روابط مفيدة :
استرجاع كلمة المرور|
طلب كود تفعيل العضوية | تفعيل العضوية |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
حارة الدجاج
حارة الدجاج
لم يكد هذا الديك يمر بإحدى دور الدجاج ، حتى وقعت عيناه على كتكوتة كالعاج ، جميلة رشيقة ، نظيفة أنيقة ، لم يكن قد رآها من قبل قط ، أو علم بمثلها في قبائل البط ، قعد في موضع مجاور ، يسأل عنها ويحاور ، وقد أطلق العنان لعينيه ، ووزنها بمقلتيه ، فرجحت في ميزان عقله الحاد ، وثقلت في كفة فكره الوقاد ، ومازال يجلو بصره منها ، ويستوفي الحديث عنها ، حتى علق منها بقلبه ما علق وقال سبحان من خلق ، لا أظنها كسائر الدجاج ،وهي تزهى بهذا الحسن الوهاج ثم عاد إلى بيته وقد أضناه الجمال ، وأودى بمهجته في الحال، وما إن أشرق صباح اليوم التالي حتى أسرع بالخروج والسير ، وكاد من لهفته أن يطير ، ويسلك مسالك الطير ، ولما اقترب من موضعها قعد يترقب خروجها الموعود ، من قصرها المرصود ، وما لبثت أن خرجت تستنشق أنفاس الصَّباح ، بعد أن أشرق بضوئه ولاح أما هو فقد مدَّ رأسه ، واستشعر أنسه ، وكأنما يتأمل شيئاً حادثاً ليس له به عهد ، أو معلماً من معالم المجد ، وها هي تمشي ..تقترب من أكوام الأمنيات ، إنها على بعد خطوات...صاح صيحته المألوفة ، ونغمته المعروفة ، محاولاً جذب انتباهها إليه ، وتحويل قلبها عليه ، ولكنها ولته ظهرها باستعجال ، ومضت في سبيلها في الحال ، أسرع الديك يسبطرُّ خلفها ، أيتها الكتكوتة الجميلة اسمعيني ! فالتفتت إليه فجأة : - من أنت ؟ -أنا جاركم الجديد . -وماذا بعد ؟ - رأيتك فظننتك من حارة أخرى غير التي أسكنها ... فابتسمت وأطرقت خجلاً ومضت ، فكأن روحه قد قضت ، فعاد إلى داره ، حتى استقر في قراره، وفي نفسه منها صدوع ، وفي قلبه شيء مقطوع، ماذا دهاني ؟ وأصاب كبدي وكواني .. وفي اليوم التالي .. -أين أنت يا ولدي ، انقر هذه الحبوب ، فقد أحضرتها إليك ، وجعلتها بين يديك . -لا أريد يا أمي ، ليس بي شهية للطعام ، أريد أن أنام .. -لمَ ياولدي ؟ يا قطعة من كبدي ، ثم ما هذا الذبول الذي أراه ؟ ويحك ما لك ؟ أنجح الله أعمالك . _ ثمة شيء أصاب كبدي ، وأوهن عضدي . -لا تُخْفِ عني أمرك ، وصارحني بما تجنه في قلبك . وبعد أن حكى حكايته ضحكت أمه وتهللت، وفرحت وتكلمت : -لا بأس عليك..سنطلبها من أهلها ..هذا يوم سعيد .. لم ينم أحد تلك الليلة وقد ضربت الدفوف ، ورقص الدَّجاج والضُّيوف ، وجاءت الكتكوتة ترفل في زينتها ، وتخطر في مشيتها ، فانبهر الحاضرون ، وزغرد القاعدون ، وهنأوا الديك بحصول المراد ، من بعد ما غاب وعاد ، وقد لبس ثيابه الأنيقة ، وارتدى حلته الرشيقة ، فبدا كأنه القمر ، أو البدر في دجى السحر ، ومازالت الأفراح على قدم وساق حتى آذن الوقت بالفراق ، فأخذ عروسه وانسحب ، وعلى وجهه علامات الرضا والطرب .
__________________
فيصل الحداد |
|
|