نشأت في أسرة مستورة الحال في ظل أم كفيفة، (فقدت بصرها وهي في الرابعة من عمرها)، وأب كثير الأسفار، فقد يمر علينا العام ولا نراه، ولي أخ يكبرني بسنتين ونصف، نشأنا معا في بيت هادئ يعمه السرور، وتكتنفه البساطة، لم يحدث أن احتجنا إلى أحد من الناس، فقد كانت أمي ذات بصيرة نافذة، وقوة بدنية، تقوم بكل أعمال المنزل، مثلها مثل أي امرأة في الحي، على الرغم من وجود أهلنا من حولنا، وعندما بدأت أفهم ما يدور حولي، حرصت أمي على تعليمنا القرآن الكريم، على يد العم خميس معلم القرية، الذي كان بلا شك ماهرا، في التلاوة والتجويد، ختمت القرآن في فترة وجيزة، واحتفلنا بهذه المناسبة السعيدة، كعادة العمانيين في ذلك الوقت؛ وذلك بعمل وليمة لكل البنات والصبيان الذين يدرسون معنا، وترديد ما يسمى: بالتومينة، مرورا في طرقات القرية، كان العم خميس رجلا شديد الغضب والقسوة، لو سمع صوتا أزعجه قام إلينا جميعا وأشبعنا ضربا، ربما تبقت آثاره على أجسامنا أياما، فلا يتجرأ أحد منا على الشكوى، كما كنا نشرب الماء من بئر ماؤها أقرب إلى الملوحة منه إلى العذوبة.
لقد كانت هذه المرحلة العمرية من أجمل أيام حياتنا، تبلورت فيها شخصياتنا، وتأسست فيها حياتنا المستقبلية، وقد تعلمنا من خلالها الصبر والضبط والربط والنظام، وتوقير الكبير، والمنافسة الشريفة، والرحمة بالفقير والضعيف. سقى الله تلك الأيام الرائعة.
[/size]