خطر يهدد بـ( سقوط الميدان ) من أهله

[أبو مسلم الصلتي]

الميدان بحر واسع غزير، والإبحارعلى مياهه أمر جد خطير ، أمواجه متلاطمة ، وتياراته متيامنة ومتعاسمة ، لايمكن لأحد أن يسبحه إلا إذا امتلك ادوات السباحة ، وتدرب عليها وعرف أن يوظفها بكل راحة ، وإلا كانت سباحته سباحة الفلين ، تتقاذفه الأمواج والتيارات على اليسار وعلى اليمين ، ولا يعرف إلى أين مساره بحق اليقين .
كما إنه لا يمكن لأحد أن يغوص في لج بحوره إلا إذا امتلك أدوات الغوص ، وتدرب عليها وعرف أن يوظفها كما هو الحال عند المفحوص ، وإلا كان غوصه غوص المسمار ، يهوي في ظلماته بلا قرار ، وربما يصل إلى استقرار ، لكن بعد انحراف المسار .
لذا وجب علينا أن نتدرب على الميدان ونتمرسه ، ونتمعنه ونتفرسه ، ونبذل الجهد ونكرسه ، قبل أن ننتقده بعنجهية وغطرسه ، وقبل أن ننظرفي مغناه ومعاناه بريبة ووسوسه ، وتؤدي بنا الأمور إلى شيء من الهلوسة .

ومما دفعني إلى كتابة هذا الموضوع ماأثير مؤخرا من نقاشات وتساؤلات طرحها بعض الشباب ممن لهم اهتمام بشعر الميدان في كتابته أوالاستماع إليه وتذوقه أو روايته ، فيقولون أن هناك كلمات أو أبيات أو قصائد لها معاني ساقطة أو طايحة ، أي لها دلالات غير لائقة في معناها ، بل وصل بهم الأمر إلى تجزءة الكلمة إلى جزئين أوتؤخذ الكلمة من سياقها في البيت ، أو يؤخذ البيت من سياق القصيدة ، أو تؤخذ القصيدة من سياق الحدث أو الموقف .
ومن تلك الكلمات على سبيل المثال لا الحصر : ( فيش ، يسهر ، يكسر ، كسرى ، بحر، دهر ، مطر ، مهر ، مهرجان ، ذخر ، عطر، حر ، فسر ، نفس ، مطرحي ، مخطفنك ، مسنّكم ، منك ، ينطح ، طحن ، نطحني ، نطيح ، طحنا ، بكسنا ، فورانا، فورا ، والاوطاني ، الوطني ، فلوطاني ، ولوا طفي ، مبرز ، موكب ، مركب ، فسيح ، في السنة ،عالسنا ، في السكن ، بهنيك ، سوي لي ، مايكفيني ، ولايسدني ....)
وأرى أن هذا الأمر جد خطير في النقد لشعر وشعراء الميدان ، وذلك من عدة وجوه منها :
1) إن الكلمة أوجزءها أو البيت او شطر البيت أو القصيدة لاتؤخذ من سياقها الموجودة فيه سواء في المغنى او المعنى ، لأنها تفسر في سياقها وإذا أخذت من السياق أصبحت كلمة مجردة تحتمل جميع معاني اللغة العربية أو اللهجات المحلية ، وكذلك الحال بالنسبة لشطر البيت أو البيت أو القصيدة ، خاصة إذا ما كانت القصيدة جواب على شاعر آخر ، فالشاعر ربما قصد ذلك المعنى في معرض الهجاء أو الذم أو الاستهزاء والسخرية والتهكم أو الهجوم إلى غير ذلك من الأساليب .
