روابط مفيدة : استرجاع كلمة المرور| طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
نـوبـة حنين [ آخر الردود : نبيل محمد - ]       »     في محراب الحنين [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     لحظه غيابك [ آخر الردود : ياسر الكثيري - ]       »     انتفاضة [ آخر الردود : ذكرى - ]       »     هموم مضت في فضاء الواقع [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     كفيف [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     ذكرى شاعرة في ربيع العمر [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     شوقان [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     جناح الخير [ آخر الردود : زياد الحمداني (( جناح الأسير)) - ]       »     عودة حميدة نتمناها للجميع [ آخر الردود : وهج الروح - ]       »    


الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
عدد الضغطات : 3,475ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 2,733ضع إعلانك هنا - ثلاث شهور فقط 25 ريال عماني
عدد الضغطات : 7,973
دروازة للتصميم
عدد الضغطات : 52,440عدد الضغطات : 52,213عدد الضغطات : 52,319

العودة   منتديات السلطنة الأدبية > منتديات السلطنة الأدبية > مدونة الأعضاء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 09-08-2017, 12:48 AM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

انقسمت حياتي الأسرية لثلاث مراحل:
مرحلة الهدوء قبل العاصفة:
كانت هذه المرحلة من أقصر مراحل حياتي الأسرية؛ فلم تتجاوز السنتين، ولكنها كانت كفيلة بتوطيد العلاقات الزوجية، واكتشاف ما هية الطرف الثاني، شعرت خلالها بالحب والألفة والمودة من قبل زوجي، ورزقنا خلالها بعمر، الذي سر به كثيرا، وضمه إليه في حنان؛ حتى تعلق الصغير به تعلقا كبيرا.
عشت نمط حياة العائلة الكبيرة المركبة من الأم والأب، والأخوة وأبنائهم، والأخوات، ولكن الجميع كانوا على درجة كبيرة من الاحترام والتقدير للقادم الجديد، وأنا بدوري أحببتهم على الرغم من صعوبة العيش في أسرة كبيرة بالنسبة لي؛ لأن غالبيتهم كانوا ذكورا، وكنا نتشارك الخدمات المنزلية، ولكن دماثة أخلاقهم جعلتني أشعر بالارتياح نوعا ما، وكان زوجي يقضي ثمانية أيام في عمله في أبو ظبي، أعود خلالها إلى بيت أهلي؛ لأكون قريبة من أمي، كما لفت نظري أيضا خلال هذه الفترة اعتماد أهله عليه في معظم أمورهم وخاصة أبوه الذي كان يتجاوز إخوته إليه في معظم أعماله، ولم يكن كبيرهم، فما رأيته يتأخر عن خدمة أهله، أو يعتذر عن ذلك. أكبرت ذلك فيه وأعنته عليه، حتى توفي أبوه وهو يدعو له.
ونحن على ذلك من الهدوء والسكينة، بدأت الأحوال تتغير، وبدأ زوجي يحب العزلة، لندخل في مرحلة جديدة غريبة علينا، فبعد أن كان منبسط الأسارير أصبح منقبضا معي ومع عمر الصغير، فكان يتجاهلني وولدي، وإن بكى الصغير يريده أعرض عنه، أما علاقته بي فقد لحق بها التوتر، وصارت تقوم على الأمر والنهي فقط، وأصبح يستثقل الحديث معي ويسد دوني كل الأبواب، ويعتبرني مصدر إزعاج هكذا دون أسباب؛ فإن شئت الحديث معه في أمر ما، رد علي بأنه مشغول؛ إما يقرأ الصحيفة، أن يشاهد التحليلات الإخبارية، أو يريد النوم، او الخروج، أو...إلخ.
فأضطر إلى النزول عند رغبته، فعم الصمت بيني وبينه، وليس هذا فحسب بدأ يظهر لي ولولده الكثير من القسوة والتعسف، فما كان أمامي سوى الصبر على ذلك، ولكن الأمور كانت تسير إلى الأسوء، فأصابني القلق والأرق، وبدأت أشعر بوجود أشياء غير طبيعية في غرفتنا؛ أصوات ضحكات، وأحيانا بكاء طفلة، أصوات قطط وكأنها في دولاب ملابسنا، صوت ماء يترقرق، حفيف نعال تسير في الغرفة، وفي الوقت الذي كان هو يغط فيه في نوم عميق كنت أشعر بالخوف الشديد، وكثيرا ما كان يستيقظ عمر مفزوعا من نومه.
استعنت بالله تعالى على ذلك وصرت أركز على قراءة القرآن الكريم، والرقى الشرعية، والدعاء، وغن استسلمت للنوم أرى أشياء معلقة في أشجار في منازل قديمة، أو أرى عظاما معلقة في نوافذ بيت قديم مندثر، وأكثر من مرة، رأيت أشياء في آبار وكأني أراها أمامي حقيقة، وسمعت في نومي مرة كأنما قائل يقول لي: في بعض هذه الغرفة سحر، وأحيانا يتراءى لي رجل كبير في السن فاحم اللون يجلس في منتصف قاعة الجلوس يتكئ على عصا غليظة، وإن حاولت إخبار زوجي بذلك اتهمني في عقلي.
كنت أجهل الفاعل، وإن كان شكي يذهب إلى ذلك الرجل الذي هددني ذات يوم بالسحر، حتى ذات يوم فوجئت بزميلة في العمل(منسقة فنية) كانت علاقتي بها طيبة، تأتي لتقول لي احذري من فلانة ومن كيدها، فهي تذهب إلى المكان الفلاني، لتصنع لك سحورات، وكانت هذه المرأة صديقة حميمة لتلك المرأة ولكن يبدو أن هناك عداوة نشبت بينهما؛ فجاءت تخبرني بكيد صاحبتها بي وبأسرتي، طبعا لم أستبعد ذلك منها؛ فبعد زواجي لاحظت أنها تناصبني العداء، وتحاول مضايقتي بطرق شتى، وكأني كنت السبب في انفصالها عن زوجها، على الرغم من أنها كانت قد تزوجت بعد انفصالها عن زوجي، وظل هو ثماني سنوات بعدها دون زواج، وهي من طلبت الانفصال وعملت عليه.
