[يزيد فاضلي]

..تابعتُ-أخي الكريم طارق-تعليقـَكَ الذي ذيَّلتَ به مقالكَ هذا والذي تدعوني فيه أن أقرأ فحوى ما كتبتَ هنا عن الروحانيات وكيفَ أنه-على حد تعبيركَ-عِلاَجٌ قاتلٌ للسحر والساحر..وهذا ما فعلتُ..فقد قرأته بتأنٍّ وتأمُّلٍ وإمعانٍ،فلم ألبثْ سريعاً-ولله الحمد-إلا وقد تكَوَّنَ في فكري وقناعتي تصوُّرٌ مَا عن الإجاباتِ التي سأنطلق منها-بإذن الله-في مناقشةِ أفكارها ومضامينها على ضوءٍ من منهجيةِ البحث والنقاش العلمي الجادِّ الذي تتلمذنا فيه وعلمنا إياه علماؤنا وأساتذتنا وقادة الفكر في تاريخنا...

بَيْدَ أني-أخي الكريم-لن أمضي الآن في مناقشتِكَ حول الأفكار المطروحة في هذا المقال لأنَّ هناكَ-في تقديري-حلقة مفقودة بين ما عرضتـُـه سابقاً في تعليقي عن مقالك ( العلاج*بالروحانيات*الى اين ) وردكَ عن أسئلتي المطروحة فيه بدعوتي لقراءةِ هذا المقال عن ( الروحانيات علاج قاتل للسحر والساحر )..؟؟!!!

فما العِلاقة-أخي الكريم-بين أسئلتي التي كانت تدور ابتداءً حولَ حقيقة علم الروحانيات إن كانَ عِلماً حقيقيا مُعتَمَداً..؟؟ وما الدليل على اعتماده..؟؟ وما منهجه العلمي..؟؟ وماهي خطواته البحثية المعروفة أكاديميا..؟؟ ومن من المؤسسات العلمية المعتمدة عالميا هي التي تبنته..؟؟ هل له علاقة بعلم النفس وفروعه..؟؟ فإن كان الجواب نعم،إذن كيف يتسمَّى..؟؟ وإن كان الجوابُ بـ لاَ،فكيفَ إذن نسميه عِلماً..؟؟ وفي مواقف المعالجة والعلاج به،أين الدليل من القرآن والسنة..؟؟ أين نماذجه العلاجية الروحية في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في سيرة أصحابه أو التابعين إلى يوم الناس هذا..؟؟ ومن مِنْ علمائنا الثقات الأخلاف والأسلاف قال به..؟؟ وإن كان اجتهاداً قياسيا،هاتِ لنا-أخي-ضوابط القياس التي قستَ عليها وأولها استحضار الأصل القطعي الذي سِرْتَ على هُداه..؟؟ ثم إن كانَ هذا العلاجُ رُقية ً،فما الجديدُ فيه..؟؟ وعلى أي أساس زدتَ فيه على الرقية الشرعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..؟؟

قلتُ : ما العِلاقة بين أسئلتي الدقيقة هذه حول حقيقة ما تسميه علمَ الروْحانيات وبين الرد عليها بمقال يتحدث عن دِلالاتِ الأرقام في القرآن الكريم وتلكَ الأسرار التي أرادَ البعض-وهم كُثـرٌ في تاريخنا وحاضرنا-أن يٌثيرَ بها أشياءَ وأشياءَ في ما سماه علماؤنا بـ ( بظاهرة التخرُّص في الدلالات الرقمية الواردة في سياق آياتِ وسور القرآن الكريم ) والتي لها جذورٌ تمتد من المائة السابعة إلى الآن..أي منذ سقوط الدولة العباسية وما تلاها من عصور التخلف والانحطاط الفكري والعلمي والثقافي التي أفرزتْ أزمة فكرية وحضارية ما زلنا ندفعُ فاتورتـَها إلى الآن..؟؟!!!!

المفروض-سيدي الكريم-أولاً أن تجيبنا مشكوراً على تلك الأسئلة،وأن نتناقشَ في حيثياتها أولاً بالحجاج العلمي الراسخ،القائم على قاعدةِ (( إن كنتَ ناقلاً فالصحة أو مُدعيًّا فالدليلُ )) وعلى ضوء ما قاله حكيمُنا قديماً :

والدعَاوَى مالم تقمْ عليـــــها ** بَيِّناتٌ فأبناؤها أدعِيَاءُ..!!

حتى إذا ما انتهينا من مناقشة حقيقةِ علم الروحانيات أولاً وانجلى الغموضُ والإبهامُ أمامنا جميعاً،كلٌّ برؤاه وحُججِهِ وأدلتِه وبراهينهِ النقليةِ والعقليةِ..عندئذٍ سننتقلُ لمناقشةِ حيثياتِ هذا المقال حول حقيقة دلالاتِ الأرقام التي يَحلو للبعض إثارتها بين الفيْنة والأخرى..

ولله الحمد..فلعلماؤنا الأسلاف والأخلاف عندههم ما يقولوه في هذه المسألة بحِجاجٍ علميٍّ فارعٍ راسخٍ وبمنهجيةٍ استقرائيةٍ واستدلاليةٍ مكينةٍ،بعيداً عن بُغام الجهل والجَهَلـَةِ وبعيداً عن الضحالةِ العلميةِ في الطرح والمناقشة والمناظرة والمجادلة..ولنذكرْ أن مجمعَ البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف كان قد وضعَ نقاطاً كثيرة على هذه الحروف منذ السبعينياتِ من القرن الماضي بسلسلة بحوث علميةٍ رائدة وممتازة..وكذا رابطة العالم الإسلامي بعد ذلك في جدة وكذا هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة بسلسلة البحوث والدراساتِ الرائدة التي قامَ بها علماءُ ثِقاتٌ وأساتذة كبار في هذه الهيئة الرائدة،نعتز بعلمهم ورصيدهم وورعهم..وكذا المعهد الملكي للبحوث والحضارة الإسلامية بعَمَّان الذي له جوْلاتٌ وصوِلاتٌ في هذا النوع من المسائل والأفكار...ناهيكَ عن فتاوَى علمائنا الصادرة عن هيْئاتِ الفتوى كهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية الشقيقة مثلاً...

أولاً-أخي الكريم-أستمعُ لردودك الكريمة حول أسئلتي السابقة..ولا بأسَ من إدارة المناقشة الأخوية العلمية الهادئة فيها...ثم بعدها إن شاء الله لكل حادثٍ حديثٌ...