ربما كان الدور الأبرز والأجمل الذي ظلت تلعبه الأسر الممتدة لمدى عقود طويلة داخل المجتمعات التي سارت عليها كعرف قيمي واجتماعي, هو تعزيز ذلك الشعور بالانتماء والتضامن بين أفراد الأسرة الكبيرة, التي قد تمتد لتشمل في بنيانها الأعمام والأخوال وأبناءهم بالإضافة إلى الأجداد الذين يعتبرون من ركائز البيت ودعائمه الأساسية, بل أنه كثيراً ما يناط بهم مهمة تربية الأبناء وتنشئتهم إلى جوار الأب والأم, فيبرز جلياً بذلك الدور الذي يلعبه مفهوم تناغم الأجيال في تشكيل وبلورة وعي الأطفال وترسيخ ثقافتهم المحلية بالإضافة إلى غرس قيم وثقافة المجتمع المحيط من خلال ذلك التواصل الحميم الذي ينشأ ويتوطد بين أعضاء تلك الأسر.
ومن المعلوم أن الأبناء في الأسرة الممتدة غالباً ما يكونون أكثر ميلاً لتعزيز أواصر الترابط والتعاضد الأسري من أولئك الذين نشئوا في كنف ما يسمى اصطلاحاً "بالأسرة النووية" وهي تلك التي تقتصر في تأسيسها على الزوج والزوجة والأبناء فقط, وهي التي شكلت السائد والمتعارف عليه في البناء الأسري للمجتمعات الحديثة, حيث غالباً ما يؤدي ذلك الانفصال الذي تكون عليه الأسرة النووية إلى الاكتفاء بالعلاقات الحميمة التي تتأصر بين أفرادها فقط, في حين تكون العلاقة بينها وبين جذورها الأخرى –في معظمها- إما مبتورة أو متذبذبة, وبالمقابل نجد أن الأبناء في الأسر الممتدة غالباً ما يكونون أكثر حرصاً واستعداداً لبذل الوقت والجهد البدني والنفسي والمادي في سبيل الإبقاء على استقرار مكانة الأسرة وتعزيز روابط أعضاءها ولو كان ذلك على حساب الأخذ من راحتهم وطموحاتهم وسعادتهم الشخصية, ومن أجل ذلك ولكي لا يشعر الأبناء بالقطيعة ما بينهم وبين أصولهم وبالتالي يخسرون المزايا التي تأتي نتاجاً لوجود مثل هذا التلاحم في الأسر الممتدة فإنه ينبغي على الزوجين الذين أتخذا قرارهما بتأسيس عائلة منفصلة عن الأسرة الكبيرة تنشئة الصغار وتعويدهم على الإنتماء للبيت الكبير كأجزاء مكمله لأركانه الأساسية, وبالتالي يجني هؤلاء الصغار ثمار تلك الأواصر الحميمة التي ستمنحهم كل الفرص لتنمية وتشكيل وعيهم وشخصياتهم وثقافاتهم المتنوعة وفقاً لبناء إجتماعي رصين تنصهر في وجدانه المثل والأخلاق والقيم التي تكسب الإنسان فيهم تلك النظرة الواعية بالماضي والحاضر وما سيكون عليه المستقبل!