\
النص الفائز بالمركز الثالث بمسابقة القصة القصيرة :
خلف السياج ، لـ هالة مهنا عبدالله الريامي ..
تتوجَّعُ قلوبنا كلّما سُلِطَ ضوءُ الإعلامِ عليهم ، وننساهم سريعاً ما إذا خفت ،
إلى .. كل طفل مات َجوعاً ، في الجنّةِ طعامٌ كثير!
...
قالت أمّي بتقاسيم مرتبِكة : غداً سيبدأ رمضـان ، ثمّ تلتها بجملةٍ سريعة تستطردُ فيها : كلكم ستصومون حتّى عُمر !
لا أدري ماذا كانت تعني حين قالت عُمر ، هل كانت تمزح .. بالكاد عمر وصلَ عامَهُ الأوّل قبل شهرين ، كنا خمسة َعشر ، ذهبَ خمسة وبقى عشرة ،وفي كلِّ مرّة كان يذهبُ فيها أحدنا ، كان أبي يُرسل الصغار منّا إلى مكانٍ بعيد وحينَ نعود يخبروننا أنّ فلان أو فلانة في رحلة طويلة وأنّهم يبلغوننا السلام ، ولم نكن نسمع أيّ خبر بعدها عنهم ، و كلّ مرة كانت هنالكَ قصّة جديدة تحاك ، أجزمُ أن جدّتي أنثى التسعينَ عاماً هي مصدرها ؛كانت جدّتي تعلمُ تماماً أيّ نوع من القصص نحبُّ سماعها ، كانت تحكي لنا عن وطن تقولُ أنّهُ بعيد وأننا نحنُ الخمسةَ عشر سنلتقي كلّنا فيه يوماً ما .. كانت تقول أشياء لم أكن أصدقها خاصّةً فيما يتعلّق بالطعام وأننا حالما نصله سننسى كيف كانت تبدو أصوات معداتنا الفارغة،كانت تذيّل كل قصّة من هذهِ القصص بنصيحة إتباع دين الله ، وأننا لابد أن نصوم كل رمضان لـ تصل أرواحنا وأجسادنا إلى ذلك َالوطن !
كنتُ أشعرُ أحياناً ، أنّ هؤلاء الثلاثة كانوا دوماً يحيكون الأشياء معاً ويرتبون كلامهم بالتساوي .. جدّتي تحكي القصص ووالداي يأمراننا بـ الصوم ، والأمور تبدو مرتبة بينهم بالتساوي.
قالَ والدي في ذاتِ المساء : "أعلنوا أنّ رمضان هذا العام سيأتي مرّتان وما علينا سوى أن نفعل ما يفعله المسلمون في كلّ مكان" ، كانت علامات الابتهاج واضحة كثيراً في محيّا الصغار فيبدو أن كل الصغار شعروا من كلام والدي أنّ ثمّة ثلاثة أعياد هذا العام .
أحدٌ لم يقل شيء ، وحين ذهبَ الجميع سمعتُ بأّمِ أذني اليمنى أنّ والدتي توبخ والدي بقوّة ، وتأمره بأن يصحح الأمر فيما يتعلّقُ بـ العيد ، قال لها صارخاً بوجهها : اتركيهم يفرحوا وانتهى الشجار بينهما بصمتْ !
حينَ حلّ الصباح ، كنتُ أنتظرُ إشارة أو قصّةً جديدة من جدّتي تذيلها بإتباع أوامر الله لـ يأتي بعدها المرسوم الجديد بعيدٍ أو عيدان لا ثالثَ لهما ، لكن شيئاً لم يصدر .. كانَ الجميع صائم حتّى ابن العام ، لم يكن شهريّ رمضان هذا العام ليستثنيا أحد !
انتشرَ في الصحراء خبر أهل الخير / العرب القادمون بـ طعامٍ كثير ، الجميع خرج ،صغاراً وكباراً ، نساءاً ورجالاً للحصول على حصتهم من الطعام ،وبينما كانت عائلتي صائمة أجمعها في عزِّ ظهيرة شعبان شهر رمضان الثاني كما يقولُ أبي ،كانت تقسّم الوفود على مجموعات لتوزيع الطعام عليهم ، وبينما يفرزوننا ، انتهت آخر مجموعة في المخيّم الذي يوزّعُ فيه الطعام بي أنا ، بينما كل أفراد أسرتي خلفَ السياج يشاهدون ، ربما قيلَ لهم أنّ دورهم سيحين بعد لحظات لكنّ شيئاً من ذلكَ لم يحصل .
وحين ناولوني الكيس ، كنتُ للمرّةِ الأولى أشعر ُأنّ العيد يأتي في أوّل رمضان لا في نهايته فتحتهُ سريعاً ، وأخذتُ حبّةَ تمر والتهمتها أسرع مما قد يخيّلُ إليكم ، في اللحظةِ التي كان فيها كل أفراد أسرتي صائمون خلفّ السياج.
26/ نوفمبر/2011