حوار مع الشاعر هلال الحجري عضو لجنة تحكيم الفصيح

[إبراهيم الرواحي]

أثناء إجراء الحوار


***لو بدأنا بالحديث عن الملتقى كونك تشارك للمرة الأولى ضمن لجان التحكيم ، وربما تحضره للمرة الأولى أيضا.. كيف رأيت فعالياته؟


فكرة الملتقى فكرة عظيمة ، وأهدافه نبيلة جدا ، وبالفعل هذا أول ملتقى أحضره وأشارك به، لكني سابقا كنت أتابع جهود المسؤولين في وزارة التراث ، وحرصهم الشديد على استقطاب المواهب الأدبية وتشجيعها في مجالات الشعر والقصة والفنون التشكيلية أيضا، وهذه جهود محمودة، وأظن أن شهادات الأجيال المتلاحقة من الذين مروا على هذا الملتقى في دوراته السابقة شاهدة على الكلام الذي أقوله، حيث أنهم خرجوا بالفعل من معاطف هذه الملتقيات، فقد كانوا مجرد مبتدئين ومشاركين ثم عادوا إليه محكمين، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير لهذه الملتقيات.

***لو اقتربنا أكثر من الجلسات النقاشية بين لجان التحكيم والمشاركين، والتي استحدثت خلال هذا الملتقى، ما الرسالة التي أردتم إيصالها للمشاركين؟

بالفعل فقد كشفت لنا حلقات النقاش هذه أهمية إقامة هذه الحلقات ، ومن خلالها وجدنا معظم الشعراء المشاركين لديهم تعطش شديد لمعرفة مواصفات النص الجيد، وقد نجحنا من خلال هذه الحلقات أن نناقش معهم عناصر النص الجيد، تحدثنا إليهم عن البناء اللغوي، والبناء الموسيقي ، والبناء الصوري، وعن إشكالات النص الحديث في الأدب العربي مثل الغموض، وتناولنا قضية الصراع بين القديم والحديث ، وفي الواقع أن حلقات النقاش هذه وما صاحبها من مناقشات هي من الروافد التي تؤدي إلى تطوير أساليب الكتابة عند الشباب، وأقول أنهم كانوا مناقشين فعلا، ولم تكن معرفتهم ناقصة، بل كان نقاشهم مثريا ، وهذا دليل على أنهم على اطلاع واسع وثقافة عالية.

*** يقول البعض أن الشعر الفصيح خلال الآونة الأخيرة يواجه ضغوطات وتحديات ربما من الانتشار الواسع للشعر الشعبي، أو من قلة الوعي لدى الجمهور، أو من اتجاه الشعر الفصيح بقوة نحو الغموض.. ما رأيك بذلك؟ وكيف يمكن أن نصل بالشعر الفصيح للمتلقي؟

كلامك صحيح ، وقد لمسناه بالفعل في الملتقى ، ورأينا التفاوت النسبي بين قصائد الفصيح وقصائد الشعبي، ولكن ليس بشكل مطلق ، فهناك قصائد فصيحة مشاركة لدينا هنا في الملتقى تكاد تفوق كل القصائد الشعبية الموجودة في الملتقى السابع عشر ، أنا أقول هذا وأتحمل مسؤوليته ، ولكن على صعيد الكم ، فالواضح فعلا أن عدد القصائد الشعبية الجيدة أكبر من القصائد الفصيحة الجيدة ، وأنا أقول هنا أن هذا يؤكد حقيقة مهمة، وهي أن الشعر يكمن خارج الأسوار، فالنصوص الفصيحة الجيدة أكثر هي النصوص التي استطاعت الخروج من أسوار القصيدة العمودية وكسرت الوزن والقافية، وأقصد هنا (نصوص التفعيلة) ، وكذلك الحال في قصائد الشعر الشعبي، فالقصائد الجيدة أكثر هي القصائد التي خرجت من أسوار اللغة ، فالشاعر الشعبي يتحرك بحرية شديدة على مستوى اللغة، فهو يستخدم اللهجة وهي أسهل ، وحقيقة فأنا أشفق كثيرا على شعراء الفصيح، فهم يستخدمون اللغة العربية الفصحى ، وهي لغة صعبة والتعامل معها شعريا ليست بتلك السهولة والحرية الموجودة لدى شعراء الشعر الشعبي، ولذلك لا يمكن أن نلوم الشعراء في هذا الجانب.
إذا وجد لدينا في هذا الملتقى خمسة نصوص فصيحة جيدة ومبشرة بمستقبل واعد فأنا أظن أنه هذا يكفي ، أما مسألة التصفيق للقصائد فهذا ليس معيارا ، وهناك من القصائد الشعبية المشاركة في المسابقة هي قصائد غنائية مفرطة في البساطة ، أؤكد أنه أبدا لم تكن جميع القصائد الشعبية التي استمعنا إليها ذات مستوى جيد، ومعظم القصائد الجيدة في الشعر الشعبي حسبما سمعت هي القصائد التي اقتربت من الشعر الفصيح، حيث استخدمت اللغة الإيحائية واعتمدت على تكثيف الصورة، والتقت هذه النصوص الشعبية بالشعر الفصيح في هذا الجانب.