بطبيعة الحال تحولت حياتنا إلى جحيم وعشنا غريبين في غرفة واحدة، حتى اتفق أن فتح باب التسجيل لراغبي التأهيل التربوي من حملة الشهادات الجامعية، في جامعة السلطان قابوس، وكان ذلك عام 2002م
فشجعته على ترك العمل في أبو ظبي، وأن يلتحق ببرنامج التأهيل التربوي في الجامعة؛ فقد كان رجلا طموحا للغاية؛ حيث إنه كان يجمع بين العمل والدراسة عن طريق الانتساب إلى جامعة بيروت، فكانت فرصة ذهبية له ولزملائه، فاستقال من عمله، وقدم للحصول على دبلوم التأهيل التربوي، في الوقت الذي أتاحت لي فيه الوزارة فرصة الحصول على دبلوم التوجيه التربوي، في نفس العام ونفس الجامعة،
توقعت أن تكون هذه السنة سنة ألفة ومودة بيني وبينه، وخاصة أننا سوف نبتعد عن جو البيئة الملغمة بالهموم والأشجان. استأجرنا بيتا في منطقة الخوض قريبا جدا من الجامعة، وتركت عمر في رعاية أهلي، وبدأ المشوار، ويا له من مشوار!ّ!


للحديث بقية
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 09-08-2017, 01:08 AM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

اقتضت حكمة الله تعالى أن نكون معا في هذه السنة، التي توقعت أن نكون فيها أقرب من بعضنا، نعيد فيها ترتيب أولويات حياتنا، نناقش فيها ما مضى، وما حال دوننا ودون ألفتنا وتلاحمنا كأسرة واحدة، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه.
انتقلنا إلى الخوض، وما زال مدبرا قليل الحديث، ساهما، كأنما يحمل من الهموم جبالا راسيات، أما أنا فقد اعتدت أن أواجه هذه الأمور بعظيم الصبر، متأملة متفكرة في ما آل إليه حالنا من التشتت والتردي، والمشكلة تكمن في عدم رغبته في فتح أي باب للحوار والنقاش، ويفضل بقاء الأمور على ما عليه من سوء الأوضاع، كنت حينها حاملا بابنتي سوسن، وحالتي الصحية من السوء بمكان، ولا معين إلا الله جل وعلا. عندما استقر بنا الحال هناك، كان اول شيء لم اتوقعه منه أن يخبرني بأن كل واحد يسافر بسيارته الخاصة، فكان يتقدمني بليلة، ويصل مساء السبت، وكنت أتأخر حتى الصباح من أجل ابني عمر، فأصل مع موعد المحاضرات، ما في ذلك من بأس، ولكنه كان يعود يوم الأربعاء، ويتركنا بفردي في منزل الإيجار، جربت الأسبوع الأول فأصابني الرعب وخاصة أني غريبة عن المنطقة ولا صاحب لي فيها ولا أهل، وكان المنزل مفتوحا؛ فهو عبارة عن غرفتين متجاورتين مفتوحتين على ساحة البيت، ودورة مياه في زاوية بعيدة منفصلة ، ومدخل بلا باب يصل بنا لى الناحية الأخرى حيث مجلس الرجال، والمطبخ في الزاوية الأخرى، لم أناقشه في هذا الموضوع، وعملت من نفسي على حل هذه المشكلة؛ فقد كانت في نفس المنطقة مجموعة من طالبات التأهيل التربوي من محافظة البريمي، يقمن في سكن خاص بهن، ذهبت واتفقت معهن أن انام معهن تلك الليلة من كل أسبوع، ورحبن بي، جزاهن الله خير الجزاء.
مضت الأيام بل الأشهر ثقيلة جدا لا أستطيع أن اطلب منه مد يد العون والمساعدة في شيء أبد، فبدأت أدرب نفسي على تلبية متطلباتي ومتطلبات المنزل، والدراسة، حتى ذات يوم كان الجو فيه ماطرا والرياح شديدة مع تساقط حبات البرد، في شهر رمضان المبارك، شعرت من أول هذا اليوم أني مريضة، ولا أشعر بالتوازن في خطواتي، وعدت من الجامعة وانا على ذلك ، تحاملت على نفسي وأعددت وجبة الإفطار وهو جالس في الغرفة يرى ما أنا عليه وكأنه لا يرى شيئا، وبعد وجبة الإفطار لم أستطع القيام وكأني في عالم آخر، ولكني أشعر بما يدور حولي، ولا أستطيع أن أطلب منه أن ينقلنا إلى العيادة القريبة من المنزل، فتصبرت وتصبرت، وجاء العشاء وخرج لصلاة التراويح في المسجد القريب، فقلت أنتظر مجيئه؛ حتى لا يقول: إني شغلته عن الصلاة,
عندما عاد كان المرض بلغ مني مبلغا عظيما فناديته طالبة من أن يوصلني إلى العيادة، ساعدني ومضينا، أخبرتني الطبيبة أن أرتاح في العيادة فترة من الزمن بعد أخذ العلاج هناك، مكثنا حتى بدأت أشعر بشيء من النشاط في بدني، فطلبت المغادرة بحجة أني بخير، كتبت لي الطبيبة دواء خاصا آخذه من الصيدلية، ذهبنا إلى الصيدلية، فاكتشفت أن المال الذي في حوزتي لا يكفي لصرف الدواء، فما أتعب نفسه في توفير الدواء وعدنا كما ذهبنا، فقلت أصبر حتى الصباح والله المستعان، فصبرت حتى الصباح، وتحايلت على نفسي للخروج حتى أصل إلى عيادة الطلبة في الجامعة، فكان ذلك وحصلت على الدواء من هناك، فأيقنت حينها ألا معين إلا الله،
وأن وجوده معي مشكلة عظيمة ليس إلا.
كما اتفق ذات يوم أن يصبح الصباح وإطار السيارة فارغ من الهواء، ويحتاج إلى استبدال، في البداية ترددت كثيرا أن أطلب منه ذلك، فحاولت رفع الإطار الاحتيطاطي من صندوق السيارة فشعرت بخطر على الجنين، فقد كنت حينها في الشهر الثامن، فلم يكن هناك بد من طلب المساعدة، فثار في وجهي بحجة أني مهملة، وانه سوف يتأخر عن محاضراته، فوقعت الواقعة، فقام وهو يزبد ويرعد وركب الإطار وانطلق مسرعا، وكأني طلبت منه أن يقتل شخصا ما.
