أنت الذي ما عرفت الصحبة في طفولتك ، و لا تذوقت حنان الأخت ، و العمة ، و الخالة...وحيد أبويك ، ترعرعت بين خشونة و غلظة أب عربي يحتفظ ببعض أعرابيته ، خشن لا يؤمن الا بالقوة ، صهرته طفولة البادية ، و رشد المدينة بكل اجحافها ،بنى كيانه بالشدة و الصراع المتواصل..لا يأكل الا من رحيق مناتحه...يرحمك الله يا أبي ...و أم لطيفة كنسمة الصباح الجميل ، رقيقة المشاعر ، حنون ، تزرع ببسمتها البهجة في النفس ، أتصورها في كل جميل، في كل رحمة ...تلك المرأة السمراء تتحدى بصبرها امتداد الصراء القاحلة التي نشأت فيها ، كانت تحتوينا ..كانت يرحمها الله الأرض في فصل الربيع، تحتوي أبي بكل رفق ، فيها راحته ، سكونه ، واستراحته ، كانت تعشقه فقط لأنه كالرعد ، هكذا قالت ..أشعر بسكون عاصفته في حضنها من بعيد،و هو يضحك كالطفل الصغير ...لا زلت أذكر بريق عينيها عندما تبتسم له في غضبه ، أراه يرفع يده ليضربها و يتراجع وهو يخفي ابتسامته وراء زمجرة مفتعلة...
ما أعظمك يا أبي و أنت تمارس رجولة الخبير بنفسية المرأة ....عفوا سيمائي ..انه تدفق الذاكرة يسوق القلم الى هناك ، الى دفء البراءة ، الى عالم الطفولة..هذه العيون التي كنت أنظر بها الى أبي و أمي هي التي تصنع شقائي و اخفاقاتي و تدفع كلماتي الى الانتحار بعيدا عن أعين التجرد ...
...يتبع..
التعديل الأخير تم بواسطة مختار أحمد سعيدي ; 27-02-2011 الساعة 12:18 AM
|