عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16-12-2011, 11:36 PM
الصورة الرمزية فاطمه القمشوعيه
فاطمه القمشوعيه فاطمه القمشوعيه غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: In someone's heart
المشاركات: 2,581

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى فاطمه القمشوعيه
افتراضي



\

النص الفائز بالمركز الرابع بمسابقة القصة القصيرة
" رقص الضفائر " ، لـ عائشة بنت سعيد المعمري

- ..... : هل ستذهبين إلى البيتِ بالحافلة ؟
- سعاد: لا ، سأذهبُ مشياً على قدمي ، حافلةُ قريتنا تتأخرُ كالعادة ، وأخشى أن يفوتَني مسلسل الكارتون الذي أُتابعه .
- ...... : ولكن الجو حار وبيتكم بعيد عن المدرسة .
- سعاد: لا عليك ، أنا أحبُ المشي ، وسترافقني ابنة عمي ، لا تخشين علينا ، وداعاً .. دعٍ ذلك سِراً ..

تودعُ صديقتَها ، وتمرُ بابنة عمها ، ثم تتسللان من بوابةِ المدرسةِ الصغيرة دونَ أن يراهما أحد ، في حين أنهما تُدركان جيداً خطورة الخروج بدون الحافلة ، فليس ثمة بيوت قريبة من المدرسة ، لا شي حولها سوى شجر الغاف والسدر المعمر ، وبعض النبتات الغريبة التي لا تنمو في مزارعِ أهل القرية ، وصوت "السراريح" يستوطن المكان .

تُشيرُ سعاد إلى الوادي البعيد وتقول :
- ما رأيك يا ابنة عمي ، المغامرة جميلة .. أليس كذلك ؟
- نعم ، ولكنني أخشى هذا الطريق ، لأول مرة أشعرُ أن العالم بلا أمان ، والوقت نهاراً .
- لا تخشين .. فأنا معكِ ، هاتِ يدكِ

تستمران في المشي الحَذِر والسريع في نفس الوقت ، لكي لا يَفوتهما الفيلم الكرتوني الذي تغير موعده ، أخذتا تختبئان خلف جذوعِ شجر الغاف كلما مرت حافلةٌ تنقل المعلمات أو البنين من المدارس المجاورة ، كانتا تشعران بالخزي والخوفِ ولكنهن تحملان في حقائبهِن الثقيلة إصراراً رهيباً . تدخلان الوادي الغارق في الجفافِ منذ زمن ، تختفيان عن أنظارِ المارة على الشارعِ الترابي الذي تمرُ به الحافلات .
حملت كل واحدة منهن حقيبتها بطريقتها الخاصة ، سعاد حملت حقيبتها الثقيلة على رأسِها ، ومَشت بِخطواتٍ متناغمةٍ محاولةً تقليد جارتهم أم مرهون في طريقةِ حملِ بضاعتها الصغيرة في صُرةٍ مُتنقلة ، تُمسكُ الحقيبة بيدها اليمنى ، وتَحشرُ يدَها اليُسرى في حَركاتٍ عشوائيةٍ مَع رَفعِ "مَريولها" المَدرسي الذي لن يُشبه عباءةَ "أم مرهون" أبداً ، أما ليلى فكان يحلو لها في ذاك الجو الحار والمشمس أن تُعلق حَقيبتها ذات الكتفين على صدرِها ، وكأنها تَحملُ آلةً موسيقيةً كتلك التي تحملها مُعلمة الفنونِ الموسيقية فِي كل صباح ، وأخذت تُغني :
" في الدروب
هيا نغني
في المسارح والسحاب
.... " *

