عكس اتجاه الوقت
مسافر .. عبر مواكب السفن المرتحلة حاملاً أطنان من الغراء كي ألصق به ما تبقى من ذاتي التي تحطمت على أريكة الزمن .. مسافر .. أحمل بقايا أحلام لم يكتب لها القدر أن ترى النور فشهدت قبل ولادتها موتها لتعود من جديد في آبار الذات السحيقة تترنح من صدى الضجيج والآهات زفرات حارقة تتردد بين جدران الصدر .. مسافر .. والتاريخ متأكد من أنه سوف يعاتبني يوماً ويلومني على تلك الدموع التي سقطت من بين الأجفان كما يسقط الجريد من حضن أمه .
مسافر .. وحدي وفي القلب حقائب كثيرة محملة بالأسى ولوعة الحرمان .. مسافر .. وأقدامي تسير بي خارج دائرة الوقت وخارج دائرة التاريخ في دوران معذب يشبه ورقة هرمه تلعب بها الزوابع فترفعها إلى الأعلى ثم تهوي بها بين كوم الغبار إلى أرض جدباء .. مسافر بلا أمل .
ألتفت خلفي فلا أجد غير الظلام وأحدق أمامي فلا أجد غير الظلام إنه السفر الغامض نحو كل الأشياء وعكس كل الأشياء هكذا مكسور كجناح الطير أنا .. متعب كنهار الصيف أنا .. مثقلً بالقلق وبين أصابعي حفنة رمل من رمال وطني أقيم عليه حينما تشعرني الغربة أنني فعلاً غريب .. حينما تشعرني الغربة أنني فعلاً بلا هوية .. أقف على ذاك الرمل وما تبقى منه حينما لا أجد غير اتجاهات أربعة لا أعرف كل اتجاه يقودني إلى أين .
مسافر .. أعزف إيقاع الحزن وأغني ألمي ثم أعود راقصاً متأرجحاً ثملاً كالسكران في شوارع مدينة فارغة أفتح بؤس السنين وأعري جسدي دونما خجل للريح .. مسافر .. ودوامات الإحباط تقودني إلى مسابقة سيقان هذا الزمن لكنه لا يتعب ولا يتوقف وأنا أرسم عزلتي كل حين .... هكذا أنا بعد أن توالد الزيف في كل شيء لم يعد لنا في البقاء مكان ويظل السؤال ينبش الأحشاء ترى لماذا هذا التوهان ، لماذا تحاربنا كل الأشياء .. لماذا تقودنا الحياة إلى الفوضى .
مسافر .. وعلى أبواب مدينتي علقت مفاتيح أبوابي وتركت ورائي نساء المدينة والطيور الملونة والسنديانة وهفهفة الرياح أحمل في اليد الأخرى غصن زيتون يتيم ربما أزرعه يوماً على تراب إحدى المدافن في ظل نهاية المشوار الطويل من ذاك المدى الفسيح هناك في بلاد الغربة لتظل حفنة الرمل تلك آخر ما تراه ................... .
جزء من النص مفقود