ركبت السيارة وما كدت أمضي حتى بدأت أسمع صوتا في مقدمة السيارة، وبدا ذلك واضحا عندما استقمت على طريق الجامعة الذي كان حينها طريقا واحدا للقادمين والراجعين، فأسقط في يدي، فخفضت من السرعة إلى أقصى حدن و تركت إشارة الخطر تعمل، وكل خوفي أن ينفلت الإطار من السيارة فتكون الكارثة عظيمة مع زحمة الصباح، وكاد وقتها قلبي يقف من شدة الهلع، ولكني واصلت الطريق حتى وصلت غلى كلية الطب، فوقفت هناك، وأخرجت مفتاح شد البراغي، فمر بي ثلاثة من طلاب الجامعة، فساعدوني في ضبط براغي الإطار، فيبدو أن أبا عمر نسي ذلك واكتفى بيديه، ولكن رحمة الله قريب من المؤمنين، وعندما عدت لم أخبره بما حدث؛ لأني أعلم أنه سيقول لي: في المرات قادمة قومي أنت بذلك.
انتهت تلك السنة بما فيها من المرارة، وعدنا لنستقر من جديد في بيت أهله، ورزقنا بسوسن التي ولدت ولديها مشكلة ليونة القصبة الهوائية، فوقعت في معاناة أخرى.
خلال هذا العام تلقي زوجي هدية من ابنيه وهي عبارة عن زجاجة عطر (تولة من المسك الأبيض) بلا علبة؛ لأنهما قدما من العمرة، فأخذها وقال أضع منها عند صلاة الجمعة، فنهيته عن ذلك وقلت له هذه الهدية جاءت من مصدر مشبوه، ولا يمكن لك وضعها في الغرفة أو وضع شيء منها، وخاصة أنك لا تملك حاسة شم لضعف العصب الشمي، فأصر واتهمني بالعداوة لأبنائه، مع كونهما ما زالا طفلين أكبرهما في الحادية من العمر,
حملته مسؤولية تحمل تبعات ذلك العطر وبالفعل ما كاد يضع من مرتين أو ثلاثا، حتى أصيب بما يشبه مسا من الجنون، فانقلب رأسا على عقب، فلا يستق في المنزل، ولا يعود إلا قبيل الفجر ، وإن عاد لا يدخل الغرفة وينام في مجلس الرجال في بيت أهله في معظم الأوقات، وبدا ثائرا متوترا بسبب وبدون سبب، واشتدت عداوته لي ولعمر، فقلت له ذات يوم من شدة الغيظ دع عطر المسك ينفعك الآن،
كثر الجان في الغرفة واستحالت ملعبا للجن لا يقر لنا فيها قرار، ولكني لم أستسلم ذلك وبدأت مرحلة العلاج بالقرآن الكريم والرقية الشعرية وخاصة بعد ما رأيت من إعراض عمر عن المدرسة وتردي حالته الصحية، فكانت كل مراكز العلاج بالقرآن الكريم تخبرني بوجود سحر عظيم، وكلما تماثلنا للشفاء صنعوا لنا غيره، حتى ضاقت بنا الأرض بما رحبت، ومكثنا على ذلك سنين عدة في منزل أهله، وبعد عشر سنوات مكثناها عند أهله، انتقلنا إلى منزلنا الخاص على أمل التخلص من أسحارهم، وسكنا بجوار أهلي من أجل سوسن وعمر، مع معارضته الشديدة للسكن بجانبهم، ولكن قدر الله وما شاء فعل؛ لننتقل إلى مرحلة أخرى أعتى وأشد مما مضى.
للحديث البقية


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 19-08-2017, 10:02 AM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

انتقلنا إلى بيتنا الجديد على أمل أن نحظى بالهدوء والسكينة وراحة البال بعد الشدة والمعاناة، ولكن يبدو أن الهموم ومشقة العيش تسابق خطواتنا أينما نذهب وأينما نتوجه، والله المستعان على كل حال؛ فبمجرد الاستقرار في منزلنا مرض زوجي وبقي على ذلك شهرين، وخلال هذه الفترة رأيت في نومي رجلا قصير القامة يدخل إلى بيتنا ويدفن شيئا تحت أول شجرة بالقرب من الباب الخارجي للمنزل، فانتظرت حتى العصر، ثم حفرت في ذلك المكان فوجدت خيطا به مجموعة من العقد قمت بفكها مع قراءة المعوذات، فعرفت حينها أن قوى الشر لا تزال وراءنا ولن تتركنا ما دمنا نشكل أسرة واحدة وإن كان ذلك ظاهريا.
كلما مر بنا الوقت كانت الظروف تزداد سوءا، فما زال عمر يرفض المدرسة تماما، ولكني لم أتركه، ولم أستسلم يوما، والغريب في ذلك أنه في اليوم الذي تتيسر فيه الأمور ويذهب إلى المدرسة وإن كان ذلك جبرا كنا نشعر بوجود شخوص من حولنا تتبعنا وتترصدنا أمام المدرسة ولكني كنت أتجاهل وجودهم، وأشجع عمر على المضي قدما.
عاش المسكين معاناة شديدة وقاسية؛ فإن نام لا يستيقظ وإن استيقظ لا ينام، ولا يقرب الطعام إلا قليلا، حتى ذهب شحمه ولحمه، وكنا نرى من أمره عجبا في بعض الأيام والليالي؛ حيث إنه يتحول إلى كلب ينبح ويجري وراءنا في المنزل على يديه ورجليه وبسرعة عجيبة، فيعضنا ويثير الفوضى في المنزل، وإذا سألته عن السبب قال: لا أدري لماذا أفعل ذلك.
وكثيرا ما كان يسمع طرقا على جدار غرفته الخارجي عندما تأتي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، فكنت أذهب إلى غرفته في هذا الوقت، فأسمع ما يسمع، وقد استمر هذا الطرق فترة ثم اختفى، كما كنت أسمع كلاما وحوار في غرفته، فأظنه يتحدث في الهاتف، او يلعب لعبة، فأفتح الباب في هدوء فأجده نائما.