ليلى وسعاد تغنيان سوياً ، تَترنمان بِحلمٍ مُشترك صَغير ، لا يَتعدى حُدودَ الظفر بمصافحةِ بطلة المُسلسل الكرتوني على الحقيقية وتَحسس شعرَها القصير جداً غير آبهتان للناقة التي تتربص بهن بالقرب ، كانتا أقوى من أن يَعرْنها اهتماماً للوهلةِ الأولى ، اندلقَت خُطوات الناقة خَلفهن فجأة ، تسمّرت ليلى مكانها ، لم تقوى على الصراخِ أو الركض ، أغمضتْ عينيها بشدة ، استسلمت للقدر الذي يعدو خَلفها ، ولكن القدر تجاوزها سريعاً . الناقة ذات الأرجل السوداء الطويلة والرقبة الممتدة تستمر في الركض ، سعاد رَمت بحقيبتها بعد أن كانت على رأسها ، أخذت تركض بشدةٍ ، شعرت بأن " مريولها " المَدرسي تَمزق من الأسفل ، لم تقو على رفعه ، فلم يحدث أن رفعت "أم مرهون" عباءتها لسبب كهذا ، والناقة تركض خلفها ، المسافة أصبحت ضئيلة بين سعاد والناقة ، لم يكن أمام سعاد سوى الصراخ والركض معاً في وجهةٍ واحدةٍ فقط ، فهي من منظورها الصغير أن تغيير إتجاة الركض يزيد الفترة الزمنية للمواصلة ويحتم المراوغة ، كانت تركض وتنظر إلى الخلف على التواتر لكي تقيس مستوى بعدها عن الناقة ، ولكن وجه الناقة القبيح يقترب منها شيئاً فشيءْ ، لم يكن لون "المريول" عشبياً ولا لون أيّ غذاءٍ تحبه الجِمال ، ولكن الناقة لازالت تركض خلفها ، كل شيء عَبر مخيلة سعاد وهي تركض بهذه الشدة ، كانت ترى في وجه الناقة رجلاً ذي شوارب طويلة يسيل لعابه ، وفي أرجلها عصى جدِها الغليظة ، كل شيء توالد في ذاكرتها برعب ، اصطادت الناقة طرف حجابها الأبيض الممتد من الخلف الذي كان يأخذ شكلاً مثلثاً ، تمزق بين أسنان الناقة ، تذكرت الكابوس الذي يُخلعُ فيه وشاحُها دون أن تعرف الفاعل ، مرتْ في داخلها سريعاً فكرة أن ما يحدث تفسيراً لهذا الكابوس ، شعرت بوخزِ إبرةٍ الحجاب تحت ذقنها ، فخلعته بيدها وبقيت ضفيرتها تتدلى بشكلٍ أكثر إغراءاً للناقة ، سعاد تركض وأنفاسها تتصاعد بين صرخة وأخرى ، والناقة لا زالت تركض خلفها ، وليلى أصبحت بعيدة عن مستوى نظر سعاد، بعيدة بقدر بُعد لحن الحياة عن كليهما ، فليس في مقدور ليلى النحيلة منع شيء ، كان المكانُ أشبهَ بمسرحٍ يُفقدُ الذاكرةَ صوابها ، يبدو أن الناقة أساءت الفهم ، ولكن من يوقفهما ، مَن يشربُ صراخُ سعاد الذي يصطدم بمئذنةِ القرية ولا يعود !
الحافلات تمر على الشارع الرملي ، ولا أحد يرى الفتاتين أو يسمعُ صراخهما ، فهدير الحافلات الممزق لم يتح الفرصة لآذان المارة بالسمع . ناقة تمارس هوايتها في الركض ، ولا مغيث ،
سعاد تبكي ، سعاد تصرخ ، سعاد تضحك ، سعاد لا تعرف لما كل هذا يحدث .
الركض أوهنها كثيراً ، أصبح ركضها أبطئ من ذي قبل ، توقفت سعاد عن الحركة و سقطت أرضاً ، صرخت أم مرهون من بعيد ، فابتعدت الناقة ، ثم هرولت باتجاه ليلى .

- تمت
__________________
رد مع اقتباس