2) إن النقد بهذا الشكل لشعر الميدان يستثنيه من بقية الأشعار الشعبية الموروثة كالرزحة والمسبع والتغرود والعازي والنشيد والشرح ... وغيرها من الأشعار الشعبية النبطية ، أوالأشعارالفصيحة ، فكان الميدان يكتب بلغة أو لهجات تختلف عن لغة أو لهجات هذه الأشعار ، مع أنها كما نعلم جميعا كتبت باللغة العربية لغة القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، والأقوال المأثورة ، المنظومة والمنثورة ، والكلمات التي يكتب بها شعر الميدان ويقال عنها ساقطة أو طايحة أو غير لائقة جاءت فيما ذكرناه سابقا ، فلماذا لاتكتب في شعر الميدان أو تفسر بغير ماقصد بها ، مع معرفتنا إن للكلمة في اللغة العربية لها عدة معاني ومعنى الكلمة يتضح من خلال السياق أو الجملة أو العبارة التي توضع فيها .
3) إن النقد بهذا الصورة لشعر الميدان يضرب شعر الميدان من أساسه فقاماته الشعرية المعروفة قديما وحديثا استخدمت هذه الكلمات ، ولايكاد شاعر يخلو من الكلمات التي يكثر العراك واللغط حولها الآن .
فهؤلاء الشعراء أخذوا قواعد واسس شعر الميدان من مصادرها الأساسية ، أو قل هم الذين أسسوا لقواعد الميدان ، وصالوا وجالوا في ميادينه ، فهم من هم ؟ ونحن من نحن ؟ فهل هم لايعرفون مايدور في أذهاننا نحن اليوم من دلالات بعض الكلمات أو الأبيات أو القصائد ؟ وهل هم في ثقافة ضحلة إلى هذا الحد من الجهل بالمعاني والدلالات ؟ وهل هم يجهلون التراكيب اللغوية ودلالاتها وما قبل الكلمة ومابعدها ؟ وهل هم يجهلون دلالات الأبيات أو القصيدة إلى هذا الحد الذي نتصوره نحن ؟ وهل وهل وهل ,,, ؟حاشاهم ، حاشاهم ، حاشاهم ،،، فنحن من قصرت أفهامنا عن ماوصلوا إليه من قوة الحبك وجزالة السبك .
4) إنه من المعروف عن الفنون الشعبية أنها متوارثة ومتناقلة عبر الأجيال ومن تلك الفنون فن الميدان ، ومن المعروف أيضا أن حلاوة هذه الفنون تكمن في الكلمات والمفردات والتراكيب واللهجات والأمثال الشعبية المحلية ، ومن هنا وجب علينا أن نحافظ عليها من خلال تضمينها في هذه الفنون ، ونضيف إليها مايمكن إضافته من ثقافتنا المعاصرة .
فإذا جردنا هذه الفنون من حلاوتها المعروفة أصبحت بلا لون ولاطعم ولارائحة وانعدم منها الذوق ، وأصبحت غثاء كغثاء السيل ، ورغاء كرغاء الإبل ، ونهيق كنهيق الحمير .... أعزكم الله .
5) مما لاشك فيه إن كل شاعر ميدان قد قرأ أو استمع لقصائد كبار الشعراء من أمثال عامر بن سليمان الشعيبي المطوع ، وحافظ بن محمد المسكري ، وراشد بن سلوم المصلحي سويري ، ومبارك بن خاطر ، وسعيد بن عبدالله ولد وزير ، وجميل بن مبروك الراشدي ، وحمد بن علي الغافري ... وغيرهم الكثير الكثير من القامات الشعرية التي يشهد لها العدو قبل الصديق ، وفرّجت كلماتهم الهم والضيق ، واضاءت لمعاصريهم معالم الطريق ، ومازال شعاعها ونورها يزداد تألقا وبريق .
كما إننا نتمنى أن نصل إلى مستواهم في الشعر، وأن نكتب قصيدة مثل قصائدهم الرائعة ، وكلنا يفرح ويفتخر عندما يشبّه أحدنا بواحد من هؤلاء الشعراء الكبار في قوة قصائده ، فكيف بنا نطعن في روّادنا ومعلمينا واساتذتنا ؟!
