منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   القصة القصيرة (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   الدرويش (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=22277)

محمد الفاضل 03-04-2016 11:38 AM

الدرويش
 
الدرويش – محمد الفاضل

اعتاد أن يقضي سحابة نهاره جالساً عند مدخل حارة الزيتون في منطقة تقاطع باب توما ، حيث تشتهر بشوارعها القديمة و زواريبها العتيقة التي تروي اَلاف الحكايات ، البيوت متلاصقة ، تحنو على بعضها و تتكئ الجدران على بعضها البعض في مشهد يوحي بالحميمية والمحبة ، وفي النهار تتسلل أشعة الشمس الذهبية عبر شبابيكها الملونة فتنعكس لوحة تأسر القلوب . معظم بيوت الحارة تتوسطها بحرة ، يحيط بها زهر الياسمين والفل ، وشجر الليمون والنارنج .
رائحة العطر في كل مكان ، حتى البيوت ، تتشرب العطر طوال النهار فتبقى الرائحة تفوح طوال المساء ، الأسواق تعج بالمارة وبائعي الخضار ، لم يأبه بوجوده أحد من المارة . متوسط القامة ، في نهاية عقده السادس ، عينان غائرتان ، تتطلعان إلى الأفق البعيد . ذو لحية بيضاء ، كثة وشعر ملبد بالأوساخ ، رث الثياب . يتفحص المارة وتتقاذفه نظرات الشفقة والعطف .
كان الأهالي يتصدقون عليه ببضعة قروش ، وفي اَخر النهار يلملم جراحه ويمسح دموعه التي ترقرقت في عينيه وينصرف. في ذلك اليوم القائظ قررت أن أمشي خلف ذلك العجوز الذي كنا نسميه الدرويش ، لكي أعرف وجهته ، بعد أن بلغ مني الفضول مبلغه . أدخلت صناديق الخضار في عجالة وأقفلت الدكان.
كان الدرويش ينقل قدميه ببطء على الطريق ، اجتاز زقاق الحي , في اَخره يقبع منزل جميل . طرق الباب بإلحاح ، وبعد برهة قصيرة ، فتح الباب شاب في عقده الثالث . استوقفني المشهد . فجأة أمسك الدرويش بتلابيب الشاب وبدأ يعنفه.
قررت أن أقترب أكثر لأسمع مايدور .
- ولكن هذا بيتي ، هل نسيت ؟ حتى إن الجدران والحجارة تشهد ، لقد أفنيت عمري في بنائه .
استشاط الشاب غضيا ودفع الدرويش بقسوة فسقط على الأرض. تحامل على نفسه ونهض بصعوبة بالغة ، وأجهش في البكاء حتى تخضبت لحيته . رفع يديه إلى السماء ، وبدأ يدعو بصوت خاشع منكسر. بعد مرور بضعة أيام ، تناهى إلى سمع الدرويش أن الشاب مريض ، وهو يرقد بين الحياة والموت . بدأ يحث الخطى نحو منزل الشاب وقلبه يخفق بشدة ، كان الشاب يرقد على السرير وقد شحب لونه ، بعد أن نهش جسمه المرض . دلف الدرويش إلى المنزل وجثا على ركبتيه وبدأ يردد
- و لكنه ولدي ! يارب تلطف به ولا تستجب لدعائي .

السويد – 3 / 4 / 2016


ناجى جوهر 09-04-2016 10:44 PM


مقدّمة رهيبة
يعبق نَفَس التاريخ متدفّقا من خلال
الجمل التوصيفية المنتقاة بعناية الكاتب المتمكّن:

بشوارعها القديمة و زواريبها العتيقة التي تروي اَلاف الحكايات
البيوت متلاصقة ، تحنو على بعضها في مشهد يوحي بالحميمية
رائحة العطر في كل مكان ، حتى البيوت ، تتشرب العطر طوال النهار

لوحة تثري خيال القارىء، تلهم الشاعر، تبهر الناظر بعين المحب
ما أجمل إتصال سلسة الجمال التصويري برسم لوحة البطل الستّيني!
ثم تأتي الإثارة والتشويق بمراقبة العجوز والبحث عن الأسرار التي يخفي
ثم تكون النهاية المبهرة بعد أن إكتتشفنا بعناء أنّه متسوّل يعاني من العقوق
وهنا تظهر براعة الكاتب وإنسانيته:

و لكنه ولدي ! يارب تلطف به ولا تستجب لدعائي .

قصة رائعة مبنى ومتن أستاذ محمد الفاضل
أشكرك الشكر كلّه على هذا الجمال والإنسانية
والثراء اللغوى والعاطفي والتصويري الرفيع

وتقبّل تحيّاتي



محمد الفاضل 10-04-2016 01:50 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناجى جوهر (المشاركة 258687)

مقدّمة رهيبة
يعبق نَفَس التاريخ متدفّقا من خلال
الجمل التوصيفية المنتقاة بعناية الكاتب المتمكّن:

بشوارعها القديمة و زواريبها العتيقة التي تروي اَلاف الحكايات
البيوت متلاصقة ، تحنو على بعضها في مشهد يوحي بالحميمية
رائحة العطر في كل مكان ، حتى البيوت ، تتشرب العطر طوال النهار

لوحة تثري خيال القارىء، تلهم الشاعر، تبهر الناظر بعين المحب
ما أجمل إتصال سلسة الجمال التصويري برسم لوحة البطل الستّيني!
ثم تأتي الإثارة والتشويق بمراقبة العجوز والبحث عن الأسرار التي يخفي
ثم تكون النهاية المبهرة بعد أن إكتتشفنا بعناء أنّه متسوّل يعاني من العقوق
وهنا تظهر براعة الكاتب وإنسانيته:

و لكنه ولدي ! يارب تلطف به ولا تستجب لدعائي .

قصة رائعة مبنى ومتن أستاذ محمد الفاضل
أشكرك الشكر كلّه على هذا الجمال والإنسانية
والثراء اللغوى والعاطفي والتصويري الرفيع

وتقبّل تحيّاتي




فاح عطر حضورك البهي في أرجاء المكان أستاذ ناجي
شاكر لطف عباراتك الجميلة وعاطر الثناء
لا عدمت تلك الإطلالة
محبتي


الساعة الآن 11:51 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية