
22-12-2012, 09:38 PM
|
 |
كاتب مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: صحار الخير،،
المشاركات: 273
|
|
أنظر بنور الله:
تمر الأيام في هذه الحياة وفيها من الراحة والألم والفرح والحزن الكثير الكثير، فما أن تلتفت يمنة حتى تجد سعيدا فرحا بما عنده وتشيح نظرك عنه فتجد آخر محزونا كئيبا على ما ضاع منه، وذاك ثالث لديه كل ما تتمنى الأنفس إلا أنه يصارع المرض منذ سنوات عديدة فلم يهنىء بما لديه ولم يتخلص مما حل به وذاك رابع وخامس وسادس، وهذه حال الدنيا وهذه حال البشر وأعجب ما في هذه المشاهد أنك لا ترى رابطا بين البشر وبين ما يحل بهم من أحداث مشحونة بالبلاء والشقاء بل إنك ترى العجب العجاب عندما ترى إنسانا وفيا مخلصا يكثر الخونة من حوله، وتجد إنسانا صادقا يكثر المنافقون من حوله وإنسانا محسنا يكثر الجاحدون من حوله فيا سبحان الله كيف يجتمع النقيضان في آن واحد،،
وكثيرا ما تقع أمام أعيننا مشاهد لا تتقبلها العقول وتستوحشها القلوب فذاك فلان المقصر المتكاسل البعيد كل البعد عن الجد والعمل تسير له الدنيا سيرا فما تراه يرغب في شيء إلا ناله سواء بطريقة مستقيمة أو ملتوية، وذاك فلان المكافح المجتهد الذي لا يسدل الليل ستاره إلا بعد أن يكون استنفذ كل طاقته في السعي لطلب الرزق تجد الأبواب مسدودة في وجهه، وتلك فلانة التي قضت أيامها عابثة لاعبة أتاها رزقها إلى عقر دارها وفلانة التي تقضي أيامها بين مصحفها وسجادتها فلا أنيس ولا جليس،،
كل واحد منا يرى الكثير من هذه المشاهد في حياته وقد يكون هو بنفسه واقعا فيها، فالله المستعان على ما نصف وحسبنا الله ونعم الوكيل ولعلك يا من تقرأ الآن كلماتي تتفكر وتبحث عن حلول تواسي بها نفسك أو تسوغ بها بعض ما شاهدت وعايشت من وقائع،،
فيهتف داعي الرحمن: ((كُلاّ نّمِدّ هَـَؤُلآءِ وَهَـَؤُلآءِ مِنْ عَطَآءِ رَبّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبّكَ مَحْظُوراً * انظُرْ كَيْفَ فَضّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)) رباه قد نظرنا أنك أعطيت الدنيا لمن أحببت ولمن مقت من عبادك وآمنا أن آخرتك أعظم درجات من هذه الدنيا ولكننا يا رب ما زالت قلوبنا تعتصر من الألم فنحن الذين ندعوك ونرجوك نتألم ونعاني في أيامنا فإلى متى يا رب،،
فيرد داعي الرحمن: ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ))
سبحانك ربنا آمنا بك ،،
المؤمن دائما يرى الألم من زاويتين والخير في كلتا الزاويتين، فهو يرى أن المولى عزوجل إصطفاه من بين كل الخلائق بالمعية التي لا تكون إلا للصابرين فيأنس بمعية الله له ويأنس أكثر وأكثر من حب الله له وجعله يستوحش من غيره ولا يأنس إلا به فتجد قلبه كلما ضاق شرحه بقوله ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وتجده يلهج بالذكر ذلك أنه قد سمع الحديث النبوي الشريف ((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)) ولسان حاله يقول،،
فليتك تحلوا والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب
ما أجمل أن يستشعر الإنسان قرب الله منه فتجده لا ينطق إلا بما يرضي الله عزوجل ولا يجول في قلبه إلا طلب العافية وحسن الظن بأن المولى عزوجل ناصر له ومعين له فإن المولى قال: ((إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا)) فكيف يكون حال العسر وقد أحيط بيسر الرحمن من جانبيه،،
