبرعات) هااااه أدركت ساعتها أن هذا الجمع الهائل يتوافد لأجل التبرعات، ما شاء الله كل هؤلاء متبرعين ولمن يتبرعون يا ترى؟! سؤال وجهته لطالب كان يقف بجانبي، أجابني الطالب بكل هدوء: يتبرعوا لطالب من طلاب المدرسة، سألته: وما قصة الطالب الذي تجمع له كل هذه التبرعات؟ أجابني بنبرة حزينة: ابتلاه الله فجأة بمرض خبيث ويفترض أن يتم علاجه خارج البلاد، وكل هذه التبرعات تجمع للمساهمة في علاجه، وقد تم الإعلان عن جمع التبرعات البارحة، تدخل أحد الطلبة قائلا: أستاذ ألا تعرف شيئا عن الموضوع؟! أجبته: طبعا لا.. لأنني لم أحضر إلى المدرسة البارحة، ولم يخبرني أحد من المعلمين فكيف لي أن أعرف ؟؟
انتهى المشهد وبدأت الجموع تتفرق .. أقيم طابور الصباح وعزف السلام السلطاني وقدمت الفقرات الإذاعية وصرف معلم التربية الرياضية الطلاب إلى فصولهم، كل معلم توجه لفصله وأنا بدوري توجهت للصف الثالث: السلام عليكم .. جلوس..افتحوا الكتاب على صفحة ستة وأربعين ثم اقلبوا الكتاب وانتبهوا معي.. كل الطلبة في أتم الاستعداد لاستقبال حصتهم الأولى عدا طالب واحد ذو بنية ضعيفة يقبع في الزاوية الخلفية للفصل، كان جسمه يرتعش بشدة ،اتجهت صوبه واتضح لي أن جسمه كان يرتعش من شدة البكاء، كان يبكي بحرارة محاولا إخفاء عبراته أثناء البكاء حتى لا ألحظه أو يلحظه إخوانه الطلبة فيقع في الإحراج، اتجهت إليه وسألته عن سبب بكاءه بعد أن هدأته ومسحت على رأسه الصغير، هدأ الطفل ثم استرسل في البكاء من جديد وبدأ يرتفع صوت بكاءه تدريجيا، كلما أكرر سؤالي كلما يجهش أكثر في البكاء، سألت الجميع لماذا يبكي أخوكم؟!.. لا مجيب ،كررت السؤال فأجابني أحد المقربين منه: أستاذ أبوه ما عطاه فلوس حال التبرعات ..
ماذا يبكي لأن والده لم يعطه مبلغا ليتبرع به ؟؟!! سؤال وجهته لنفسي، أيعقل أن يكون طفل في هذا العمر يتمتع بكل هذي المعاني النبيلة، آلمني حال الطفل كثيرا فأشفقت عليه، جلست بجانبه وكأنني أحد أصدقائه ثم وجهت له سؤالا: أتعرف يا بني لم تجمع هذه التبرعات؟ أجابني بصوت متقطع(عشان يعالجوا طالب مريض) ثم سألته : هل أعطاك والدك مصروف المدرسة؟ أجاب نعم..سألته كم أعطاك؟ أجاب:مائة بيسة..سألته:ولماذا لا تتبرع بالمائة؟ أجاب (فضيحة أستاذ..حد يتبرع بمائة؟!!) ضحكت وضحك معي مجموعة من الطلاب، بعدها أقنعته أن يتبرع بالمائة لأنها عند الله أعظم بكثير، هيا يا بني اذهب وتبرع بالمائة بإذن مني، فرح الطفل كثيرا وانطلق يجري يملأه حماس شديد ورغبة جامحة، وقبل أن يتوارى عن الفصل استوقفته وسألته السؤال الأخير والأهم في قصتنا هذه:ولكن كيف ستأكل في الفسحة إذا تبرعت بالمائة؟أجابني بثقة عالية ممزوجة بمشاعر الارتياح المرتسمة على عينيه المتجمدتين بالدموع ((ما مشكلة أستاذ أهم شيء يتعالج الطالب))..

وأترك لكم التعليق.
__________________
عِنْدَماَ يَستَوطنُ الابدآعْ .!
نُدركَ أنَ هُنَاكَ أعْضَاءُ مُتَميزونْ

مصْدراً للتَميزْ و الابدآعْ

التعديل الأخير تم بواسطة شاعرة الليل ; 19-03-2015 الساعة 09:22 AM