عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 19-08-2017, 10:02 AM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

انتقلنا إلى بيتنا الجديد على أمل أن نحظى بالهدوء والسكينة وراحة البال بعد الشدة والمعاناة، ولكن يبدو أن الهموم ومشقة العيش تسابق خطواتنا أينما نذهب وأينما نتوجه، والله المستعان على كل حال؛ فبمجرد الاستقرار في منزلنا مرض زوجي وبقي على ذلك شهرين، وخلال هذه الفترة رأيت في نومي رجلا قصير القامة يدخل إلى بيتنا ويدفن شيئا تحت أول شجرة بالقرب من الباب الخارجي للمنزل، فانتظرت حتى العصر، ثم حفرت في ذلك المكان فوجدت خيطا به مجموعة من العقد قمت بفكها مع قراءة المعوذات، فعرفت حينها أن قوى الشر لا تزال وراءنا ولن تتركنا ما دمنا نشكل أسرة واحدة وإن كان ذلك ظاهريا.
كلما مر بنا الوقت كانت الظروف تزداد سوءا، فما زال عمر يرفض المدرسة تماما، ولكني لم أتركه، ولم أستسلم يوما، والغريب في ذلك أنه في اليوم الذي تتيسر فيه الأمور ويذهب إلى المدرسة وإن كان ذلك جبرا كنا نشعر بوجود شخوص من حولنا تتبعنا وتترصدنا أمام المدرسة ولكني كنت أتجاهل وجودهم، وأشجع عمر على المضي قدما.
عاش المسكين معاناة شديدة وقاسية؛ فإن نام لا يستيقظ وإن استيقظ لا ينام، ولا يقرب الطعام إلا قليلا، حتى ذهب شحمه ولحمه، وكنا نرى من أمره عجبا في بعض الأيام والليالي؛ حيث إنه يتحول إلى كلب ينبح ويجري وراءنا في المنزل على يديه ورجليه وبسرعة عجيبة، فيعضنا ويثير الفوضى في المنزل، وإذا سألته عن السبب قال: لا أدري لماذا أفعل ذلك.
وكثيرا ما كان يسمع طرقا على جدار غرفته الخارجي عندما تأتي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، فكنت أذهب إلى غرفته في هذا الوقت، فأسمع ما يسمع، وقد استمر هذا الطرق فترة ثم اختفى، كما كنت أسمع كلاما وحوار في غرفته، فأظنه يتحدث في الهاتف، او يلعب لعبة، فأفتح الباب في هدوء فأجده نائما.
وفي يوم من الأيام مرض واقتضى ذلك عملية جراحية بسيطة، فكان الموعد بعيدا في مستشفى المحافظة فأخذته إلى محافظة وأخرى وكنا في رمضان وعندي سوسن صغيرة، فقرر الطبيب أن يحجز في المستشفى وأن تجرى له العملية، فأقمت معه، وفي كل مرة يتم تأجيل العملية لوجود حالات طارئة حتى ذات يوم اجتمع عليه مجموعة من الاطباء وقرروا ان الوضع لا يستدعي إجراء عملية، وكلما كبر كانت حالته أفضل، وتم إخلاء سبيلنا، وقبل العودة قلت أعالجه عن التبول في فراشه ليلا، وعرضته على الطبيب هناك، وأخبرني بضرورة أخذ أشعة على أسفل الظهر، فربما وجود فجوة هناك يكون سبب هذه الحالة.
ذهبت به إلى مكان الأشعة، وأعطاني الفني خمس حبات لتنظيف الامعاء قبل إجراء الأشعة، فاستنكرت ذلك وقلت له الأشعة لهذا الطفل(الصف الرابع) فهل أعطيه كل هذه الحبوب، فأكد لي ضرورة أخذها كلها دفعة واحدة بعد وجبة العشاء.
انصرفنا من المستشفى عند الظهر ووصلنا عصرا، بعد أن قررت إجراء الأشعة في المركز الصحي في ولايتنا، وأخذنا ورقة من الطبيب، وبعد تناول وجبة العشاء شرب الدواء، وبعد قليل بدأت الأعراض تظهر عليه، ولم ينم في تلك الليلة لشدة ما يعاني من آلام في بطنه ولكني كنت أقول له: تصبر، ومن الضروري أن تكون أمعاؤك خاوية، واشرق علينا الصباح وخرج والده إلى العمل، في المدرسة القريبة من البيت، وشرعت في الاستعداد للذهاب إلى المستشفى لإجراء الأشعة، وهنا سمعته يصرخ في دورة المياه، فأسرعت إليه فرأيت الدماء تسيل من فمه وتجري مع الإسهال أيضا، فطار صوابي وانطلقت إلى الهاتف لطلب المساعدة من الأب، فاجأني برده انه مشغول وعنده حصة، عندها جريت إلى بيت أهلي وجئت بزوجة اخي لتساعدني في أمره، نظفته وغيرت ملابسه، وحملته وزوجة اخي لنضعه في بطانية، وحملناه إلى السيارة، فأذنت لها بالإنصراف إلى بيتها وأولادها.
وصلت به المستشفى وحملته على كتفي إلى الطوارئ، فرآه الطبيب الحاذق فقال عودي به إلى عيادة الأطفال فحملته إلى المركز الصحي من جديد على كتفي وجلسنا ننتظر دوام طبيب الأطفال وحالته تزداد سوءا. حضر الطبيب ودخلنا وعندما رآه قال لي: هذه حالة تستدعي قسم الطوارئ حالا، حملته من جديد وعدت به إلى المستشفى في مقابل المركز الصحي، وأخبرت طبيب الطوارئ بما قال طبيب الأطفال، فبدأ الكشف عليه، فوجده قد وصل إلى حالة الجفاف، حتى إنه لم يجد له عرقا إلا بشق الأنفس حتى يعطيه المحلول الوريدي. ساعتها تلاشى العالم تماما من أمام عيني، وطار فؤادي من شدة الخوف عليه.
قرر الطبيب أن يلزم عمر المستشفى، فجلست معه، ومر الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولم يسأل أبوه عنه حتى بمكالمة هاتفية، وبعد صلاة التراويح حضر مع بقية الزوار، وما زاد على قوله: هل شفيت؟ وجلس مع هاتفه حتى غادر المستشفى مع بقية الناس. أقمنا أياما في المستشفى ومع هذا كنت أعود البيت ظهرا؛ لأعد طعام الإفطار له، لأنه يرفض أن يأخذ إفطاره من بيت أهلي، وأعود إلى ولدي بعد صلاة المغرب، بعد استقرار حالته.
للحديث بقية
رد مع اقتباس