هكذايجب أن يكون الشاعر في ملامح بلدتي ( ربما ) ..

[فهد مبارك]

الشعر هنا في الصحراء .. حالة فلسفية ، رؤية نحو ما لا نراه .. حيث يزرع الشاعر أبجديته الشعرية في أرض لا تنبت فيها إلّا غافة الطفولة ، وسمرة الضحى ، ورمل الولادة .. ونصوصه الشعرية لا تزيد قارئها إلّا جدلاً مع ذاته، لأنه سينفتح على قاموس من الصور الشعرية لم يألفه من قبل .. ولكنه قاموس حميم .. لأنه لم يولد إلّا من رحم المكان حيث الصحراء والقوس المعقوف على اللانهايات ، على الرغم من كثرة المشاهدات في عالم ترحاله ..
هكذا هو الشاعر هنا ( يجب أن يكون هكذا )..

[يزيد فاضلي]

...بين الشعراء والبيداءِ توأمة من التجانس تبلغ حَدَّ الرَّهَن..!!

إيتِ يا صاح إلى تلكَ الدرر الخالدة من عيون الشعر العربي القديم وجُسْ معي خلال المُطوَّلاَتِ التي تغنى بها الركبانُ في كل مكان،وأشادوا بقائليها في مَحافلِهم،وجعلوها فاكهة دسِمَة ًفي مجالس سامِرهم،يهزجون بقوافيها ويتناشدون قصائدَها اليُتمَ والمُعلاقات..فبماذا ترشَحُ ملكَتـُكَ الشعرية فيما ترشحه من تأثر واغترافٍ..؟؟

ما من ريبٍ أن المُلفِتَ في ذلك الرشْحُ هو هذا التمازج الضمني بين الإنسان والمكان..بين الشاعر والمَفازة...

شيءٌ من عجاجة التربة التي استفها الشنفرى في لاميته الملحمة...وشيْءٌ من وقفة زهير على دمنة أم أوفى..وشيءٌ من هبة ابن كلثوم حيث لا تبقى خمر الأندرينا..وشيءٌ من برقة ثهمدٍ تلوح على أطلال خولة في عين طرفة..وأشياءُ من نجيع الربع الخالي..ثهلان ذي الهضبات..والمتردم...والقطبيَّات..ودار ميَّة..والرقمتيْن..والدخول فالحَوْمَل..إلى غاية مجنون بني عامر و..وجبل التوْباد..!!

أشياءُ من هذه وتلكَ،تشتنشقها رئتاكَ وتستنثرُها فتتنسَمُ بين حروفها سِرَّ الإكسير الشعري بين الشاعر والصحراء..

ربما غالـَى مَنْ يُغالي حين اعتبرَ الشعرَ صناعة ً،تتفجرُ فقط وفقط بالتفاعل بين الموهبةِ والمؤثِّر في تجاويف التجربة الشعرية بصرف النظر عن كوْن الشاعر في نجد وتهامة والحِجاز أو كوْنِهِ يعيشُ في الألسْكَا ودائرة القطب المُثْلِجَةِ..ولكنْ مَنْ ذا سينفي أن الشاعرية كانتْ ستكونُ مجردَ هالةٍ هلاميةٍ من وجودٍ..أو هي خرافة وأسطورة..ومن أنها-لولاَ إيعاز قويٍّ وإيحاءٍ من مكان القيْظِ،حين ينتعِلُ كُلُّ شيءٍ ظلـَّهُ-ما كان لتكونَ بذاك العنفوان اللذيذ الذي تسري رعشتـُهُ في ذوائقنا كلما قرأنا اليتيمة والمُعلقاتِ..!!

بين الصحراء والشاعر ما يَجعلُ الشمسَ شمساً تأكل نفسَها بنهَمٍ وشراهةٍ،ولربما اغتسلتْ بنارها المحْرقة أو احترقتْ بمغسَلِها البارد..تضيءُ وتحترق..ودمعُ الرثاء وشجو الحكمة وصبَا الغزل ووثبة الفخر تخمدها..!!

شاعرُ الصحراء أو صحراءُ الشاعر..تلك التوأمة الهيفاء تموتُ وتضمُر وتتلاشى حين تتآكَلُ الصورة بين المضاف والمضاف إليه..!!

حين لا تكون الصحراءُ في حِسِّ شاعرنا ليستْ إلا صورة لأعماقٍ التناقض بين الحب لها والكراهية فيها...حين (( كان عنترة يبيع حصانه بلفافتي تبغ..وقمصان مشَجَّرةٍ..ومعجون جديد للحلاقة...كان
عنترة يبيع الجاهليه..!!! ))-كما قال نــــزارُ-حينها فقط ينتهي الشعرُ..وتنتهي الصحراء..!!

استمتعتُ-أخي فهــــد-بهذه الإيماءة الأدبية الفلسفية العَجلى التي انقدحتْ بها أفكارُك..فدمتَ ودامَ قلمُكَ النقدي المِعطاء...