العمل, أياً كان .. هو أمانة في ذمة مؤديه.. يأمنه عليه رب السماء قبل رب العمل, هناك وظائف حساسة لا يمكن شغلها إلا بعد أداء القسم لكثرة اتصالها بخصوصيات الإخرين كمهنة الطب مثلاً, بالمقابل هناك وظائف أخرى تتصل أيضاً بمصالح الآخرين, لكن المتقدم لشغلها لن يطالب بأداء القسم, لكنه سيوقع بالضرورة على عقد العمل الذي لا بد أن يشتمل على بند مفاده أن كافة المعلومات المتعلقة بوظيفته هي قيد السرية لا يحوز إفشاءها لأياً كان عدا صاحب المصلحة بذاته.
أحياناً, يتمنى المرء أن القسم يعمم على بعض الوظائف في قطاع الاتصالات أو القطاع الأمني, لأنه وللأسف يحدث أن يسرب بعض الموظفين بيانات الآخرين لمن يطلبونها من أصدقاءهم أو معارفهم لذا وللأسف يتعرض الكثير من الناس إلى إفشاء بياناتهم عن طريق مثل أولئك الموظفين لا سيما الفتيات اللواتي يعتبرن الأكثر تعرضاً للمضايقات الهاتفية من أشخاص يجهلنهم أو من أفراد غير مرحب بهم!
تظل الأمانة المهنية نسبية بين الناس, كنسبية كل شيء في هذه الحياة, فهناك من رزقهم الرب بضمير يراعيه, وهناك المستهتر الذي لن يبالي بأي مسؤولية أوكلت إليه, ويظل القسم -إن حدث وعمم- على قطاعات مهنية أوسع مما هي عليه الآن ذلك الميثاق السري الذي يستدرك معه الموظف عظم الأمانة الموكلة إليه, ألا أن الموظف الذي يدرك مسؤوليته جيداً لن يحتاج لقسم ولا لبند مكتوب بضرورة المحافظة على سرية البيانات والمعلومات التي بحوزته.
من ضمن طرائف نكبات العالم, قرأت ذات يوم خبراً طريفاً مفاده أن موظفاً كبيراً بإحدى الدول كان قد كُرم على أمانته المهنية في احتفال مهيب وقلدته دولته وساماً يزين به صدره كأكثر الموظفين أمانةً وتحملاً لحس المسؤولية التي جعلت منه قدوه, وبعدما تصدر اسمه وصورته في اليوم التالي للحفل جميع صحف البلاد التي عانت من إنتشار الرشوة والفساد الوظيفي فيها, ضبط بعد يومين فقط متلبساً في قضية مخلة بالأمانة وشرف المهنة!
ندرك أن لا يمكن توجيه كل أصابع الإتهام لموظف بمجرد أن وظيفته تمكنه من معرفة بعض المعلومات عنا, ذلك أن الأمانة هي صفة قد توجد أو لا توجد لدى أي إنسان, سواءً أكان موظف أو قريب أو صديق أو جار أو عدو, هؤلاء جميعاً يمكن أن يسربوا مثل تلك المعلومات إن أرادوا, لكن إن كان من يسرب تلك المعلومة "موظف" بغرض المجاملة على حساب شرفه الوظيفي فإنه سيكون عندئذ هو الأسوأ من بينهم!.