عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 29-10-2013, 05:15 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...ما كانَ ( الموْتُ )-أختي الكريمة البديعة ذكرى-عَدَماً،يَطيشُ معه إحساسُ المؤمِن إلى دهاليز الرِّيبةِ وهواجس الحيْرَةِ الهوْجاءِ التي عَصفتْ-وما تزالُ تعْصِفُ-بأفكار الدهريينَ في كل زمانٍ ومَكانٍ...(( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إلاَّ يَظُنُّونَ ))..!!

كل يومٍ ينتقلُ إلى العالم الآخر أفواجٌ وأفواجٌ من البشر،انتهى عُمْرُهُمُ الافتراضيُّ في أجلٍ مَحدودٍ،لا يستقدمُ ساعة ًبهمْ ولا يستأخرُ...

ولمَّا كان الموتُ نقلة ًمن عالـَمٍ إلى عالـَمٍ آخرَ،فلا ريْبَ أنه ليسَ انقطاعاً لإحساساتنا بالوجودِ بقدْرِ ما هوَ امتدادٌ لذلكَ الإحساس على نحْوٍ أكثرَ وَعْيًّا وأشدَّ صحْواً ويَقظة ً..!!

وما أحكمَ قولَ الإمام علي بن أبي طالبٍ-كرَّمَ اللهُ وجْهَهُ-حينَ هَمَسَ به للأحياءِ الغافلين :

(( الناسُ نيَامٌ..إذا ماتوا انتبَهوا...!! ))...

ويُعجبني دائماً أن أرددَ في هذا المَقام بيْتيْن من قصيدةٍ لشاعر اللزومياتِ ورَهينِ المِحبسَيْن أبي العلاءِ المَعَرِّي،رثى بها فقيهاً حنفيًّا..أراهُما-في تقديري المتواضع-أنضرَ وأجلَّ وأصدَقَ ما قالَ أبو العلاءِ في شِعْرِهِ الفلسفيِّ كله...يقولُ :

خـُلِقَ الناسُ للبقاءِ فضلتْ ** أمَّــــة ٌيَحسبونـهمْ للنفادِ
إنما يُنقلونَ من دار أعمالٍ ** إلى دار شِقوَةٍ أو رَشادِ..!!


وما من شكِّ-أختي الكريمة-وقد فضفضتِ لنا بهذه الرقيقةِ الوجدانيةِ الإيمانيةِ الفيْحاءِ أن العَزاءَ الوحيدَ من حُرْقةِ الفراق والبين الذي يترتبُ عن فِطام الموتِ بين الأحبةِ في الدنيا،هو في هذا الرجاءَ اليَقيني في حَظوَةِ اللقاءِ بهمْ هناك..في عَرَصاتِ القيامةِ..في الملأ الأعلى..في دار البقاءِ عنده سبحان مَنْ لهُ البقاءُ والدوامُ...

وما أعظمَهُ موْقِفاً ونحنُ نقرأ في سيرةِ سيدِنا بلال بن ربَاحٍ،مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفَ أنَّ بـِشْراً من نضارةِ الإشراقِ والحبور والسعادةِ علتْ مُحيَّاهُ-رضي الله عنه وأرضاه-لحظة النزْع والغرغرة..وتسأله زوجته،فإذ بهِ يَهمِسُ لها : (( غداً ألقى الأحِبَّه..محمداً وصَحْبَهْ...!!! ))...

نعَمْ أختاه...إنه ليسَ تجسيداً لوهْمٍ أرعَنٍ حينَ نؤمنُ بلقيَا الخلودِ..هناكَ في رحلةِ الخلود...

وإنه ليسَ ترجيعاً لهواجس الحيْرةِ والقلق-التي تنتابُ المُلحدينَ والدهريينَ-فنناجي في رحلةِ خلودنا الأبدية حقيقة ً،ترانا ولا نراها،وتدركُنا..أو لِنقـُلْ ؛ تفاجئنا دونَ أن نتكيَّفَ معَ اليقين الراسخ بها..

لاَ..لاَ..ومَعاذَ اللهِ..!!!

إنه يَقينٌ..وعيْناهُ عن فِكْر ثاقبٍ وعقلٍ راشِدٍ وإيمانٍ نابعٍ مِنْ أنوار الفهْمِ وحقائق العِلمِ التي تحررتْ من أغلال الجهل وأصفادِ الانطماس وانطلقتْ-بضياءِ اليَقينياتِ الكبرى-تتعرفُ على أسرار السنن الربانيةِ ونواميس الوجودِ التي أقامَ عليها الباري عز وجلَّ سُرادقاتِ الحياة..وما بعْدَ الحياة...

أرتلُ نجْواكِ هذه-أختي-ومشاعري المؤمنة تتخافقُ والمعاني النضِرَة التي نسجْتِها كجسْرٍ عابرٍ،يَصلُ بين الأحياءِ والراحلين الحُداة،فتهفو النفسُ إلى انبعاثٍ حَياتيٍّ آخرَ،حيث تتحررُ من أسْرِ الطين وثقلةِ الجسدِ الذي ارتهنها إلى حين...

وما أدري-وأنا أسجلُ إعجابي وتفاعلي بما كتبْتِ-لِمَ دار في خلـَدي بيتٌ من ( مِيمِيَّةِ ) الإمام ابن القيِّم رحمه الله في ( حادي الأرواح...) :

فحَيَّا على جناتِ عدْنٍ فإنها ** منازلكَ الألى وفيها المُخيَّمُ..!!

ربما رقائقُ المعنى التي تقاطرتْ من خلاصاتِ ما طرَّزْتِ لنا..كانتْ في شِغافِنا سَلسَلاً من سلسَلٍ...!!!

حيَّاكِ اللهُ دائماً وبيَّاكِ أختي الفاضلة...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 04-11-2013 الساعة 10:38 PM
رد مع اقتباس