وفي يوم من الأيام مرض واقتضى ذلك عملية جراحية بسيطة، فكان الموعد بعيدا في مستشفى المحافظة فأخذته إلى محافظة وأخرى وكنا في رمضان وعندي سوسن صغيرة، فقرر الطبيب أن يحجز في المستشفى وأن تجرى له العملية، فأقمت معه، وفي كل مرة يتم تأجيل العملية لوجود حالات طارئة حتى ذات يوم اجتمع عليه مجموعة من الاطباء وقرروا ان الوضع لا يستدعي إجراء عملية، وكلما كبر كانت حالته أفضل، وتم إخلاء سبيلنا، وقبل العودة قلت أعالجه عن التبول في فراشه ليلا، وعرضته على الطبيب هناك، وأخبرني بضرورة أخذ أشعة على أسفل الظهر، فربما وجود فجوة هناك يكون سبب هذه الحالة.
ذهبت به إلى مكان الأشعة، وأعطاني الفني خمس حبات لتنظيف الامعاء قبل إجراء الأشعة، فاستنكرت ذلك وقلت له الأشعة لهذا الطفل(الصف الرابع) فهل أعطيه كل هذه الحبوب، فأكد لي ضرورة أخذها كلها دفعة واحدة بعد وجبة العشاء.
انصرفنا من المستشفى عند الظهر ووصلنا عصرا، بعد أن قررت إجراء الأشعة في المركز الصحي في ولايتنا، وأخذنا ورقة من الطبيب، وبعد تناول وجبة العشاء شرب الدواء، وبعد قليل بدأت الأعراض تظهر عليه، ولم ينم في تلك الليلة لشدة ما يعاني من آلام في بطنه ولكني كنت أقول له: تصبر، ومن الضروري أن تكون أمعاؤك خاوية، واشرق علينا الصباح وخرج والده إلى العمل، في المدرسة القريبة من البيت، وشرعت في الاستعداد للذهاب إلى المستشفى لإجراء الأشعة، وهنا سمعته يصرخ في دورة المياه، فأسرعت إليه فرأيت الدماء تسيل من فمه وتجري مع الإسهال أيضا، فطار صوابي وانطلقت إلى الهاتف لطلب المساعدة من الأب، فاجأني برده انه مشغول وعنده حصة، عندها جريت إلى بيت أهلي وجئت بزوجة اخي لتساعدني في أمره، نظفته وغيرت ملابسه، وحملته وزوجة اخي لنضعه في بطانية، وحملناه إلى السيارة، فأذنت لها بالإنصراف إلى بيتها وأولادها.
وصلت به المستشفى وحملته على كتفي إلى الطوارئ، فرآه الطبيب الحاذق فقال عودي به إلى عيادة الأطفال فحملته إلى المركز الصحي من جديد على كتفي وجلسنا ننتظر دوام طبيب الأطفال وحالته تزداد سوءا. حضر الطبيب ودخلنا وعندما رآه قال لي: هذه حالة تستدعي قسم الطوارئ حالا، حملته من جديد وعدت به إلى المستشفى في مقابل المركز الصحي، وأخبرت طبيب الطوارئ بما قال طبيب الأطفال، فبدأ الكشف عليه، فوجده قد وصل إلى حالة الجفاف، حتى إنه لم يجد له عرقا إلا بشق الأنفس حتى يعطيه المحلول الوريدي. ساعتها تلاشى العالم تماما من أمام عيني، وطار فؤادي من شدة الخوف عليه.
قرر الطبيب أن يلزم عمر المستشفى، فجلست معه، ومر الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولم يسأل أبوه عنه حتى بمكالمة هاتفية، وبعد صلاة التراويح حضر مع بقية الزوار، وما زاد على قوله: هل شفيت؟ وجلس مع هاتفه حتى غادر المستشفى مع بقية الناس. أقمنا أياما في المستشفى ومع هذا كنت أعود البيت ظهرا؛ لأعد طعام الإفطار له، لأنه يرفض أن يأخذ إفطاره من بيت أهلي، وأعود إلى ولدي بعد صلاة المغرب، بعد استقرار حالته.
للحديث بقية
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 07-09-2017, 09:53 PM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

بفضل من الله تعالى تجاوزنا أزمة مرض عمر، وعاد إلى البيت معافى، لنواصل مرحلة الصراع بيني وبين زوجي، وبين زوجي وأولاده، فخلال هذه السنوات الثلاث الأولى التي انتقلنا فيها إلى منزلنا المستقل لم يرفع زوجي عصاه عن عمر وسوسن، وزاد على ذلك أن عزل نفسه في مجلس الرجال، واتخذه غرفة خاصة له، لا يخرج منه إلا إذا سمع شجار أبنائه لينقض عليهم بعصاه الغليظة، ما لم يشد وثاقهم مبالغة في إلحاق الضرر بهم، وكم وقفت في وجهه دفاعا عنهم، فينتقل العراك بيني وبينه، مرت هذه السنوات قاسية ذات أنياب حادة قاطعة، ولكن مع المزيد من الصبر، استطعت الاحتفاظ بكيان الأسرة وإن كان ممزقا ومهشما.
