مفكرة العصر

[سالم الوشاحي]

أفق
مفكرة العصر آخر تحديث:الجمعة ,15/02/2013


عثمان حسن

أحدثت فترة ما بعد الحربين العالميتين خلخلة كبيرة في الثقافة العالمية، حتى إن الآداب الأمريكية برمتها لا سيما الرواية والشعر قد تأثرا إلى حد كبير بالحرب وويلاتها، وما أحدثته من هزة في بنية القيم الأخلاقية والاجتماعية بوجه عام، بل إن الشعر الأمريكي في هذه الفترة وصل إلى ذروته مع بروز قائمة من أهم الشعراء مثل: والاس ستيفنز، سيلفيا بلاث، عزرا باوند، إليوت، روبرت فروست، ألن غينسبيرغ، روبرت لويل وغيرهم .



وانتقلت عدوى العصر الجديد إلى الرواية ومناخاتها الواقعية كما تجلى عند (إديث وارتون) مؤلفة كتاب “عصر البراءة” . هذه الأعمال التي تعج بالفقراء والمهمشين والفساد الذي ينخر المجتمع المريض، فها هو جون شتاينبك (1902 1968) يميل مباشرة إلى نقد المجتمع فيتحدث عن الفقراء والطبقة العاملة ونضالها للوصول إلى حياة كريمة في روايته “عناقيد الغضب” .



كما شهدت فترة نهاية الحرب الثانية حتى أواخر الستينات وأوائل السبعينات صدور أهم الأعمال الأكثر شعبية في تاريخ أمريكا، منها ما يدين التورط الأمريكي المباشر في الحرب، كتلك التعبيرات الأدبية الأكثر جنوناً وصراحة في أعمال كل من سيلفيا بلاث، ونابكوف، وجي دي سالينجر .



في الشعر برز ما يعرف بمجموعة مثقفي نيويورك مروراً بفترة الحداثة والتجريب الشعري، كما هو حال الرواية المعاصرة التي انطلقت بقوة منذ بداية السبعينات حتى يومنا هذا، مع بروز أسماء مؤثرة كنورمان ميلر وكورت فونجيت وجون أبدايك وغيرهم .



على صعيد الشعر برزت أسماء تصور الحياة، كما لو أنها موطىء قدم لكل العبث الذي لا يمكن تصوره، فذهبت في قصائدها لتصوير هشاشة البشر وتحولهم إلى كائنات في خدمة الماكينة الصناعية الجامدة، إزاء بشاعة الرأسمالية وتوحشها كما هو حال قصائد الأمريكي جوزيف كالار .



وذهبت قصائد أخرى لترصد التجارب اليومية، كما هو الحال عند الشاعر جاري سوتو الذي كتب نوعاً من القصائد السريعة والمضحكة، كناية عن جرعة السخرية المؤلمة مثل “رسائل بولارويد غرامية” و”الاستماع خلسة لموسيقا من سيارة مارة” و”بقع جمال تشبه بقع ضوء الشمس” وغيرها .



تتبدى قسوة الألم عند سوتو في واحدة من قصائده المدهشة وهي بعنوان “مفكرة العصر” التي تتأمل نافذة ثلاجة طعام مفتوحة، فينسج سوتو قدراً من السخرية الجارحة، وهو يتأمل محتويات الثلاجة ويحيل إلى أمراض العصر، وتهتك المجتمع وتركه نهباً للمجهول والمصير الفاجع .



يقول سوتو في “مفكرة العصر”: (أحياناً أنظر في الثلاجة / وأقرر أن الخردل مألوف بشكل مبهم / ووعاء الزيتون الإسباني يبدو جديداً بالنسبة لي / أغلق الثلاجة وأتكىء على منضدة المطبخ / هل هي الشيخوخة / بثور مشمع الأرضية حين تمشي عليه / أحجار المغناطيس على الثلاجة تنزل زاحفة مع جاذبية / الكوبونات المنتهية وفواتير الطبيب / مقبض صغير من الأذى / أبتلعه ثلاث مرات . ./ كبد فاسد . . الخ) .

جريدة الخليج