والحكمة او المثل يقول : ( من علمني حرفا ،،، صرت له عبدا )
أم انه انطبق علينا قول الشاعر مالك بن فهم الأزدي حين قال :
أعلمه الرماية كل يومٍ *** فلما اشتد ساعده رماني
6) إليكم بعض الأمثلة من شعر الميدان لكبار الشعراء استخدموا فيها معظم الكلمات السابقة التي يقال عنها ساقطة أو طايحة وهي ليست للحصر، وأنا هنا أتيت بمحل الشاهد ، فأحيانا القصيدة كاملة وأحيانا بعض الأبيات ، والحكم لكم :
يقول عامر بن سليمان الشعيبي المطوع :
كان الشحم واللحم بيفيش *** لو طابقه في المشبكه يده
من ديوان حداء الساري يقول مبارك بن خاطر :
أغني بقصيدي ونقيل لواح *** فليك لقيض وشـــــتا تيري
تستاهله الســـــــــلامه انته *** هيش مخطفنك سلامه انته
غـــبـة ســــلامه تفي لواح *** وتخــلــيهــن شــــــتاتيري
يقول راشد بن سلوم سويري :
هات المحشى بحرس التين *** زرعنا البريسم بحر قامه
سبحنا في غبة بحر ســـتين *** كيفن منســــبح بحر قامه
ويقول مبارك بن خاطر :
ألوي لساني ســــبع لويات *** سوي لي شرا ما أسوي لك
ويقول راشد بن سلوم سويري :
نسمع حكي الناس فــورانا *** حديدك مابيقص فــــــورانا
ويقول مبارك بن خاطر :
أنا قــــــاين الود من القلهام *** عطري ومــدور عطوري
الليلة ترى الهام ملقى الهام *** لقاه وكسر مدور عطوري
ويقول راشد بن سلوم سويري :
عن مسنكم لولبي حيسان *** عرقبتي يراع برقبتك
بتحيســـك لوالبي حيسان *** وبتقطع يراعب رقبتك
ويقول مبارك بن خاطر :
حبك بحبك رحانا الدور *** الثور الذي ينطـح نحـــبك
داير بحبك تباله طحين *** تحب الوياره ورحى شي له
الليله بحك رحانا الدور *** صبح وعشا وينطحن حبك
ويقول راشد بن سلوم سويري :
ربي رحمني ورحام الماس *** أغني بمثل ماطحن تينه
لون تجيب الرحى من ماس *** نعم يالرحى ماطحنتينه
ويقول مبارك بن خاطر :
يوم تزقر الماس جاك الماس *** جدارك هذا الماء يقصفه وراء
بانجـــرب الماس ياكل ماس *** أو ياكـــــل الماس للفــــــوراء
ويقول راشد بن سلوم سويري :
الويك يها الغاف لوين ســن *** البيت ابتنى مايقص فورا
جاك المثــــــــل منك لوليته *** يبوك النرم من كـــلوليته
يبوك النرم نرم لو ينســــن *** محال النرم مايقص فورا
ويقول راشد بن سلوم سويري :
عجبني المطرحي بقص قرنه..............
كلمــــــن نطحني بقص قرنه..............