بعد هذه السنوات الثلاث، عزمت على ضرورة فتح باب الحوار، شاء ذلك أم أبى، وفعلا بدأ يتحدث عن مأساته التي كان يعيشها في معزل عنا، وما يشعر به من اليأس والأسى وهو يرى نفسه على هذه الهيئة المزرية، وكأنما هناك شيء يتحكم في إرادته، فلا يجيد إلا الغضب والدخول في شجارات لا أساس لها، أشفقت عليه وطلبت منه أن يحاول جاهدا التغلب على ما هو عليه، وأن يبدأ بالخروج من عزلته المريرة وأن يندمج مع أفراد أسرته، وبدأ المشوار وانتقل من مكان عزلته ولكنه لم يشعر بالراحة أبدا، فكان يستيقظ بعد منتصف الليل ويعود من حيث جاء ينتظر الصلاة ثم يكمل إقامته هناك، ولكن حالته كانت أفضل عن ذي قبل، وبعد شهرين عاد من جديد وانتقل إلى مقر عزلته، وبدأت المناوشات والنفور من الجميع، وكان أشد ما يؤلمني حينها قسوته على سوسن وعمر دون أسباب، أما عن نفسي فكنت ألوذ بالصمت إذا بادر بتكوين خلايا عداوات، وأتركه يفعل ما يشاء، فكم من مرة كانت دموعي تخالط لقمة طعامي، فلا أترك السفرة حتى لا يزداد غضبا فيدع طعامه، لم يكن هو هو وإنما كان شخصا آخر، حتى ذات يوم اشتبك مع ابنه وابنته؛ لأنهما يتشاجران ويزعجانه، فحاولت الدفاع عنهما، فما كان منه إلا أن هددني بأني لو تقدمت خطوة واحدة لضربني معهما، فأقسمت بالله أيمانا مغلظة لو مد يده وضربني وأولادي ما مكثت لحظة واحدة في المنزل، وعندها حملني مسؤولية فساد أبنائه، واتهمني بأني لا أحسن التربية، مع العلم أني كنت أقسو عليهما كثيرا؛ تأثرا بحالة القلق والتوتر التي كنت أعيشها معه، وقال: من اليوم وصاعدا لا شأن لي بهما، وتولي أمرهما بمفردك، وفعلا رفع يده عنهما ولله الحمد، لدرجة أنه لا يسأل عنهما ولا عن أحوالهما، لا في صحة ولا في مرض، وعاش العزلة من جديد لثلاث سنوات أخر، يخرج ويدخل علينا لا يعنيه أمر أي منا، ويسافر كثيرا مع أصدقائه دون علم بوجهته إلا إذا استرقنا السمع لنعرف وجهة سفره، نرى حقائب السفر فقط، وعندما يعود نجده في المنزل، ولكن كان ذلك أفضل للجميع عما قبل من بطش وقسوة. ولكن مع كثرة سهره مع أصدقائه ، وتأخره ليلا زاد من حدة القلق لدي فلم يكن يغمض لي جفن حتى أسمع الباب يفتح، أو أخرج من غرفتي لأنظر إلى نعليه؛ لأطمئن على عودته سالما، واستمر بنا الحال على ذلك سنوات ، لا يسمح لأحد منا بالدخول إلى مقر عزلته، وإذا حاولت التقرب منه طردني وأولادي، أو يخرج ويدعني بمفردي هناك، وإن قصده أبناؤه في حاجة، أمرهم أن يغلقوا الباب ويعودوا من حيث أتوا، فازدادت الشقة بيننا وزاد أبنائي في لومي على أني لم أحسن اختيار الأب المناسب لهم، فكنت أنهاهم عن ذلك وأوصيهم بأبيهم خيرا، حية أو ميتة، وأن ما بيني وبينه لا يعدو كونه كيد ساحر، وأصرح لهم بحبي له وخوفي عليه وشفقتي به، وأن الأمل في الله هو العلاج الوحيد لما نحن فيه. ولا أخفيكم اني طلبت منه أن يتزوج بأخرى مرارا وتكرارا لعله يجد الراحة في حياته، فكان يعرض عني ويلوذ بالصمت حتى آخر مرة عرضت عليه فيها هذا الأمر ثار في وجهي، قائلا: أنا أعرف لماذا تطلبين مني ذلك؟ حتى تتخلصي مني، ولكن اسمعي ما سأقوله لك: إن رأيت أني غير مرغوب في أخبريني بذلك وأقسم لك أنك لن تري وجهي، وسوف أغادر هذا المنزل، كان رده أكبر مفاجأة في حياتي، فلم أحر جوابا بعد ذلك، ولكني شعرت بأنه يحبني ولكن يمنعه مانع من الاقتراب مني، فازداد حبي له وتعلقي به.

للحديث بقية
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 08-09-2017, 02:16 PM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

طبعا خلال هذه السنوات كان العلاج بالقرآن مستمرا، ولكني كنت بمفردي أتجشم المشاق من أجله ومن أجل أبنائي، طلبت العلاج في بلادنا وفي خارجها، وفي كل مرة كنا نعود من حيث بدأنا، وكنا نعالج أنفسنا ذاتيا، حتى استنزفت هذه السنوات قوتي البدنية والنفسية والعصبية، والاقتصادية، ولكني كنت أتصبر بالله تعالى، وأن الفرج قريب، فما رأيته في حياتي من زوجي وأبنائي يعجز القلم عن وصفه؛ لدرجة أني بدأت أكره أبنائي وأصبحت أعاملهم بالعنف والشدة وهم كذلك بطبيعة الحال، فلم يكن يمر علي يوم لا أبكي فيه مرة أو مرتين أو ثلاثا، تغير وجهي وذهبت نضارته وكرهت النظر إليه، فكنت أخشى من مطالعة وجهي في المرآة، ونسيت نفسي تماما، بين كل هذه الصراعات العنيفة، ولكني أحمد الله تعالى على أني لم أشعر بالكراهية تجاه زوجي، ولم يكن همي كيف أتخلص منه، ولكن كان كل همي كان كيف أخلصه مما هو فيه؛ لذلك احتفظت بما يجري في بيتي في قلبي، وما ذكرت شيئا من ذلك أمام أهلي أو أهله، وكنت أعزي نفسي أني أجلس معه بمحض إرادتي، وأني أستطيع المغادرة في أي ساعة أشاء، ولكني فضلت مواجهة الأمر على الهروب، وترك زوجي في دوامة لا أول لها من آخر، فكنت أكثر الناس فهما لطباعه، فهو رجل شديد الاعتداد بنفسه، وحساس بمعنى الكلمة، ولا ينكسر أبدا، ولا يقبل الهزيمة.
كانت حياتي عبارة عن مجموعة م
ن القصص المأساوية المتشابكة التي يصعب فك رموزها وإشاراتها ذات أحداث درامية متصاعدة، ولكنها ذات نهايات مغلقة، ومن أهم هذه الحكايات في هذه المرحلة التي عايشتها في بيتنا الجديد والتي بلغ عدد سنواتها عشر سنوات هذا العام، أن قدر الله لي أن أحمل بطفل ليس له قحف رأس، وعندما أخبرته بذلك حملني المسؤولية وكأني موكلة بالخلق، متناسيا قدر الله وقضائه في خلقه، فأعرض عني في الوقت الذي كنت فيه بحاجة ماسة لوقوفه معي، فقد عانيت كثيرا خلال فترة الحمل هذه وأصبت بسكر الحمل، وزيادة كمية الماء حول الجنين، لدرجة أني كنت أجد صعوبة في الحركة والمشي، وقد طلبت مني الطبيبة أن أسقط الجنين عندما كان في الشهر السادس، فرفضت ذلك وقلت: يستوفي رزقه وأجله.