** ولكن برأيك.. هل تعتبر ابتعاد الشعر الفصيح عن الجمهور ظاهرة سلبية؟ وهل السبب في ذلك الابتعاد هو غموض الشعر الفصيح؟

لا أظن ذلك ، حيث أن القصائد التي قدمت للملتقى واستمعنا لها لا يوجد من بينها قصائد موغلة ومفرطة في الغموض، بالعكس فهناك بعض القصائد المشاركة كانت أقرب إلى النظم ، ولم يشفع لها الوزن والإيقاع في أن تكون قريبة من الجمهور.
أيضا لا بد أن نتذكر شيئا مهما وهو أن القصيدة الحديثة بشكل عام في مأزق سواء كانت فصيحة أو نبطية، القصيدة الحديثة دخلت الآن في تقنيات لم يتعود عليها المتلقي أو المستمع العادي، المستمع تعود على اللغة السهلة ، وعلى الموسيقى المجلجلة، وعلى المواضيع السهلة التي يستوعبها، والأغراض الشعرية المستهلكة الواضحة، بينما القصيدة الحديثة ابتعدت عن ذلك ، هي فعلا الآن في معضلة ، لكني أتصور أنها معضلة حميدة وليست سيئة، فالشعر ينبغي أن يكون متمنعا وليس مجانيا.
وعلى مدى العصور والأزمنة فالشعر الذي وصل إلينا هو هذا الشعر الجيد الذي كان ينطوي على صور عميقة ومكثفة وتستعصي على الفهم، إن النص الجيد الحقيقي هو الذي لا يكشف عن معناه من أول وهلة، وهذا لا يحدث في قاعات ملتقيات مثل هذه، لا بد أن تتأمل النص مثلما تتأمل لوحة تشكيلية غامضة، فجمالها في غموضها وعدم بوحها بمعناها من الوهلة الأولى ، الجمال الغامض في الألماس والجواهر أيضا ، لابد أن تتأمله لتكتشف ثمنه.

** الشعراء المشاركون في الملتقى .. ماذا تقول لهم؟

تحدثنا إليهم في الحلقات النقاشية ، ونكرر الحديث هنا أيضا ، ونقول لهم أن عليهم أن ينفتحوا على التجارب الشعرية العالمية أكثر كالأدب الأمريكي والأدب الإنجليزي والأدب الصيني مثلاً ، فمن يحصر نفسه في إطار الشعر العربي فقط ويلتزم بمحليته فقط فلن يستطيع أن يطور من نفسه وأسلوبه.

**لو دخلنا إلى جانب الحركة النقدية في السلطنة، بلا شك هي قليلة.. فما الأسباب برأيك؟ وكيف نصنع حركة نقدية بالسلطنة؟

كلامك في محله فعلا، فالواضح أن الحركة النقدية هنا في السلطنة لم تستطع ان تواكب تطور الكتابة الإبداعية ، ولكن في المقابل أيضا لا يمكن أن نلوم النقّاد لأنه لا يوجد لدينا ناقد متفرغ في السلطنة ، النقد كالإبداع تماما يحتاج إلى تفرّغ وجهد كبير، أنا لا أتحدث هنا عن الكتابات الانطباعية السريعة، لكن النقد الذي يتابع الأعمال الإبداعية ويرصدها عن قرب ويضعها في سياقها العالمي والعربي، إذا كانت متأثرة أو إذا كان يبحث فيها عن الأصالة وجوانب الإبداع، هذا هو الذي يوجه مسيرة الإبداع.
النقاد في السلطنة بشكل عام هو أكاديميون وغير متفرغين للعمل النقدي، ولا يوجد لديهم هامش كافٍ لممارسة هذا العمل النقدي الحقيقي النوعي الذي يرتجى منه مواكبة الحركة الإبداعية.

**إذن يمكننا القول أن النقد هنا في السلطنة يواجه أزمة حقيقية.. كيف يمكن التغلب عليها؟

هي أزمة حقيقية ومشكلة ظاهرة طالما تحدثنا عنها وكتبنا فيها ، والحل يكمن في تفريغ الكتّاب والمبدعين ضمن خطة مدروسة وليست عشوائية، جميع دول العالم المتقدمة لديها هذا النظام، وهو أن تستقطب مجموعة من الباحثين الجيدين أو النقاد ضمن عقد قانوني يستكتبون فيه لدراسة الكتابة القصصية في عمان على سبيل المثال، أو لدراسة الكتابة الروائية أو الشعرية وهكذا... لا بد من هذا العمل لأن الزمن يمضي بسرعة، ونعلم بأن سياق الحياة الاجتماعية بمتطلباته الباهظة لن يخلق لنا جيلا من النقّاد يشار إليهم بالبنان وتكون لديهم أعمال متراكمة عربيا، في الواقع أن بعض النقاد العرب متفرغون للنقد وهذا الذي حقق لهم هذا الإنجاز.
وإن أردنا فعل ذلك ، فمجلس البحث العلمي يمكنه القيام بهذه المبادرة ، وكذلك الجامعات الموجودة بالسلطنة، وأؤكد أنها ليست عشوائية ولا مضيعة للوقت، من يتم التعاقد معه يتم ذلك بشكل قانوني، وملزم بوقت معين لينهي عمله النقدي.

**وعلى الصعيد الشخصي.. هل من جديد لديك في المستقبل القريب يمكن أن نكشف عنه في هذا الحوار البسيط؟


لدي مجموعة من البحوث أقوم بإعدادها ويعتمد الانتهاء منها وفقا لهامش الوقت الذي أجده بعد الانتهاء من العمل، العمل بطيء ولكن لدي مشاريع وبحوث عديدة، وبأية حال لا يمكنني أن أحدد وقتا الآن.