ويقول مبارك بن خاطر :
نطيح ...............طحنا
ويقول راشد بن سلوم سويري :
هات افسر الألف والميتين *** كان عالم وباترامسنا
ويقول راشد بن سلوم سويري :
يللي هبطن نهيلبنا زمان *** في حلةٍ واللاوطاني
ويقول حافظ بن محمد المسكري :
كله السنه موي لبحر يام *** سكر حلو ياما عصيره
علينا السنه موي لبحر يام *** متلايم ويام ع الصيره
ويقول راشد بن سلوم سويري :
هذا راعي الدين متبع دين *** ناوي احرق شناص والوا طفي
وحدنا عن الموي متبعدين *** عن هبايب الريح والوطفي
ويقول حافظ بن محمد المسكري :
البلشي مبرز برا تومان ***/ينطو على بسورنا بسرهم
زايد بسرها برا بتومان *** واحسن عن بسورنا بسرهم
ومن ديوان على جناح الميدان: يقول حمد بن علي الغافري المؤلف :
منه العطر ذاك أملك عود *** وتفقك عجبني ولد ساده
ويقول :
زرعك عن الطيرمانحرصه *** وصقر القنص زين والحري
يطلع فكل وقت من حرصه *** ولايكيده البرد والحـــــــري
ويقول :
افتخري الدريز وعلى البلدان *** وعلني ونشري براياتك
وتهللـــــــت دار بالبشـــــراه *** لي زارها موكب السامي
ويقول :
ومن مسقط إلين ربع الخالي *** تبقوا ذخرها وسناد لها
ويقول :
طاغي بكسنا وبســط لقلوب *** وبنتي من الناس صحة كم
وخطك وصلنا وبسط لقلوب *** ونطقت حروفه بصحتكم
ويقول :
سدي أنا حـــــديد ماسدك *** الداير على اليد مانداري
وهذا الدهر عدت ماسدك *** شللتبي عدت من داري
ويقول راشد بن خلفان :
تسهر فذا الليل بوته ويانا *** ولي مهذب الخيل يهذوبه
برقٍ لضا في الســنا مـره *** ونبغا حنا في الســنه مره
وين شاعر العود بو تو يانا *** يللي مع الناس يهــذوبه
ويقول الجواب من حمد بن علي الغافري :
وسط الحلل في السكن مرتين *** ولصٍ سرق عسنا مره
أشرب أنا ومـــــــــــاي كفيني *** وياصاحبي مايكــفيني
أبغى أشوفك في السكن مرتين *** ولا يسدني عسنه مره
ويقول راشد بن خلفان :
توني بهنيك يابو شهاب *** بفن الشعر عدت مبروكي
ويقول سالم بن سعيد الغافري :
ضامن فسيح الوســـاماتي *** ونلتي الدريز الوســـاماتي
مارقد من الحر والناموس *** وفي بيتكم موكبن عالي
تكرم علينا الملك بيــــــده *** وامطرعلينا البلد دورين
ويقول :
عطاني يبياع منحه الليت *** ويركض بجنبي فلو وطــاني
أزقر على سعيد وتعسوبه *** وحنا نعرف الدرب وتعسوبه
وطابت الدار من حـــليت *** وتزايد فرحـــــــنا فلوطــاني
ويقول سعيد بن عبد الله ولد وزير :
وهنيتني بحج بيـــــت الله *** وانــــــا بهــــنيك بالجــــنه
ويقول جميل بن مبروك الراشدي ، من قصيدة له في مدح صاحب الجلاله :
يلعبوا الصغيرين كـسره وزاد *** شـــــربن مالغــــدير فلغن ما
اذا طوف على ملك كسر وزاد *** صبح ينشر الذيب في الغنما

وختاما إن السعي إلى تجويد وتحسين الألفاظ في الكلمات والأبيات أمر جميل ، والأجمل من ذلك الاهتمام بدلالاتها في موضعها من القصيدة ، والتأكد من انها وفق الغرض الذي كتبت من أجله ، والنظر إليها ضمن المعنى العام للقصيدة لامبتورة منها ، مع أن قوة القصيدة من وجهة نظري تكمن في بعض الأحيان بتعدد الاحتمالات والرؤى ولهذا قيل ( المعنى في بطن الشاعر ) وما كل واحد يستطيع أن يصل إلى ماقصده الشاعر ، ولكن الاجتهاد في الوصول إلى المعنى المراد أمر طيب ولكل مجتهد نصيب من الفهم .
يقول عامر بن سليمان الشعيبي المطوع :
باموت واهتبي كلي 000 وابقى فلسان الناس خرّوفه
ويقول المتنبي واصفا مثل هذه الحالة :
أنام ملء جفوني عن شواردها 000 ويسهر الناس جرّاها ويختصموا

تحياتي لكم ياشعراء الميدان ومحبيه ......
أبو مسلم الصلتي [/size]