مرت شهور الحمل كأصعب ما تكون ولا معين إلا الله سبحانه وتعالى.
عندما ولد الطفل كان الامر كما قيل تماما، ومكث بعد ولادته ثلاث ساعات ثم فارق الحياة بعد معاناة شديدة في حمله وولادته. وضع الطفل في ثلاجة الأموات حتى الصباح، وغادر زوجي قبل خروجي من غرفة الولادة على أن يعود في الصباح لتسلم الطفل، وفعلا جاء صباحا وما كلف نفسه أن يقول الحمد لله على السلامة، وأحسن الله عزاءك، بل قال علينا مغادرة المستشفى لدفن الطفل، فما وجدت من الكلمات ما يسعني أن أعبر به عما يجيش في خاطري، خرجنا من المستشفى وكنا أنا وهو فقط، وقد انصرفت زوجة أخي بعد ولادة الطفل ووفاته، فطلبت منها المغادرة لبيتها وأبنائها.
عندما ركبت في السيارة سارع بإحضار الطفل من على المقعد الأمامي ووضعه في أحضاني دون أن ينبس ببنت شفة وكنت كذلك فقد كان الصمت أبلغ من أي كلام هنا، وعندما وصلنا البلدة سألني عن المرأة التي تقوم بتجهيز الأموات فقلت له في الجهة المقابلة، فسار بي حتى وصلنا إلى بيت الخالة شيخة في موقف قاصم للظهر، مفتت للأكباد نزل وقرع جرس المنزل فخرجت ثم دخلت وأحضرت متطلبات تجهيز الميت على مرأى ومسمع مني، وعندما فتحت الباب لتركب فوجئت بالطفل في أحضاني فجزعت من هذا الموقف فقالت مستنكرة لا يجب أن تحملي الطفل فمهما يكن فأنت أم يا ابنتي، وأخذت الطفل مني ووضعته في حجرها، ومضينا إلى المنزل ولحق بنا ابنها بعد ذلك لاستكمال مراسم الغسل والدفن، مكثت بعد ذلك أياما أحاول استيعاب ما حدث فكانت دموعي تنسكب حارة تصهر الفؤاد، فقد كنت أبكي من أجل كل الأشياء التي كانت عبارة عن خناجر تمزق وجداني، ولم يكتف بذلك فبينما كنت أحاول لملمة جراحي النازفة وما زلت على فراش المرض والوهن والضعف كان ينقض على عمر ليضربه ضربا مبرحا لسبب تافه وهو رفض وضع كيس البطاطس الفارغ في سلة المهملات، فما تدخلت حتى جاء عمر مستجيرا بي، فقلت له اترك المسكين في حاله فجسده لا يتحمل كل هذا الضرب، فبدأ يوجه لي الاتهامات بأني أشجع أبنائي على العصيان، فقلت له لو طلبت منه بالرفق واللين كان قد استجاب في التو واللحظة ولكن أنى لزوجي ذلك. حينها تجاوز معي في الكلمات قائلا يعلم الله أني لا أحب دخول هذا البيت وأراه مظلما بسبب وجودك فيه، وقعت هذه الكلمات على مسامعي وقوع الرعد القاصف، فما تمالكت نفسي إلا أن قمت من فراشي وتوجهت إلى سيارتي متحاملة على نفسي وعمر يجري ورائي باكيا، ركبت سيارتي وكدت أدهس ولدي الذي أصر أن يرافقني فأشفقت عليه وركب، فكان يبكي لبكائي، فما شعرت بنفسي إلا وأنا أجوب الشوارع وألف وأدور تطاردني كلماته أينما توجهت بقيت على ذلك حتى قبيل المغرب، وعدت مع ولدي، ولكني لم أستطع التوقف عن البكاء، وأغلقت باب غرفتي، ومكثت هناك لا أحب رؤية أحد، وقررت ترك المنزل والمغادرة دونما رجعة، وعزمت على تدبير منزل بالإيجار وعقدت العزم على ذلك وقلت أنتظر خروجه من المنزل ثم آخذ حاجيات وأنصرف.
وعندما أشرق علي اليوم التالي كنت على ما أنا عليه من البكاء والحزن والمرض، ولكني في آخر دقيقة بدأت الأفكار تتوارد إلى ذهني بأني سأكون محور أحاديث الناس في مجالسهم وسوف يشمت بي أعدائي، وأن أمي لن تتحمل صدمة كهذه، ولا أريد إلحاق الأذى بها، وخاصة بعد إقبالها عليه وارتياحها له مؤخرا.
ثم فكرت في مصيره هو أين سيذهب حتما لن يمكث دقيقة واحدة في المنزل، ولا أضمن ردة فعله، فعدت عن قراري فجأة، وعند الظهر وفي نفس الوقت الذي حدث فيه ما حدث مر في طريقه إلى المطبخ فناديته، فأقبل فطلبت منه الجلوس، ثم سألته عما قال وبناء علي مسوغات نطق بذلك، وهو يعلم تمام العلم أني ما آذيته في حياتي ولا سعيت إلى ذلك أبدا، فقال متعجبا وهل أنا قلت هذا الكلام؟ فأكدت له ذلك، فقال يعلم الله أني ما شعرت بأني قلت مثل ذلك، وإن كنت قلته فأنا أعتذر. شعرت بأنه لم يقل ذلك بإرادته، فحمدت الله أني لم أتسرع في اتخاذ القرار.
انتهت كغيرها من القصص المؤلمة ولكن أحداثها ما زالت في الذاكرة.