وكيف لا يتلذذ العبد في إنتظار الفرج وهو يعلم أن ربه أرحم به من أمه التي ولدته بل إن المولى أعلم وأدرى بما يناسبه ويصلح له، إن العبد الذي يؤمن بالله عزوجل وصفاته وأسمائه الحسنى تجده يرى اليسر والتيسير في كل شيء من حوله فهو يتأمل ويتفكر في نعم الله عزوجل وحاله كحال ذلك الرجل الصالح الذي كان يلهج بالذكر والدعاء ليل نهار وقد ضاقت به ضائقة ووجد وحشة في قلبه من تأخر الإجابة فلم يرضى أن يجد في قلبه تلك الوحشة وبحث في أعماقه عن دواء يزيل تلك الوحشة ويتقلعها من جذورها، فتفكر وتفكر وغاص في أعماقه ووجد إجابة هي الدر المكنون في الأعماق، فقال وقد بدت النور يبزغ من أعماقه:
إلهي لو لم ترد نيلي
لما أرجوا وأطلبه
من كف جودك
ما علمتني الطلب
صدقت يا أيها العبد الصالح والله صدقت إن المولى عزوجل لو لم يرد أن يعطنا ما نبتغيه ونرجوه منه لما جعل في صدورنا قلوبا ترغب وتشتاق ولسانا يطلب ويسأل الرزاق، المولى عزوجل لو لم يرد أن يرزقنا لما أنعم علينا كل تلك النعم التي لم نطلبها منه ولكنه أعطانا لأنه يحب العطاء ويحب أن يسأل وأن يجيب السائلين فلك الحمد يا أكرم الأكرمين،،
هذه زاوية والزاوية الأخرى،،
هي زاوية التمحيص والتطهير من كل الذنوب والعيوب والسيئات، إن العبد المؤمن يعلم إذا إبتلانا الله يوما ببلاء ولم يكن ذلك البلاء سبباً في موتنا وفنائنا، أنه لم يبتلينا إلا ليجعل البلاء سببا في صقل شخصياتنا وتثبيتها لتتعايش على أرض الواقع بكل عزم وثبات ووضوح فإن الله لا يبتلي عباده بالمصائب إلا ليزيل عنهم المعائب،،
إن المؤمن يتفكر في الأب الذي يرى أن ابنه وقد أصيب بمرض قد يفني حياته فيقوم بأخذه إلى المشفى ليجري له عملية لعلاجه وقد يكره الإبن ذلك ويستوحشه ولكن الأب يصر كل الإصرار على إجراءها وما ذاك إلا لما يرى فيه من صلاح لإبنه وخلاص له مما قد يفسد حياته، وهذا الأب لا يعلم الغيب ولا يملك الحكمة المطلقة ومع هذا يجري لإبنه شيئا يكرهه ليحصل على شيء يحبه فكيف بالخلاق الحكيم العليم الرحيم الذي يشفق على عباده أكثر من إشفاقهم على أنفسهم، إن المولى عزوجل لا يرتضي لعباده الذي إختارهم أن يكونوا فاسدين أو أتباعا للشياطين فلذلك يبتليهم دائما ليخلص قلوبهم من كل الأدران المفسدة لهم،،
وقد تشتد الحياة وتضيق بنا ونبتلى بأهل السوء والشر ونجازى على إحساننا سوءا ونسيانا، فنرى إلى هذا السوء بنور الله عزوجل ونحمد الله الذي ميزنا وجعلنا مظلومين لا ظالمين مجحودين لا جاحدين، وقد يبتلى المؤمن بالشر والسوء من جهة الوالدين والإخوان والأقارب وبتقصيرهم وبضرهم له فيضيء قلبه بنور الله ويرى أن الله عزوجل أراد أن يجعله خيرا لأهله وأنه إبتلي بهم حتى يصبر عليهم ويقابل السوء بإحسان وحتى يكون خيرا لهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ويرى فضل ربه عليه أن بصره بما لم يبصرهم به، بصره أن إحسانه ينيره وينيرهم يوم القيامة في تلك الساعة التي يتمنى الإنسان فيها أن يجد حسنة واحدة تلك الساعة التي يتبرأ الأخ من أخيه والأب من أبيه يكون هو سراجا ينير طريقهم نحو الجنة وجناحا يطير بهم من فوق حفر النار ليحط بهم في دار السعادة والقرار، إن المؤمن الحق يستأنس في هذه الإبتلاءات والمصائب لأنه مستأنس بأن الله عزوجل قد إصطفاه وأنار بصيرته بنوره الذي لا يعطيه إلا لمن أحب، فما أجمل الحياة ونور الله يضيئها،،
__________________
~  ~
جَهَلَت عيونُ الناسِ ما في داخلي
فوجدتُ ربّي بالفؤادِ بصيرا
يا أيّها الحزنُ المسافرُ في دمي
دعني, فقلبي لن يكون أسيرا
ربّي معي, فمَنْ الذي أخشى إذن
مادام ربّي يُحسِنُ التدبيرا
وهو الذي قد قال في قرآنه
وكفى بربّك هاديًا ونصيرا
|