للحديث بقية
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 09-09-2017, 10:19 AM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

انقضت ست سنوات عجاف رافقتنا منذ بدأنا انتقالنا إلى بيتنا المستقل، عشنا فيها الخوف والضيق وتجرعنا فيها الهم كؤوسا مترعة، تحول بيتنا إلى ملاعب للجان والشياطين، وميدانا لحرب لا هوادة لها، عشنا الغربة كأسرة، والاغتراب الفكري والروحي، وكنت خلالها أقاتل في جبهتين؛ حيث زوجي في عالمه الشرس، وحيث أبنائي الذين يعانون الأمرين؛ فهم في حالة توتر وشجار مستمر مع بعضهم البعض ومعي، وكأنهم مسلطون علي؛ مبالغة في كسر عزمي وحرق همتي، ولكني كنت أناضل في قوة وشجاعة؛ من أجل أن يكونوا صالحين من أجل أن يشفوا من أمراضهم وأعلالهم وإعراضهم عن مدارسهم؛ فثلاثتهم كانت المدرسة عقبة كؤودا في طريقهم، بدءا بعمر الذي رأيت العجب العجاب من أحواله إذا جاء وقت المدرسة، أو شئنا المذاكرة، وأستطيع أن أقول: شرب ولدي المر فعلا في حياته منذ نعومة أظافره، غيرت له المدارس بين الخاصة والحكومية وجريت خلفه بالشدة واللين، أحكمت عليه قبضتي في أوقات الصلوات والعبادات وكانت البداية أصعب من الصعوبة نفسها ولكننا صبرنا، حتى وصلنا الحادي عشر؛ مما تطلب أن ينتقل من المدرسة الخاصة إلى مدرسة الذكور في القرية، فسقط مريضا وظهرت عليه أعراض المس الذي يكاد يودي بحياته، وهنا وللمرة الاولى يهتم أبوه لأمره ويصدق أن الامر ليس دلعا ودلالا كما يدعي هو تعسفا، فبدأ يعالجه بجانب العلاج الذي كان يواضب عليه عن طريقي، فساعدته على اختيار المواد وأحضرت له كتب البحتة والتطبيقية، فنظر وتفكر وتخير، فاختار البحتة، فحملته تبعات اختياره، وأن عليه أن ينسلخ من جلد حياته السابقة ويبدأ من جديد، وفعلا مع وقوف والده معه انطلق إلى الأمام، وخاصة أنه كان في نفس المدرسة التي كان يعمل فيها أبوه، وكنت من ورائه مع استمرار العلاج بالقرآن الكريم، ولله الحمد كانت حاله أفضل من ذي قبل، وقد نجح في الصف الحادي عشر، وصار في الصف الثاني عشر العام المنصرم2016-2017م، فكانت المفاجأة؛ حيث عاد إلى النقطة الأولى لا يخرج من غرفته ولا يستطيع التوجه إلى المدرسة، وغلب عليه الوسواس من جديد، فأسقط في يدي، ولكني لم أيأس من روح الله تعالى، أما أبوه قرر أن لا فائدة من ورائه، وأنه لن يرى الخير في حياته شئت هذا أم أبيت، وأعلن التخلي عنه تماما، بحجة أنه لا يستجيب لنصائحه، جلست مع ولدي وقلت له: لا تبتئس تعودنا أن أكون أنا وأنت فقط ومعنا ربنا المطلع على عباده ، وسوف نمضي، وانتقل عمر من مدرسة أبيه إلى مدرسة الولاية وبدأنا المشوار بين فر وكر، وكنت أتابعه أولا بأول في مدرسته، مع شدة ضغط أبيه علي، فقد كان يعترض على ذهابي إلى المدرسة ويدعو عليه بأن يفصل أو يحرم من الاختبار، ولكني لم أسمع لقوله وكنت أزور المدرسة بشكل متواصل على أمل أن يعينوني في أمره، فانقضى الفصل الأول، ونام الجميع عن اختبار اللغة الإنجليزية كضربة قاصمة للظهر، فبكيت يومها بكاء حارا، رأفة بحال ولدي ، ولكن قدر الله وما شاء فعل، وجاء الفصل الثاني، فكانت الظروف أعتى وقرر عدم المواصلة أنه سوف يبحث عن عمل ولكني كنت أصم آذاني عما يقول، وحينها جلس في البيت مريضا أسبوعين ودخلنا على الأسبوع الثالث، حتى ذات صباح جاءني بقراره النهائي والحاسم؛ ألا وهو لن يكمل الصف الثاني عشر فثرت في وجهه واشتبكنا بالكلام، وقلت له والله لا أرضى عنك أبدا أن تضيع كل تلك السنوات وما لقينا فيها مما يعجز عنه الوصف، حتى تحول القريب إلى عدو، حتى انهار وبدأت دموعه تسيل على خده، فما هو فيه أقوى من كل الكلمات، فقام من فوره ولبس ملابسه وحمل كتبه ومر من أمامي، فقلت له استعن بالله، وانطلق وسوف ألحق بك إلى المدرسة، ، ركب سيارة أجرة وعاد إلى مدرسته، لحقت به بعد ذلك وطلبت من الجميع هناك أن يقفوا معي وأن يغضوا الطرف عنه، فوافقوا بشرط أن يسلم كل ما يطلب منه من واجبات، وأن ينجز كل الأعمال، فتعهدت لهم بذلك، ومر الفصل الثاني بما فيه من الخير والشر، وانقضى، وبقي ملحق اللغة الإنجليزية، وامتحن قبل العيد ولله الحمد والمنة وما زلنا ننتظر النتيجة، وأملنا في الله كبير، وما خاب من توكل عليه، فأحواله تحسنت وبدأ يعتدل في صلاته، وطعامه، ومجمل حياته، فتغير من هيكل عظمي إلى كيان آخر. فشعرت بالراحة من أجله وبقيت سوسن وحليمة، أما سوسن فأمرها كان أهون من أمر عمر وحليمة، على الرغم من شدة وحدة ما مرت به من العناء والمشقة ولكني لم أتركها لنفسها كفريسة لقوى الشر العنيدة التي كانت تقاتلني في زوجي وأولادي ونفسي، وصارت سوسن في هذا العام في الصف العاشر، وحليمة في الخامس ولكنها ما تعلمت شيئا في مرحلة الأول إلى الرابع؛ لأنها لم تستقطع دخول المدرسة مع وجود الرغبة في ذلك، فكانت تتأذى كثيرا، وغيرت لها سبع مدارس كنت أحملها بنفسي ولكن ما من نتيجة، وما زلنا هذا العام على نفس الموال؛ فإذا وصلت المدرسة صارت في حالة أخرى، فكأنما هنالك شيء يمسك بحنجرتها فلا تملك إلا البكاء والقيء، وخاصة لو كانت بصحبتي،ولكن بعون الله تعالى وتوفيقه لن أتركها أبدا ولن أستسلم، مع العلم أن أباها يساعدها ويحثها ويحملها هو بنفسه وهو في طريقه إلى مدرسته ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وبدأ يوسف سنة التجهيزي مع بداية غير موفقة ولكنه الآن بدأ يهدأ شيئا فشيئا ويستقر مع أقرانه.
للحديث بقية

التعديل الأخير تم بواسطة زهرة السوسن ; 13-09-2017 الساعة 12:11 PM
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 13-09-2017, 11:54 AM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

وتمر السنون، ويتجدد الأمل في الله تعالى، وتنقضي عشر سنوات من أعمارنا في بيتنا المستقل بعد عشر قضيناها في منزل أهله، ست سنوات خطت لنفسها في الذاكرة وجودا لا ينسى أبدا مهما تعاقبت الفصول، إضافة إلى سنوات الهموم والأشجان التي تجرعنا كأسها في بيت أهله، لتشرق علينا شمس حياة جديدة فريدة، نعمنا بضيائها خلال السنوات الأربع الأخيرة، بعد أن كانت حلما يراود مخيلتي؛ فقد بدأ زوجي يشعر بوجودنا من حوله، وبدأ يتلمس احتياجات أولاده، واحتياجات المنزل، وبدأ يسألني عن النواقص ليستوفيها، وبدأ يقبل على أولاده ويقربهم منه، وينظم لهم أوقاتا للتنزه، والخروج في سفرات، عن طيب نفس منه، وكان يرسلهم إلي ليخبروني بما اتفقوا عليه، ولكن تبقت نقطة واحدة لم أفهمها بعد، ألا وهي تبرمه وضيقه عندما أرافقهم، فيظل طوال الطريق يتعمد انتقادي، وإحداث مشاجرات لا مسوغ لها، وإن عزمت عدم مرافقتهم، قال لهم إذن تلغى الرحلة، ولن يذهب أحد إلى أي مكان، فأضطر إلى الاستسلام لإرادة الجميع متحملة النتائج الوخيمة، تألمت لهذا الامر كثيرا، وعرفت أن مشكلته معي ما زالت معقدة، ولكن صبرت على ذلك، وأدمت الصمت، حتى هذا العام فوجئت به يعرض علي أمر الخروج مع الأسرة دون وساطة؛ مما أثار عجبي وتعجبي، وكأني أما شخص آخر، وأعد العدة بنفس راضية، وكان يرجع كل الأمور إلي ويستحسن رأيي وما أقترحه عليه، على العكس تماما عما مضى، كذلك سمعت اسمي يتردد في المنزل، وإذا دخل سأل عني إذا لم يجدني أمامه، تبدلت الأحوال بعد تسعة عشر عاما أكلت الأخضر واليابس من حياتي، تأسيت فيها بالخروج إلى العمل والجد والاجتهاد، والإخلاص الذي خفف عني من مشقة العناء والهموم والأحزان، فكانت محبة الناس كنزا عظيما لا يضاهيه كنز المال، فأكملت في عملي عشرين عاما، ثم تقاعدت عن العمل، ولكن قلبي ما زال يحن إلى التربية من وقت إلى آخر فأجدني بين أخواتي وصديقاتي وبناتي الطالبات؛ لأشعر بروح الحياة تنبض بين أوصالي بشكل متجدد. ما بين طرفة عين وارتدادتها يغير الله من حال إلى حال.
ويمضي بنا هذا العام كأجمل ما يكون؛ حتى خشيت عليه من دنو الأجل، ومن بين المفاجآت هذا العام أن طلب مني أن أذهب إلى العمرة في رمضان، وكان يحسن الحديث معي، وينظر إلى وجهي كأنه يراني للمرة الأولى، وعلى غير العادة انطلقنا كأسرة متآلفة للمرة الأولى إلى صلالة، وكان معي في منتهى اللطف والذوق، يحرص علي كل الحرص، ويبدي خوفه علي بطريقة ما مرت علي في حياتي، يجلس معي ويجاذبني أطراف الحديث بأريحية شديدة، على العكس تماما عندما كان يتجنب الجلوس معي إذا خرجنا معا. شعرت كأني في حلم لا حقيقة، وكان أبنائي في غاية السعادة وهم يرونه يحسن معاملتي بهذه الطريقة، قضينا أوقاتا رائعة في هذه الرحلة، وشعر الجميع بالراحة والهدوء والسكينة.
وعندما عدنا إلى منزلنا كان خير معين، وعندما قرر السفر مع رفاقه بعد أيام من عودتنا جاء إلي وأخبرني بكل تفاصيل الرحلة ومن سيرافقه من أصحابه، مع شدة تعجبي مما يحدث من حولي، وعند سفره أوصاني خيرا بنفسي وأولادي وبيتي، وطلب مني التواصل معه دائما أثناء سفره ليطمئن على أحوالنا. وعند عودته خصني ببعض الهدايا الجميلة، وكأنه استيقظ من كابوس مزعج جثم على صدره سنوات. طبعا لا أستطيع أن أصف السعادة التي كانت تغمرني وأولادي، فحمدت الله وشكرت فضله وجوده وعظيم نعمته علي، وهنا أستطيع أن أقول لا يأس من رحمة الله تعالى وإن اشتدت ريح الأسى والأحزان، وعصفت فالله تعالى ليس بغافل عن عباده.
أشكر كل من عاش لحظات حياتي مع هذه الحروف، وكل من تفاعل، وكل من رأى فيها عظة وعبرة، وإن كانت هذه مجرد مقتطفات بسيطة، أرجو ألا أكون قد أزعجتكم أيها الإخوة والأخوات، ودمتم في خير حال.
وكن رجلا على الأهوال جلدا
..............وشمتك السماحة والسخاء
ولا تجزع لحادثة الليالي
.................. فما لحوادث الدنيا بقاء
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:48 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية